تقديم.

 

الرابطة الكتابيّة، 2007،

قراءة الربّيّة، 29

الخوري بولس الفغالي

تقديم

تروي الأخبار القديمة أن أحد الجنود ترك الجيش بعد الانتصار حالاً، وركض وأسرع. وبشّر الملك: تمّ كل شيء واندحر العدوّ. وما إن حمل هذا البلاغ المفرح حتّى سقط ميتًا. ولكن لا بأس، قال أهله: توفّي وهو يحمل بشرى، يحمل الخبر الطيب.

فالبشرى ترتبط بالبِشر وبشاشة الوجه. والبَشوش يكون طلق الوجه منشرحًا، ضاحكًا. وحامل البشرى يكون حسن الوجه، نضرًا، جميلاً. من أجل هذا يختاره الملك. يختاره الشعب لكي يبلّغ، لكي يوصل. صوته يصل إلى البعيد في صفاء ونقاء. يُعرَف بالعصا التي يستند إليها. أو بالصولجان الملكيّ الذي يعطيه سلطة ما فوقها سلطة سوى ذاك الذي سلّمه سلطانه. من أجل هذا، هو شخص مقدَّس، لا يحقّ لأحد أن يمسَّه.

المبشّر هو المنادي. من بعيد يُطلق الصوت. من بعيد يصيح بالناس. يقف على السور فيرى. أو يكون في قلب المعركة فيعلم قبل سواه. ما لا يعرفه الآخرون يعرفه هو، لأنه يدخل في سرّ الملك، ويُظهر للشعب هذا السرّ. الملك آتٍ فاستعدّوا للقائه. وإذا كان الملك خيّرًا، يأتى البلاغ الذي يحمل كالندى في حرّ الصيف. يرطّب الأجواء ينعش العشب الذي كاد ييبس. وفي هذا يقول المزمور: تسقي (يا رب) وحوش البرّ، وتكسر الفراء عطشها.

تلك هي بُشرى الأرض. فما تكون بُشرى السماء. فرحُ الأرض يملأ القلب، وهو محدود بمحدودية الانسان. أمّا فرح السماء فلا حدود له. لهذا هتف النبيّ الاشعيائي: »ما أجمل على الجبال أقدام المبشّرين، المنادين على مسامعنا بالسلام، الحاملين بشارة الخير والخلاص«. ولماذا هذا النداء؟ لأن الرب عاد إلى أرضه ومدينته. هو الملك في أورشليم، ويبقى الملك. تركها فترة لكي يرافق الماضين إلى المنفى. وها هو يرجع معهم. لهذا، يطلق النبي الهتاف: »إسمعي! حرّاسك يرفعون أصواتهم ويُنشدون جميعًا، لأنهم ينظرون بأم العين رجوع الرب إلى المدينة المصونة«. وقف الحرّاس على الأسوار. رأوا في البعيد الرب كملك يسير أمام العائدين من البعيد. هتفوا. رنّموا. فذراع الرب القديرة تحمل خلاصًا تراه أطراف الأرض كلها.

هي بشرى. بل بشرى البشارات. هي أجمل بشرى. وسوف تصبح في اللغة اليونانية: انجيل. خبر خلو. خبر طيّب. سمعناه من فم الملائكة يوم ميلاد المخلص: أبشرّكم بخبر عظيم يفرح له جميع الشعب. أحمل إليكم بشرى. انجيلاً: وُلد لكم مخلّص هو المسيح الربّ. فما أجملها بشرى بدأت مع ابراهيم رجل الايمان، فوصلت إلى الذروة مع يسوع المسيح، وامتدّت في الكنيسة وفي قلوب المؤمنين، ولا تزال حاضرة تحمل إلى كل واحد منا الفرح الذي يرتبط بالبشارة الحلوة.

ذاك هو موضوع الكتاب الذي نقدّم. إلهنا واحد. ولكنه عيلة. مفتوحة على البشريّة كلها. وهو يتطلّع إلى يوم يجمع فيه، بواسطة المسيح »كل ما في السماوات وفي الأرض«. وهذه العيلة هي الكنيسة. هي أم. تلد الاولاد في جرن العماد. تغذّيهم بجسد المسيح ودمه. وترافقهم أفرادًا وجماعات. وتؤمّن لهم المناخ الذي فيه يسمعون نداء الرب، ويتجاوبون مع هذا النداء، في حوار مع ذلك الذي جاء يبحث عن كل واحد منا، لنكون في الحظيرة الواحدة، بإمرة الراعي الواحد.

كتاب مفتوح أمامنا. هلاّ نأخذ ونقرأ فيصل إلينا بعض الضوء ممّن هو نور العالم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM