ظهر الله في العلَّيقة وقال اسمه.

 

ظهر الله في العلَّيقة

وقال اسمه

حين ظهر الله في مجاز يبُّوق رفض أن يوحي باسمه إلى يعقوب: »سأله يعقوب: أخبرني ما اسمك؟ فقال: لماذا تسألني عن اسمي؟ وباركه هناك« (تك 32: 30). وسمّى يعقوب ذلك الموضع فنوئيل، قال: »رأيت الله وجهًا لوجه ونجوت بحياتي« (32: 31). فقد كانوا يظنّون أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يرى الله ويبقى على قيد الحياة (خر 33: 20). ولكن مع يسوع المسيح، سوف نرى الله من خلال ابنه المتجسِّد.

وظهر الله لموسى في قلب العلَّيقة الملتهبة. وهنا قال لموسى: »سأكون هنا« كذلك الذي يكون هنا. فقل لبني إسرائيل »المقيم هنا أرسلني إليكم« (خر 3: 14). الله ذلك الذي هو، ظهر ظهورًا ارتبط بالعلَّيقة الملتهبة، وأعلن عن اسمه مع ما في هذا الإعلان من سرٍّ خفيّ.

كيف نفهم هذا الاسم الذي يعود إلى قبائل الصحراء ولاسيّما بني مديان؟ هو اسم قديم نفسِّره بالنظر إلى نفسيَّة القبائل ووضعها في الضيق والعبوديّة. ولكنَّه يتضمَّن معنى جديدًا. الربُّ هو الحيّ. الربُّ هو الموجود. إنَّه هنا. إنَّه حاضر. عرفت قبائل العبرانيّين الذليلة الضياع واليأس، فقال الله لها بواسطة موسى: »نسيتموني في مصر. ظننتم أنَّ آلهة مستعبديكم كانت أقوى من الإله الذي أعان آباءكم في الماضي. ومع ذلك فأنا الآن هنا كما كنت في الماضي. ثقوا بي تروا أنَّكم تستطيعون أن تتَّكلوا على قدرتي وأمانتي وفعلي«.

نحن نفهم عبارة: »أنا هو« بالمعنى الملموس والديناميكيّ للكلمة. فإله الآباء الذي فعل، هو حاضر الآن، وهو يفعل. وهكذا نرى استمراريّة عمله. فحدث وحي اسم الربِّ مهمٌّ جدٌّا بالنسبة إلى الشعب العبرانيّ، ولكنَّه ليس أوَّل وحي وصل إليهم. فهناك إله الآباء الذي دعا جدَّ الشعب العبرانيّ. دعا إبراهيم وجعله يترك طمأنينة الأرض والعشيرة والبيت، لكي يحيا خبرة مباشرة من الحضور مع الله. وهذه الخبرة عاشها يوم كان راعيًا مُنتقلاً في طلب الماء والعشب مع سائر الرعاة.

في زمن الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، الحياة هي تنقُّل من مكان إلى آخر. هذه الحياة هي مضمون عقليّة البدو. وهذا ما يكوِّن العاطفة الدينيّة الأساسيّة. فالحياة هي حدٌّ هدفها والشاهد لها هو الله. لقد ظهر الله لإبراهيم بشكل مسافر يحجُّ إلى مكان مقدَّس...

وانتقل الشعب من حياة البداوة إلى حيث الزراعة والحضَّر. لهذا، كشف الله عن نفسه لموسى في العلَّيقة الملتهبة لا كشخص عابر، بل كذلك الذي هو، كذلك الذي هو الآن مع شعبه. وحضور الربِّ هذا سيرتبط بالمكان الذي يوضع فيه تابوت العهد. وتابوت العهد هو صندوق يتضمَّن لوحي وصايا الله. قال الله لشعبه: أكون لكم إلهًا وتكونون لي شعبي. ولهذا كان هذا »التابوت« علامة حضوره والكفيل بأنَّ شعبه سيحفظ وصاياه.

بعد هذا سيرتبط حضور الله بالهيكل. بناه سليمان بخشب الأرز وطلى جدرانه بالذهب وقال حين دشَّنه: بنيتُ الهيكل لاسم الربِّ وأعددت مكانًا لتابوت العهد. وهكذا صار الناس يأتون إلى الهيكل ليلتقوا بالربِّ ويشاهدوه. قال المرتِّل: متى آتي وأحضر أمام الله. واعتبر المؤمن أنَّ الحياة في الهيكل نعيم، وتمنّى أن يكون كاليمامة التي تعشِّش في الهيكل. ولكنَّ سليمان سيقول في صلاة التدشين: »هل تسكن يا الله حقٌّا على الأرض؟ حتّى السماوات وسماوات السماوات لا تتَّسع لك، فكيف هذا الهيكل الذي بنيته لك« (1مل 8: 27). هذا الهيكل لن يبقى منه حجر على حجر. ففي العهد الجديد، حلَّ يسوع محلَّ الهيكل، فهو يدلُّ على حضور الله، بل هو حضور الله على الأرض. سأله فيلبُّس: »أرنا الآب وكفانا«. فقال له يسوع: »من رآني رأى الآب« (يو 14: 8-9).

إنَّ العهد المعقود مع هذا الإله الذي هو هنا، يمثِّل مساعدًا قويٌّا للشعب الذي يستعدُّ للانتقال من حالة البداوة إلى حالة الحضَّر في أرض الميعاد. هنا تتَّخذ الأرض قيمة كبرى بالنسبة إلى الراحة والسلام اللذين يميِّزان الحياة الأبديّة التي تكمن في الإقامة مع الله. فالله سلَّم اسمه، ظهر لموسى، لبعض المؤمنين. وإيصال الاسم يدلُّ على علامة علاقة صداقة حميمة. فمن كان في عداد الذين دخلوا إلى »حرم« الله، تأكَّدوا من حماية الله وأمانته. بل أملوا في أن يكونوا قريبين من قلبه.

قال الربُّ لموسى: »سأجعل كلَّ حسناتي تحلُّ عليك، وأعلن أمامك اسم الربّ. أتحنَّن على مَن أتحنَّن، وأرحم من أرحم« (خر 32: 19). هذا يعني أنَّ الربَّ حين يتحنَّن فهو يتحنَّن حقٌّا، وحين يرحم فهو يرحم حقٌّا. حين يظهر على أصفيائه، فهو يريد أن يفعل. وحين يحضر فلكي يكون حضوره من أجل الرحمة للذين يعملون بوصاياه.

وسيقول الربُّ أيضًا في سفر الخروج (34: 6): »الربُّ الربُّ (أي: أنا الربّ). هو إله رحيم حنون، بطيء عن الغضب وكثير المراحم والوفاء. يحفظ الرحمة لألوف الأجيال ويغفر الإثم والمعصية والخطيئة«.

هذا هو الله في العهد القديم. وهذا هو معنى ظهوره. هو لا يظهر ليعاقب إلاّ الخطأة. أمّا المؤمنون فيتعرَّفون إلى حنانه. هو لا يريد موت الخاطئ، بل عودته عن خطيئته ليحيا. وفي هذا نتذكَّر كلام الربِّ في إنجيل يوحنّا: »هكذا أحبَّ الله العالم حتّى وهب ابنه الوحيد، فلا يهلك كلُّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة. والله أرسل ابنه إلى العالم لا ليدين العالم، بل ليخلِّص به العالم؟ (3: 16-17).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM