القراءة اللاهوتيّة والرعائيّة حيث الكلام عن رسول من الله

 

القراءةاللاهوتيّة والرعائيّة حيث الكلام عن رسول من الله

أرسل الله شهوده منذ القدم. وآخر شاهد له كان يوحنّا المعمدان. فكيف تقبَّل العالم، كيف تقبَّل شعبُ إسرائيل، هذه الشهادة الأخيرة التي بدت لهم سراجًا؟

1- شهادة يوحنّا

أ- موقع النصّ

حين نقرأ القطعة الثالثة (آ6-8) نندهش: بدا النشيد وكأنَّ سردًا قصيرًا قطع مسيرتَه. لهذا، نسبَه عددٌ كبير من الشرّاح إلى كاتب آخر. حلٌّ سهل، ولكنَّه لا يُرضي: يبحثون عن تماسك، وينسون السياق اليوحنّاويّ.

فالسياق المباشر يُبرز الإشارة إلى يوحنّا المعمدان على أنَّه الشاهد. كشفَت القطعتان الأولى (آ1-3) والثانية (آ4-5) قبوُجودَ اللوغس، ثمَّ دورَه في عالم خُلق بيده. وكان الختام: »النور يضيء في الظلمة، والظلمة لم توقفه«. فانتصار النور هذا، يبدو من عالم الخيال لمن يريد براهين ودلائل مقنعة. هل اكتفى الله بأن يؤمِّن نصره »في الهواء«؟ هذا يدلّ على جهل لطريقة الله: اعتاد على مدِّ التاريخ أن يكون في »محاكمة« مع شعبه(1)، ويدعو الشهود. هذا ما قال بفم النبيّ أشعيا: »أنتم شهودي، ذريّة عبدي الذي اخترتُه« (أش 43: 10). وفي المطلع، حيث يتجلّى مشروع الله من أجل اللقاء بالبشر، أرسل رجلاً لكي يكون شاهدًا للوغس الذي أتى إلى العالم.

بدأ الحدث في أسلوب بيبليّ (قض 13: 2؛ 17: 1؛ 19: 1؛ 1صم 1: 1): »وحصل أنَّ إنسانًا egeneto anqVrwpo" اسمه يوحنّا (اسم له يوحنّا) onoma autw ioanne". رج مر 1: 4 egeneto ioannh". جاء هذا الرجل في مسيرة التاريخ. واعُتبر مجيئُه حدثًا لامتوقَّعًا. لا نعارضُ هنا الماضي المبهم egeneto الذي يتكلَّم عن المعمدان، مع الماضي المستمرّ hn الذي يتكلَّم عن اللوغس. فالجملة لا تبدأ بحرف العطف kai الذي يدعونا إلى ربط هذا المقطع ربطًا وثيقًا بما في 1: 1. نحن هنا أمام وُجهة جديدة في تاريخ اللوغس: شخصٌ من هذا العالم، كُلِّف بأن يُعلن للبشر حضور نور اللوغس، ويدعوهم لكي يتعرَّفوا إليه.

قيل عن الشاهد: مُوفَد من عند الله. في الإنجيل الرابع، هي كرامة محفوظة ليسوع الناصريّ وللبارقليط (يو 3: 17، 34؛ 5: 38؛ 14: 36؛ 15: 26؛ 16: 7). وهذا التوصيف الاستثنائيّ هو صدى لدعوة الأنبياء، مثل موسى وأشعيا وإرميا و»النبيّ المنتظر« بحسب ملا 3: 1، 23 (رج خر 3: 10-15؛ أش 6: 8؛ إر 14: 14). الله نفسه، لا اللوغس، أرسل المعمدان من عنده من أجل الرسالة: »جاء »ليشهد«. استعمل السردُ هنا الاسمَ »شهادة« marturian، بدون أل التعريف. هكذا يشار إلى فعل قام به المعمدان: الشهادة الشهادة التي يؤدّيها بواسطته، اللهُ ذاتُه للوغس.

ب- شاهد اللوغس

إنَّ شهادة يوحنّا في هذا المطلع الشعريّ، تقابل ما في المطلع التاريخيّ (1: 19-34). فمهمّة المعمدان ومضمونُها يَردان في شكلين متشابهين. هنا »أرسل«، يوحنّا، و»جاء للشهادة للنور« (1: 7). هناك »أُرسل« (1: 33) و»جاء ليعمِّد في الماء« (1: 31). في المطلع الشعريّ، الهدف: »ليؤمن كلٌّ بواسطته« (1: 7). في المطلع التاريخيّ: »لكي يُظهَرَ ]المسيح[ لإسرائيل« (1: 31). ولكن هذا التقابل لا يُخفي عنّا الخلاف، بحيث نستنتج بسرعة أنَّ شهادة يوحنّا تأدَّت ليسوع الناصريّ. فكما في المطلع التاريخيّ، هذا الاستنتاج غيرُ ممكن إلاّ للذين يعتبرون (وهو اعتبار خاطئ في رأينا) أنّ المطلع يتحدَّث منذ البداية عن يسوع المسيح.

في الواقع، لسنا بعدُ مع الكلمة المتجسِّد. وهذا لا يكون إلاّ في 1: 14. وبالتالي، شهادة يوحنّا في 1: 15 تعني يسوع. فالشهادة في آ6-8 لا تُشير بشكل مباشر إلى اللوغس، بل إلى النور الذي ينير كلَّ إنسان. فيوحنّا المعمدان هو شاهد أرسله الله، لكي نعرف نشاط اللوغس التنويريّ على الأرض (1: 11). إنَّ هذا التقابل يُبرز توجُّه المطلع الشعريّ في آ6-8: تعميمُ بُعدِ شهادة يوحنّا، بحيث لا تُحصر في مكان أو زمان. في الخبر الإنجيليّ، شهد يوحنّا بمناسبة العماد (3: 28-29). وفي المطلع الشعريّ، هي شهادة مجرَّدة، من أجل النور. في الخبر، أظهر يوحنّا لإسرائيل حضور ذاك الذي لا يعرفونه بعد. أمّا في المطلع الشعريّ، فعلى يوحنّا أن يقود إلى الإيمان جماعةَ البشر.

وغائيّة هذا الخبر: »أن يؤمن الجميع«. ولكن لا يُصرَّح عن موضوع هذا الإيمان. فمعنى فعل »آمن« هو ذاك الذي نجده في آ12. أمّا هنا فلا يُوضَح إن كان يجب أن نعترف باللوغس على أنَّه لوغس: فالنصّ يشير إلى ضرورة الاعتراف بالنور الذي يُشعّه اللوغس في العالم، أي نور الحياة، كما في آ4. وتجاه الظلمة التي تهدِّد الأرض (1: 5)، إنبرى شاهد ليؤكِّد »بشكل قانونيّ«، من قِبَل الله، حضورَ هذا النور وانتصاره.

ماذا نعني بلفظ »الكلّ«؟ إنَّ سياق الشموليّة الذي ينغمر فيه الجزءُ الأوَّل من المطلع، يدعونا لأن نرى في هذا اللفظ أكثر من معاصري إنسان تاريخيّ. بل البشريّة كلّها، عبر الحدود المكانيّة والزمانيّة. حينئذٍ، ماذا تكون أهميَّة هذا الوجه؟ وإن أخفى النفيُ في آ8أ (»ما كان النور«) نيّة هجوميّة على العماديّين، فالأساس يبقى في مكان آخر: لقد اعتبر الإنجيليّ هذا الشخص اعتبارًا كبيرًا، بحيث جعله الموكَّل ليتوسَّط بين اللوغس والبشريّة (وهي كرامة يعكسها المطلعُ التاريخيّ). وهذا الرجل الذي أُرسل من لدن الله، يشهد في العالم على النور الذي هو اللوغس. من هو؟

القطعة التي نقرأ (آ6-8) تخالف آ15، فلا توضح مضمونَ شهادة يوحنّا. إنَّه أمرٌ مهمّ، لأنَّه يُلقي الضوء على مثول »الشاهد« منذ آ6-8. في القسم الثاني من المطلع، سيعني مضمونُ الشهادة شخصَ يسوع. في هذه القطعة، بدا يوحنّا كشخصٍ تاريخيّ، ولكنَّ شهادته تجاوزت الظروف الخاصّة. نحن نفهم ذلك فهمًا أفضل، إن قابلنا آ6-8، 15 مع ما يقوله المطلع التاريخيّ عن يوحنّا المعمدان. وُزِّعت شهادةُ يسوع على يومين يقابلان الشهادتين اللتين في المطلع الشعريّ.

في اليوم الثاني (1: 29-34)، تأدَّت الشهادةُ بعد أن عرف السابق في العماد، ذاك الذي حلَّ عليه الروح القدس. وهذا ما يوافق شهادة يوحنّا في 1: 15. أمّا في اليوم الأوّل (1: 19-28)، فاكتفى يوحنّا بأن يشهد أنَّ ذاك الذي انتظره إسرائيل هو حاضر. هو هنا وإن لم تُعرَف بعدُ هويّتُه. ويعرف يوحنّا فقط أنَّه يتفوَّق عليه بالكرامة (1: 27). في هذا النصّ (كما سنرى)، يوحنّا هو »صوت« يستجمع نبوءات الأزمنة أي زمن الوحي الذي سبقه باتِّجاه مجيء المخلِّص. إذًا، الشهادة التي يؤدِّيها المعمدان للنور (في آ6-8) تقابل الشهادة المؤدّاة »في البرّيّة« (1: 23)، وذلك قبل أن يلتقي الشاهدُ بالمسيح ويتعرَّف إليه.

في الخبر (1: 19-28)، حدَّد يوحنّا نفسَه على أنَّه طريق النبوءة، فأوَّن كلَّ التقليد النبويّ الذي سبقه، كلَّ إنباءات خلاص الله الآتي إلى الإنسان. أمّا في آ6-8، فمثَّل جميعَ »الشهود« الذين كُلِّفوا على مدِّ التاريخ بأن يشهدوا لحضور النور الإلهيّ في العالم. وجهُه أكثر من شخص فرد. هو نمط type. ووظيفته لا تنحصر في حقبة خاصّة. والبلاغ الذي يحمله يتَّصف بالشموليّة. ففي الزمن السابق لتجسُّد اللوغس، ما نقص الله شهودٌ مكلَّفون بأن يوجِّهوا البشر نحو النور الذي ينورِّهم منذ الآن. لهذا استطاع النصّ أن يقول: »جاء« (1: 6) يوحنّا لكي يؤدّي شهادته. غير أنّنا نستطيع القول: إنَّ شهادته تُمارَس على مدِّ التاريخ.

2- اللوغس واللقاء بالبشر

مع القطعة الرابعة، تبدأ الدرفة الثانية (1: 9-18) في تاريخ يبلِّغ فيه الله عن نفسه. تاريخ يمتدّ فيه وحيُ اللوغس. وقد شهد على الاتّصال بين السماء والأرض، يوحنّا، الشاهدُ الحقيقيّ للنور الذي هو لوغس: هو صورة تجمع كلَّ مرسَلي الله الكبار، من أنبياء وحكماء ومصلّين. وبهذه الصورة يستطيع جميع البشر أن يتعرَّفوا إلى نور اللوغس الذي يضيء عليهم.

هكذا نستعيد تاريخَنا، لا من جهة الله، بل في واقع اللقاء بين اللوغس - النور والبشر. ويُقال على التوالي: النور »جاء إلى العالم«. »إنَّه في العالم«. وأخيرًا، »جاء إلى أخصّائه«. كان جواب البشر سلبًا. رفضوا. ثمّ إيجابًا، قبلوا. ويبلغ النصّ إلى اتّصال كامل بين الله والبشر. أي إنَّهم يستطيعون أن يكونوا أبناء الله. نستطيع أن نميِّز في هذه القطعة ثلاثة أجزاء. عودة إلى الكلمة النور (آ9). رفضٌ عامّ للوغس (آ10-11). قبول للوغس وثمر هذا القبول (آ12-13).

أ- نور كلِّ إنسان

ترجمة آ9 هو منذ الآن تفسير. فالجملة اليونانيّة لا تحدِّد فاعل الفعل hn (كان). ولا بما يتعلَّق »الآتي إلى العالم«. ذاك هو النصّ ننقله لفظًا لفظًا كما هو مرتَّب: »كان النور fw" الحقيقيّ الذي ينير كلَّ إنسان آتيًا إلى العالم ton Kosmon. إن جعلنا من النور فاعل الفعل، نربط الفعل »كان« بـ»آتيًا إلى العالم«. ولكنَّ هذا العمل صعب على المستوى الغراماطيقيّ، بالنظر إلى الجملة الموصوليّة المندرجة: »الذي ينير كلَّ إنسان«. لهذا من المفضَّل أن نفترض، حسب ترتيب المطلع، أنَّ »النور« هو خبر كان، والاسم تتضمَّنه الجملة. أي: كان اللوغس النور. أمّا عبارة »آتيًا إلى العالم«. فقد تصف »إنسانًا« بحسب العبارة الرابّينيّة. ولكن أضيفت في هذه الجملة إلى لفظ إنسان، فكانت تكرارًا مملاً، لهذا نربطها »بالنـور« fw" الذي هو حيــاديّ neutre كمـا يمكن أن يكون اسـم الفاعل ercomenon: حين أتى اللوغس إلى العالم، أضاء النورُ على كلِّ إنسان.

قيل إنَّ اللوغس هو »النور الحقيقيّ« . αληθιονςكل ما هو صادق. صحيح. كل ما يُوثق به ويُركَن إليه. بهذه الصفة التي تختلف عن alhqh" (= لاكاذب)، تَحدَّد موقعُ اللوغس بالنسبة إلى يوحنّا الذي كان فقط شاهدًا للنور (1: 8؛ رج 5: 35). كما بالنسبة إلى الأنوار الكاذبة التي قد تكون ظهرت في العالم: هي أصنام مزيَّفة. وحده الله الحيّ هو »الحقيقيّ« (1تس 1: 9؛ رج يو 17: 3؛ 1يو 5: 20). قد يعكس النصّ توقَ الغنوصيّين الذين عاصروا المعرفة الحقيقيّة. ومع ذلك، فالرغبة بالنور الإلهيّ هي معطية بيبليّة مستمرّة، كما في توسُّلات المزامير (4: 7؛ 119: 105) وعدد من نصوص العهد القديم، ومنها إعلان أش 9: 1 حول التجلّي التامّ لنور الله حين مجيء المسيح. وتقول آ9: اللوغس ينير الآن (صيغة الحاضر) كلَّ إنسان. ماذا يعني هذا؟

إذا اعتبرت البيبليا أنَّ النور يسطع حين يتحقَّق الوعدُ فيصل إلى أقاصي الأرض، وإذا كان هذا الإشعاع منتظَرًا من المسيح (مت 4: 16؛ لو 2: 32)، يبقى أنَّ نور الله هو منذ الآن مع البشر. ولكنَّ هذا قيل عبر لغة مختلفة تعني الحكمة: هي تعلِّم كلَّ إنسان منذ البداية. تكشف الأسرار الإلهيّة. بها يُلهم الله الحكماء والأبرار ويمنحهم فهم مشيئته (تث 34: 9؛ 1مل 3: ..11.). حكمةُ الله هي مع الوضعاء (أم 11: 2). هي تقيم مع الإنسان (دا 2: 21)، لأنَّ الله يَهبها لمن يرضيه (جا 2: 26).

هكذا، إشعاع النور الحقيقيّ في العالم، سبقه نموذجٌ في حكمة العالم التي تلج قلوب المؤمنين وتعلِّمهم من الداخل. أمّا يوحنّا فاختار لغة »النور«(2).

في آ4 (ثمّ في 1: 10) كان اللوغس في علاقة مع العالم. وقال 1: 5 بواسطة الفعل في صيغة الحاضر fainei أنّ النور »أضاء« في الظلمة. والآن، كلمة الله »تنير كلَّ إنسان«. بهذه التسمية الأخيرة، ما تطلَّع يوحنّا إلى البشريّة بشكل عامّ (وإلاَّ كان استعمل صيغة الجمع، أع 24: 16؛ روم 5: 12-18؛ 1كور 15: 19؛ 2كور 3: 2)، بل إلى كلّ إنسان بمفرده. ونستطيع أن نستنتج هذه اللطيفة من واقع يقول: ما جاء اللوغس (في الماضي) فقط إلى العالم بل »يجيء« (الآن في الحاضر) إلى العالم. مع فعل »جاء« رأى عددٌ من الشرّاح أنَّ الكلام يشير إلى تجسُّد الكلمة. ولكنَّ معنى لقاء شخصيّ مع اللوغس - النور«، يليق أيضًا بالسياق. فعلى مدِّ الأجيال، يأتي اللوغس للقاء كلِّ إنسان. وهكذا يتمّ حلمُ الحكمة التي تساعد الذين يطلبونها لكي يجدوها (حك 6: 12).

قال يوحنّا هنا ما يقابل مقال القدّيس بولس: انطلق الوثنيّون من العالم المخلوق »فعرفوا الله: لأنَّ ما يقدر البشر أن يعرفوه عن الله، جعله الله واضحًا جدٌّا لهم. فمنذ خلقَ اللهُ العالم، وصفاته الخفيّة أي قدرتُه الأزليّة وألوهيَّته، واضحة جليّة تدركها العقول في مخلوقاته. إذًا، لا عُذر لهم. عرفوا الله، فما مجّدوه ولا شكروه كإله. بل زاغت عقولهم وملأ الظلام قلوبهم الغبيّة« (روم 1: 19-21).

ففي نظر بولس كما في نظر مز 19، العالم هو كلام الله الموجَّه إلى البشر، الذين ينبغي عليهم أن يتعرَّفوا إليه. وفي نظر يوحنّا، العالمُ كلُّه هو موضع الوحي، لأنَّ اللوغس ينير فكرَ كلِّ إنسان بشكل شخصيّ.

هكذا طُرحَت وحُلَّت مسألة استنارة الذين ما عرفوا يسوع السميح. وقد أجاب عددٌ كبير من آباء الكنيسة، في بداية المسيحيّة، على هذه المسألة بفكر منفتح لن يعرفه المسيحيّون فيما بعد. تحدَّث يوستين »عن زرع اللوغس المولود في الجنس البشريّ كلِّه«: بحسب هذا الفيلسوف، عرف سقراط جزئيٌّا المسيح، »لأنَّ جميع المبادئ الصحيحة التي اكتشفها الفلاسفة والمشرّعون، ارتبط بما وجدوا جزئيٌّا في اللوغس وشاهدوا«(3). وإذ فعل المطلع ما فعل، توَّج ما قيل عن الحكمة: مهمَّتُها أن تنير جميع البشر ولا تستثني أحدًا، فتتجاوز حدودَ إسرائيل (سي 24: 30-34؛ حك 1: 7؛ 6: 1-2، 12-18). وأخيرًا، هذا ما يشير إليه يوحنّا حين الكلام عن خراف هي من قطيع آخر، وعن أبناء الله المشتّتين. ذاك هو حنان الله ورحمته (تي 3: 4).

جاء اللوغس إلى العالم. فما كان جواب الإنسان؟ في المبدأ، وبشكل إجماليّ، انتصر النور على الظلمة وأضاء (1: 5). ولكن ما الذي حصل في امتداد التاريخ البشريّ؟ في خطّ التيّار الحكميّ، عكَسَ اللوغسُ مسيرةَ الحكمة التي عُرفت في تقليدين مختلفين: أو أنَّ الحكمة تاهت في العالم فما وجدت موضعًا ترتاح فيه، فعادت إلى مكانها الأصليّ، وجلست في السماء مع الحكماء (1أخن 42: 1). أو أنَّ الحكمة جَعلت مسكنَها في إسرائيل وتجسَّدت في الشريعة (سي 24: 10، 23؛ با 3: 38-4: 1). في نظر يوحنّا، مع أنَّ الكلمة حضر في العالم ولدى أخصّائه، فهو ما عرف »مسكنه« إلاّ في 1: 14. حينئذٍ صار إنسانًا، ورُئيَ في مجده. قبل ذلك، وبعد الفشل العامّ في اللقاء، تأكَّدت بنوّةُ الله من أجل الذين تقبَّلوا اللوغس.

رُسم جوابُ البشر في خطوط عريضة في درفتين: هناك رفض عامّ، لا شيء يبرِّره. وهناك أيضًا استقبال بحيث يتحقَّق مشروع الله في »الذين آمنوا«: بواسطة اللوغس صاروا »أولاد الله«.

ب- الرفض العامّ

9 في العالم كان،

والعالم به صار،

والعالم ما عرفه.

10 إلى الأخصّاء جاء، ei" ta idia

والأخصّاء ما استقبلوه. oi idioi

ارتبطت الدرفة الأولى من الدبتيكا مع آ9، حيث جاء اللوغس إلى العالم فأنار كلَّ إنسان، فتكَّلمت في جملتين متوازيتين عن رفض عامّ من قِبَل البشر. ولا يُعطى أيُّ تبرير عن هذا الرفض. ولكنَّ الإثبات فرض نفسه تجاه رفض شامل للنور: والنتيجة هي هي في نهاية قولين، مع لطائف تساعد على تمييزهما.

حسب آ10، كان اللوغس في العالم. وهو حضور يلي ما حصل في آ9. وحضوره في الخليقة إجمالاً وفي البشر الذين في الخليقة(4)، لا يُفهَم بشكل حلوليّ (= الله يحلُّ في كلِّ شيء). لهذا يكون من المناسب أن نذكر أنَّ العالم خُلق بيد اللوغس. وما يُدهِش، هو أنَّ العالم (أي البشر) الذي يرتبط بخالقه برباط حياة، ما عرف في الخلق حضور كلمة الله (روم 1: 20-21). إنَّ ماضي الاستمرار »كان« يشير إلى وضع المفارقة لدى اللوغس: »كان« دومًا »لدى الله« (1: 1). »كان أيضًا في العالم الذي بيده خُلق«. أما نستطيع أن نقول: حضوره لله هو أيضًا حضوره للعالم؟ والكلام عن فشل لقاء اللوغس مع البشر، لا يعارض ما قيل من قبل، أي إنَّ الظلمة ما أوقفت النور. ولكن أراد الكاتب أن يُبرز مفارقة الرفض الذي به تُقابل الخليقةُ خالقَها، فعملَ في نقائض بارزة. وسوف يتمّ التصحيح في آ12-13.

مع آ11، تَحدَّدت بشكل أقوى طبيعةُ الرفض في وجه اللوغس. فالقول بحضور اللوغس في العالم الذي خَلق، جُمع في عبارة ei" ta idia (إلى أخصّائه، إلى خاصّته). أتى اللوغس إلى بيته. أتى إلى وطنه(5). هي علاقة شخصيّة بين شخصين، بين شخص ومجموعة. مثلاً، علاقة يهوه مع إسرائيل الذي صار »ملكه الخاصّ«، »شعبه الخاصّ«، »ميراثه«. وهي علاقة الراعي بخرافه ويسوع بتلاميذه(6).

من هم »الأخصّاء«؟ ta idia. هم شعب إسرائيل. مُلك الله الخاصّ. إليه »جاء« يهوه على مدِّ تاريخه. بعد أن تحدَّث يوحنّا عن »العالم« بشكل عامّ، ذكر هنا تصرُّف الله الخاصّ تجاه شعبه المختار، ولاسيّما ذاك الذي ترك الأمانة. ولكن بقدر ما ينحصر مجيء اللوغس في إسرائيل، »في خاصّته«، لا يمكن لهذا التفسير أن يفرض نفسـه. فالعالــم الذي خُلـــق بيده (آ10) هو أيضًا »خاصّتـه«. واللفظ ta idia يعني البشريّة كلّها بما فيها إسرائيل. إن كان هناك من تدرُّج بين العبارتين المتوازيتين، فليس بين العالم وإسرائيل، بل بين طريقتين لحضور اللوغس: حضور اللوغس الخالق وسيِّد التاريخ (»كان«)، ومجيء شخصيّ للوغس النور (»جاء«).

إنَّ هذا الفرق بانَ في اختيار فعلين يدلاّن على الرفض. في ما يخصّ العالم، هو تجاهلٌ عامّ لكائنٍ هو هنا، لا أكثر ولا أقلّ. وفي ما يخصّ البشر، ما يخصّ »كلّ إنسان« (آ9)، صار الرفضُ أمرًا شخصيٌّا مع النفي قبل »استقبل«. وهذا ما يوافق عمل الابن الشخصيّ الذي أتى إلى العالم.

في أيِّ حال، رفض البشر أن يردّوا بشكل إيجابيّ على نداء اللوغس، سواء في حضوره كخالق، أو في تدخُّلاته في التاريخ. حين دوَّن الإنجيليّ المطلع، سعى مثل النبيّ أشعيا (أش 9: 1) لأنّ يسِم بالشموليّة خبرةَ إسرائيل: هو أيضًا جزء من شعب يمثِّل البشريّة بشكل مصغَّر. هو شعب قاسي الرقاب. حدَّثه الربّ فقاوم العهد. وهكذا يظهر في هذا النصّ البُعدُ الخفيّ لتاريخ إسرائيل والعالم معًا: فمنذ بداية المطلع، عاد يوحنّا إلى الخليقة في أصلها، فاستعمل ألفاظًا تدلُّ على الشموليّة (1: 3، 4أ، 7، 9).

ج- استقبال اللوغس

تجاه رفض العالم، جاء التعارض مع »لكن« de: الله ولد أولادًا في الإيمان باللوغس(7).

12 لكن كلُّ الذين قبلوه

أعطى لهم سلطانًا

للمؤمنين باسمه

أن يصيروا أولاد الله.

13 الذين لا من دماء

ولا من مشيئة جسد (بشريّ، لحم ودم)

ولا من مشيئة رجل

بل من الله وُلدوا.

الذين استقبلوا الكلمة، اللوغس، هم الذين وُلدوا. هم أبناء الله. هم آمنوا باسمه. مقابل ذلك، لا تتمّ الأعمال في الوقت عينه: هناك عملان يعودان إلى وقت محدَّد من الماضي مع فعلين في صيغة الماضي المبهم: »قبلوه« elabon " وُلدوا« egennhqhsan. الإيمـان الـذي يعبَّـر عنـه في صيغة الحاضر »آمنوا« pisteuousin، يعني وضعًا حاليٌّا للمؤمن. بين الماضي والحاضر، يردُ ماضٍ آخر على مستوى مختلف: »أعطى« edoken. أمّا فعل genesqVai (صار) الذي يدلّ على حدث جديد، فهو لا يشير إلى زمن آتٍ أو زمن حاضر، بل إلى تحويل في »كان وظهر«. وها نحن نقدِّم المعنى العامّ قبل العودة إلى التفاصيل.

أوَّلاً، هنا ردّ إيجابيّ من البشر الذين قبلوا اللوغس في وقت من الأوقات. وهذا القبول يقوم بأن »يؤمنوا باسمه«. ونتيجة مثل هذا القبول هو أن يكونوا »أولاد الله«. وكيف يتحقَّق كلُّ ذلك؟ لا بوسيلة بشريّة محضة: الله وحده يلد للتقبُّل وبالتالي للإيمان، دون إلغاء عمل الإنسان. لا شكّ في أنَّ هؤلاء الناس تقبَّلوا بحرّيّة اللوغس، ولكنَّ هذا التقبُّل كان أيضًا نتيجة عمل الله ذاته، دون كلام عن أسبقيّة في هذه المراحل المختلفة. فالتعداد هو على المستوى المنطقيّ، لا الزمانيّ: هناك تزامن بين عمل الله وعمل الإنسان الشخصيّ. والخطأ يقوم بأن نتخيَّل أنَّ الإنسان يقدر بدون الله، أن يُنتج ولادته الشخصيّة، في لقاء مع الوحي. مثل هذا الفكر اليوحنّاويّ يلتقي مع التقليد العهدجديديّ الثابت حول ضرورة ولادة جديدة بالروح من أجل خلاص الإنسان(8). ونعود الآن إلى التفاصيل.

»الذين قبلوه«. هم الناس الذين وجدوا في اللوغس مبدأ وجودهم، وفي مواعيده الحياتيّة، معنى تاريخهم: استناروا به. تجاه فعل »عرف« egnw الذي استعمل ليقول: »ما عرفه العالم« (1: 10) كان فعل »قبل، استقبل، تقبَّل« elabon الذي يتَّخذ رنَّة شخصيَّة: تسلُّم، اتِّصال(9). حين جاء »كلّ« osoi قبل »الذين قبلوه«، جعل النصُّ الحدثَ مفتوحًا على كلِّ إنسان، في كلِّ زمان: ما وُضع شرط آخر سوى القبول.

»للمؤمنين باسمه«. أشار يوحنّا إلى النتيجة الذاتيّة للقبول، في حالة »المؤمن باسمه«. بأيِّ اسم؟ يرتبط الجوابُ بالتفسير العام للمطلع. فالذين يعتبرون أنَّ المطلع يتحدَّث عن يسوع المسيح، منذ البداية، لا مشكلة: آمن »باسمه« يعني بلا شكّ آمن »بيسوع المسيح« (2: 23؛ 3: 18؛ 1يو 3: 23؛ 5: 13). وفي نظر الذين يعتبرون أنَّ الكلام يدور على اللوغس اللامتجسِّد حتّى آ14، تطبِّق العبارةُ على اللوغس، في أسلوب يوحنّاويّ، ما يقال بعض المرّات عن يهوه: مثلاً »نتَّكل على الاسم«، أي اسم الربّ. رج أش 50: 10؛ مز 33: 21. بما أنَّ »الاسم« يحلّ محلّ الشخص تهيُّبًا، نستطيع هنا أن نجد مرادفًا مع »آمن به«. إن كانت العبارة طُبِّقت مرارًا، في العهد الجديد، على يسوع المسيح، فهذا لا يمنع أبدًا أن تكون نُقلت هنا على اللوغس asarko" (الذي ما صار بعد بشرًا). هي لفظةٌ تعني الربّ الإله في العهد القديم، كما تعني يسوع في العهد الجديد.

»أعطى لهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله«. المعنى هو: »أعطاهم أن يكونوا أولاد الله«. »أعطى«: هي عطيّة اللوغس للإنسان. وما هو »السلطان« exousia الذي يُعطى للمؤمنين؟ لسنا هنا أمام ملكة مستقلّة بحيث يصبح المؤمن قادرًا على أن يمنح لنفسه حالة ابن الله. فالعبارة تعني: أعطاه أن يصير. في سفر الرؤيا، تتوالى العبارتين في المقطع الواحد: »أعطيَ له سلطان أن يعمل اثنين وأربعين شهرًا... أعطيَ له أن يحارب القدِّيسين ويغلبهم« (رؤ 13: 5-7)(10). والمعنى هو هو.

واللفظ exousia يتضمَّن لطيفتين اثنتين: يدلّ على فكرة سلطة، بحسبها يُمارَسُ دورٌ رفيعٌ بقوّة القانون. ولكن هو »سلطان« سُلَّم من قبل الله أو من قبل شخص من الأشخاص. هو أسمى من المتسلِّم فيعطي ويوكّل. إذا، يتضمَّن فكرة »كرامة« وتبدُّل نحو وضع أعلى. فمعناه أسمى مِن »استطاع أن يفعل هذا الشيء أو ذاك«.

وفعــل الذي يلي، يشـــير بحســـب استعمــاله الدائم في المطلع، إلى وضع جديد. لا يعني فقط »نَصير« أولادَ الله (لا شكّ في أنّنا ما كنّا أولاده من قبل)، بل »نبلغ« إلى هذه الكرامة بموهبة من اللوغس. ذاك هو الحدث الذي هو ارتقاء: أعطانا اللوغسُ أن نبلغ إلى بنوّة الله.

ماذا نفهم بذلك؟ في العهد القديم لفظ »ابن (ولد) الله« يظهر عادة في صيغة المفرد. طُبِّق أوَّلاً على الملك الذي يقوم مقام يهوه. ثمّ على شعب إسرائيل، الشعب المختار، فدلّ على أنَّ رباطًا خاصٌّا من الحماية والعناية، يجمع الله بهذا »الابن«. وشيئًا فشيئًا، صار المفهوم شعبيٌّا(11)، والتبنّي أملاً يحرِّك كلَّ مؤمن في منظار الخلاص الآتي.

ويُطرَح السؤال: هل يعطي (أو لا) يوحنّا هذا اللفظ المعنى القويّ معنى المشاركة في حياة الله كما في الإيمان المسيحيّ، بحسب رسائل بولس، وبحسب مقطع يوحنّاويّ معروف: »أنظروا أي محبّة وهبنا الله: أن نُدعى أولاده، ونحن كذلك« (1يو 3: 1). في هذه المرحلة من المطلع معنى »أولاد الله« qeou tekna هو معنى »حقيقيّ«: الذين تقبَّلوا اللوغس، انتموا إلى الله انتماء حقيقيٌّا عميقًا. عرفوا خلاصًا حقيقيٌّا يعيشونه الآن بانتظار ملء النعمة بعد مجيء اللوغس في البشريّ. يستند هذا التفسير إلى نصّ يوحنّاويّ وحيد يتحدَّث عن أولاد الله: »يسوع يموت لا فدى الأمَّة فقط، بل ليجمع شمل أولاد tekna الله« (11: 2).

في هذا المقطع تمييزٌ صريح بين أولاد الله وأعضاء الشعب اليهوديّ. الأولاد هم جميع البشر الذين يؤمنون بالله، سواء كانوا من بني إسرائيل أم لا. هو تجمّع في »الوحدة«، يكون عملَ يسوع الكلمة المتجسِّد. ولكنَّ وضع أولاد الله هو للذين سوف يُدخلهم بموته إلى ملء معرفة الله وحياته الحميمة.

إذا كانت عبارة »أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله« تدلّ على إمكانيّة مقبلة فتعني ملء الإيمان المسيحيّ، حينئذٍ يجب أن نقرأ آ12 على أنَّها إشارة إلى »مشروع« الله الذي لم يتحقَّق بعد في هذه المرحلة. ولكن كيف نفهم عند ذاك الفعل »أعطى« الذي يرد في الماضي؟

سعت آ13 لتشرح كيف أنَّ الذين استقبلوا الكلمة بلغوا إلى الإيمان. قارب يوحنّا بطريقته، مسألةَ العلاقة بين النعمة والحرّيّة: إن جاء كلُّ شيء من الله، هل يبقى الإنسان حرٌّا؟ وجاء الجواب بدون مقدِّمات: يجب أن يُولَد الإنسان بيد الله لكي يؤمن. لا يصير الإنسانُ ابنَ الله بالولادة اللحميّة، البشريّة (لا بالدماء). سبق المعمدان فقال: »يستطيع الله أن يُخرج من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم« (مت 3: 9؛ رج يو 8: 37-39). ولا نصير أولاد الله »بإرادة البشريّ«، اللحم والدم، أي برغبة الخليقة الذاهبة إلى الموت بأن تخلد بواسطة من تلد. ولا بالنظر إلى »رغبة الرجل« الذي يريد أن يصير مثل الله. وهكذا أَغلق الإنجيلُ كلَّ مخرج خارج الله الذي يقدر وحده أن »يلد« استقبالَ اللوغس الذي انتشر في العالم. ولكنَّ يوحنّا لا يتوقَّف عند إعلان المبدأ، بل يصل إلى هتاف النصر، ساعة الولادة الحقيقيّة بيد الله.

يُترجَم مرارًا الفعل egennhqhsan: »وُلدوا« وكأنَّه يدلّ على صيغة الحاضر. يعني: هم أولاد الله. ولكن إذا كانوا أولاد الله، فلماذا نعود ونقول: »وُلدوا من الله« (آ12)؟ في الواقع، فعل »ولد« في الماضي المبهم يعود إلى زمن الاستقبال elabon. هناك تزامن وتقابل بين العملين: عمل الإنسان الذي يستقبل اللوغس، وعمل الله الذي »يلد«. قد نجرِّب بعض المرّات بأن نجعل عملاً يأتي بعد عمل: مثلاً، »يسبق« عملُ الله عملَ الإنسان (6: 44). حينئذٍ نكون أمام حتميّة وقدر. أين تكون حرّيّة الإنسان؟ كما لا نرى كيف يسبق نشاطُ الإنسان نشاطَ الله. فما من مخرج سوى القول بوحدة العمل، وهذا ما يدعوه التقليد الأرثوذكسيّ »توافق« synergie الله والإنسان. لا يقف الله والإنسان على المستوى عينه. ولا نوزِّع أعمال الواحد وأعمال الآخر، وإن وجب أن نكتشف تنوُّع الدورين(12).

بالإضافة إلى هذا الوحي حول سرّ »التوافق« بين الله والإنسان في استقبال اللوغس، يُتيح لنا هذا المقطع أن نُثبت ما أُعلن في الآيات السابقة: اللوغس يضيء على كلِّ إنسان. فالآن نعرف أنَّ هذه الاستنارة، تُنتج البنوّة الإلهيّة، بقدر ما نستقبلها. وذلك قبل أن يتَّخذ اللوغس وجهًا بشريٌّا، أي بمعزل عن كلِّ تعلُّق صريح بيسوع المسيح(13).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM