القراءة التحليليَّة: الآية الأولى في قانا الجليل.

 

القراءة التحليليَّة:

الآية الأولى في قانا الجليل

الموضوعات اللاهوتيَّة وأوَّلها خبر قانا الجليل، تبدو صعبة. لهذا نعيد بناء ما حصل، ونفهم لماذا كان ما كان. هناك بعض الشرّاح يفكِّرون أهي رواية تقليديَّة أساسيَّة، أم هي قصَّة من استنباط الكاتب من أجل هدف لاهوتيّ؟ لا شكَّ في أنَّ الذين ينكرون مكانة العجائب، يشكُّون في أخبار العجائب المرتبطة بيسوع. ولكن لماذا شكُّوا بمعجزة قانا أكثر من غيرها؟

سبع آيات عجائبيَّة أوردها يوحنّا، ومنها ثلاث تلتقي مع ما ترويه الأناجيل الإزائيَّة. وثلاث تقع في نمط نجده عند الإزائيّين. وحدها معجزة قانا لا نجد ما يوازيها في التقليد الإزائيّ. عندئذٍ أشار بولتمان إلى تأثير وثنيّ في تكوين الخبر، ولاسيَّما تأثير عبادة ديونيسيوس، إله الخمر. فعيدُ ديونيسيوس يُحتفل به في اليوم السادس من شهر كانون الثاني، ساعة قراءة قانا صارت جزءًا من قراة عيد الظهور الإلهيّ (الدنح) الذي نحتفل به في السادس من كانون الثاني: خلال العيد، العيونُ (= الينابيع) في الهياكل تصبُّ الخمر بدل الماء.

خبر لا بأس به من أجل الكلام عن عيد الظهور الإلهيّ، الذي كان في بداية الكنيسة، عيد الميلاد. ونحن لا ننسى أنَّ عيد الميلاد في 25 كانون الأوَّل حلَّ محلَّ عيد وثنيّ، هو عيد الشمس. ولكن أن يكون خبر ديونيسيوس أساسَ الخبر اليوحنّاويّ، فهذا أمرٌ غريب. ويوحنّا قدَّم سبع معجزات، وهي آتية من التقليد اليهوديّ، فلماذا كانت واحدة من خارج هذا التقليد؟ لماذا يختلف تحويل الماء خمرًا عن تكثير الأرغفة؟ عن الاثنين نجد صدى في تقليد إيليّا وإليشاع. خبر تكثير الخبز يجد خلفيَّته في 2مل 4: 42-44، وتقابل الخمرُ الزيتَ الذي قدَّمه إيليّا (1مل 17: 1-16) وإليشاع (2مل 4: 1-7) لأناس في الحاجة. بالإضافة إلى ذلك، كان العالم اليونانيّ يتحدَّث عن المعجزة. أمّا في قانا، فما قيل لنا كيف تحوَّل الماء ومتى، بل كشف لنا أنَّ الماء صار خمرًا.(1)

2: 1 في اليوم الثالث. τη ημερα τη τριτη. اعتبـر تيودور المصيصيّ CSCO 116: 39 أنَّ هذا هو اليوم الثالث بعد مشهد العماد (1: 29-34)، مع اليوم الأوَّل المذكور في 1: 35 واليوم الثاني في 1: 43. تفسير ممكن. وهناك شرّاح عديدون ينطلقون من يوم دعوة فيلبُّس ونتنائيل، بحيث إنَّ هذا اليوم والذي يليه (وربَّما دخل يومان) قضاهما يسوع في مسيرة من وادي الأردنِّ إلى الجليل. بما أنَّ معجزة قانا الثانية حصلت »بعد يومين« (6: 43)، اعتبر بعضهم أنَّ اليوم الثالث إشارة رمزيَّة إلى القيامة. رج هو 6: 2: »يحيينا بعد يومين، وفي اليوم الثالث يقيمنا فنحيا«.

عرس γαμος. هو احتفال فيه يأخذ أصدقاء العريس العروس إلى بيت الزوج. وبعد ذلك، تأتي الوليمة. ويمتدُّ العرس سبعة أيّام (قض 14: 12؛ طو 11: 19)، كما كان الأمر حتّى القرن التاسع عشر بل العشرين في بلادنا. وأوصت المشناة (كتوبوت 1) بأن يكون عرس العذراء يوم الأربعاء. هذا يتوافق مع فرضيَّة تقول إنَّ 1: 39 سبق مباشرة يوم السبت: فما حصل في آ41-42 يكون ليلة السبت الأحد. ثمَّ 1: 43-50 ليلة الأحد الاثنين، وليلة الاثنين الثلاثاء كان اليوم الثاني في السفر. ووصل يسوع إلى قانا مساء الثلاثاء، أو صباح الأربعاء.

في هذا الخطّ، قابل عدد من الشرّاح Bernard, Boismard, Strathman… يو 1: 19-2: 1 مع أيّام الخلق في تك 1: 1-2: 3.

الأربعاء، اليوم الأوَّل (1: 19-28) شهادة المعمدان حول دوره

الخميس، اليوم الثاني (1: 29-34) شهادة المعمدان حول يسوع

الجمعة، اليوم الثالث (1: 35-39) التلميذان الأوَّلان يتبعان يسوع

ليلة السبت الأحد، اليوم الرابع (1: 40-42) سمعان بطرس أتى إلى يسوع

الاثنين، اليوم الخامس (1: 43-50) فيلبُّس ونتنائيل وبداية السفر إلى الجليل

الثلاثاء، اليوم السادس، تكملة المسيرة إلى الجليل.

ليلة الثلاثاء الأربعاء، اليوم السابع (2: 1-11): يسوع في عرس قانا.

قانا. ذكر يوحنّا هذه القرية (21: 2). ويوسيفس في السيرة 16. صار هذا الموقع موضع حجّ في العصر الوسيط مع اسم كفركنّه التي تبعد قرابة 5 كلم إلى الشمال الغربيّ من الناصرة. لا يمكن أن تصبح قانا كفركنّا. فقيل خربة قانا التي تبعد قرابة 15 كلم إلى الشمال من الناصرة، والتي تُبقينا في أصول الكلمة، وتوافق قولَ يوسيفس. وكان رأي ثالث يتحدَّث عن قانا في جنوب لبنان، الواقعة في قبيلة أشير، بحسب أوسابيوس والأسمائيّات وجيروم. تفرَّد يوحنّا ولوقا (لو 4: 14-16)، فتحدَّثا عن نشاط يسوع في الجليل قرب الناصرة بعد العماد. أمّا مرقس ومتّى فجعلا خدمة يسوع تبدأ على بحر الجليل.

أمُّ يسوع. η μητηρ του ιησου. في الأصل الساميّ، حين ترتبط الأمّ بابنها يُعتبر هذا الارتباط كرامة لها. ويوحنّا لم يدعُ أمَّ يسوع مريم، كما فعل متّى أو لوقا. ويمكن أن نتكلَّم على مستوى البتوليَّة: مريم وحدها ولدت يسوع بقدرة الروح القدس.

كانت هناك.εκει . هناك تقليد منحول يعتبر مريم خالة العروس، وهو تقليد لاتينيّ يعود إلى القرن الثالث، فيماهي بين العريس ويوحنّا ابن زبدى. كل هذا يرتبط بتقليد يجعل سالومة، زوجة زبدى وأمّ يوحنّا، شقيقة مريم، بحيث يصبح يوحنّا ابن خالة يسوع (19: 25: أمُّه وأخت أمِّه، سالومة). وحضور يسوع يجعل الأمر مستحيلاً، إلاّ إذا أتت الدعوة من نتنائيل الذي هو من قانا.

آ2. تلاميذه οι μαθηται αυτου. نفترض أولئك الذين دعاهم في ف 1 (هم أربعة، وكأنَّهم يمثِّلون العالم في آية يسوع الأولى). هم اعتادوا أن يتبعوا يسوع. تركوا طريق المعمدان النسكيَّة إلى حياة عاديَّة مع يسوع (لو 7: 33-34: جاء يوحنّا لا يأكل الخبز ولا يشرب الخمر... جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب). دعا يوحنّا هؤلاء »تلاميذ«، وتحاشى لقب رسول، تاركًا استعماله إلى ما بعد القيامة.(2)

آ3. وفرغت الخمر υστερησαντος οινου. تلك هي القراءة القصيرة. ولكنَّ بعض الشرّاح فضَّلوا القراءة الطويلة Lagrange, Braun, Bultmannm Boismard. كما نجدها في الكودكس السينائيّ وفي اللاتينيَّة العتيقة: »والآن ليس لهم خمر، لأنَّ الخمر المعدَّة للعيد نفدت«. غير أنَّ برديَّتَيْ بودمر احتفظتا بالصيغة القصيرة.

قالت أمُّ يسوع له. لماذا اهتمَّت مريم بالوضع، في شكل خاصّ؟ ولماذا توجَّهت إلى يسوع؟ ظنَّ كثيرون أنَّها طلبت المعجزة. ولكن لا نعرف معجزات سابقة أجراها يسوع (هي الآية الأولى). ولا شيء في العهد القديم يصوِّر المسيح إلى انتظار أعمال عجائبيَّة من أجل الأفراد (ولكن رج 7: 31). قد نفهم انتظار المعجزات لو أنَّ يسوع اعتُبر نبيٌّا مثل موسى أو إيليّا اللذين نسب إليهما العهد القديم معجزات. وهكذا رفض شرّاح كثيرون من جميع الطوائف Gaerchter, Braun, Van de Bussche, Boismard, Charlier… القولَ بأنَّ مريم انتظرت المعجزة(3). بل اعتبروا أنَّ مريم لم تسأل شيئًا، بل أوردت وضعًا ميؤوسًا منه. غير أنَّ جواب يسوع الذي رفض أن يتدخَّل، يدلُّ بالرغم من كلِّ شيء، أنَّ شيئًا طُلب منه.

خمرٌ ما لهم. في تكثير الأرغفة للعالم الوثني (مر 8: 2؛ رج مت 15: 32) قيل: »لا طعام لهم«.

آ4. يا امرأة. γυναι هو ما »زَجر« أمَّه، ولا قلَّل التهذيب معها، ولا دلَّ على غياب العطف والمودَّة (19: 26، استُعمل اللفظ في ساعة موته). تلك هي طريقة عاديَّة في كلام يسوع مع امرأة (مت 15: 28؛ لو 13: 12؛ يو 4: 21؛ 8: 10؛ 20: 13). وهو أمر نجده أيضًا في الكتابات اليونانيَّة. ما هو خاصّ هو استعمالγυναιi وحدها (دون لقب يرافقها أو صفة) من ابن إلى أمِّه (وهذا أمر لا نجد مثله لا في العالم العبريّ ولا في العالم اليونانيّ). من الأكيد، ليست محاولة لرفض علاقة الابن مع أمِّه، ولا لتخفيف قيمتها، لأنَّ مريم تُدعى أربع مرّات »أمَّ يسوع« في آ1-12 (مرَّتين بعد أن قال لها يسوع: يا امرأة). كلُّ هذا يقودنا إلى استشفاف معنى رمزيٌّا لهذه التسمية. هناك من ترجم »يا أمّ« فأضعف معنى النصّ، وترك الأمانة للغة.

ما لي ولك. أو: أيَّة علاقة بيني وبينك في هذا الأمر؟ ذاك أسلوب يوحنّا في استعمال العبارات الآراميَّة(4). في العهد القديم، تحمل العبارة العبريَّة وُجهتَين على مستوى المدلول. الوجهة الأولى، حين يزعج واحدٌ آخر. فالشخص الذي نال الإساءة يقول: ما لي ولك؟ ماذا فعلت لك لكي تفعل لي هذا؟ ما هو موضوع الخلاف بيننا؟ (قض 11: 12؛ 2أخ 35: 21؛ 1مل 17: 18). الوجهة الثانية: حين يَطلب شخصٌ من واحد أمرًا لا علاقة له به، يستطيع أن يقول للطالب: »ما لي ولك؟« هذا شغلك، والأمر لا يعنيني (2مل 3: 13؛ هو 14: 8). وفي الحالين، يكون رفضٌ في تصرُّفٍ في غير وقته، أو اختلاف في النظرة بين شخصين معنيّين بالأمر. وهذا يتضمَّن إمّا عداوة، أو رفض تدخُّل. نجد وجهتَي المعنى في استعمال العهد الجديد. كلام إبليس ليسوع (1: 24؛ 5: 7). ثمَّ هنا: الأمر لا يعنينا. من اللافت أن يكون بعض آباء الكنيسة اليونانيَّة فسَّروا يو 2: 4 في المعنى الأوَّل، واعتبروا أنَّ يسوع »زجر« أمَّه. فكأنَّه يقول لها: »لماذا تتدخَّلين في ما لا يعنيك؟«(5). ونطرح رأيًا: بما أنَّ مريم تمثِّل شعبها، فهي تبدو وكأنَّها تطلب كما اعتاد الشعب أن يطلب في البرِّيَّة. ودرس ميشو(6) العبارة كلَّها. كما أنَّ البعض حاولوا أن يُدخلوا اختلافة »التهرُّب« في تفسير يوحنّا. في 2صم 16: 10 (داود يتحدَّث إلى بني صروية). »ما لي ولكم« تعني: لماذا تتدخَّلون؟ اهتمّوا بما يعنيكم. فاقترح بعضهم بأنَّ يسوع قال لمريم: هذا يعنيه ولا يعنيها. ولكن بما أنَّه تحدَّث عن »ساعته«، فيبدو أنَّه يدلُّ أنَّ الأمر لا يعنيه هو وأنَّ التدخُّل ليس من شأنه.

لم تأتِ ساعتي بعد. كانت ترجمة قديمة: »هل أتت ساعتي الآن؟« كما عند غريغور النيصيّ وتيودور المصيصيّ. واستعادها بوامار وميخل(7). لا شكَّ في أنَّها بُنية ممكنة حين تبدأ الأداةُ ουπω العبارة (رج مر 8: 17 لماذا تفكِّرون). غير أنَّ لفظ ουπω يرد 12 مرَّة في يوحنّا، وفي سائر الاستعمالات هو في صيغة النفي. ويمكن هنا أن نقابل مع 7: 30 (لأنَّ ساعته ما جاءت بعد) و8: 20 ( لأنَّ ساعته ما جاءت بعد) لكي نتأكَّد أنَّ العبارة هنا نافية، لا استفهاميَّة. وهذا ما يقابل النافية الضمنيَّة: ما لي ولك؟ أي: لا يعنيني ولا يعنيك.

ساعتي. η ωρα μου لفظ يوحنّاويّ يدلُّ على حقبة الحاشّ والآلام والموت، والقيامة والصعود. نشير إلى أنَّ لفظ ωρα ورد 26 مرَّة في الإنجيل الرابع. في سائر الأناجيل، الساعة تدلُّ عادة على ساعة في النهار. عند يوحنّا، تدلُّ على فترة خاصَّة في حياة يسوع. مرَّة يقول: لم تأتِ أو هي آتية (2: 4؛ 4: 21، 23؛ 5: 28-29؛ 7: 30؛ 8: 20؛ 16: 2، 25، 32). ومرَّة يقول: أتت الساعة (تحقَّق الأمر). رج 12: 23، 27؛ 13: 1؛ 17: 1. قد يكون اللفظ مع أل التعريف (الساعة) أو مع الضمير (ساعتي، ساعته أي ساعة يسوع)، أو في صيغة النكرة ωρα فقط. تدلُّ الصيغة الأولى على فترة خاصَّة في حياة يسوع، فترة محدَّدة في 13: 1: ساعة العودة إلى الآب وهذه العودة تتمُّ في الحاش والآلام والموت والقيامة، وتمتدُّ من أحد الشعانين إلى أحد القيامة، لهذا قلنا الحاش   ܚܫܐ السريانيَّة، مشيرين إلى الأسبوع الذي يقال في اللغة اللاتينيَّة passio وفي الفرنسيَّة passion. نلاحظ تنبيهًا بأنَّ هذه الساعة تتضمَّن توقيف يسوع وموته في 7: 30 و8: 20. المرَّة الأولى حيث قال يسوع إنَّ ساعته أتت (12: 30)، كانت بعد دخوله الظافر إلى أورشليم. في ذلك الوقت، قرَّر المجلس الأعلى أن يقتله. مُسِحَ من أجل موته، وكان مجيء اليونانيّين إلى يسوع، إشارة بأن مخطَّط الخلاص الإلهيّ يتنفَّذ. وبما أنَّ هذا الخلاص لا يتمُّ إلاّ عبر موت يسوع وقيامته، فقد عرف يسوع أنَّ هذه الساعة قريبة. وأنَّها تضمُّ القيامة والصعود إلى الآب (12: 23؛ 17: 1) حيث التمجيد هو غايةُ الساعة.

والمقاطع مع ωρα بدون أل التعريف، هل ترتبط بساعة يسوع؟ يبدو أنَّها تطبِّق ساعةَ يسوع على الذين آمنوا به. مثلاً، هناك أربعة مقاطع: تأتي ساعة. في 4: 21، هذه الساعة آتية لكي تبدِّل العبادة لله حيث تخسر أورشليم دورها وجرزيم معها. في 5: 28-29 هو كلام عن قيامة الأجساد. في 16: 2 هو كلام عن الاضطهاد. وفي 16: 25، فهم كلمات يسوع بعون الروح القدس.

وهناك ثلاثة مقاطع تقول: الساعة هي الآن. والساعة أتت. هي الآن وما أتت بعد. في 4: 23، الساعة آتية وحاضرة حيث نعبد الآب بالروح والحقّ. في 5: 25، هي عطيَّة الحياة الأبديَّة. وفي 16: 32، كلام عن تشتُّت الرسل.(8)

ونعود إلى 2: 4. فمحاولة فهم »الساعة« في هذه الآية، في بداية رسالة يسوع، أو في تمجيد يسوع عبر المعجزة الأولى، تُفهَم بالنظر إلى السياق. وهي تجعلنا في تعارض مع سائر استعمال يوحنّا لهذا اللفظ، ورد حين يتكرَّر اللفظ في 7: 6، 8، 30: 8: 20 بأنَّ زمن يسوع (أو ساعة يسوع) لم يأتِ. وخصوصًا يمكن أن يُرذَل هذا الاقتراح بأنَّ ساعة المعجزات قُدِّمت، حين طلبت مريم من يسوع. ففي فكر يوحنّا، الساعة ليست في يد يسوع، بل في يد الآب (12: 27؛ رج مر 14: 35)، وكأنَّ سلطة يسوع محدَّدة.(9)

آ5. مهما يقل لكم افعلوا. جاءت تعليمة مريم صدى لتعليمة الفرعون في تك 41: 55: »امضوا إلى يوسف وافعلوا ما يقول لكم«. رأى بعضهم(10): »إن قال لكم أيَّ شيء، ومهما يكن، فافعلوه«. لا بأس بهذه الفكرة المشوِّقة، ولكن لا شيء يبرِّرها حقٌّا في اليونانيَّة. بدت مريم أنَّها لا تشكُّ في أنَّ يسوع يتدخَّل، ولكنَّها لا تعرف الطريقة التي بها يتدخَّل.

آ6. ستَّة أجران. الستَّة هي سبعة ناقص واحد. يعني هو النقص الذي يكمِّله يسوع. تُذكَر أجران الحجارة في خر 7: 19 ساعة حوَّل موسى ماء المصريّين دمًا. رمزان معقولان. والكلام عن التطهير يعود إلى لا11: 29-38: »إذا كانت نجسة، وجب أن تطهَّر. وإن كانت من الطين تُكسَر«. رج مر 7: 3-4 والكلام عمّا يفعله اليهود من أجل الطهارة.

مكيالين أو ثلاثة. كمِّيَّة كبيرة جدٌّا. فالله حين يعطي، يُفيض عطاياه. شرب أهل العرس، وبقي خمر للكنيسة إلى نهاية الأزمنة.

ا8. استقوا. αντλησατε يُستعمَل هذا الفعل عادة للكلام عن البئر. واقترح بعضهم أنَّ ينبوع الماء هو بئر لا جرن. هذا الاقتراح يعارض السياق فلا يُعقَل أن يكون الخدم ملأوا الجرار بهذه الكميَّة الكبيرة. فيسوع جعلهم يستقون من البئر. كما ظنَّ كثيرون أن يكن يسوع بدَّل كلَّ هذا الماء إلى خمر. وحاول بعضهم تجنُّب الصعوبة فاقترحوا(11) أنَّ الماء الذي أُخذ من الأجران تحوَّل فقط إلى خمر. ولكنَّ هذا ليس معنى الخبر.

رئيس المتَّكا. αρxιτικλινω. في الأساس، هو العبد المسؤول عن ترتيب الوليمة، وما نقرأ هنا لا نجد ما يوازيه بالنسبة إلى الوظيفة التي يشير إليها يوحنّا. أيكون ذاك »الحكَمَ في الشرب«arbiter bibendi، الذي عرفه العالم اليونانيّ، فيوقف الشراب أو يبدِّله حين يحسُّ أنَّ المدعوّين سكروا؟ ورأى آخرون أنَّه »رئيس« المائدة وضيف الشرف فيها، كما في سي 32: 1: »إذا رأَّسوك على المائدة فلا تتكبَّر«. عندئذٍ لا يكون هذا خادمًا على المائدة، بل ضيف اختاروه لقربه من العريس.

آ10. كلُّ إنسان... لا نجد دليلاً على هذه القاعدة، ولكنَّها ممارسة معروفة. فالمهمَّ لا في نوعيَّة الخمر، بل في شهادة رئيس المتَّكأ على المعجزة.

آ11. أظهر مجده εξαρνεωσεν την δοχαν. رج 12: 23 (الساعة التي فيها يتمجَّد)؛ 17: 24 (ما أعطيتني من المجد). عند يوحنّا، مجد المسيح الحقيقيّ يُكشَف فقط في »الساعة«. بما أنَّ 7: 39 (يسوع ما تمجَّد) أعلنت بوضوح أنَّ يسوع لم يمجَّد خلال خدمته، نظنُّ هنا أنَّ آ11 تشير إلى تجلٍّ جزئيّ لهذا المجد، أو جزء من ممارسة الرسل حيث الإنباء بمسيرتهم كلِّها بما فيها نظرة إلى مجد يسوع القائم من الموت.

آ12. بعد هذا μετα τουτω. بعد هذا الذي حصل من معجزة. لسنا أمام أمرٍ غامض μετα ταυτα.

نزل. κατεβεη. قانا هي على تلَّة. وكفرناحوم في الأسفل عند بحر الجليل.

إخوته. جعلت المخطوطات الضمير »الهاء«: هم إخوة يسوع. أمّا برديّات بودمر فتركت الضمير، وقالت فقط: »الإخوة«. أعطى التقليد الإزائيّ أسماء هؤلاء الإخوة: يعقوب، يوسي أو يوسف، سمعان، يهوذا (مت 13: 55؛ مر 6: 3)، لا يوحنّا. αδελξοi هل هم إخوة الدم؟ يقول اليونانيّ: نعم. أمّا في العبريّ، فالأخ يعني الأخ والأخت من أبٍ آخر وابن العم والصهر. استعملت السبعينيَّة αδελιος في أكثر من معنى(12). والمسيحيّون الذين أخذوا بالتقليد الأوَّل الذي يقول بأنَّ مريم لبثت عذراء، اعتبروا هؤلاء الإخوة، أنصاف إخوة: أولاد شقيق يوسف أو أولاد شقيقة مريم (مثلاً، جيروم). قال الشارح الأنغليكانيّ برنارد 1: 85: »من الصعب أن نفهم كيف نما التعليم حول بتوليَّة مريم في القرن الثاني مع الدور الكبير الذي لعبه »إخوة« يسوع، ومنهم أسقف أورشليم«.

وتلاميذه. سقطت هذه اللفظة من الكودكس السينائيّ والترجمات القديمة. بعضهم اقترح أن يكون »الإخوة« هم »التلاميذ« (يو 20: 17)، فجاء ناسخ وأضاف التلاميذ كفئة ثانية. ونحن نتساءل: كيف ضُمَّ إخوة يسوع الذين بدوا غير مؤمنين (7: 5) خلال خدمة يسوع كما يقول الإنجيل، إلى أمِّه وتلاميذه الذين آمنوا به؟!

اقاموا εμειναν. اعتبر ناسخ أنَّ صيغة الجمع الأصيلة جاءت لتدلَّ أنَّ يسوع مضى مع تابعيه. فحوَّلها إلى المفرد، تماشيًا مع 2: 13 حيث يمضي يسوع وحده إلى أورشليم: وصعد يسوع ανεβεη

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM