الخاتمة

 

الخاتمة

أربعة أقسام في هذا الكتاب، الذي أرسلت مواده مقالات إلى مجلة الفكر المسيحي، في العراق. طُلب منا فلبَّينا الطلب. انفتح لنا باب فدخلنا فيه، وتأملنا مع قرّاء هذه المجلة، نصوصَ الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.

في قسم أول، نظرنا إلى الحياة التي يعيشها المواطن العربي اليوم، مع صعوبات آتية من الخارج كما من الداخل. كلام الله يتوجّه إليه اليوم، كما كان يتوجّه في العصور القديمة: إن لم تؤمنوا لن تأمنوا. ذاك ما قاله النبي أشعيا إلى الملك أحاز: إن لم يكن عندكم إيمان بالله، قبل الايمان بالقوى العظمى والمال، فلن تعرفوا الامان. إن لم يكن عندكم إيمان بنفوسكم وَثِقة، لن تعرفوا السلام في داخل العيال والمجتمع والوطن.

المؤمنون في العهد القديم قرأوا خبرتهم وجعلوها في أسفار. استلهموا الروح القدس وانطلقوا من وضعهم الذي يحمل إلى اليأس والقنوط. هذا من الخارج. ولكن الروح دفعهم إلى أن يتطلّعوا إلى الخلاص الآتي، إلى الرجاء الذي يعمر في قلوبهم، إذا شاؤوا أن يتركوا الاحتماء بالبشر وبالعظماء. لاشك. الله لا يُرى. ولا نستطيع أن نلمسه. أما »الأصنام« فعي تعطينا الطمأنينة. في الماضي، ارتبط الصنم بالملك، لأنه يصوَّر عادة بوجه الملك، كما كان الأمر بالنسية إلى أبي الهول في مصر. فمن يعبد الملك يعبد صنمه. وحين مضى الملك أحاز إلى الملك الأشوري في دمشق، تعلّم منه كيف يصنع المذبح »الأشوري« بدل المذبح »اليهوي« الذي تعلّمه موسى من الرب. كانت عملية تمويه. تُقبّل قدمَي الصنم فكأنك قبّلت قدمَي الملك وقدّمت له الخضوع والطاعة واستعددت لأن تكون له عبدًا. أما مع السلوقيين والرومان، فلا حاجة بعد إلى الإخفاء. رومة تُعبَد لأنها مركز السلطة. والامبراطور يُعبَد. واليوم، لم تتبدَل الحالة كثيرًا.

طريقان أمام المؤمن. إما العبادة لله التي هي تعلّق به وتحرّر، لأنه يهتمّ أول ما يهتمّ بأن يرسم صورته على وجوهنا، ويطبع رسمه في قلوبنا. وإما التعبّد للبشر والخضوع لهم. ونستغرب في نظرتنا الايمانيّة كم الناس يحبّون العبوديّة. عبوديّة الخطيئة أولاً. عبوديّة الجنس ثانيًا، التي تجعل الواحد ينحدر وينحدر من أجل لذة عابرة. وعبوديّة المال ثالثًا، فنضحّي بكل شيء من أجل تكديسه وتجميعه. وأخيرًا عبودية الناس. ولنا مثال في ذلك كلام بولس الرسول، الذي عامل المؤمنين الذين دعاهم إلى المسيح، معاملة الكبر والاحترام، فرفضوا معاملته. وطلبوا عبوديّة عند غيره. قال لأهل كورنتوس: »تحتملون كلّ من يستعبدكم وينهبكم ويسلبكم ويتكبّر عليكم ويلطمكم« (2كور 11:20).

في الحياة الاجتماعيّة، كم من صغير يحبّ أن يكون عبدًا لكبير، وفقير يرضى أن يكون عند قدمي غنيّ. هكذا يتأمّن له الطعام والشراب. وقد راعى الكتاب المقدّس من يستطيع أن يكون حرًا، فيطلب أن يبقى عبدًا طوال حياته، فتُثقب أذنه لئلا يتراجع. مسكين هذا الانسان. والذين يسيرون وراء الشيع والبدع والتجمّعات السريّة، يتطلّعون إلى عبوديّة تبقيهم في المخافة والرعدة من نهاية العالم أو من كوارث أخرى آتية. أما نحن، قال الرسول. أما نحن، فما نلنا روح المخافة، بل الجرأة بأن ندعو الله »أبّا« كما الأطفال يفعلون (غل 4:6). ويتابع الرسول: »فما أنتَ بعد الآن عبد، بل إبن« (آ 7). فلماذا يطلب الناس أن يكونوا عبيدًا! هم يشبهون الخارجين مع موسى. حنّوا إلى العبوديّة طلبًا لبعض المأكولات. أهكذا يرتفع الانسان فوق سائر الخلائق؟ بل هو ينحدر إن ترك يد الله واستند إلى نفسه. ولكنه يرتفع إن ترك يد الرب تمسكه. فهي ترفعه إلى المجد.

وبعد ذلك، أي طريق نختار؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM