داود الملك.

 

داود الملك

2صم 5: 1-3

اعتادت الكنيسة أن تعيّد يسوع ملكًا. فتذكّرت أوّل ما تذكّرت لقاء يسوع مع بيلاطس (يو 18: 33-37). يسوع ملك ولكنّه يمارس »وظيفته« بشكل يختلف كلّ الاختلاف عمّا نعرفه في هذا العالم. فيسوع ملك على الصليب، وإن انتظر الرسل منه أن يعيد الملك إلى إسرائيل »في هذا الزمان« (أع 1: 6). هذا الملك الآتي على سحاب السماء كما قال دانيال (7: 13-14) سيكون الراعي الذي يجمع شعبه المبدَّد. وسيملك في نهاية العالم، ساعة يجعل جميع أعدائه تحت قدميه، وآخر هؤلاء الأعداء هو الموت. هذا الملك وجدت الكنيسة صورة عنه في شخص داود. ذاك الملك الذي قيل فيه إنّه بحسب قلب الله. ونحن نقرأ اليوم المقطع (2صم 5) الذي فيه ينصَّب داودُ ملكًا على يهوذا (الجنوب) وإسرائيل (الشمال).

1 وأقبل جميعُ أسباط إسرائيل إلى داود في حبرون، وقالوا له:

»أنتَ ونحن، جميعنا من شعب واحد (حرفيٌّا: لحمك وعظمك).

2 حين كان شاول علينا ملكًا، كنتَ تقود شعب إسرائيل إلى الحرب، والربّ قال لك: أنت ترعى إسرائيل شعبي وتكون قائدًا لهم«.

3 وأقبل شيوخ إسرائيل إلى داود في حبرون، فقطع الملك داود معهم عهدًا في حبرون، أمام الربّ، فمسحوا داود ملكًا على إسرائيل.

1- سياق النصّ

هذا الخبر القصير بمضمونه الكثيف، يكشف لنا بُعدًا ساميًا إن عرفنا أن نقرأه في السياق الذي كُتب فيه. تكوّنت الملكيّة في شعب إسرائيل، واختير راعٍ ليرعى شعب الله. فالتاريخ واللاهوت يستعملان هنا اللغة الواحدة.

يروي هذا المقطع أنّ داود، ملك يهوذا، أُعلن في حبرون (الخليل الحاليّة) ملك إسرائيل، ملك قبائل الشمال. وهكذا صار رئيسَ كلِّ المجموعات التي كوّنت فدراليّة مقدّسة حول المعبد الواحد، بحيث تخدم كلُّ قبيلة المعبد، شهرًا واحدًا في السنة. حصل كلُّ هذا بعد موت إشبعل، الابن الوارث لشاول. فالمجهود الذي قاموا به ليحافظوا على سلالة شاول، باء بالفشل بسبب قتل شخصين: أبنير القائد الذي انضمّ إلى داود ليفتح أمامه الطريق لخلافة شاول. ثمّ إشبعل الذي يتطلّع إلى المُلك. في هذه الظروف، لم يبقَ من مرشّح سوى داود.

»كلّ قبائل إسرائيل« أتت إلى داود. وسوف يوضح النصّ فيما بعد فيقول: »كلّ شيوخ إسرائيل«. هم يمثّلون العشائر، ويتّخذون القرارات باسمهم في النظام السابق للملكيّة والمبادرة التي اتّخذوها، وافقت انتظار داود الذي لم يبقَ، من جهة، مكتَّف اليدين. وعرض عليه الشيوخ الأسباب الرئيسيّة الثلاثة التي دفعتهم لكي يختاروه ملكًا: الأوّل، داود هو أخوهم، من نسلهم، من شعبهم. ثانيًا، سبق له وأخذ مسؤوليّات حين قاد الجيش. الثالث، رافقه قولٌ إلهيّ. وهذا السعي الذي قام به الشيوخ أدّى إلى عهد يجعلهم خاضعين للملك. تفوّق داود بلا شكّ، على الذين أتوا إليه، ففرض عليهم شروطه. وهكذا تمّ العهد »أمام الربّ«. هو عمل مقدّس، شأنه شأن المسحة التي تُكرِّس الملك كرئيسٍ »لشعب الله«.

هنا يدخل عنصران جوهريّان يكوّنان الملكيّة في شعب إسرائيل، تميّزانه عن سائر الشعوب: هناك الكريسما (أو الموهبة الخاصّة) حيث الله يعيِّن مرشّحه بواسطة نبيّ أو صاحب موهبة وكريسما. وهناك قبول الشعب لهذا المرشّح وإعلانه، فيبدو كأنّه أقرّ بالكريسما. في المبدأ، هذان هما المعياران لكي يكون الملك شرعيٌّا، ما دام النظام في شعب إسرائيل نظامًا ملكيٌّا.

هذا الحدث بدا حاسمًا في تاريخ شعب إسرائيل كأمّة وكشعب الله. وتوافق التاريخُ واللاهوت حول أهداف الخبر. فالشخص التاريخيّ الواحد ينال دورين اثنين: هو راعي شعب الله. وبالنظر إلى هذه الوظيفة الراعويّة صار »الملك المسيح« أو الممسوح بالزيت المقدّس.

2- صوت الله وصوت الشعب

أحد الأسباب التي دفعت الشيوخ لاختيار داود، القول الإلهيّ الذي أُعلن من أجل داود، والذي بحسبه يكون ملكًا على إسرائيل وعلى يهوذا. نقرأه أوّلاً في 1صم 25: 30: »وإذا عمل الربّ لك، يا سيّدي، كلَّ ما وعدك به من الخير، وجعلك رئيسًا على إسرائيل«. ذاك كان »اللقب« الذي أعطي لشاول (1صم 9: 16) وها هو يُعطى لداود. وقال أبنير قائد جيش شاول في 2صم 3: 9-10، 18:

9 ويل لي من الله إن لم أحقّق لداود ما حلف الربّ له

10 من نَقْل المملكة من بيت شاول، وإقامة عرش داود على إسرائيل وعلى يهوذا من دان إلى بئر سبع.

18 الربّ قال له:

»على يد داود عبدي أخلّص شعبي إسرائيل من أيدي الفلسطيّين ومن أيدي جميع أعدائهم«.

ارتدى هذا القول الإلهيّ أهميّة خاصّة. فبحسب الفدراليّة المقدّسة، يجب أن يكون قائدًا شعب الله صاحب مواهب، صاحب كريسما، أو يكون نبيّ هو الذي يعيّنه. قدِّم شاول ملكًا بواسطة رجل الله، فأحسّ بنفسه متحوِّلاً بحضور الروح، كما كان الأمر بالنسبة إلى القضاة. نقرأ في 1صم 10:

1 وأخذ صموئيل قارورة الزيت وصبّها على رأس شاول وقبّله وقال:

»الربّ مسحك رئيسًا على شعبه إسرائيل.

6 فيحلّ عليك روحُ الربّ وتتنبّأ معهم وتصير رجلاً آخر«.

10 وحين جاء (شاول) إلى جبعة، استقبله جماعة من الأنبياء فحلّ عليه روح الله فتنبّأ بينهم.

والمسحة التي نالها داود عملٌ سرّيّ يدلّ على أنّ الروح امتلكه. أمّا سليمان فلا كريسما له. ولكنّ الظهور الإلهيّ دلّ على أنّ الربّ اختاره. هذا ما نقرأ في 1مل 3: 4-15:

5 وفي جبعون تجلّى الربّ لسليمان في الحلم ليلاً وقال له:

»أطلب ما تريد«.

فقال سليمان:

6 »أنتَ أظهرتَ إلى عبدك سليمان لطفًا عظيمًا لأنّه سلك أمامك

بأمانة وحقّ واستقامة قلب...

7 والآن أيّها الربّ إلهي، أنت ملّكتني مكان داود أبي وأنا صغير...

وملوك مملكة الشمال (إسرائيل) سيُصبحون شرعيّين ويمارسون وظيفتهم قوّادًا للشعب بكلمة نبيّ من الأنبياء. ذاك كان الوضع بالنسبة إلى يربعام، أوّل ملك بعد الانشقاق الحاصل على أثر موت سليمان. هذا ما نقرأ في 1مل 11: 29-34:

29 في تلك الأثناء، خرج يربعام بن ناباط من أورشليم، فصادفه أخيا الشيلونيّ النبيُّ في الطريق، وكان مرتديًا عباءة جديدة. وكانا وحدهما في البرّيّة.

30 فقبض أخيا على العباءة الجديدة وشقّها اثنتي عشرة قطعة،

31 وقال ليربعام:

»خذ لك عشر قطع، لأنّ الربّ إله إسرائيل يقول لك:

ها أنا آخذ المملكة من يد سليمان، وأعطيك عشرة أسباط.

نشير هنا إلى أنّ كلام النبيّ يأتي بعد أن يصير الإنسان ملكًا. ولكنّ الكاتب يجعله سابقًا، لأنّ الأحداث لا تفرض نفسها على الله، بل الله هو الذي يوجّهها. مخطّط الله قبل محاولات البشر. ولكنّنا لا نكتشفه إلاّ فيما بعد. وفي 2مل 9: 1ي، نقرأ كيف مسح أليشع النبيّ ياهو ملكًا، بواسطة أحد تلاميذه »الأنبياء«:

1 ودعا أليشع النبيّ أحد جماعة الأنبياء وقال له:

»خذ قارورة الزيت هذه وأسرع إلى راموت جلعاد،

2 وحين تصلُها تجد ياهو بن يوشافاط بن نمشي،

فادعُه من بين رفاقه، وانفرد به في غرفة داخليّة،

3 وخذْ قارورة الزيت وصُبَّ منها على رأسه وقلْ:

''قال الربّ:

مسحتُك ملكًا على إسرائيل«.

نلاحظ أنّ المسحة هي عمل سرّيّ. تكون بين يديّ النبيّ والملك العتيد، مع ياهو، ثمّ العمل في »غرفة داخليّة«، على انفراد. ما رأى أحد غيرهما ما حدث. وبالنسبة إلى يربعام، فكان مع أخيا النبيّ »في البرّيّة«، في لقاء مع الربّ وحضوره. على ما حصل لموسى. فبدا يربعام وكأنّه يقوم بمسيرة جديدة بعد أن خان سليمان الأمانة. وما دلّ على ذلك هو أنّ العبارة كانت »جديدة«.

وفي الجنوب، في مملكة يهوذا، جاءت نبوءة ناتان، فأمّنت الكرمة الملوكيّة لنسل داود كلّه، مرّة واحدة. نقرأ في 2صم 7:

8 فقلْ (يا ناتان) لعبدي داود:

»هذا ما يقول الربّ القدير:

أنا أخذتك من الحظيرة، من وراء الغنم،

لتكون رئيسًا على إسرائيل.

12 وإذا انتهت أيّامك ورقدتَ مع آبائك، أقمتُ لك خلفًا من نسلك الذي يخرج من صلبك، وثبّتُّ مُلكه.

13 فهو يبني لاسمي بيتًا (الهيكل)، وأنا أثبتُ عرش مُلكه إلى الأبد.

16 ويكون بيتك وملكك ثابتين على الدوام أمام وجهي،

وعرشك يكون ثابتًا إلى الأبد«.

حسب التاريخ الذي نعرف، توقّفت سلالة داود مع المنفى البابليّ سنة 587 ق.م. وما عاد في يهوذا ملك، بل والٍ تابع للسلطة الحاكمة، من الفرس واليونان إلى الرومان، حتى دمار أورشليم وإحراق هيكلها سنة 70. ب م فتطلّع التقليد اليهوديّ إلى ملك »روحيّ« من نسل داود. ورأى آباء الكنيسة في ذاك »الملك« يسوع المسيح، انطلاقًا ممّا قال الملاك في وقت البشارة، كما في لو1: 31-33، في كلام توجَّه إلى مريم:

31 »ستحبلين وتلدين ابنًا تسمّينه يسوع،

32 فيكون عظيمًا وابن العليّ يُدعى،

ويعطيه الربّ الإله عرش أبيه داود،

33 ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد،

ولا يكون لملكه نهاية«.

بهذه الطريقة تمّت نبوءة ناتان لداود. مع يسوع المسيح، ربّ داود (مت 22: 43-45)، تواصلت مملكة داود إلى الأبد، لا على المستوى السياسيّ والحربيّ، بل على المستوى الروحيّ، حين دخل ملكوتُ الله إلى العالم.

صوت الله سمعوه من صوت النبيّ. لهذا هتف الشعب لملكه الذي رأى فيه اختيار الله. وهكذا يصبح الإنسان ملكًا. وهكذا تتواصل المؤسّسة الملكيّة. كلّ هذا نجده في اختيار شاول الملك الأوّل في إسرائيل. في 1صم 10: 1، تمّت مسحته بيد شاول. وألقيت القرعة في حضرة الربّ، فاختارت بنيامين، ومن بنيامين عشيرة مطري، وأخيرًا شاول بن قيس. كان ذلك أمام الشعب الذين قالوا: »أقمْ علينا ملكًا« (1صم 10: 19). وقدّم صموئيل الملك الجديد، وقال: »أرأيتُم أنّ الذي اختاره الربّ لا مثيل له فيكم جميعًا«. فهتفوا كلّهم وقالوا: »يحيَ الملك« (آ23). وانتهت المراسم كلّها في معبد الجلجال: »هناك أعلنوا شاول ملكًا أمام الربّ، وقدّموا ذبائح سلامة« (1صم 11: 15). الله اختار فوافق الشيوخ وهتف الشعب. فالملك في يهوذا وإسرائيل يقوم مقام الله، ولا يكون صورة الإله كما كانت الحال في الممالك المجاورة. لهذا، يجب أن يسبق اختيارُ الله كلَّ اختيار.

3- عهد مع الله ومع البشر

صار داود ملكًا بفضل اتّفاق تمّ مع الشيوخ. لا شكّ في أنّ داود بدا الأقوى بحيث يستطيع أن يفرض رأيه دون الرجوع إلى ممثّلي الأسباط، كما يفعل الرئيس المستبدّ الذي يُلغي كلّ من يعارضه. ولكنّ هذا العهد يسمح بالمتعاهدين أن يُعطيا رأيهما، لأنّ الله هو الشاهد الأخير. قدّم الملك حقوقه، كما نقرأها في 1صم 8: 10-17:

11 هذه حقوق الملك عليكم:

يأخذ بنيكم ويجنّدهم لخيله ومركباته وللجري أمام مركبته.

12 ويتّخذ منهم قادة ألف وقادة خمسين، وفلاّحين وحصّادين

13 ويتّخذ بناتكم عطّارات وطبّاخات وخبّازات،

14 ويأخذ أفضل حقولكم وكرومكم.

15 ويأخذ ضريبة العشر من زرعكم وكرومكم.

16 ويأخذ عبيدكم وجواريكم...

ذاك ما قاله صموئيل للشعب الذي طلبوا لهم ملكًا. هو يأخذ ويأخذ. ولكن ماذا يعطي؟ هي نظرة متشائمة. والربّ لا يرضى على مثل هذا الملك. فيتساهل ويقول لصموئيل: »اسمع لهم وأقم عليهم ملكًا« (آ22). وكان قد قال لصموئيل في آ7: »هم لا يرفضونك أنت، وإنّما يرفضوني أنا كملك عليهم«.

فوجب على الشيوخ أن يضعوا حدٌّا لسلطة الملك. هو التزام شخصيّ. ولا يضمّ إسرائيل (قبائل الشمال) إلى يهوذا (قبائل الجنوب) إلاّ في شخص الملك. وهكذا لم يكن حلّ لمن يخلفه من ملوك سوى العودة إلى الشعب. في الواقع، خلف سليمانُ داود دون معاهدة جديدة واتّفاق. ولكن بعد موت سليمان، رفضت قبائل إسرائيل شروط ابنه رحبعام، واختارت لها ملكًا آخر.

قالوا لرحبعام: »أبوك ثقّل نيره علينا، فخفِّف الآن من نيره الثقيل، ومن عبوديّته الشاقّة، فنخدمك« (1مل 12: 4). هم يطلبون عهدًا مع الملك الجديد. وما كان جواب رحبعام، بعد أن ترك مشورة الشيوخ الذين يمثّلون القبائل، وأخذ بمشورة الشبّان الذين حوله، والذين اعتادوا على »الضرب بيد من حديد«؟ قال رحبعام: »أبي ثقّل نيركم وأنا أزيد عليه. أبي أدّبكم بالسياط وأنا أؤدّبكم بسياط شوكيّة« (آ14). رفض إسرائيل مثل هذا الملك وأقاموا عليهم يربعام ملكًا (آ20). وهكذا اتّخذ الشعبُ مسؤوليّته في اختيار مَن يقودهم.

وحين يقطع الفريقان عهدًا، »في حضرة الله«، يصبح هذا العقد رباطًا مقدّسًا. فيدخلون في سلسلة من الحقوق والواجبات التي يرافقها القسَم. ويكون الله الشاهدَ والوكيل. وهذا التعامل بين الملك ورعاياه يعطيه لقب القائد الروحيّ والراعي لشعب الله. فالعهد على المستوى الأفقيّ، بين الملك والشعب، يتضمّن في ذاته بعدًا عموديٌّا: فالملك والشعب يرتبطان بالله، والجميع يخضعون لوصاياه.

والطابع العموديّ للوظيفة الملكيّة في شعب الله، يتجلّى في المواهب، في الاختيار الإلهيّ، في عهد الله مع داود. هنا نقرأ مز 89:

4 عاهدتُ الذي اخترتُه،

حلفتُ لداود عبدي:

5 »إلى الأبد أثبتُ نسلك،

وإلى جيل فجيل أبني عرشك«.

29 إلى الأبد أحفظ له رحمتي،

ويبقى عهدي أمينًا له

30 أجعل نسله إلى الأبد،

وعرشَه ما دامت السماء

36 مرّة حلفتُ بقداستي

ولا أكذبُ على داود

37 نسله يكون إلى الأبد،

وعرشه كالشمس أمامي.

38 مثل القمر يثبت على الدوام،

ويبقى في الفضاء آمنًا.

متى قيل هذا المزمور؟ حين لم يبقَ شيء من مملكة داود. فجاء الشعب يبكي ويتذكّر أنعام الربّ السابقة. »كسرتَ صولجان مجده، وألقيتَ عرشه إلى الأرض« (آ45). فالعهد مع داود، كما كان مع إبراهيم، له طابع مطلق وهو ثمرة اختيار الله الذي يمنح نعمته. وبالنظر إلى هذا العهد، خلف داودَ ابنٌ من نسله، من لحمه ودمه. فالربّ اختار »بيت داود« لقيادة شعبه. وهكذا لا تعود المؤسّسة الملكيّة أمرًا عابرًا، بل تكون حقٌّا وشريعة. وستختار مملكة يهوذا منذ الآن ملكها من سلالة داود.

والعهد الداوديّ شرّع الملكيّة على المستوى اللاهوتيّ، في تاريخ الخلاص. فبعد أن كانت موضوع تحفُّظ وحذر، دخلت في التنظيم المقدّس لدى شعب الله الذي جُعل خميرة وسط الأمم. ومع الوقت، دخلت الملكيّة في فعل إيمان الشعب. فاتّخذ اختيار داود وصهيون مكانه على أنّه حدث خلاص.

4- الملك في شعب الله

إنّ القول الإلهيّ كرّس اختيار داود، أعطاه لقب »ن ج ي د«، لا لقب »م ل ك«. ما هو ملك ولا هو سلطان. هو الرئيس، القائد، الموجّه. هو المنجد، المعين. والمنجد هو الشجاع الذي يمضي في ما يُعجز غيرَه. لا مكان لصورة المستبدّ، المتفرّد برأيه، كما يتصوّر الشعوبُ ملوكهم. ففي إسرائيل، ليس الملك سيّد الشعب »وربّه«. فالسيادة على الشعب هي ملك الله. والأحكام المقدّسة التي تمنحه امتيازات جوهريّة، هي فوق الملك جاءت قبل الملك فدخل فيها الملك لكي يكون في خدمة شعبه. فالملك ولدَهُ اللهُ كسائر الأولاد. هو ابن مثل الآخرين، هو »أخ« كما دعاه الشيوخ حين جاؤوا ينادون به: »نحن عظمك ولحمك« (آ1).

فوظيفة الملك أن يرعى شعب الله وأن يقوده، وهكذا يعيش الواحد في بيته حرٌّا، آمنًا، لا يخاف شيئًا. قال 2صم 7: 10: »وسأجعل مكانًا لشعبي، وفيه أغرسه، فيثبتُ في مكانه فلا يتزعزع. ولا يعود بنو الشرّ يضطهدونه كما كانوا من قبل«. وبالنسبة إلى الخارج، الملك قائدٌ عسكريّ يقود الشعب إلى النصر، ويؤمّن ازدهاره، ويدافع عن حرّيّته ولكن لا يحقّ له أن يحصيه، كما فعل داود (2صم 24: 1ي)، ولا أن ينسب إلى نفسه ما قام به من مشاريع وما نال من انتصارات. ففي الفدراليّة المقدّسة، الحرب حرب يهوه، والنصر نصره. والهدف تحرير الشعب وتحريره فقط، لا الاستيلاء على أراضي الآخرين. ذاك ما فعله داود في بداية ملكه. »ولمّا سمع الفلسطيّون أنّ داود صار ملكًا على إسرائيل، صعدوا جميعًا لمحاربته« (2صم 5: 17). ما صعد داود قبل أن يسأل الربّ (آ19). ولما انتصر، لم ينسب النصر إلى نفسه، بل قال: »الربّ اجتاح أعدائي كالسيل« (آ20). وتوالت حروب داود (2صم 8: 1-14). فدلّ على قوّة منحه الله إيّاها من أجل شعبه. هكذا يكون علامةَ حضور الله في التاريخ. وفي داخل المملكة تقوم مهمّته بأن يجعل النظام يسود والعدالة، بحيث يكون الشعبُ حقٌّا شعب الله. قال له مز 45:

4 تقلّدْ سيفك على فخذك،

أيّها الجبّار، في جلالك وبهائك،

5 واركب إلى النصر في زينة مقدّسة،

دفاعًا عن الحقّ والعدل.

7 عرشُك الإلهيّ يبقى إلى الأبد،

وصولجان الاستقامة صولجان ملكك.

8 تحبّ الحقّ وتكره الشرّ،

لذلك مسحك الله ملكًا

بزيت الابتهاج دون رفاقك.

وأنشد مز 72 ملك السلام، الذي ينال من الربّ نعمة المُلك:

1 علّم الملك أحكامك، يا الله،

وابن الملك عدالتك

2 ليدين شعبك بالعدل،

وعبادك المساكين بالإنصاف،

3 فتحمل الجبال سلامًا،

والروابي عدلاً لشعبك.

4 وليحكم لمساكين الشعب،

ويخلّص البائسين ويسحق ظالميهم

5 فيدوم ما دامت الشمس،

وما دام القمر، جيلاً بعد جيل.

12 يُنقذ البائس المستغيث،

والمسكين الذي لا نصير له.

13 يحمي الذليل والبائس،

ويخلّص نفوس الفقراء.

14 من الأذى والعنف يفتديهم،

ويكون دمُهم عزيزًا عليه.

فالمهمّة الرفيعة المسلّمة إلى الملك، تنعكس في الطابع المقدّس لشخصه الذي لا يتعدّى عليه أحد. مسحه الله، صار ابنه. قال له: »أنت ابني، أنا اليوم ولدتك« (مز 2: 7). وأعلن الربّ: »أنا مسحتُ ملكي على صهيون، جبلي المقدّس« (آ6). فمن يتجاسر أن يمسّه؟ وهذه الصفة القدسيّة تنبع من مواهب نالها، من تعيين إلهيّ ناله، من اختيار بواسطة نبيّ. من مسحة بالزيت المقدّس. وهي لا تعني فقط امتيازًا شخصيٌّا، بل دورًا يمارسه في شعب الله كوسيط البركة الإلهيّة، كالمحرّر والمنقذ، كمسؤول عن نظام يتمّ في العدالة. وإذ يساعد الله الملك، يدلّ على أنّه يتابع مسيرته مع شعبه. جعله قريبًا منه. وضع يده على كتفه، وكلّ هذا بالنسبة إلى المهمّة الملقاة على عاتقه. وإن أراد الربّ أن يدلّ على سلطانه ومجده وعدالته، فعبر شخص الملك، كما قال أش 9: 5 عن الملك المنتظر:

تكون الرئاسة على كتفه

يُسمّى باسم عجيب،

ويكون مشيرًا وإلهًا قديرًا

وأبًا أبديٌّا ورئيس السلام.

5- شخص الملك، رمز الملك

بدا شخص الملك في وجهتين سرّيّتين. من جهة، هو إنسان كسائر الناس، يخضع للمحدوديّة. ويقع في الأخطاء. هذا ما يكتشفه المؤرّخ، وينتقده النبيّ مثل ناتان الذي جاء إلى داود بعد خطيئته مع بتشابع. ومن جهة ثانية، الملك علامة وحي إلهيّ، ابن الله، شخص مكرّس، مقدّس، ينبوع رجاء وتجسيد مثالٍ. هذا ما يكتشفه المؤرّخ والنبيّ وصاحب المزامير.

يصعب علينا أن نوفِّق أحكامًا مختلفة طرحها التاريخ واللاهوت عن الملك. فالكلام المعادي للملكيّة حين اعتلى شاول العرش، توقّف عند خبرات مرّة عاشها الشعب منذ تأسيس الملكيّة. ونحن نجد سابقة لهذا الكلام مع مثل قاله يوتام في قض 9: 7-15:

8 ذهبت الأشجار مرّة لتمسح عليها ملكًا. فقالت للزيتونة:

»كوني علينا ملكة«.

9 فقالت الزيتونة:

»أأترك زيتي الذي من أجله تكرّمني الآلهة والناس، وأذهب لأستعلي على الشجر؟«.

10 فقالت الأشجار للتينة:

»تعالي أنت وكوني علينا ملكة«.

11 فقالت التينة:

»أأترك حلاوتي وثمرتي الطيّبة، وأذهب لأستعلي على الشجر؟«

12 فقالت الأشجار للكرمة:

»تعالي أنتِ وكوني علينا ملكة«.

13 فقالت الكرمة:

»أأترك خمري الذي يفرّح الآلهة والناس، وأذهب لأستعلي على الشجر«؟

14 فقالت الأشجار كلّها للعوسجة:

»تعالي أنت كوني علينا ملكة«.

15 فقالت العوسجة:

»إن كنتِ حقٌّا تمسحيني (أيّتها الأشجار) ملكة عليك، فتعالَي، وفي ظلّي استظلّي، وإلاّ فلتخرج نار من العوسجة وتحرق أرز لبنان«.

ذاك هو الرئيس، هو الملك. عوسجة لا نفع منها. وكان جدعون قد قال عبارة لها معناها العميق على المستوى اللاهوتيّ: »لا أنا أتسلّط (أكون ملكًا) عليكم، ولا ابني، بل الربّ هو الذي يتسلّط عليكم« (قض 8: 23). الله يكون عليكم ملكًا. رج 1صم 8: 7.

لم يكن التاريخ صامتًا عن أخطاء داود وجرائمه، مع أنّه النموذج الأوّل للملك. وحين تكلّم سفر التثنية (17: 14-20) عن الملك ووضعه، فرض عليه شروطًا تحدّ من سلطته:

15 أقيموا عليكم ملكًا يختاره الربّ إلهكم

16 لا يكثر من الخيل

17 لا يكثر من النساء،

18 ومتى جلس على العرش، فعليه أن يكتب نسخة من هذه الشريعة،

19 فيتعلّم كيف يخاف الربّ ويحفظ كلام هذه الشريعة.

واتّهم التاريخ الاشتراعيّ معظم الملوك في خيانتهم لمهمّتهم، فاعتبر أنّهم بذنبهم، قادوا شعبهم إلى الكارثة. والأنبياء وأوّلهم هوشع، ندّدوا بالملكيّة على أنّها أكبر مصاب تحمّله شعب الله في حياته:

8: 4 ينصبون ملوكًا ولا يستشيرونني،

يقيمون رؤساء وأنا لا أعلم.

10: 15 هكذا يحدث لك، يا بيت إسرائيل،

جزاء كلّ المساوئ التي ارتكبتموها.

فما أن يبدأ القتال

حتّى يهلك ملككم هلاكًا.

خبرة قاسية اختبرتها مملكة إسرائيل، بعاصمتها السامرة، حين توالت الانقلابات والاغتيالات حتّى خراب السامرة وإجلاء سكّانها على يد الأشوريّين سنة 722-721 ق.م. لهذا تابع هوشع، بعد الكارثة، فوبّخ مؤمنيه في مملكة الشمال:

13: 10 أين ملوككم فيخلّصونكم؟

أين قضاتكم في كلِّ مدنكم؟

قلتم لي:

»أعطنا ملوكًا كرقباء علينا«

11 فأعطيتكم ملوكًا في غضبي،

وأخذتُهم في غيظي.

بالرغم من كلّ هذه الاحتجاجات الجذريّة، لا شيء ينفي عن المؤسّسة الملكيّة قدرها ومعناها. فحين يكون الموضوع موضوع البناء، يعود المؤرّخون والأنبياء إلى الصورة الملكيّة ليقدّموا آفاقًا مفتوحة على الرجاء. يخيب أملُ الشعب من ملك، فيهتف لملك جديد ويعلن أمله بأن يتحقّق المثال الذي يستشفّه.

ومع ذلك تبقى صورة الملك ملتبسة، كما نكتشفها من خلال الاختبار: هناك ما نراه. وهناك ما نحكم به. أن نرى المثال يتحقّق في التاريخ، تمنٍّ يجعلنا خارج المكان والزمان (أوتوبيا). فإن تحقّق كامل التحقيق، يزول في الوقت عينه أفقُ الرجاء. فالملك هو علامة كاشفة، وككلّ علامة لا يتطابق مع الواقع الذي يدلّ عليه. والله المخلّص يحتفظ بحرّيّته التامّة بأن يكشف بعدُ عن نفسه أبعد من العلامة. والثنائيّة في صورة الملك، كما تشدّد عليها البيبليا، تكشف دراما الإنسان الممزَّق بين الواقع والمثال. فلا بدّ له من أن يتجاوزه لكي يتمّ. وتكشف دراما شعب الله، الصائرُ يومًا بعد يوم، بحيث لا نقدر أن نحصيه. وتكشف دراما ملكوت الله الذي هو الآن هنا، وفي الوقت عينه ما أتى بعد. صورة الملك هي رمز الديناميّة التي تعبُر في تاريخ الخلاص كلّه. والإنسان في الكتاب المقدّس، يُسقط على الملك حاجته إلى أن يتجاوز نفسه ليلتقي بالكائن المطلق ويجد الخلاص بيد ربّه.

6- البعد المسيحانيّ للملك

المثال الذي تركّز في وقت من الأوقات في شخص الملك، عبَّر عنه لقبُ »المسيح« (أو الممسوح بالزيت) الذي أُعطيَ له. جاء هذا اللقب من المسحة التي ينالها حين يعتلي العرش. هذا ما كان بالنسبة إلى شاول (1صم 9: 16ي؛ 10: 1) وداود (1صم 16: 13-14) وسليمان (1مل 1: 34ي) وياهو (2مل 9: 3) ويوآش (2مل 11: 12: مسحه ملكًا، فصفّق الشعب، ونادوا: يحيَ الملك). فمن مُسح بالزيت المقدّس نال موهبة روح الله (أش 61: 1) حينئذ يصبح الملك »مسيح الربّ« (1صم 24: 7-11؛ مرا 4: 20) بعد أن طُبع بقداسة الله ومجده.

وسعت المزامير الملوكيّة (2؛ 45؛ 72؛ 89؛ 110؛ 132) إلى تصوير الوجه المثاليّ لمسيح الربّ. رفعوا سمات الملك، وأخذوا عنه عناصر لا تليق به، فسمت صورته على كلّ وجه في التاريخ. فانتظر الشعب من الملك الحفاظ على الأرض، والأمان والسلام، والحقّ والعدالة. انتظر منه أن يتوسّط لدى الله، وأن يتشفّع من أجل رعاياه. تقف هذه القيم على مستويين، لأنّه تعود إلى نظام حالٍّ في العالم، كما إلى نظام يسمو على العالم، إنّ بطبيعته، وإمّا بقدر ما نطلب منه. ونحن لا ننسى أنّ الله يمنح خيراته بواسطة الملك. وجاءت أناشيد صهيون (مز 46؛ 48؛ 87) ففتحت الآفاق عينها حين ركّزت هذا المثال اللاهوتيّ على داود وعلى أورشليم.

والمسيحانيّة التي تجعلنا ندرك عمل الله الدائم في التاريخ، وتحرّك الرجاء، جعلت جذورها أيضًا في أناشيد نقرأها مثلاً في تك 49: 8-12 (عن يهوذا) وفي عد 24: 7، 17 (كوكب، صولجان). وفي الحقبة التالية لداود، استندت المسيحانيّة بشكل رئيسيّ إلى نبوءة ناتان (2صم 7: 1ي) التي هي نقطة الانطلاق في اللاهوت المسيحانيّ الملكيّ. تجاوز العهد مع داود كلَّ الكوارث، فشعّ في عيون الجميع كوعد لا مشروط، يعبِّر عن مخطّط الله الخلاصيّ، مهما كان جواب الإنسان على نداء الله.

تعلّم شعب الله بواسطة النبيّ، فترجّى أن يعطيه الله الملك المثالي، العادل والمخلّص الذي اسمه »عمانوئيل«، إلهنا معنا (أش 9: 5-6؛ 11: 1-9). فهو من يُتمّ الوعد بشكل نهائيّ. والعهد الداوديّ يتضمّن تحوّلات وانقلابات مفاجئة، فلا يعود شرعيٌّا. يُعاد تفسيره، يرتبط بالإنسان الذي يتقبّله (مز 132: 12؛ 1مل 8: 25؛ 9: 4). فيأتي النبيّ ويقدّم الدواء: يقوم الله فيصلح. يعمل فيحقّق الوعد إلى الأبد. في هذا الإطار، قال عا 9: 11:

في ذلك اليوم،

أقيم مسكن داود المتهدّم،

فأسدُّ شقوق جدرانه،

وأرحمه وأعيد بناءه

كما كان في الأيّام القديمة.

حينئذٍ بدا تاريخ الخلاص وكأنّه ينطلق انطلاقة جديدة، وكأنّ الله يُظهر حضورَه من جديد في التاريخ، وكأنّه ابتعد لفترة معيّنة، بحسب هذا الإعلان النبويّ، يُقيم الله في السلالة »نبتًا« عادلاً به يخلّص شعبه، كما يقول إرميا 23:

5 ستأتي أيّام، يقول الربّ،

أقيم من نسل داود نبتًا صالحًا،

يملك ويكون حكيمًا

ويجري الحقّ والعدل في الأرض

6 في أيّامه يخلَّص شعب يهوذا

وبنو إسرائيل يسكنون في أمان،

ويكون اسمه: الربّ صدقنا.

وبعبارة أخرى، ينزع الله الرعاة الأردياء، ويقيم الراعي الصالح (حز 34: 33-34) الذي يجمع الأمم المشتّتة حول راعٍ واحد. والربّ يقود الجميع، الراعيَ والقطيع (حز 37: 22؛ زك 9: 9-10). وهكذا يلتقي العهد مع داود، بالعهد الذي عُقد مع الشعب. والوعد الذي أعطيَ لداود، يتمّ الآن للشعب، كما قال أشعيا 55: 3-5:

3 أميلوا آذانكم وتعالوا إليّ

اسمعوا فتحيا نفوسكم.

أعاهدكم عهدًا أبديٌّا،

عهدَ رحمتي الصادق لداود

4 جعلته رقيبًا للأمم،

وقائدًا ووصيٌّا عليهم

5 يدعو شعوبًا لا يعرفها،

وتتبعه أممٌ لا تعرفه.

الخاتمة

إعلان الخلاص مع المسيح كعلامة يشير إليها دانيال، حرّك الرجاء، وجدّد الانتظار في بعض الأوساط، في فلسطين. والذين اكتشفوا في يسوع الذي من الناصرة، تدخّلَ الله الخلاصيّ، فهموا أنّ الساعة المنتظرة أتت، وفيها يتمّ الإعلانُ المسيحانيّ. وإذ أرادوا أن يتحدّثوا عن شخص يسوع وعمله، أن يعلنوا مجيئه، عادوا إلى لغة الوعد، وواجهوها مع اللقاء بالله كما اختبروه في أحداث الساعة.

وعلامة »المسيح« التي شوّهها روح التفوّق والانتصار والوطنيّة المتطرّفة، أصلحتها علامة »عبد الربّ المتألّم« (أش 53). وهكذا توظّف هذان الشكلان من وحي الله في التاريخ، وعاد التوازن. وبقدر ما العلامة تسهّل اللقاء وتعبّر عنه، يكشف الله عن نفسه في يسوع، ذاك القويّ والضعيف معًا، لأنّ انتصار المسيح يسطع في الاتّضاع والخدمة. وثنائيّة العلامة تكشف منذ الآن بُعدَيها في »ملك إسرائيل«. والإنسان المفديّ هو أيضًا علامة عمّا هو الآن وعمّا سيكون. وهذا يقود إلى الملكوت الذي ما زال في طور البناء، فنسير في رجاء الانتصار التامّ، ساعة نمتلك منذ الآن ما ننتظره في شكل من الأشكال.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM