يا مخلِّص خلِّصنا.

 

يا مخلِّص خلِّصنا

في الليتورجيّا الأنطاكيّة، اعتاد المؤمنون أن ينشدوا: »بشفاعة والدة الإله، يا مخلِّص خلِّصنا«. وهكذا، تذكَّروا ما حصل في مجمع أفسُس، وفهموا أنّ الذي وُلد من مريمَ لن يُؤنِّب الناس، ويهدّدهم بالعقاب، بل يعلّمهم أنّه المخلِّص والإله. عن الخلاص كلامُنا، نصلّيه في »النؤمن«: »من أجلنا ومن أجل خلاصنا، تألَّمَ ومات وقُبر وقام«. ويقوله الكاهن في بركةٍ تسبق الكسر: »لتكن مراحم اللّه الآب، ومخلِّصنا يسوع المسيح«. ذاك هو اسم يسوع، وعمله هو عمل الخلاص، فيقول الكاهن قبل وضع الخبز في الخمر: »نرسم كأس الخلاص والشكران«. وصلاة الأبانا تنتهي في طلبة تقول: »نجِّنا من الشرير«. فيواصل الكاهن في نافور الاثني عشر: »لا تُهملنا فتقوى علينا التجربة، بل خلِّصنا من الشرير«. ويتوجّه الشكران إلى »الربّ إله خلاصنا، الذي صار إنسانًا لأجلنا وخلَّصنا«، له نقول: »نجِّنا من الهلاك الأبديّ«. فنحن لا نخاف مَن يقتل الجسد، بل مَن يُهلك النفس والجسد في جهنّم، كما قال المعلِّم الإلهيّ.

1 ـ صرخوا إلى الربّ فخلّصهم

في المزمور 107 الذي عنوانه: »الربّ يخلّصنا من الضيق«، يدعو المرنِّم المؤمنين »إِحمدوا الربّ لأنّه صالح، لأنّ إلى الأبد رحمته«. ويدعو خاصّةً أولئك الذين »افتداهم من يد الضيق« (آ 1 ـ 2). ويقدِّم أربع حالات: 1. أُناس تاهوا »في بريّةٍ مُقفرة« (آ 4). عرفوا الجوع والعطش، وكادوا يصلون إلى الموت »فصرخوا إلى الربّ في ضيقهم، فأَنقذهم من سوء حالهم« (آ 6). 2. أُناسٌ كانوا في السجن والقيود »صرخوا إلى الربّ في ضيقهم فخلَّصهم... أخرجهم من الظلام وظلّ الموت« (آ 13 ـ 14). 3. والفئة الثالثة غرقت في حمأة الخطيئة، ووصل بها المرض إلى الموت. 4. »وآخرون أَبحروا في السفن« (آ 23)، فهاج البحر عليهم »فصرخوا إلى الربّ«. حينئذٍ »هدَّأَ الزوبعةَ فسكنت، وسكتت أمواج البحر« (آ 29). هذا ما سيفعله يسوع مع تلاميذه في السفينة، حين يقول للبحر: »أُصمُتْ، إخرَسْ« (مر 4: 39) فتسكن الريح، ويسود هدوءٌ تامّ.

لاحظنا هنا أربع حالات. والعدد أربعة يدلّ على الكون بأقطاره الأربعة: الشمال والجنوب، الشرق والغرب. ينشد المرنِّم في مز 107: 3، اللّه الذي افتدى المتضايقين »جمعهم من كلّ البلدان، من المشرق والمغرب، من الشمال والجنوب«. الربّ هو الذي يخلّص وينجّي وينقذ. يفتدي مَن هو في العبوديّة، ويحرِّره ويُخرجه من الضيق. كلّها أفعال تدلّ على خبرةٍ بشريّةٍ نجعلها في قلب اللّه: سقط شخصٌ في الماء، ينتشله ويرفعه. دخل إلى السجن، يُخرجه. حلّ به خطر، ينجّيه. صار عبدًا في الأسر، أو في الخطيئة، يحرِّره. فقد قال يسوع: »مَن يصنع الخطيئة فهو عبدٌ للخطيئة« (يو 8: 34).

2 ـ نجِّنا يا ربّ

تلك كانت صرخة الرسل إلى يسوع الذي كان نائمًا في السفينة. »دنا منه تلاميذه وأيقظوه وقالوا له: 'نجِّنا يا سيِّد، فنحن نهلك'«. خاف الرسل من العاصفة، فهدَّأَ الربُّ العاصفة، ونجَّاهم من الهلاك. هذا هو المعنى الأوّل. أمَّا المعنى الثاني فندركه حين نعرف أنّ البحر يدلّ على عالَم الشرّ، والقارب على الكنيسة. يوم كتب متّى إنجيله، كان خطر المضايقات والاضطهادات يُحدق بالكنيسة. أين هو الربّ؟ هو غائب عن عيوننا، بعد أن صعد إلى السماء. يبدو وكأنّ الأمر لا يهمّه. ولكن يكفي أن نصرخ إليه. فإن لم نُظهر حاجتَنا إلى الخلاص، لن نعرف الخلاص. إن لم نقل للربّ: أَعطِنا من هذا الماء، نبقى على مستوى الجرّة والحبل والبئر، على مستوى السامريّة. إن لم نطلب من الربّ »القوت الباقي للحياة الأبديّة« نبقى على مستوى »الطعام الفاني« (يو 6: 27). وها داوود الملك يُمتحن فيصرخ من أعماق قلبه: كثُر خصومي والقائمون عليّ. قالوا: »بإلهك لا خلاصَ لك« (مز 3: 2 ـ 3). فكان الجواب بلغة الحرب: »أنتَ تُرْسٌ لي. تكرِّمني وترفع رأسي« (آ 4). يصرخ المؤمن إلى الربّ: »قُمْ يا ربّ، خلِّصني يا إلهي« (آ 8). فيجيبه الربّ »من جبله المقدّس«. والخبرة الأخيرة: »من عندك يا ربّ الخلاص، وعلى شعبك بركتك« (آ 9). مثل هذه الصلاة تكون صلاتنا، فنعرف أنّ الربّ سندنا. لا نعود نهتمّ للأعداء مهما كان عددهم: »في سلام أَستلقي وأَنام... لا أخاف«.

3 ـ لا خلاص إلاّ بيسوع

بعد أن أجرى بطرس ويوحنّا، معجزة شفاء الكسيح، قبض الرؤساء عليهما وسألوهما: »بأيَّة سلطةٍ أو بأيّ اسم عملتما هذا؟« (أع 4: 7). لا بسلطة الناس، فبطرس لا يملك الفضّة ولا الذهب (أع 3: 6). وتابع قائلاً للكسيح: »أعطيك ما عندي. باسم يسوع الناصري، قُم وامشِ«. وقال: »لا خلاص إلاّ بيسوع. فما من اسمٍ آخَر تحت السماء وهبه اللّهُ للناس، نقدر به أن نخلُص« (أع 4: 12). عمل الخلاص الذي قام به بطرس ويوحنّا، هو امتداد لعمل يسوع حين قال للمخلّع مرَّةً أُولى: »مغفورةٌ لك خطاياك« (مر 2: 5). هو خلاص على مستوى النفس والروح، على مستوى الحياة الأبديّة. وقال مرّةً ثانية: »قُمْ احمل فراشك وامشِ« (مر 2: 11). وهذا هو الخلاص الجسديّ وفيه ما فيه من قيامة، حيث لا يعود الإنسان ملتصقًا بفراشه. كما أنَّ أعمى أريحا لم يعد متماهيًا مع الحجر الذي يجلس عليه. قال له يسوع: »إذهب. إيمانك خلَّصك«.

الخاتمة

الإله الذي نحتفل به يومًا بعد يوم، ولا سيّما يوم الأحد، يوم الربّ، هو المخلِّص. هو مخلِّص القلوب المستقيمة (مز 7: 11)، مخلِّص اللاَّجئين إليه (مز 17: 7)، مخلِّص الإنسان من الدماء (مز 51: 16)، مخلِّص العالَم فيتَّكل عليه سكّان أقاصي الأرض. هو يخلِّصنا لمجد اسمه. ينصرنا وينجِّينا ويكفِّر عن خطايانا (مز 79: 9). وإن نحن نسيناه كما نسيَه الشعب الأوّل الذين »نسوا اللّه مخلِّصهم« (مز 106: 21)، نهتف إليه قائلين: »أَرجعنا يا اللّه مخلِّصنا... ألا تعود تُحيينا يا اللّه، فيفرح شعبكَ بك؟ أَرِنا يا ربُّ رحمتك، وهَبْ لنا خلاصك« (مز 85: 5 ـ 8)

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM