من بيت لحم أفراته.

 

من بيت لحم أفراته

مي 5: 1-4

حين جاء المجوس إلى بيت لحم يسألون: »أين هو المولود، ملك اليهود«؟ سأل بيلاطُس رؤساء الكهنة: »أين يولد المسيح«؟ وكان جواب هؤلاء: »في بيت لحم اليهوديّة لأنّ هذا ما كتب النبيّ:

»يا بيت لحم أرض يهوذا،

ها أنت الصغرى في مدن يهوذا،

لأنّ منك يخرج رئيس

يرعى شعبي إسرائيل.

هذا النصّ (مت 2: 3-5) الذي قيل في القرن الثامن ق.م.، ورأت فيه الكرازة المسيحيّة الأولى إشارة إلى ولادة يسوع، يدلّ في الواقع على رجاء جادّ وغامض معًا بأن تُخرج بيت لحم »داودًا« آخر يعيد الأمور إلى نصابها، بعد أن فشلَ الملوك المتعاقبون في أورشليم. وبيّنت جماعة يوحنّا التي انطلقت من الكتب: »المسيح يجيء من نسل داود، ومن بيت لحم مدينة داود« (يو 7: 42). عادت جماعة متّى ومثلها جماعة يوحنّا فقرأت ولادة يسوع في بيت لحم، في مدينة داود، انطلاقًا من نصّ ميخا النبيّ. فماذا يقول هذا النصّ؟

1 فأنت يا بيت لحم أفراته،

صغرى مدن يهوذا

منك يخرج لي

سيّدٌ على بيت إسرائيل

يكون منذ القديم،

منذ أيّام الأزل.

2 لذلك يترك الربُّ شعبه

إلى حين تلد الوالدة،

فيرجع الباقون من بني قومه،

إلى أرض بني إسرائيل.

3 يقف ويرعى شعبه

بعزّة الربّ إلهه

وبجاه اسم الربّ،

لأنّ عظمته ستمتدّ

إلى أقاصي الأرض.

4 ويكون سلامه سلامًا.

ما نلاحظ في قراءة هذه »النبوءة« هو أنّ متّى أوردها بشكل مغاير. قال ميخا: بيت لحم هي صغرى مدن يهوذا. أمّا متّى فقال: ليست الصغرى في مدن يهوذا. لماذا؟ لأنّ يسوع وُلد فيها. أجل لم تعد الصغرى. قابل ميخا بين مدينة كبيرة هي أورشليم، تحاصَر »والقاضي« (ش ف ط) أي الملك يُضرَب (4: 14)، وبين مدينة صغيرة أقامت فيها عشيرة الأفراتيّين، إحدى عشائر يهوذا. وكان را 4: 11 اعتبر أنّ أفراته هي بيت لحم. وكان 1 أخ 2: 19، 24، 50؛ 4: 4 قد قال: تزوّج كالب أفراته فولدت له حورًا، الذي هو أبو بيت لحم.

1- سياق النصّ

عاد بنو إسرائيل من المنفى، فأعادوا قراءة نبيّ تكلّم بالشرّ على شعبه الخاطئ. وهكذا بدا مي 4-5 نصٌّا متماسكًا يحمل لاهوت المنفى، لا مجموعة أقوال نبويّة مبعثرة.

نستطيع أن نقابل بلاغ النبيّ ميخا، في القرن الثامن، بما قاله سابقه عاموس، الذي تحدّث عن يوم الربّ فقال في 5: 20:

يوم الربّ ظلام لا نور،

بل هو سواد لا ضياء له.

ولماذا هذه النظرة السوداء؟ لأنّ المساكين يُستغَلّون، وعدالة الله يدوسُها أولئك الذين وجب عليهم أن يكونوا شهودًا له، والعهد يُنقَض وشعائر العبادة سوف تتوقّف، والأمان الدينيّ في أرض إسرائيل يتبخَّر. فقال مي في 3: 11-12:

11 رؤساؤها يحكمون بالرشوة،

وكهنتها يعلّمون بالأجرة.

أنبياؤها يتنبّأون بالفضّة،

ويعتمدون على الربّ قائلين:

»الربّ قائم في وسطنا،

فلا يحلّ بنا شرّ«.

12 لذلك، ستُقلَع صهيون،

بسبب أعمالكم، كحقل،

وتصير أورشليم خرائب،

وجبل بيت الربّ وعرًا.

ذاك هو القول الذي قرأه إر 26: 28 في زمن المنفى، فرأى فيه موجز تعليم ميخا. قال:

في أيّام حزقيّا، ملك يهوذا، تنبّأ ميخا المورشتيّ، وقال لشعب يهوذا: قال الربّ القدير: ستُفلَح صهيون كحقل...«.

في الواقع، كلّ شعب إسرائيل معنيٌّ بهذا الكلام، لا سكّان أورشليم فقط. فالشعب كلّه يُحرَم من مستقبل »شرعيّ« مع إلهه. منذ الآن، هو يرتبط بإرادة الله وحرّيّته. غير أنّ ميخا لم يُغلق الباب على كلّ أمل. فاسمه يدلّ على كرازته: »م ي ك ي ه و« مَن كَ يهوه: من مثل الربّ؟ هذا النبيّ يقدّم خبرته الطويلة عن إله عادل يحكم ولكنّه أيضًا يعفو ويغفر.

حُرم الشعب من بُنى عباديّة مسموح بها (لم يعد هناك من هيكل بعد سنة 587) فأعاد قراءة النبيّ ميخا وتأمّل في نصوصه: فالهزيمة الكاملة والمنفى ودمار الهيكل، كلّ هذا أعاده إلى قلب حياته، إلى »فراغ« يستطيع فيه النبيّ أن يطرح سؤاله. ترجم حزقيال هذا الغياب أو بالأحرى الانتقال الجذريّ في طريقة حضور الله من الهيكل، وذلك حين رأى المركبة في الفصل الأوّل:

3 هناك في أرض البابليّين، على نهر خابور، كلّمني الربّ أنا حزقيال بن بوزي الكاهن، وكانت يده عليّ.

4 فنظرتُ إلى فوق، فرأيتُ عاصفة مُقبلة من الشمال، وبرقًا ينفجر من سحابة عظيمة محاطة بهالة من الضوء.

فبعد مرارة المنفى، أمل الناس في عودة تكون إعادة بناء سعادة صارت »أسطورة«. ولكنّ الآتين أحسّوا بثقل الصعوبات التي تنتظرهم في القرن الخامس (أُخذت أراضيهم، هُدمت بيوتهم واحتلّها الغرباء). فوجب على الذين رأوا في مأساة سنة 587 تتمّة نبوءة ميخا أن يُعطوا لهذا المستقبل الذي ما زال يطرح سؤالاً، تفسيرًا يفرضه إيمانهم بإله قاسٍ وفي الوقت عينه يعفو. حينئذ أحسّوا بأنّهم يعيشون في زمن ينفتح على مستقبل مجهول: ليس هو نهاية الأزمنة ولا الولادة الجديدة التي وعد بها أنبياء المنفى مثل حز 37:

12 سأفتح قبوركم وأصعدكم منها، يا شعبي، وأجيء بكم إلى أرض إسرائيل.

13 فتعلمون أنّي أنا هو الربّ حين أفتح قبوركم وأصعدكم منها يا شعبي.

14 وأجعل روحي فيكم فتحيون، وأريحكم في أرضكم فتعلمون أنّي أنا الربّ تكلّمت وفعلت، يقول الربّ.

وهكذا انطفأت سلالة داود. فما معنى هذا الفراغ في تاريخ الخلاص؟ حينئذٍ اكتشف المنفيّون أنّ الربّ هو سيّد مسيرة دراميّة يكون الأشخاص فيها: إسرائيل، الأمم، المسيح. أمّا أبعادها فكونيّة بحيث تصل إلى أقاصي الأرض. هنا نقرأ مي 4: 13:

فدوسي عليهم يا بنت صهيون،

كثور قرناه من حديد،

ومن نحاس جُعلت أظلافُه.

وهكذا تسحقين شعوبًا كثيرين،

فأجعل غنائمهم وما يملكون

حلالاً لي أنا الربّ

سيّد الأرض كلّها.

انطلقوا من نهاية الأيّام، فأعطوا معنى لحاضر مؤلم، يقع كلّه في إطار حروب تكون قبل الأخيرة. نقرأ 4: 9-10:

9 والآن، لماذا تصرخين،

وتتوجّعين كالتي تلد؟

أما فيك من يملك؟

أباد عنك المشير؟

10 تلوّي، يا بنت صهيون،

وتوجّعي كالتي تلد.

فالآن تخرجين من المدينة،

وفي البرّيّة تسكنين،

لتذهبي إلى بابل من بعد.

هناك ينقذك الربّ،

ومن أيدي الأعداء يفتديك.

هو خروج من مصر، أو من أورشليم، وذهاب إلى البرّيّة، كما في زمن الخروج. ثمّ المنفى في بابل. وكما افتدى الربّ شعبه من مصر، يفتديه من بابل، بل هو افتداه. هذا يتضمّن مستقبلاً مباشرًا وبداية انتصار يحمل السلام.

وبنية هذه القصيدة (ف 5) تدلّ على أنّ التحوّل يتمّ في مكان ضيّق، في انشداد بين صهيون مدينة الملك وبيت لحم الوضيعة. هناك تتمّ الدينونة الحاسمة. نقرأ 4: 14:

والآن، جدّ الجدّ يا بنت الجدود،

يضيّقون علينا الحصار،

ويضربون قاضي إسرائيل

على خدّه بالقضيب.

2- الراعي الحقيقيّ (آ 1)

في ف 4، كان للإله الذي يأخذ شعبَه بيده، سمات راعٍ يجمع قطيعه ليقوده ويعود به إلى الحظيرة. هذا ما نقرأ في 4: 6-8:

6 في ذلك اليوم يقول الربّ،

أجمع البعيدين من السبي،

وألمُّ المشرَّدين من شعبي،

وأرعى الباقين منهم.

7 أجعل العرج يمشون،

والجياع أمّة عظيمة،

فيملك الربّ في صهيون،

من الآن وإلى الأبد.

8 وأنت يا برج القطيع،

يا جبل بنت صهيون،

إليك يأتي الحكم،

ويعود الملك كما من قبل،

إلى مدينة أورشليم.

ففي هذا القول النبويّ، الموضوع الرئيسيّ هو »الراعي الحقيقيّ« كما تحدّث عنه حز 34: 1ي. وهو الآن يقوم بعمله باسم صاحب القطيع. وحين يُذكر يعقوب، نفهم أنّنا ما زلنا في إطار عمل الرعاية.

إنّ بيت لحم تذكّرنا بمسح داود بالزيت، على يد صموئيل الذي تبيّن في أصغر أبناء يسّى »من يرعى القطيع«، من يكون مسيح الربّ (1 صم 16: 1-13؛ 2 صم 7: 18). في هذا الإطار الجديد من الإيمان، يدعو أشعيا أورشليم لأن تستعيد النور. ويقول لها في ف 60:

21 جميع شعبك من الأبرار،

يرثون الأرض إلى الأبد.

هم غرسٌ أنا غرسته،

وصنعُ يدي لأتمجّد به.

22 القليل منهم يصير ألفًا،

والصغير يصير أمَّة عظيمة،

أنا الربّ أعجِّل ذلك في حينه.

»منك يخرج« (ي ص ا). هو فعل يُستعمل في الخروج، كما يستعمل عن خروج الراعي الذي يسير وراء قطيعه ليجعله يمشي. هذه الإشارة إلى رئيس مواهبيّ ترتبط بإيديولوجيّا ملكيّة قديمة، تعلّق بها بنو إسرائيل في المنفى. فما عادوا يتلفّظون باسم الملك، بعد أن فشل الملوك وضاعت ذرّيّة داود. فنقرأ في إر 30: 20-21:

20 يكون بنوهم كما في القديم،

وجماعتهم تثبتُ أمامي،

وأعاقب جميع طالبيهم.

21 ويكون كبيرهم (ا د ي ر و) واحدًا منهم

ورئيسهم (و م ش ل و) يخرج من بينهم،

أقرّبه فيدنو إليّ.

فمن يجرؤ إذًا

أن يدنو إليّ من تلقائه؟

أجل، الحاكم لا يكون غريبًا، بل يخرج من بينهم. وقال زكريّا في الإطار عينه في ف 10:

4 فمنه يخرج حجر الزاوية

ووتد الخيمة وقوى القتال.

منه يخرج كلّ حاكم.

ونشير هنا إلى أنّ فعل »ي ص ا« (خرج) في تاريخ الإيديولوجيّات الملكية ارتبط بموضوع إشعاع الشمس (مز 19: 7؛ 65: 9؛ 75: 5) الذي نجده في بابلونية وفي مصر. مثل هذه النظرة إلى »الرئيس« (لا الملك) تتيح لنا بأن ندرك الموضوع الملكيّ في جذوره، وخارج كلّ تواصل للسلالة التي منها خرج النبتُ الملكيّ كما قال أش 11: 1:

يخرج فرعٌ من جذع يسّى،

وينمو غصنٌ من أصوله.

هذا ما تبرزه عبارات قديمة ذات بُعد ميتولوجيّ (آ 1)

مخرجه (أصوله) منذ القديم،

منذ الأيّام الأول (قبل التاريخ).

ولا يُذكر الملك (م ل ك) بل الرئيس والمتسلّط (م و ش ل) باسم الله. وسلطانه (4: 8، ه م م ش ل ه) وحده يميّزه: هو سلطان لا يأتي من شرعيّة السلالة. أو من سلطة مستبدّة، بل لأنّه يمارسه بالحقّ (4: 7-8). فالراعي الحقيقيّ هو من ينال مهمّته من سيّد القطيع.

3- يرجع الباقون (آ 2)

بل تلدهم تلك التي سوف تلدهم. تربط آ 2 ثلاثة مواضيع تقليديّة من النبوءة المتأخّرة، بعضها مع بعض. زمن التخلّي (يترك، ي ت ن م، يجعلهم) الذي آمن به هذا الجيل يشكّل باكورة الولادة المؤلمة (تلد الوالدة، ي ل د ت. ي ل د ه) للفرع المسيحانيّ الذي سيكون بدوره بداية التجمّع الأخير (فيرجع الباقون) للشعب المختار. هنا نتذكّر أش 7: 14-16:

14 ها هي العذراء تحبل وتلد ابنًا،

وتدعو اسمه عمانوئيل.

15 يأكل زبدًا وعسلاً

إلى أن يعرف

كيف يرفض الشرّ

ويختار الخير.

16 فقبل أن يعرف الصبيّ

كيف يرفض الشرّ ويرفض الخير،

تُهجَر الأرض التي يُريحك ملكاها.

»تهجر« (ت ع ز ب). يتركها الناس لأنّ الله تركها. وفي الخطّ عينه نقرأ أش 9: 5-6:

5 وُلد لنا ولدٌ،

أعطيَ لنا ابنٌ،

فكانت الرئاسة على كتفه.

يُسمّى باسم عجيب...

6 سلطانه يزداد قوّة،

ومملكته في سلام دائم...

هذا الموضوع له جذور قديمة. نحن نعرف سلسلة من الولادات الاستثنائيّة حيث لا تقدر المرأة أن تلد، شأنها شأن كلّ امرأة، ثمّ تلد ابنًا لا غنى عنه من أجل تاريخ الخلاص. في 1 صم 1: 1ي: حنّة وابنها صموئيل. في تك 30: 23: راحيل ويوسف. في تك 25: 21ي: رفقة ويعقوب. ولفظ أفراته قد يعني في أصل اللفظ سرّ هذه الولادات العجائبيّة. أفراته ترتبط بالخصب والثمرة. في أش 66: 7-9، قدرة خلاّقة لدى إله الآباء تحرّك ولدًا يعبِّر بوضوح عن طابعه الجماعيّ: مناخ السلام المسيحانيّ الذي يحلّ في هذا الفصل يدلّ على نهاية المقطع الذي نقرأ. راجع أش 66: 12:

لكنّي إلى هذا أنظر:

إلى المسكين والمنسحق الروح،

وإلى من يخاف كلمتي.

ويتواصل هذا الرجاء حتّى القرون الأخيرة السابقة للمسيحيّة، ولا سيّما مع مدائح قمران (مد 3: 1-18): يُولَد ابن يكون »مشيرًا عجيبًا«، ومحرِّرًا. والجذع الذي يولَد من الجماعة المحتقرة (مد 8: 1، 6-7)، هو أيضًا ثمرة محنة جماعيّة. إنّه، بلا شكّ، إسرائيل الأزمنة الأخيرة.

إنّ قول مي 4: 9-10 يشير إلى آلام بنت صهيون، تلك التي تلد، كما في أش 7: 14. إن قابلناه مع أش 9: 5، تدعونا المقابلة إلى أن نماهي بنت صهيون مع الجماعة التي امتُحنت والتي وُلد منها المسيح أو البقيّة المقدّسة.

في مي 5: 2 ستظهر الوالدة أيضًا في ارتباط ببيت لحم وبصهيون معًا: من بيت لحم يخرج المسيح. هنا لا نُحلّ صبيّةً خاصّة محلّ الجماعة المذكورة في بداية القصيدة. ثمّ إنّ »بقيّة إخوته« لا ينطبق على الشعب الذي ما زال في المنفى، والمعدّ في النهاية لكي يجتمع مع مجموعة العائدين الصغيرة. لا شكّ في أنّنا نستطيع أن نتوسّع في آ 2 على الشكل التالي: »لهذا، سوف يتركهم الربّ حتّى تدشين الأزمنة المسيحانيّة، التي أعلنها الأنبياء في كلام عن ولادة عسيرة فيها المفارقة والإعجاب«.

4- بعزّة الربّ إلهه (آ 3)

يكون المسيح واقفًا. ذاك هو موقف القاضي الذي يرعى بقدرة الربّ وعزّته: ذاك هو النشاط المشروع لذاك الذي خرج من أجل الله (آ 1). نقرأ حز 34: 17ي:

17 »وأنتم يا غنمي، سأحكم بين ماشية وماشية، بين الكباش والتيوس.

18 أما كفى بعضكم أن يرعى المرعى الصالح، حتّى يدوس برجليه باقي مراعيكم، وأن يشرب المياه الصافية حتّى يكدّرها برجليه؟

19 فيكون على البعض الآخر من غنمي أن يرعى ما انداس من المرعى، ويشرب ما تكدَّر من المياه«.

20 لذلك قال السيّد الربّ لرعاة غنمه: »سأحكم بين الماشية السمينة والماشية الهزيلة...«.

عمل المسيح يدلّ على أصل سلطته الفريد. وبالنسبة إلى إسرائيل، ستكون نهاية البلبلة والمحنة، بحيث يستطيعون في النهاية أن ينموا إلى أقاصي الأرض، ويدركوا مدلول السلام الموعود به منذ زمن قديم، منذ الأنبياء الكذبة الذين عاصروا ميخا المورشتيّ (مي 3: 5) حتّى الأقوال العجيبة التي رافقت بني إسرائيل خلال عودتهم من المنفى.

الخاتمة

إنّ هذا القول (5: 1-14) الذي قاله ميخا يعبِّر عن انشداد مدهش بين مدينة صغيرة يناديها الله، هي بيت لحم، وبين كبرٍ كونيّ للراعي الحقيقيّ الذي يقيمه سيّد القطيع له ولشعبه. وهذا الانشداد يتعارض مع مصير صهيون الكبيرة بما فيه من مفارقة، حيث قاضي إسرائل يُضرَب ولن يكون شيئًا بدون ذاك الآتي لأجله من بيت لحم...

إنّ الأمل بهذا الانقلاب الكبير من أجل الضعفاء، غذّى تقوى »المساكين« ورافق اليهود منذ العودة من المنفى حتّى زمن المسيح. وعظَّمت كتاباتُ البحر الميت، ولا سيّما المدائح، هذا الرجاء فأشارت إلى اقتراب الحدث، في منظار سنجده عند يوحنّا المعمدان. واستعان لوقا بألفاظ أخذها من حرارة القرون الأخيرة ق.م.، فكتب مقدّمة إنجيله. ويكفي أن نقرأ السلام إلى مريم في لو 1: 31-33، ونشيد التعظيم الذي أنشدته (1: 46-55) أو نشيد زكريّا، أو نشيد الملائكة، لندرك أنّ الجماعة المسيحيّة الأولى فسّرت نصٌّا ميخا، الذي هو نصّ حيّ. وأتاحت للوقا في قراءة النبيّ المورشتيّ، أن يكتشف في مريم بنت صهيون، وأن يعترف بذلك »حتّى أقاصي الأرض« (لو 24: 47؛ أع 1: 8). وهكذا بيّن الإنجيليّ الثالث قدرة الربّ في خدمة الصغار من بيت لحم إلى أورشليم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM