توبة داود وغفران الله.

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

توبة داود وغفران الله

2صم 12: 7-13

اعتاد قرّاء العهد القديم أن يسمعوا عن داود أنّه الملك بحسب قلب الله. هذا يعني أنّه عاش بحسب مشيئته وحفظَ وصايا إلهه وفرائضه. ولكنّ الواقع يرينا غير ذلك، إذ الكتاب نفسه يقول إنّ يديه تلطّختا بالدماء. سواء في الحروب الكثيرة التي خاضها، في الداخل وفي الخارج، هذا عدا الذين قتلهم ردًا على كلام قاسٍ أو بحثًا عن شهوة. في مثل هذه المواقف، لا يمكن أن يكون داود مثالاً لقارئ الكتاب، ولا يمكن أن يُرضي الله الذي اتّهمه بفم ناتان النبيّ: أنت هو الرجل الذي فعل كلّ هذا الشرّ واستحقّ الموت. ولكن يمكن لهذا الملك أن يكون مثالنا في توبته التي لاقاها غفرانُ الله حالاً. في خضوعه لكلمة الله في حياته الشخصيّة. وفي تواضعه أمام يد الله القدير. هذا ما نقرأه في 2صم 12: 7-13:

7 فقال ناتان لداود:

»انت هو الرجل. هذا ما قال الربّ إله إسرائيل:

أنا مسحتُك ملكًا على بني إسرائيل

وأنقذتُك من يد شاول،

8 وأعطيتُك بيته وزوجاته

وجعلتك ملكًا على إسرائيل ويهوذا معًا

وإن كان ذلك قليلاً فأنا أضاعفه لك.

9 فلماذا احتقرت كلامي

وارتكبتَ القبيحَ في عينيّ؟

قتلتَ أوريّا الحثيّ بالسيف، سيف بني عمّون

وأخذت امرأته زوجة لك.

10 والآن، جيلاً بعد جيل لن يموت أحد من نسلك إلاّ قتلاً لأنّك فعلت هذا«.

11 وهذا أيضًا ما قال الربّ:

»ها أنا أثير عليك الشرّ من أهل بيتك،

وآخذ زوجاتك وأدفعهنّ إلى غيرك فيضاجعهنّ في وضح النهار.

12 أنت فعلت ذلك سرٌّا.

وأنا أفعل هذا الأمر على عيون جميع بني إسرائيل في وضح النهار«.

هذا النصّ الذي دُوّن بعد الأحداث بزمن طويل، يقرأ حياة داود على ضوء ما حصل له، بعد أن تقاتل أبناؤه على الملك. زنى أمنون مع تامار، فقتل أبشالوم أمنون. ثمّ أراد أبشالوم أن يستأثر بالمُلك فتزوّج نساء أبيه ليعلن حقّه، ولكنّه قُتل بيد القائد يوآب، بعد أن علق شعره بشجرة بلّوط. ثمّ قتل سليمان أخاه أدونيّا. وهكذا فرغت الساحة لمن دُعي »ملك السلام« وهو الذي وصل إلى العرش على جثث القتلى، بمن فيها القوّاد الذين رافقوا داود في حياته.

هناك الجواب السياسيّ حيث طال حكم داود، فاستعجل أبناؤه، تزاحموا، وذاك أمر معروف، حيث كلّ ملك يُلغي من يمكن أن يهدّد سلطانه. ولكنّ الكاتب الملهم ربط كلّ هذا بخطيئة داود الذي زنى مع بتشابع، قتل زوجها، وأخذ له امرأته. فحين يترك الإنسان وصايا الله، ويريد أن يكون مثل الله فيقرّر (يعرف) ما هو شرّ وما هو خير بالنسبة إلى مصالحه ورغباته، تصل به الأمور إلى أن يعادي أخاه. بعد »خطيئة« آدم ضدّ الله، جاءت خطيئة قايين ضدّ أخيه. ويبقى بالرغم من ذلك، أنّ الربّ لا يريد الشرّ لأحد. ولا هو يضرب ولا يعاقب. بل هو يأتي في النهاية لينظّف أوصاب البشر وشرَّهم وقتلهم، من أجل انطلاقة جديدة، دون العودة إلى الوراء.

1- سياق النصّ

هذا المقطع (2صم 12: 7-13) الذي نقرأ يقع في مجموعة تبدأ في 2صم 9 حتّى 1مل 2. هي أخبار عائلة داود وخلافته. نجد وحدة في الرواية، ويبدو أنّ راويها كان عارفًا بدقائق الأمور. كان شاهد عيان، ودوّن ما دوّنه في أيّام سليمان، أي بعد وقت قليل على الأحداث التي يورد. وقد قيل »هذا أوّل مؤلّف »تاريخيّ« نقرأه في شكله الأوّل. ومع ذلك، رأى بعضهم أنّ 2صم 12: 1-15 كوِّن أضافة إلى النصّ الأوّل. أمّا آ11-12، فكانت لمسة أخيرة أعادت قراءة ما حصل لداود، خصوصًا حين ثار عليه ابنه أبشالوم. هرب داود من أورشليم، فدخلها أبشالوم. وقال له أخيتوفل، أحد مستشاريه (2صم 16: 21-22):

21 فقال له (= لأبشالوم) أخيتوفل:

»أدخل على جواري أبيك اللواتي تركهنّ للعناية بالقصر، فيسمع بنو إسرائيل جميعهم أنّك صرت مكروهًا من أبيك، فتقوى عزيمة جميع الذين معك«.

22 فنُصبت لأبشالوم خيمة على السطح، ودخل على جواري أبيه، على مشهد من بني إسرائيل.

ذكر سفر صموئيل الثاني هذا الخبر. أمّا 1أخ 20، فتحاشى إيراد خبر زنى داود. بما أنّ تعليم المؤرّخ الكهنوتيّ حول مكانة داود وما قام من أعمال، هو جزء من مخطّط الله في شعبه، نفهم أن لا يكون ذكرَ مثلَ هذا الحدث الذي لا يشرِّف ملكًا قيل فيه إنّه بحسب قلب الله.

أمّا مز 51: 2 فأشار في العنوان إلى ما فعله داود: »عندما جاءه ناتان النبيّ لأنّه دخل على بتشابع«. وقالت وثيقة صادوق (من أعمال قمران، 5: 5-6): »فعظمت أعمال داود ما عدا مقتل أوريّا. ولكنّ الله عفا عنه«. وحين ذكر متّى نسب يسوع، لم يُسمِّ بتشابع باسمها، بل قال إنّ سليمان وُلد »من امرأة أوريّا« (مت 1: 6).

2- ملاحظات نصوصيّة

حمل ناتان قولاً نبويٌّا. هو ما جاء من قبل نفسه، بل أرسله الله. نقرأ 12:

1 أرسل الربّ ناتان إلى داود. فأتى إليه وقال له:

»كان رجلان في إحدى المدن، أحدهما غنيّ والآخر فقير.

جاء اسم ناتان قبل اسم داود. وما دُعيَ داود ملكًا. هو فقط داود. شأنه شأن جميع الناس. ليس فوق الوصيّة، بل يخضع لها. هو »الرجل«، لا أكثر ولا أقلّ. انطلق المثل وهو يتواصل:

2 »وكان للغنيّ غنمٌ وبقر كثيرة جدٌّا.

3 ولم يكن للفقير غير نعجة واحدة. اشتراها وربّاها وكبُرت معه ومع بنيه، تأكل من لقمته، وتشرب من كأسه، وترقد في حضنه، وكانت عنده كابنته.

4 فنزل بالرجل الغنيّ ضيف، فلم يشأ أن يأخذ من غنمه وبقره ليهيِّئ طعامًا للطيق، بل أخذ نعجة الرجل الفقير وهيّأها طعامًا له«.

لجأ النبيّ إلى المثل، فدفع الملك الذي يُفترَض فيه أن يقضي في رعاياه، »بالعدل والإنصاف« (2صم 8: 15) ليتلفّط بالحكم الصائب.

5 فغضب داود على الرجل الغنيّ جدٌّا، وقال لناتان:

»حيّ هو الربّ! الرجل الذي صنع هذا يستوجب الموت.

6 بدل الواحدة يردّ أربعًا جزاء ما فعله دون شفقة«.

»يستوجب الموت«. حرفيٌّا: ابن الموت. هو ميت بعمله، ولا من يستأنف لنجاته. تتكرّر هذه العبارة. مثلاً في فم شاول (1صم 20: 31) في كلامه عن داود. قال ليوناتان ابنه: »أرسلْ من يجيئني به لأنّه ابن الموت«. وقال داود برفاق شاول: هم أبناء الموت، لأنّهم لم يحرسوا سيّدهم (1صم 26: 16). وقال خر 21: 37: »إذا سرق أحدٌ ثورًا أو خروفًا، فذبحه أو باعه فليعوّض بدل الثور خمسة، وبدل الخروف أربعة«. وهكذا جاء حكم داود على »السارق« عادلاً. فهل يمارس العدالة تجاه نفسه؟

عندئذٍ فتح ناتان عيني الملك على خطورة خطيئته.

7 فقال ناتان لداود:

»هذا الرجل هو أنت«.

وهكذا حكم داود على نفسه. »أنا مسحتك«. مسحه صموئيل كما قال 1صم 16: 13، ثمّ أهل يهوذا (2صم 2: 4) وأخير أهل إسرائيل (2صم 5: 3). الله هو الذي فعل. مسحه، أي اختاره، وحماه من يد شاول. وقد يكون تذكّر داود كلّ الفخاخ التي نصبها له الملك فنجا منها، لا بقدرته، بل بقدرة الربّ. »أنا أنقذتك«.

في آ8، نفهم أنّ داود اتّخذ زوجات شاول. هكذا كنّ ينتقلن من الملك الميت إلى خلفه. من أعطاه ذلك؟ الله. »أنا أعطيتك«. مثل هذه العطيّة تحوّل إليه المُلك بكامل صلاحيّاته. نشير أنّ السريانيّ قرأ »بناته« بدل »زوجاته«، مشيرًا إلى ميكال ابنة شاول التي تزوّجها داود. نقرأ في السريانيّة: »وهبتُ لك بنات سيّدك، ونساء سيّدك أرقدتُ في حضنك، ووهبتُ لك بنات إسرائيل ويهوذا«.

وماذا كان جواب داود؟ »احتقرتَ كلام يهوه«. قالت السريانيّة: أمر يهوه. نقرأ في اللوقيانيّة (أنطاكية) وعند تيودوسيون أحد مترجمي التوراة إلى اليونانيّة، خارج السبعينيّة: »احتقرتَ يهوه. استخففت بيهوه، بالربّ«. مثل هذا العمل يُعتبر تجديفًا ويستحقّ الرجم. لهذا أضاف العبريّ لفظ »د ب ر«، كلام، احترامًا لاسم الربّ. وكيف احتقر داود الربّ وكلامه؟ عمل ما هو قبيح، عمل الشرّ (آ9).

وما هو القبيح الذي صنع؟ قتلتَ أوريّا الحثّيّ. نتذكّر هنا ما قاله 2صم 11 عن علاقة داود وبتشابع:

2 كان داود يتمشّى على سطح القصر، فرأى أمرأة تستحمّ، وكانت جميلة جدٌّا،

3 فسأل عنها، فقيل له:

»هذه بتشابع بنت أليعام زوجة أوريّا الحثّيّ«.

4 فأرسلوا إليها رسلاً عادوا بها، وكانت اغتسلت وتطهّرت، فدخل عليها ونام معها، ثمّ رجعت إلى بيتها.

5 وحين أحسَّت أنّها حبلى، أعلمته بذلك.

كان فعل زنى عابر. وزوج المرأة غريب، فلا يستطيع أن يطالب بحقِّه كما يفعل شخص من داخل الشعب. فلا بدّ من إخفائه. فدعا زوجها أوريّا. قال له داود:

8 »إنزل إلى بيتك واغسل رجليك«.

فخرج أوريّا من القصر، وتبعته هديّة من عند داود.

ولكنّ أوريّا لم يمضِ إلى بيته. بل »نام على باب القصر« (آ9). يا له من نفس كبيرة تجاه سفالة داود. مع أنّه مبدأيٌّا »وثنيّ«. طلب منه الملك أن ينزل إلى بيته لكي يختفي الزنا الذي مارسه مع بتشابع، فأجاب:

11 »تابوت العهد، ورجال يهوذا وإسرائيل يقيمون في الخيام، ويوآب وقادة سيّدي الملك في البرّيّة، فكيف أدخل بيتي وآكل وأشرب وأنام مع زوجتي؟ لا وحياتك، لا أفعل هذا«.

لو جارى أوريا داود لكان نجا بحياته. ولكنّه تضامن مع جيشه. حالُه تكون كحالهم وإن كان بعيدًا عن المخيّم. ما فكّر بنفسه ولا بامرأته، بل بالآخرين. حينئذٍ زاد داود شرٌّا على شرّ. فبعد الزنى، يأتي القتل. فحمّل الملك أوريّا رسالة يقول فيها ليوآب بأن يجعل أوريّا في موقع الخطر فيموت. لو أنّ يوآب ما جارى داود! ولكنه فعل. فكان السبب المباشر في قتل هذا القائد النبيل. وحين مات أوريّا، أرسل يوآب يخبر الملك، فاستقبل الملك النبأ ببرودة وكأنّ لا علاقة له بما حصل. فأرسل يقول لقائد جيشه: »لا يحزنك ذلك. لأنّ السيف لا يرحم أحدًا«. وانتهى قبيح داود حين »ضمّ بتشابع إلى حريمه، فولدت له ابنًا«.

ذاك هو الخبر، وفيه ما فيه من بشاعة. وتتواصل الأمور على مستوى البشر، وكأنّ شيئًا ما حدث. ولكن يتابع الكاتب في نهاية الخبر: »فاستاء الربّ ممّا فعله داود« (آ27). فأرسل ناتان. وقال له بكلّ بساطة: »قتلتَ أوريّا الحثّيّ بالسيف«. فما كانت ردّة فعل داود؟ أقرّ بخطيئته.

قال: »خطئتُ إلى الربّ«. رفضتُ العمل بوصايا الربّ. واستعدّ داود للعقاب الذي يتهيّأ له جزاء ما فعل. فلا مجازاة في الآخرة، في ذلك الزمان، بل في هذه الدنيا. خطئ داود. إذًا، يستحقّ الموت. فخطيئة الزنى تستحقّ الرجم. ثمّ: من يَقتل يجب أن يُقتَل. ولكن لا. قال له ناتان: »لا تموت«. ولماذا؟ »أعبَر« الربُّ خطيئتك. جعلها تعبر وتمضي. وإذا كان »الملاك المهلك« هو من يعاقب الخطيئة، كما كانوا يقولون، فهو قد عبر بعد أن »حمى« الربّ ملكه.

3- بُعد النصّ ومعانيه

هنا يقول التقليد إنّ داود أنشد مزمور الرحمة (51). وطبّق عليه ما عاشه داود من خطيئة، وما ناله من غفران جعل الربّ يخلقه ويجدّده كأنّه طفل خرج من بطن أمّه:

3 إرحمني يا الله برحمتك،

وبكثرة رأفتك امحُ معاصيّ.

5 أنا عالم بمعاصيّ،

وخطيئتي أمامي كلّ حين.

6 إليك وحدك خطئت،

وأمام عينيك فعلتُ الشرّ

9 طهّرني بالزوفى فأطهر

واغسلني فأبيضّ أكثر من الثلج

11 أحجُب وجهك عن خطاياي،

وامحُ كلّ آثامي

16 نجّني من الدماء يا الله،

أيّها الإله مخلّصي،

فيرنّم لساني بعدلك.

19 ذبيحتي لك روح منكسرة،

والقلب المنكسر المنسحق لا تحتقره.

ذاك هو منطق الأنبياء، الذي تعمّق في زمن المنفى. فكأنّ ما حدث للشعب في تلك الفترة العصيبة، أساسه خطيئة داود والملوك الذين جاؤوا بعده إلى الحكم.

ما قيل في آ9-12 يشرح السبب الذي لأجله مات ابن بتشابع (12: 14-19)، كما يفسّر الشقاوات التي حصلت لداود فيما بعد (13: 21، 30-33؛ 15: 10-..14.). كما يبيّن أنّ الملك الذي وكّله الربّ بإقامة العدالة في الشعب، هو خاضع بدوره لعدالة الله. وهنا، دان نفسه، وحكم على ما فعل من قبيح في نظر الله. وما توصّل إليه ناتان، سيحصل إليه الإنبياء بصعوبة ليبيّنوا للملوك ذنوبهم وخياناتهم للعهد.

في خطوة أولى من الخبر، نرى ناتان الذي أرسله الله إلى داود لكي يوبّخه على زناه. وقدّم المثلُ الزنى على أنّه سرقة، لأنّ المرأة ملك زوجها. فمن زنى بها، اعتُبر سرقها. لهذا منعت الوصيّة من اشتهاء كلِّ ما يملك الإنسان: البيت، المرأة، العبد، الجارية، الثور، الحمار (خر 20: 17). غير أنّ هذه السرقة، رافقتها ظروف زادتها خطورة على خطورة. هو رجل غنيّ يسرق إنسانًا. وهذه النعجة ليست كسائر النعجات. هي محبّبة على قلب صاحبها. ولكنّ هذا الغنيّ لا قلب له.

وجاء تفسير المثل في المناخ ذاته. داود غنيّ بعد أن نال كلَّ ما أراد من الله: نجت حياته من يد شاول. صار ملكًا على يهوذا وإسرائيل، لا على يهوذا فقط. ثمّ حريم سيّده. واستعدّ الربّ أن يغدق عليه بعدُ خيرات وخيرات إن هو شاء. فلماذا أخذ امرأة أوريّا؟

فهم داود ذنبه وندم، وما احتاج إلى تهديد بالعقاب. والله غفر له. مع العلم أنّه ينال عقابًا أوّل حين يموت ابن الزنى. قال له ناتان: »ولكن لأنّك استهنت بالربّ، فالابن الذي يُولَد لك يموت« (12: 14).

في خطوة ثانية، أعيدت قراءة النصّ على ضوء ما حصل من أحداث لاحقة. هذا ما جعل ندامة داود غير طوعيّة، بل مرتبطة بعقوبات أعلنت له. أوّل عنصر أضيف هو موت أوريّا، بما في هذه الخطيئة من خطورة. وأعلن العقاب، قُتل أوريّا. لذلك، سيُقتل ثلاثة من أبناء داود: أمنون، أبشالوم، أدونيّا. أمّا الزنى، فجاء عقابه في ما فعل أبشالوم. نلاحظ هنا شريعة المثل: كما فعل داود يفعَل الله، وكأنّ الربّ كان راضيًا عن نصيحة أخيتوفل (2صم 16: 17).

في أيّ حال، النصّ كما نقرأه اليوم، مع إعلان العقاب، يجد موقعه في خطّ التعليم النبويّ. فناتان أُرسل من قبل الله، على أنّه نبيّ، لكي يندّد بالخطيئة. ذاك جزء هامّ من الرسالة النبويّة. وهذه الخطيئة المشجوبة، هي إساءة إلى الله، استخفاف به، وتهاملٌ في التعامل مع وصاياه.

لا شكّ في أنّ الخطيئة لا تمسّ الربّ بشكل مباشر. هذا ما يقوله إر 7: 19. قال الربّ:

فهل هم يغيظونني،

ألا يعود ذلك عليهم بالعار؟

وقال أليهو لأيّوب ليبيّن له أنّ الله أعلى من كلّ تصرّفاتنا (أي 35: 6-8)

6 فإن خطئتَ فماذا تؤثِّر فيه،

وإن كثرت معاصيك فكيف تؤذيه؟

7 إن كنت عادلاً فماذا تعطيه،

وأيّ نفع يأخذه من يدك؟

8 إنسانٌ مثلك يؤذي شرُّك،

وابنُ آدم وحده ينتفع بعدلك.

لا، الخطيئة لا تؤذي الله. بل تؤذي الإنسان الذي يحبّه الله. كان بإمكان داود أن يفكّر أنّه أزاح من الدرب من أزعجه ببلاهته فما عرف أن يستفيد من الظرف، وينام مع امرأته ليلة أو ليلتين (2صم 11: 12). ثمّ إنّ هذا الرجل هو غريب عن شعب الله. فمن يطالبني بما أفعل؟ ولكنّ ناتان أفهم الملك، أنّه حين فعل ذلك استخفّ بالله نفسه، واحتقر كلامه.

هل وبّخ ناتان، باسم الربّ، داود، لأنّه كان ناكر الجميل، لما ناله من خيرات؟ بل نحن بالأحرى أمام ما يُدعى »دعوى الله على الخاطئ« كما في مي 6: 1-5:

1 إسمعوا ما يقول الربّ:

»قُمْ ارفع دعواي على شعبي،

ولتسمع الجبالُ والتلالُ صوتي:

2 فاسمعي يا جبالُ دعوى الربّ،

ويا سهولُ الأرض الخالدة،

للربّ دعوى على شعبه،

يقول معاتبًا إسرائيل:

3 »ماذا فعلتُ بكم يا شعبي؟

هل كنت عالة عليكم؟ أجيبوا.

4 أصعدتُكم من أرض مصر،

من دار العبوديّة افتديتُكم.

أرسلت أمامكم موسى،

وهرون أخاه ومريم.

5 ألا تذكرون يا شعبي،

جواب بلعام بن بعور؟

وعبورَكم من شطيم إلى الجلجال.

لتعلموا فضلَ الربّ عليكم؟«

مثل هذه الدعوى لا يمكن أن تترجَم إلاّ في حكم يتبعه عقاب. وهنا موت المذنب الذي أغاظ الله. ويمكن أن يكون عقابٌ آخر يصيب الخاطئ إمّا في شخصه وإمّا في من يحبّ. ولكنّه إن عاقب الله من استخفّ به، فهو يتطلّع إلى هدف إيجابيّ: هو لا يريد موت الخاطئ بل أن يعود عن ضلاله ويحيا، كما قال حز 18: 21، فقد قال الربّ عن نفسه في كلام وصل إلى موسى (خر 34: 6-7):

6 ومرَّ الربّ أمامه (أمام موسى) ونادى:

الربّ الربّ إله رحيم حنون،

بطيء عن الغضب وكثير المراحم والوفاء

7 يحفظ الرحمة لألوف الأجيال

ويغفر الإثم والمعصية والخطيئة

لا يبرِّئ الأثيم،

بل يعاقب آثام الآباء في البنين،

وبني البنين إلى الجيل الثالث والرابع.

الربّ يغفر الخطيئة، إذا المذنب أقرَّ بها، وقبلَ العقابَ الذي استحقّ. وتوخّت الكرازة النبويّة أن تحرّك التوبة، وقبول التكفير، كما توخّت أن تُعلن غفران الله وتخفيفًا للعقاب. وقد يعفو الله كلّيٌّا عن المذنب، فيدلّ على غفران يقدّمه الله مجّانًا من وفرة غناه.

الخاتمة

ما وصل 2صم 12: 1-5 إلى عمق مز 51 بما فيه من عمق يصل إلى قلب المؤمن الذي يجدّده الله بنعمته. ولكننّا منذ الآن، انطلقنا في طريق تصل بنا إلى العهد الجديد. هذا ما نكتشفه بشكل خاصّ في مثل الابن الضالّ. حالاً غفر الأب وما طلب تكفيرًا. بل ما طرح سؤالاً. يكفي أنّ الابن عاد. كما نكتشفه لدى الخاطئة التي عرفت أن تحبّ بعد أن سبقها الربّ إلى الحبّ وبدّل قلبها. ما احتاجت إلى أن تقول خطاياها. اكتفت بالبكاء. وجعلت كلّ ما لديها عند قدمَي المعلّم، وهكذا تبدّلت حياتها بفضل من تقبّلها ودافع عنها في وجه سمعان الفرّيسيّ. وفي النهاية قال لها: مغفورة لك خطاياك. إذهبي بسلام (لو 7: 50).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM