القراءة التحليليّة:الكلمة في لقاء البشر.

 

القراءة التحليليّة:الكلمة في لقاء البشر

نبدأ قراءة 1:6-13 آية آية. متوقّفين عند الألفاظ، وباحثين عن عمقٍ غناها.

آ6. كان egeneto. يُستعمل الفعل للخلق، لِما صار. فيوحنّا المعمدان هو خليقة. ما هو الأزليّ، لكي يكون الفعل hn كان. مُوفَد apestalmeno" مُرسَل. الله أرسله. في 1: 33 تكلَّم المعمدان: »ذاك الذي أرسلنيpemyai لأعمِّد. وقال عن نفسه في 3: 28: »أنا مرسَل أمام ذاك«. كما في 1: 6، والأفضل مُوفَد.

آ7. الكلّ pante". انتقلنا من كلِّ شيء panta، في آ3، إلى كلِّ إنسان. اعتبر بعضهم أنّ المعمدان يعارض ما في 1: 31 حيث يقال إنّ المعمدان أتى لكي يُظهر يسوعَ لإسرائيل. غير أنّ الفكرة هنا هي أنّ بلاغ يوحنّا يجب أن يُلامس جميعَ البشر. على مثال بلاغ يسوع الذي وصل إلى إسرائيل ولامس كلَّ البشر. نشير هنا إلى أنّ الإنجيل الرابع شدَّد على دور المعمدان كالشاهد، لا كالمعمِّد في الدرجة الأولى.

آ8. ما كان النور. fw" .في 5: 35، دعا يسوع المعمدان: سراج .lucno" أمّا يسوع فهو النور؛ 3: 19: النور جاء إلى العالم؛ 8: 12؛ 9: 5: أنا نور العالم.

آ9. رأى بعضهم في هذه الآية، امتدادًا شعريٌّا لما في آ5:

أ. كان هو النورَ الحقيقيّ

ب. الذي يُعطي النور لكلِّ إنسان.

ج. كان آتيًا إلى العالم.

في (أ)، »النورُ الحقيقيُّ كان«. وإذا أخذنا الفاعل من الفعل: »كان النورَ الحقيقيّ«، فيحدَّد المعنى بما في (ج)، حيث نقرأ اسم الفاعل »آتٍ إلى العالم« فيحوّل النور، على ما يبدو. أمّا إذا قرأنا (أ): »وكان النورُ الحقيقيّ«، عندئذ يُصبحُ فعلُ اسم الفاعل في (ج) صعبًا. نلاحظ كيف تجنَّب أعلاه النصّ ذلك، حين أضاف »كان« مرّة أخرى، في (ج). إذا قرأنا (أ): »النورُ الحقيقيّ كان«، يصبح اسم الفاعل في (ج) امتدادًا للفعل: »النورُ الحقيقيّ كان... آتيًا إلى العالم«. هو تركيب خاصّ نجده تسع مرّات في يوحنّا، ومرّات عديدة في العهد الجديد، بتأثير من الخلفيّة الآراميّة. ولكنّ الصعوبة في آ9 هي أنّ الفعل »كان«، فُصل عن اسم الفاعل بواسطة عبارة قاطعة (ب: الذي يُنير كلَّ إنسان). رج 1: 28؛ مر 14: 28؛ لو 2: 8. قد يكون سببُ الفصل في آ9، اهتمامًا بإنهاء الآية مع لفظ »عالم«، الذي سيَبرز في آ10. أجل، هو نورٌ حقيقيّ. وهو آتٍ إلى العالم.

النور الحقيقي. alhqino". وهناك الاسم: الحقيقة alhtqeia. ثمّ alhqh". يرد الاسم، 7 مرّات في الأناجيل الإزائيّة. 25 في يو، 20 في 1، 2، 3يو. alhqh" مرّتين في الإزائيّة، 14 في يو، 3 في 1، 2، 3يو. alhqino". مرّة واحدة في الإزائيّة، 9 في يو، 4 في 1، 2، 3يو، 10 في رؤ. وهكذا يكون هذا الجذر مستعملاً 85 مرّة في الأدب اليوحنّاويّ، تجاه 10 مرّات في الأناجيل الإزائيّة. ينير. يعطي النور. اعتبر بعضهم أنّنا لسنا أمام نور الوحي، بل أمام نور الدينونة. غير أنّ آ7 تجعلنا في إطار النور الذي نؤمن به. كلّ إنسان. إذا كان يوحنّا شاهدًا لجميع البشر، فلا يمكن النورُ الحقيقيّ أن يكون أقلّ من ذلك.

آتيّا إلى العالم. .ercomenon نستطيع أن نقرأ النصّ في شكلين اثنين. في الشكل الأوّل: إنسان آتٍ: »النور الحقيقيّ ينير كلَّ إنسان أتى إلى العالم«. هكذا قالت الترجمات (اللاتينيّة العتيقة، الشعبيّة، السريانيّة العتيقة، البحيريّة) وعدد من الآباء اليونان (أوسابيوس، كيرلّس الإسكندرانيّ، الذهبيّ الفم) مع شرّاح كثيرين اليوم. مثل هذه القراءة تخلق حشوًا ولغوًا، لأنّ عبارة »الآتي إلى العالم« في الأدب الرابّينيّ تعني كلَّ إنسان. على هذا الإساس، قال بولتمان إنّنا أمام إضافة. والشكل الثاني: النور آتٍ. »النورُ الحقيقيّ كان آتيًا إلى العالم«. يُسنِد هذه القراءة الترجمةُ الصعيديّة، الآباء اللاتين (ترتليان، قبريانس)، وعدد كبير من الشرّاح مثل Boismard، Bernard، Westcott، Dupont، Braun، Lagrange. هذا ما يلائم السياق. والتشديد في آ10 هو على الكلمة (= النور) الذي هو في العالم. ونلاحظ أيضًا أنّ »آتٍ إلى العالم« لا تُستعمل في يوحنّا للكلام عن البشر، بل عن يسوع. مثلاً في 3: 19: »جاء النور إلى العالم« (رج 12: 46). ويبدو أخيرًا أنّ التعارض بين آ8 وآ9 يفرض هذا التفسير. ما كان المعمدان النور. فالنورُ الحقيقيّ هو الذي أتى إلى العالم.

آ10. كان. الكلمة، لا النور. العالم Kosmo". يرد هذا اللفظ 105 مرّات في يوحنّا (78 في يو، 24 في 1، 2، 3يو، 3 في رؤ). ولا يرد سوى 14 مرّة في الأناجيل الإزائيّة. العالم هنا هو جزء من الخليقة كما في آ3، ولكنّه جزء يستطيع أن يؤدّي جوابًا. هو عالم البشر. هذا ما نقرأه في 3: 19: »جاء النور إلى العالم، ولكنَّ الناس فضَّلوا (أحبّوا) الظلمة على النور«. صار .egeneto أتى إلى الوجود. هذا ما قيل عن الخلق في آ3. ما عرفه. .Ouk egnw هل تعود هذه الآية إلى حضور كلمة الله وسط البشر، في العهد القديم أو في العهد الجديد؟ نتذكَّر أنّ الخطيئة الأساسيّة في العهد القديم هي عدم الطاعة للربّ. أمّا في يوحنّا، فالخطيئة الأساسيّة هي أن لا نعرف يسوع وأن لا نؤمن به (من الطبيعيّ أن تتضمَّن معرفةُ يسوع، التوبةَ والحياة الجديدة في خدمته).

آ11. الأخصّاء. في صيغة الحياد τα ιδια (لا مذكَّر ولا مؤنَّث). يرد اللفظ أيضًا في 19: 27 حيث يُقال إنّ التلميذ أخذ أمَّ يسوع »إلى خاصّته« τα ιδια: إلى بيته الخاصّ. في آ11أ، هو كلام »عن العالم« أو ميراث إسرائيل، الأرض الموعودة، أورشليم. وأخصّاؤه oi odioi شعبه الخاصّ. هي صيغة المذكَّر. هنا نتذكّر خر 19: 5 حيث قال الربُّ لبني إسرائيل: »تكونون شعبي الخاصّ بين جميع الشعوب«. رفض بولتمان (ص 35) هذا التفسير، ورأى في هذه الآية نظرة كوسمولوجيّة، لا عودة إلى تاريخ الخلاص. فقد افترض أنّ المطلع كان في الأصل نشيدًا غنوصيٌّا.

آ12ب. تساءل عددٌ من الشرّاح Haenchen، Bernard، Schnackenburg إذا كانت آ 12ب جزءًا من النشيد. وارتبط موقفُهم بأنَّ هذا الكلام يعود إلى المسيرة التاريخيّة للكلمة المتجسِّد. إذا كان الأمر كذلك، فقد تكون أُضيفت إلى آ11 وفيها ما فيها من سلبيّة. أمّا إذا كنّا في إطار شعريّ، فنستطيع بصعوبة أن نجعل آ12أ ب خارج النشيد.

كلّ الذين قبلوه elabon. هي جملة إسميّة. وستكون صيغة الجرّ datif للفعل الآتي في آ12ب: أعطى لهم سلطانًا edwken autoi" exousian. هي صيغة نجدها 27 مرّة في يوحنّا، 21 مرّة في الأناجيل الإزائيّة. مع الرفع أو النصب، ولكن مع الجرّ في حالات نادرة. هي صيغة ساميّة بالدرجة الأولى.

أعطاهم سلطانًا. أو الحقّ، كما قال دود في تفسيره (ص 270). ولكن حين نجعل نفوسنا في إطار قانونيّ، فنعتبر أنَّ الكلمة أعطى الناس الحقّ بأن يكونوا أبناء الله، نُدخل عنصرًا غريبًا على الفكر اليوحنّاويّ. فالبنوّة تتأسَّس على ولادة إلهيّة، لا على ما يمكن أن يطالب به البشر. ونستطيع مع Bultmann، Boismard أن نقول: أعطاهم أن يكونوا ( ن ن، في اللغات الساميّة).

أولاد الله. .tekna في 11: 52: »يجمع شمل أولاد الله«. أما uio" الابن، فيُستعمَل فقط عن يسوع في يوحنّا. وهذا ما يتعارض مع مت 5: 9 حيث صانعو السلام (الناس) يُدعَون أبناء الله uioi. وكذا نقول عن غل 3: 26: »أنتم كلُّكم أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع«. حافظ يوحنّا على فرق بين يسوع الذي هو ابن الله، والمسيحيّين الذين هم أولاد الله. ولكنَّ وضعَنا الحاضر كأولاد الله على الأرض، يبدو واضحًا. رج 1يو 3: 2: »يا أحبّائي، نحن الآن أولاد الله«.

أي: »الذين آمنوا باسمه«، للمؤمنين باسمه toi" pisteuousin. هذه العبارة تشرح الموضوع اللامباشر لـ: »أعطاهم سلطانًا« كما في آ12أ. ولكنَّ آ12أ هي في صيغة الرفع nominatif. أمّا آ12ج فهي في صيغة الجرّ datif. إنّ آ12أ تقول في الواقع ما تقوله آ12ج. بعض آباء الكنيسة السريانيّة واللاتينيّة واليونانيّة مع الدياتسّارون، تركوا آ12ج. وآباء لاتين وفيلوكسين المنبجيّ ومخطوط حبشيّ تركوا آ12أ (بوامار، المجلّة البيبليّة 57،1950، ص 401-408). ولكن بما أنَّ آ12ج هي لغةٌ يوحنّاويّة نموذجيّة وفكرٌ، فهذا يعني أنَّ آ12ج هي امتداد للمسيح. وقد تكون أضيفت لتُشدِّدَ على استقبال يسوع (الماضي المبهم في آ12أ) والإيمان به (الحاضر في آ12ج) لأناس يصيرون أولاد الله.

آمن. .pisteuw يرد الفعل 34 مرّة في الأناجيل الإزائيّة. 98 مرّة في يو، 9 مرّات في 1، 2، 3يو. نشير إلى أنَّ الاسم pisti" لا يرد في يو، ولكن مرّة واحدة في 1يو، 4 في رؤ. هو مثَل آخر يدلّ على أنّ يوحنّا يفضّل الفعل على الاسم، كما هو الأمر في فعل أحبَّ agapan. نشير إلى أنّ الاسم pisti" يرد 243 مرّة في العهد الجديد.

باسمه onoma autou. هي عبارة يوحنّاويّة. رج 2: 23؛ 3: 18؛ 1يو 5: 13. والإيمان باسم يسوع لا يختلف عن الإيمان بيسوع، مع أنّ العبارة الأولى تقول: من آمن بيسوع وجب عليه أن يؤمن أنَّه يحمل الاسم الإلهيّ الذي أعطيَ له من لدن الله (17: 11-12).

آ13. هل هي من أصل النشيد؟ أو هي شرح للأصل الشعريّ؟ عدد كبير من الشرّاح يأخذ بالموقف الثاني Schnakenburg، Jeremias، Haenchen... لا شكّ في أنّ الأسلوب يختلف عمّا في القطع الشعريّة. والموضوع الدفاعيّ واضح بقوّة، عكس ما في سائر الآيات. تنشد آ1-5، 9-12، 14 نشاط الكلمة. أمّا آ13 فتحدِّثنا عن الذين آمنوا به. ولكن يبقى اعتراض: آ12ج هي في صيغة الجرّ، آ13 في صيغة الرفع (كما في آ12أ). يبقى أنّ آ12ج وآ13 تسيران معًا في فكر يوحنّا. فالذين آمنوا هم الذين وُلدوا من الله. قالت 1يو 5: 1: »كلُّ من يؤمن بأنّ يسوع هو المسيح، هو مولود من الله«.

وُلدوا. في 1يو 3: 9 نجد كلامًا عن الزرع. لا بالدم. هي صيغة الجمع. نشير إلى أنّ »اللحم والدم« يعنيان الإنسان (مت 16: 17؛ 1كور 15: 50). البشريُّ sarx ليس مبدأ شرّ يعارض الله، هو بالأحرى عالم الطبيعة والضعف والسطحيّة، ويعارض الروح الذي هو العالم السماويّ، الحقيقيّ (3: 6؛ 6: 63؛ 8: 15).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM