مئة رجل وعشرون رغيفًا.

 

مئة رجل وعشرون رغيفًا

2مل 4: 42-44

وجهُ أليشع هو وجه الخلاص. فاسمه يعني: إلهي يخلّص. وما يحمله من بركة يصل في الدرجة الأولى إلى الفقراء والمساكين، إلى اليتامى والأرامل. أرملة سوف يُباع أولادها بعد أن مات زوجها وتكاثرت عليها الديون. أعطاها النبيّ زيتًا فوق زيت. فباعته ودفعت دينها للمرابين واستعادت أولادها. رجل يصنع له بيتًا بخشب يقطعه في الغابة. سقطت الفأس، وكانت ثمينة جدٌّا في تلك الأيّام. فما امتلكها الفقير بل استعارها من جاره. سقطت في الماء. ولكن مع أليشع عام الحديد فوق سطح الماء. وفي أيّ حال، إن ساعد أليشع نعمان السوريّ، فما فعل قبل أن يصير من »مساكين الربّ« الذين يخضعون لكلمته ولو كانت عاديّة: اغتسل بماء الأردنّ. لو بقي في رفضه لهذا العمل البسيط لما كان شفي. وما قام به النبيّ من أعمال، رمز إلى ما يجب على الملك أن يعمل ليقيم الحقّ والعدالة. ليؤمّن السلام الذي فيه يعيش كلّ واحد آمنًا مطمئنًا تحت كرمته وتينته. ويتماشى البذخ وبناء القصور ووضع اليد على أراضي الفقراء. كما يتحاشى الجيش الكبير والخيل والسلاح والحصون، بحيث يرهق الشعب بالضرائب. وهكذا يكون النبيّ شاهدًا لحضور الله وسط شعبه وفقرائه، في أعمال صغيرة، تذكّرهم بأعماله الكبيرة في عبور البحر والحياة في البرّيّة. وما نقرأ اليوم صورة عن عناية الله: خبز قليل ورجال كثيرون. ومع ذلك، يأكلون ويشبعون. ونقرأ 2مل 4: 42-44:

42 وجاء رجل من بعل شليشة، يحمل في جرابه عشرين رغيفًا من خبز بواكيره من الشعير وسنبلاً طريئًا. فقال أليشع لخادمه:

»أعطِ القوم ليأكلوا«.

43 فأجابه خادمه:

»كيف أضع هذا (القليل) أمام مئة رجل؟«

فقال أليشع:

»أعطِ القوم ليأكلوا، لأنّ الربّ قال:

يأكلون ويفضل عنهم«.

44 فقدّم الخادم لهم الطعام، فأكلوا وفضل عنهم، كما قال الربّ.

1- خبز الشعير والسنبل الطريّ

بماذا جاء الرجل؟ بالبواكير. ولكنّ البواكير تمضي إلى الهيكل من أجل حياة الكهنة. فما لها تأتي إلى أليشع؟ لأنّه رجل الله. وحيث يكون رجل الله هناك يكون الله بحضوره وقدرته. والناس حين يذهبون للحجّ إلى موضع تقدّس بالقدّيسين، فهم ماضون لا ليشاهدوا وجه إنسان مات على المستوى البشريّ ووُضع في التراب، بل ليروا وجه الله، على ما كان المزمور يقول: »متى آتي وأرى وجه الله«؟ يسمح لي الربّ أن أراه، إذا كان لديّ الاستعداد، لا إذا كنتُ ماضيًا إلى اللقاء على سبيل الفضول والحشريّة. كان المؤمنون في العهد القديم يمضون إلى الهيكل الذي هو من حجر، ويرمز إلى حضور الله. أما يستطيعون اليوم أن يحجّوا إلى هيكل آخر، من لحم ودم، هيكل ممجَّد، هيكل الروح القدس (1كور 6: 19)؟

جاء الرجل بالبواكير إلى حيث يقيم أليشع، كما نمضي بتقادمنا وصلواتنا إلى حيث أقام قدّيس وما زال حيٌّا في الله، يُجري العجائب ويدعو الناس إلى التوبة. لا يستطيع أن يرسل البواكير إلى أورشليم، بعد أن قُطعت الطريق بين مملكة إسرائيل في الشمال (عاصمتها السامرة) ومملكة يهوذا في الجنوب (عاصمتها أورشليم). فبيتُ إيل، معبد الملك (عا 7: 13) يقطع الطريق على المعبد الذي اختاره له الربّ في أورشليم. والكهنة الذين يخدمون هذا المذبح، »تعلّموا« كهنوتهم لدى الديانات المجاورة. وبما أنّ البواكير كانت لخدّام الله من كهنة ولاويّين، فبنو الأنبياء الذين يقيمون بجانب النبيّ هم الذين يأكلون.

نشير هنا إلى أنّ »بني الأنبياء« ظهروا أوّل ما ظهروا في زمن صموئيل، وكانوا مجموعات مجموعات. نقرأ هنا ما حصل لشاول، بعد أن مسحه صموئيل ملكًا. قال له صموئيل (1صم 10: 3-6):

3 »وحين تتقدّم (= يا شاول) من هناك (قبر راحيل) إلى بلّوطة تابور (أو: بلّوطة البكاء، تك 35: 8، قرب بيت إيل حيث دُفنت راحيل)، تصادف ثلاثة رجال صاعدين إلى بيت الله في بيت إيل، ومع أحدهم ثلاثة جداء ومع الآخر ثلاثة أرغفة من الخبز، ومع الثالث زقّ خمر.

4 فيسلّمون عليك ويعطونك رغيفين، فتأخذهما منهم،

5 ثمّ تجيء إلى جبعة الله (= تلّة الله. شمالي أورشليم)، حيث معسكر الفلسطيّين، فتصادف عند دخولك المدينة، جماعةً من الأنبياء نازلين من التلّة، وقدّامهم رباب ودفوف ومزامير وكنّارات وهم يتنبّأون.

6 فيحلّ عليك روح الربّ، وتتنبّأ معهم وتصير رجلاً آخر...«.

نتذكّر أوّلاً أنّ شاول من قبيلة بنيامين. وأنّ أورشليم وقعت في هذه القبيلة، وإن كانت بعدُ في يد اليبوسيّين، الذين ربّما تحالفوا مع الفلسطيّين الذين أقاموا على الساحل ثمّ امتدّوا إلى الداخل. ونتذكّر ثانيًا أنّ ما يحمله الرجال الثلاثة، هو ملء عطايا الربّ. فأعطوا شاول حصّتين. هو البكر، هو الملك، وأوّل ملك على العبرانيّين. ثمّ ألا نستطيع أن نرى في هؤلاء الرجال الثلاثة الذين لا تُذكر أسماؤهم، ولا يُذكر من أين جاؤوا، ملائكة ثلاثة. إنّهم يشبهون هؤلاء الثلاثة الذين زاروا إبراهيم عند بلّوطة ممرا (تك 18: 1-5). حملوا إليه البشرى بنسل يبدأ مع إسحق. وها هؤلاء »الملائكة« يباركون لشاول لما نال من مسحة إلهيّة بيد صموئيل.

أتى شاول إلى حيث يقيم الأنبياء، فتنبّأ معهم. صار رجلاً آخر. أمور ثلاثة حوّلت شاول. الرجال الثلاثة، حلول الروح، رفقة الأنبياء. هؤلاء الذين قد يكونون لعبوا دورًا كبيرًا في زمن صموئيل، نراهم حول أليشع: هم الكهنة تجاه كهنة إيزابيل الكثيرين. هم »الأنبياء« الذين أخذت إيزابيل تبيدهم (1مل 18: 4) لتحافظ على أنبياء البعل الأربع مئة والخمسين (آ22). هم جماعة »رهبانيّة« يشكّلون مقاومة في وجه الملك آخاب الذي جاءت زوجته من العالم الفينيقيّ وحملت معها آلهتها.

جاء الرجل ومعه خبزٌ من الشعير. هو طعام الفقراء. زُرع في الشرق المتوسّطيّ منذ العصر الحجريّ. وتحدّثت خر 9: 31 عن حقول الشعير في مصر التي ضربها البرد كما ضرب الكتّان. وحين تحدّث »موسى« عن أرض الموعد دعاها: »أرض حنطة وشعير وكرم وتين ورمّان، أرض زيت وعسل« (تث 8: 8). أساسًا الشعير يعطى للحيوانات، كما يقول 1مل 5: 8: »وكانوا يجمعون الشعير والتبن للخيل والبغال، إلى حيث الحاجة«. ثمّ يُمزَج مع الحنطة. أو يؤكل وحده.

أتُرى جاء الرجل قبل الفصح، فحمل معه غلّة الشعير؟ الأمر ممكن. لأنّ غلّة الحنطة تكون بعد عيد الحصاد، أو العنصرة، سبعةَ أسابيع بعد عيد الفصح. عشرون رغيفًا لا تكفي مئة شخص. ولكنّ الربّ قال. وأليشع نقل قول الربّ: »أكلوا وفضل عنهم« (آ44).

تلك المعجزة هيّأت الطريق لمعجزة أخرى، أكبر منها. مع يسوع »قبل عيد الفصح عند اليهود بزمن قليل« (يو 6: 4). الجموع كثيرة حول يسوع. لا مئة رجل فقط، بل خمسة آلاف. والصعوبة كبيرة بحيث لا يتجاوزها إنسان. لهذا طرح الربّ السؤال على فيلبّس: »من أين نشتري الخبز لنطعمهم«؟ (آ5). وهنا أيضًا، جاء خبز الشعير: خمسة أرغفة. طعام الفقراء. وما دلّ على الفقر، هو أنّ هذا الصبيّ لا يملك سوى »سمكتين صغيرتين« (بيساريا، في اليونانيّة). لا نجد اللفظة اليونانيّة التي تقابل في العبريّة لفظ »سمك« (دج ه) إلاّ في سفر العدد 11: 5. قال العبرانيّون: »نذكر السمك الذي كنّا نأكله في مصر مجّانًا«. كان رخيص الثمن. وهكذا تكون معجزة أليشع نقطة وصل بين سفر العدد وإنجيل يوحنّا. في البرّيّة. كان المنُّ لهم طعامًا، ومع ذلك »عافته نفوسهم« (آ6). أمّا حول أليشع، فأكل القوم وشبعوا. ويقول يو 6: 12-13 في خطّ معجزة أليشع:

12 فلمّا شبعوا (الناس)، قال (يسوع) لتلاميذه:

»اجمعوا ما فضل من الكسر لئلاّ يضيع منها شيء«.

13 فجمعوها وملأوا اثني عشرة قفّة من الكسر (لا الفتات، بل أجزاء من الخبز) التي فضلت عن الآكلين من أرغفة الشعير الخمسة.

2- معجزة بين المعجزات

في هذا الخبر القصير، لا يُذكر اسم »أليشع«، بل يقال فقط »رجل الله«. ولا يُذكر اسم الشخص الذي قدّم، بل يُقال فقط »رجل«. كيف وصل هذا الرجل؟ ولماذا أتى؟ هل نستطيع أن نقابله مع »الرجل« (المعروف) الذي لاقى يوسف بن يعقوب ودلّه على إخوته، وكأنّه يعرف يوسف وإخوته؟ (تك 37: 15-17):

15 وصادفه (= يوسف) رجل وهو تائه في البرّيّة، فسأله:

»ماذا تطلب؟«

16 فأجاب يوسف:

»أطلبُ إخوتي. أخبرْني أين يرعون«.

17 فقال الرجل:

»رحلوا من هنا. وسمعتهم يقولون:

نذهب إلى دوتان (قرب شكيم)«

فسعى يوسف وراء إخوته.

وقال ترجوم سفر التكوين في هذا المجال: »ملاك في شكل رجل لاقاه (= يوسف) وهو تائه في البرّيّة. فسأله الرجل قائلاً«. وفي نسخة ثانية، نعرف اسم ذاك الملاك: »جبرائيل في شكل رجل، وجده تائهًا في الحقول«.

من أين أتى هذا الرجل؟ من بعل شليشة. لا نجد هذا الاسم في أيّ موضع من الكتاب المقدّس. ولكن نقرأ في 1صم 9: 4: »أرض شليشة« التي قد تكون خربة سريسيّة أو كفرثلث، التي تبعد قرابة 25 كلم إلى الشمال من اللدّ (أو: لدّة). أترى كان هناك ثلاثة أماكن »لبعل« بحيث قيل إنّ الاسم هو »كفر الثلث« أو: الثالث.

أين كان أليشع مع جماعة العشرين رجلاً؟ هذا ما لا يقوله النصّ. ولكن في الحادثة السابقة حالاً (4: 38-41)، نرى أليشع مع مجموعة »الإخوة الأنبياء« قرب أريحا، في الجلجال، أحد معابد بني إسرائيل الهامّة:

38 ورجع أليشع إلى الجلجال، والجوع يعمّ الأرض، وبينما كان جماعة الأنبياء جالسين أمامه، قال لخادمه:

»هيِّئ الطنجرة الكبيرة، واطبخ لجماعة الأنبياء«.

39 فخرج واحد إلى البرّيّة ليقطع بقولاً، فصادف عرق يقطين برّيّ، فقطع منه ملء ثوبه، وجاء به فقطَّعه وألقاه في الطنجرة: ولم يكن يعلم ما هو.

40 ثمّ سكب الرجال ليأكلوا من الطبيخ. فلمّا أكلوا صاحوا:

»هذا طبيخ مميت يا رجل الله«.

ولم يقدروا أن يأكلوا.

41 فقال أليشع:

»هاتوا دقيقًا«.

فألقاه في الطنجرة وقال لخادمه:

»أسكب للقوم ليأكلوا«.

فأكلوا وكان الطعام لذيذًا.

الجلجال هو الجلجليّة الحاليّة، في جبل أفرائيم. تبعد 12 كلم إلى الشمال من بيت إيل. هناك التقى بنو الأنبياء أليشع (2مل 2: 1) قبل أن يؤخذ عنه إيليّا إلى السماء.

جاء الرجل بالبواكير التي تقدّم للربّ، على ما قال سفر اللاويّين (23: 20). ما أراد أن يقدّمها في بيت إيل، لارتباطها بالملك وببعل، فحملها إلى الجلجال. فقدّمها أليشع إلى تلاميذه، كما سبق وقلنا. وهكذا بانت رحمة الله وعنايته تجاه »الجائعين« فتقوّى الإيمان بقدرة الله التي ألغت المعادلة بين عشرين رغيفًا ومئة رجل، كما فعلت مع يسوع، الذي أطعم بخمسة أرغفة خمسة آلاف رجل.

كلّ هذا يدخل في دورة أليشع، التي تشبه إلى حدّ بعيد ما في دورة إيليّا. في 1مل 19: 16-19 دعاه إيليّا بعد أن رجع من جبل الكرمل متقوّيًا بحضور الله:

19 اقترب إيليّا نحوه، وألقى عليه عباءته،

20 فترك أليشع البقر وجرى وراء إيليّا.

21 (وفي النهاية)، قام أليشع وذهب مع إيليّا ليخدمه.

ويبقى أنّ المهمّة لم تُعطَ له بشكل احتفاليّ، إلاّ على عتبة اختطاف إيليّا، في 2مل 2: 12-15:

12 وحين لم يعد أليشع يرى إيليّا، أمسك ثيابه وشقّها شطرين.

13 ورفع عباءة إيليّا التي سقطت إلى الأرض، ورجع إلى ضفّة الأردنّ.

14 وأخذ العباءة وضرب المياه بها وقال:

»أين الرب إله إيليّا الآن؟«

فانشقّت المياه إلى هنا وهناك، وعبر أليشع.

15 ورآه جماعة أنبياء أريحا الذين كانوا قبالته، فقالوا:

»حلّت روحُ إيليّا على أليشع«. وجاؤوا إليه وانحنوا له إلى الأرض.

وتوالت المعجزات بيد هذا النبيّ الجديد: جعل المياه صالحة للشربّ (2: 19-22)، كما جعل الطعام لذيذًا بعد أن كان السمّ فيه. وأجرى المياه في البرّيّة، كما فعل موسى، خلال حملة على موآب (3: 9-20). أكثر الزيت للأرملة، ووعد الشونميّة بابن. وإذ مات هذا الابن، »أغلق الباب وصلّى إلى الربّ... فعطس الصبيّ سبع مرّات وفتح عينيه« (4: 33، 35).

نتوقّف هنا عن إيراد كلّ المعجزات التي دلّت على قدرة النبيّ الذي تفوّق على إيليّا، وجارى موسى. هي أعمال خارقة، مدهشة، لا يتصوّرها عقل. يكفي أن نذكر كيف قام الميتُ الذي لمست عظامُه عظام أليشع في القبر (13: 21): »كان بعض الإسرائيليّين يقبرون ميتًا. فلمّا رأوا الغزاة، رموا الميت في قبر أليشع وهربوا. فلمّا مسّ عظامَ أليشع، عاش وقام على قدميه«.

وما يميّز أيضًا أحداث حياة أليشع، هي أنّها خارج التاريخ. لا يُذكر متى حصلت وأين حصلت. قيمتها في ذاتها، بمعزل عن اسم الشخص الذي نالها، والموضع الذي تمّت فيه. النبيّ هو المحرّك الرئيسيّ لهذه الأعمال. والباقي ثانويّ. هكذا نكون في فنّ أدبيّ، نجد آثاره في »سير القدّيسين«، في الشرق كما في الغرب. الهدف بناء الجماعة. الدفاع عن الإيمان الذي بدأ يخبو لقلّة المحبّة. أو هو يتعرّض لأمواج تهدّده. وتتوخّى هذه »الأعمال« تعظيم قدّيس وسلطته العجائبيّة، لإنماء التكريم له والثقة بتشفّعه. أما هذا الذي انتظره نعمان السوريّ من أليشع؟ »يخرج (أليشع) أمامي، يقف، وباسم الربّ إلهه يدعو، ويحرّك يده فوق موضع البرص فيشفيني« (2مل 5: 11). في أيّ حال، رفض أليشع دومًا »عبادة« خاصّة به. كما رفض أيّة إفادة مادّيّة.

جاءه نعمان ومعه »ثلاثون ألف قطعة من الفضّة، وستة آلاف قطعة من الذهب وعشر حلل من الثياب« (آ5). ولمّا شفاه أليشع، قال: »إقبل هديّة منّي«. وكان الجواب القاطع: »لا أقبل شيئًا« (آ15-16). وكان عقاب جيحزي، خادم أليشع كبيرًا، لأنّه طلب كيسين من الفضّة وحلّتين من الثياب« (آ23). وفي أيّ حال، لم يخرج أليشع ليستقبل نعمان، قائد الجيش السوريّ. كان بإمكانه أن يفكّر، كما يفكّر عديدون: »قد نحتاج إلى هذا الرجل. فلنحسن استقباله«. بل هو ما كلّمه، وهو الآتي بأبّهة مع »الخيل والمركبات« (آ9). »وقد نحتاج إلى ملك دمشق، ونعمان قائد جيشه...«. كلّ هذا خارج اهتمامات النبيّ. هو يد الله التي تفعل. ومرّات يرسل خادمه ليعمل باسمه: ليطعم الجماعة، ليشفي ابن الشونميّة، وكأنّه لا يريد من الناس أن يمجّدوه. فالافتخار يكون بالله، لا بالبشر. وفي تكثير الأرغفة أرسل رجلاً من البعيد البعيد، من بعل شليشة، إن لم يكن أرسل »ملاكًا«. فعناية الله لا تعرف المسافات، كما لا تعرف الصعوبات التي يعتبرها الناس من الأمور المستحيلة. في قلب مجاعة السامرة كلّهم »أكلوا وفضل عنهم، كما قال الربّ« (آ44).

الخاتمة

إنّ الأخبار التي وُلدت في أوساط هؤلاء الأتقياء، بني الأنبياء، توخّت أن تبرز موهبة أليشع العجائبيّة، وبالتالي قدرته التي من عند الله. لا نتوقّف على التفاصيل التي تجعل الإنسان العاديّ يبتسم حين يرى الحديد يطفو على الماء. المهمّ لا هذا العمل أو ذاك، بل قدرة الله التي تدافع عن الديانة اليهويّة في خضمّ صراعها مع أنبياء البعل وكهنته الذين جاؤوا من فينيقية، فكاد المؤمنون يزولون على ما قال إيليّا للربّ: »بقيت وحدي«. هكذا كان على جبل الكرمل. هو من جهة، أمام مذبح الربّ المهدّم، والآخرون من الجهة الثانية، مع الآلهة اللازمة لمثل هذه العبادات. وأبعد من هذه »الخوارق«، يستطيع الانسان أن يكتشف العمل البسيط الذي يعمله الله، بحيث لا يراه سوى المؤمن، فيفهم أنّ الله حاضر مهما حاول »المعادون« أن يغيّبوه. في هذه الروح نقرأ خبرَي إيليّا وأليشع اللذين اعتُبرا جيشًا يحامي عن مملكة إسرائيل (2مل 2: 12). »مركبة إسرائيل وفرسانه«. هذا يعني أنّ النبيّ يفهم أنّ الذين معه (أو بالأحرى الربّ الذي معه) هم أكثر من الذين مع جيش آرام (6: 16). ولهذا لا يخاف. ونحن أيضًا لا نخاف مهما كان الوضع الذي نعيش فيه، فالربّ قال لنا: »تقوّوا، أنا غلبتُ العالم«. وحده يخاف من لا إيمان عنده. وحده يخاف من لا يضع ثقته في ذاك الذي يقود الرئاسات والسلاطين أسرى في موكبه. وهنيئًا لنا إن عرفنا أن نثبت إلى النهاية. عندئذٍ نخلص حقٌّا نخلص.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM