الفصل الثلاثون
يعقوب السروجيّ
مقال في امتداح بولس الرسول
في الآثار المطبوعة ليعقوب السروجيّ، مقالان حول بولس الرسول. الأوَّل، رقمه 61 في مجموعة بيجان(1) نقلناه كلَّه إلى العربيَّة مع الحواشي الضروريَّة. فجاء في 600 بيتٍ من الشعر. فشدَّد بشكل خاصّ على انتقال الرسول من العالم اليهوديّ إلى العالم المسيحيّ، مستندًا إلى سفر الأعمال مع إضاءات من الرسائل البولسيَّة.
والمقال الثاني رقمه62(2) يتحدَّث عن بولس انطلاقًا من رسائله، ويرد في 424 بيتًا. تحدَّث السروجيّ عن عذابات الرسول وأتعابه، وعن الصليب الذي هو في قلب حياته، وكلّ هذا مشاركةً في آلام المسيح، وفي آلام الكنيسة. من أجل هذا، حُفظ له الإكليل الذي يكافئه به الربُّ الديّان.
بالصليب انتصر يسوع
يسوع بتواضعه اصطاد الأرض كلَّها
وبكرازته اجتذب العالم بدون إكراه.
بالصليب، آية العار، صنعَ مآثر.
فكيف من لا وقار له أن يهب الوقار للمحتاجين.
5 بالآلام التي احتمل، استيقظ العالمُ ليؤمن به
وبضربات نالها أخذ السلطان من الأعزّاء(1)
في مرضه ركضت أعماله وتحرَّكت
والبشر الذين ركنوا إليه لم يروا مجده
حين عُيِّر نال تاج السيادة.
10 ومن عذابه أزهر مجدُه على البرايا
بما يُستصغَر به الآخرون نال هو وقارًا
فالموتُ الذي يحطُّ الأعزّاء كلَّهم، عليه تجبَّر (= يسوع)
أخذ الصليب مركبةً مشلولة، ومملوءة أوجاعًا
وترك وراءه بروق الملوك وسرعتهم.
15 بالصلب أخذ السجدات من الآلهة
ومع أنَّه مقتول يعرِّي أوثان الأرض التي هي أصنام(2)
بتواضعه حطَّ المترفِّعين الذين كانوا أعزاء،
وتيجان السلاطين صارت لرجليه موطئًا
اضطُهد فخضع أيضًا للمضطهدين
20 ليقبلوا، بلا إكراه، العذاب من أجله.
بضعفه أضرم أعداءه
ليكونوا محبّين (له) ويموتوا لأجله.
بتعليمه صيَّر المضطهِدَ مضطهَدًا،
والشتّامَ، إناء مختارًا لكرازته.
شاول المضطهد
25 بشاولَ اقتدِ، الذي خرج ليقتلع الكنائس(3)
فيه ثبَّت قواعَد الإيمان للعالم كلِّه
ذاك المقتلع جعله على بنائه مهندسًا(4)
ووضع الأساس الذي عليه يبني كلُّ الصادقين
يا للعجب أن يمدح الإنسانَ مبغضوه
30 فيدافع أعداؤه عن ركاكته.
شهادة المحبوب صغيرة وإن صادقة،
فأتى بمبغضه ليكون شاهدًا لكرازته
ذاك الذي احتدَّ ليقتل التلاميذ
أقامه لكي يرافع عنهم: هم صادقون
35 مجرجرَ الرجال والنساء بسبب يسوع،
وضعَه في الطريق ليجرجَرَ بدل تعليمه
استحكم فاصطاد الباشق وجعله حمامًا
ليبيِّن قدرته على كباش الشرسين.
غضب شاول وامتلأ حدَّة على التلاميذ
40 وحمَّلهم، بسبب يسوع، كلَّ المضايقات
لبس الغيرة على الشريعة من بيت أدوناي(5)
ما عرف أنَّه ابنُ(6) (أدوناي) فلاحقه في سلطانه.
في كرم الآب اجتهد بقوَّة كبيرة
وما عرف أنَّ يسوع هو الوارث الذي يضطهد.
45 مراقبًا وُضع ليحرس الشعب من الغرباء،
فرأى الملك وفي إثره خرج بعد أن تحوَّل(7).
كلَّ يوم كان ساهرًا على حراسة الربِّ الصباؤوت
فجسّوه بإسكيم(8) آخر، فأبان استعداده
أخذ ابن الملك لباسًا حقيرًا
50 ومضى يزور المقاتل الذي يحرس السور: أيكون راقدًا!
وحين رآه الحارسُ (=بولس) في إسكيم ضعيف، حقير(9)،
سار في إثره لئلاّ ينام في حراسته
ولمّا أعيا وما أدركه، أشفق على تعبه
ونبَّهه وبيَّن له مجده الجليَّ فصرعه أرضًا(10).
55 بنوره تاجُ الملك أبرق على المضطهد،
صرعه أرضًا، وتمسَّك الرعب: من يضطهد؟!
من هو هذا المضطهد؟
هذا الخبر يتطلَّب الحبَّ للكلام عنه،
فبلا حبّ، إن سمعتَ لا تستفيد
لا نكون باطلين، أنا وأنتم، فنطيل
60 فتعالوا نلتذّ بالإيجاز المملوء حبٌّا
فبولس أيضًا امتلأ حبٌّا في كرازته
ولهذا نجح كالجبّار في الكرازة.
فبحبٍّ أقولُ خبره المملوء فائدة
وآخذ ملء كلمتي من قراءته (=قراءة بولس).
65 كيف أدعوه؟ أمبغض يسوع أم حبيبه؟
أمضطهد كلِّ يوم أم مضطهد الأزمنة كلِّها؟
أمعيق التلاميذ أم مفرح مصفِّ الرسل؟
هل هو العدوُّ أو المحبُّ والمملوء حبٌّا(11).
هل هو الكاتب المتكلِّم ومفسِّر أسفار اليهود؟
70 أو كنّارة غنيَّة بالألحان من مصفِّ الرسل؟
أهو الأديب المتكلِّم، أهو مترجم أسفار أدوناي
أو الملتجئ إلى بساطة بيت يوحنّا(12)؟
هذا (المضطهد) اصطادته الحكمة من أجل الكرازة
فكان رفيقًا لجوق التلاميذ البررة.
75 اختار السذَّج لكي يخزي الحكماء بهم(13)
فيقيم تعليمه بالقوَّة لا بالدراسة(14)
ولئلاّ يستخفَّ بجهالتهم الشعبُ القاسي
مزج فيهم واحدًا داريًا ومتعلِّمًا من الناموس.
بين سمعان بطرس وشاول بولس(15)
من داخل بيته نبع منخسٌ للشعب: هو شاول
80 ليوبِّخهم حول ابن ربِّه بالناموس(16)
محتقرًا كان سمعانُ المختار، صيّاد هو!
وكلُّ الجوق الذي التحق به كان من الساذجين
لهذا اختار (الربُّ) شاول من الدارسين
ليرافع مع السذَّج (ويقول) هم في الحقّ
85 حين يحلّون (= الرسل) الختان والعادات والفرائض،
لن يقول الشعب: ما قرأوا في أسفار موسى!
ببساطتهم احتَقروا طقوسَ العالم اليهوديّ،
فتجاوزوا(17) الناموس وهم غير متعلِّمين
حسنًا إذًا دخل بولس، كما قلنا،
90 كاتبًا ماهرًا يكرز الحقَّ مع الساذجين
هذا الذي تعلَّم الطقوس العتيقة،
نبذها كلَّها وبالجديدة افتخر.
والذي درس الأعياد والسبوت ورأس الشهور
أهملها وأخذ بتدبير السذاجة.
95 بعد أن حمل كلَّ الثقل الذي وهبه له موسى،
أراحه (الربُّ) منه، فحمل نير(18) الصليب
خطفت البشارةُ الكاتبَ الماهر فبيَّنت به
بأنَّ سذاجته(19) أكثر علوٌّا من الحكماء
مزج (الربُّ) الحاذق والداري(20) بالبسطاء والساذجين(21)
100وما استطاع أن يحوِّل أقوال الكرازة
مثل صيّاد السمك تكلَّم سليمُ القلب
فما تكلَّم ولا تكلَّموا إلاّ عن المصلوب(22).
بولس ويسوع
من أجل هذا مزج بولسَ بمصفِّ الرسل
ليكون الحقُّ جليٌّا كالشمس قدّام الصالبين
105 كان مضطهِدًا فاجتذبه بالحكمة ربُّنا
وأدخله، وحبسه داخل المحفل الرسوليّ
لبس الغيرة ليأسر تلاميذ الابن
ويحمِّلهم من أجله جميع المضائق
سأل رسائل من عظماء الكهنة، المتعطِّشين للدماء
110 ليحرِّك على التلاميذ خصومة مملوءة بالقتل.
بلبله الحقد واشتعل بالغضب العظيم،
ليحمِّل الآلامَ كلَّ من يعترفُ باسم يسوع
امتلأ حقدًا، لا للشتم، بل للقتل،
وعطش إلى الدم وها قد مدَّ بالسباب
115 من الصالبين أخذَ على التلاميذ سلاحًا:
رسائل امتلأت كلُّها قتلاً وربوات من العذاب
زادًا للحرب أخذ من الكهنة المتعطِّشين إلى الدماء،
ليمضي ويمزج(23) كأس الموت للتلاميذ.
بحكمة لبسه الحقّ، ثمَّ اصطاده،
120 ليكون مبغضًا ثمَّ يدخله إلى الكرازة
شعر كلُّ إنسان أنَّه (= بولس) عدوُّ يسوع
وبعد ذلك دعاه (الربُّ) ليشهد على مجيئه
أخرجه في الطريق ليكون له اسمًا بين المضطهدين
ثمَّ بيَّن له مجدَه ودعاه ليكون منه.
125 تركه (يسوع) لكي يشعر العالمُ كلُّه أنَّه كان مبغضه،
بحيث يجعله شاهدًا للحقِّ حين يصير صادقًا.
تجلّى له في طرقه أنَّه بحكمة خرج في إثره(24)
ليكون لائقًا به حين يتكلَّم عن حسناته.
وحين يكرز بمن كان راعيه الذي يحابيه،
130 لأنَّه قبل اليوم، بمرارة استخفَّ به
ما كان محبَّه ليصنع شرطًا فيدجِّل عليه،
تعلَّم الحقَّ وإن لم يرَ ذاك الذي يكرز به
أخذ رسائلَ فضمَّت الجماعةُ كلُّها (لسماع) اسمه:
هذا يمحو اسمَ الناصريِّ من داخل شعبنا.
135 هذا الرجل الدارس، الماهر، وصاحب الغيرة،
يقدر أن يقتلع هذه الضلالة فلا تتأصَّل.
طليقُ (اللسان)، علاَّمةٌ، وبالناموس مستنير جدٌّا
وكلُّ ما يقول يقدر أن يقيمه (يثبته) لأنَّه عارفٌ
دعا الرجل ودرَّسه في الفكر اليهوديّ،
140 فعرف الأسفار واستخلص المخارج استخلاصًا.
مشتعل بالغيرة فلا يلامسه الدجّالون
وإن لزم الأمر، وهب عنقه من أجل الناموس.
انسحق بموسى وتعلَّم أسرار الأنبياء
وما تراخى ليعطي موضعًا للدجّالين.
145 حسنًا مضى هذا (الرجل) ليسير وراء يسوع
لأنَّ كلَّ إنسان عرف أنَّه رجل صادق، محبٌّ للحقّ
دخلت البشارة، حرَّكتهم لكي يسبِّحوا،
لئلاّ ينبذوها حين يكرزها في آذانهم.
شاول، لماذا تضطهدني؟
خرج في الطريق وحمل رسائل التهديد،
150 وتنسَّم الحقد ليولِّد الموت للتلاميذ.
وإذ تغلغلت فيه الحميَّة، فلاحق وأسرع
كلَّمه بعذوبة ذاك الذي أراد أن يكون مضطهَدًا (= يسوع)
خفَّف صوتَه الراعد وقال له:
»شاول، شاول، لماذا أنت تضطهدني؟«(25)
155 كلمةً تعبةً وضعيفة ومملوءة عذابًا
أسمعه (يسوع) كالمضطهَد أمام من يضطهده
فكما من تعب الاضطهاد المليء بالأثقال
سأله: »لماذا أنت تضطهدني؟«
بتواضع يملأنا دهشة، تكلَّم معه
160 ليحطَّ تلك الرفعة التي (يظهرها) تجاهه.
لا بالسلطان، ولا بالقدرة، بل بالحبّ،
سأله ليبيِّن (=شاول) له لماذا يضطهده.
الراكب على الأعالي وشاول يدبُّ على التراب،
أقرَّ أنَّه مضطهَد، ليعرِّفنا تواضعَه.
165 »شاول، شاول، لماذا أنت تضطهدني؟«
فإلى أين؟ ومتى بلغتَ (إلى هنا)؟ وإلى أين تصل؟
قاسٍ عليك أيُّها الرجل، أن ترفس المناخس(26)! فاترك!
ولا تلاحق بعد، فأنت لا تدرك. فأوقف جريَك.
إن رفستَ بشراسة، رجلك تؤذي.
170 فادخل وخذ نير الصليب وكن متواضعًا
قاسٍ جدٌّا عليك أن ترفس مناخس صليبي
فتؤذي نفسك لأنَّ المناخس قاسية وأنت ضعيف
تعلَّم معه بالتواضع والمخافة،
فبهاتين الاثنتين يصبح ابنُ العبرانيّين حكيمًا
175 لاشى نفسه وسأل: »لماذا أنت تضطهدني؟«
وعاد وأرعبه: »لا تبعط قبالة مناخسي!
سكب النور عليه وخفَّف من شعاعاته
وبمجده المنوَّر زال نورُه (فعميَ)
وفقدَ شاول بصره
عندما تقال كلمة، فهي تطلب شيئًا آخر:
180 يكون الباب مفتوحًا قدّامها، ثمَّ تُسمَع
مفتاحَ الحبِّ والاهتمام بالتعليم،
إن أنتَ أخذتَ، فتحَ لك كلَّ المعاني
العادة تمزِّق الكلمة تمزيقًا وتفرغها
لتصير عاديَّة إن سمعتَها في العادة.
185 إن لم يوقظك الحبُّ لتسمع وأنت تشتعل
فعادةُ شيء لا تنفعك إن أنت أنصتَّ
أمِلْ إلى التعليم، لا أذنك، بل عقلك
فيكون لك أن تستنير أكثر من الشمس الجميلة بأشعَّتها(27).
البشارة(28) نورٌ يغلب نورُها كلَّ النيِّرات
190 وحين نزلت على بولس أنارته.
في وسط النهار كان تجلّي (النور) على الرسول:
فأنصتْ أيُّها المتميِّز، وسمِّر عقلك في الأنوار
أيُّ نور يظهر في نصف النهار،
إن لم يغلب الشمس ربوات ربوات.
195 في الليل المظلم، حتّى السراج له أضواء،
أمّا في النهار، فالشمس تُخفي كلَّ النيِّرات
نورُ الابن، في وسط النهار، ظهر على شاول
وبمجده أخفى الشمس وهو أعظم منها
حين كانت الشمس قائمة فوق الدرجة العالية،
200 واحترقت في رأس قمَّة الرقيع
وحين أمسكت العمق كلَّه وكانت قائمة في العلاء
وهنا وهناك بسطت أشعَّتها واستحوذت الأرض
اشتعلت بعزَّة إشراقها العظيم
أشرق فجأة نورٌ عظيم فاختفت فيه.
205 فلو لم يكن أفضل من الشمس،
لما أشرق ورآه إنسانٌ في نصف النهار
أشرق في النهار فكانت (الشمس) كالليل بالنظر إلى أشعَّته
ليبيِّن أنَّ الشمس هي كالظلِّ له.
في بحر ضوئه ضُعف نورُ ذاك المضطهد
210 فما استطاع أن يرى شيئًا من الأشياء الجليَّة.
هرب كلُّ بصر له إلى داخل فكره
فعاد هذا (البصر) إلى الداخل ليرى جمالات وقع عليها.
إلى هاتين العينين الداخليَّتين دخل النور،
حتّى تلاشى نور هاتين الخارجيّتين.
215 »شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟«
نوره عزيز، ووضيع صوته، وها هو يسأله:
انحنى على وجهه، والتفَّ النور حول عنقه،
ورُبطت عيناه وهو يُسأل: »لماذا أنت تضطهد؟«
انطفأ حقده المستعر، كما للقتل
220 وتراخى تهديده الذي يسخط على التلاميذ.
زاغت رسائله وصار مرسلوها عارًا،
وكفَّ عن كلِّ هذا، وتسمّى مضطهِدًا
منظرُه مطارَد، ونوره هاربٌ من المجد،
مُرمى ومنبوذ (ويقال له): »لماذا أنت تضطهدني؟«
من أنتَ يا ربّ
225 حينئذٍ توجَّه إليه شاول (وقال): »من أنت يا سيِّدي؟«(29)
ما إن ربطه حتّى استكتب نفسه أنَّه عبده
»من أنتَ يا سيِّدي؟« سأل ليعرف. فأجابه ربُّنا:
»أنا يسوع الناصريّ الذي أنت تضطهده!«
الاسم الذي قابله شاول والتحم به ليُبطله،
230 ها هو يبيِّن له أنَّه يمسك الأعالي وبلدان (الأرض).
امتلأ ذاك المضطهد حقدًا على هذين (الاسمين):
اسم يسوع واسم الناصرة. لا كلام عنهما
أقرَّ ابنُ الله بأنَّه أهين قدّام مضطهِده،
ليبيِّن له بأنَّه يفتخر بإهانة هي للخلاص
235 حين كان في السماء ما استحى باسم الناصرة
لأنَّ برعم جسده المحبوب تربّى فيها.
بإرادته أتى إلى الناصرة، حين أتى إليها
ولهذا أقرَّ بها وهو في السماء
»أنا يسوع الناصريّ الذي أنتَ تضطهده!«
240 أنظر! هل توصَّلتَ أن تحلَّ سلطاني كما هدَّدت؟(30)
قال شاول: »ما عرفتُ من أنت، يا سيِّدي!«
والآن وقد عرفت، أكون مضطَهدًا لأجلك
خرجتُ أضطهدُ ابن يوسف(31) فكنتُ ضالاً
وما عرفتُ أنَّك بالحقيقة ابن الله
245 قابلتُ ميتًا أضلَّ الشعب، قاتلتُه،
وما عرفتَ أنَّك حيّ وباعث الكلّ (من الموت)
نظرتُ إليك تحت الأرض وكأنَّك بين المقبورين،
وما ظننتُ أنَّك أعلى من الأعالي
في قعر الشيول(32) حدَّقتُ وكأنَّك ممرَّغ (في التراب) ضعيف
250 وما فهمتُ بأنَّ نورًا عظيمًا يحيط بك.
نظرتُ إلى تحت لأراك هناك في مكان المائتين،
فما أوضح لي إنسانٌ بأنَّك راكب على منعة الأعالي
ظننتُ أنَّك مُخفى في الهلاك،
وما تطلَّعتُ إليك متكلِّمًا من الأعالي(33)
255 ضللتُ وحسبتُك محاطًا بصفوف الدود
وما عرفت أنَّ جموع الملائكة(34) تسبِّحك
ظننتُ أنَّك داخل هوَّة الموتى العظيمة
فخفيَ عنّي أنَّ السماء مملوءة منك.
فكَّرتُ، حين اضطهدت، أنَّك محبوس داخل القبر
260 وما فقهتُ أنَّك تُمسك يمين الآب.
حفظتُ لك مكانًا لتنزل فتزور الأرض،
وما تبيَّنتُ، أنا الأعمى، أنَّك نزلت وصعدت(35)
لأجلك كنتُ مضطهِدًا لك، لأنّي أحببتك،
وانتظرتك أن تأتي، وحين أتيت حقٌّا ما دريتُ بك
265 تحفَّظتُ لئلاّ يأتي آخر باسمك(36)
وإذ بدَّلتك قبضتُ عليك لكي أهينك.
كهنةُ الشعب دجلّوا عليَّ وأغلقوا (النور) في وجهي
لئلاّ أنظر إليك وأرى أنَّك أنت هو وأنّي أنا خاصَّتك
بيَّنوا لي فقط في المجامع أنَّك نَقضت السبت(37)
270 وما أوضحوا لي أنَّك كمَّلت الناموس كلّه(38).
تعلَّمت من الكثيرين أنَّهم صلبوك على الجلجلة
وما قالوا لي إنَّ صوتك شقَّق الصخور(39)
سرقوا منّي نصف خبرك فما شعرتُ به،
وفي هذا النصف درَّسوني فأكثروا كما الجاحدون(40)
275 تعلَّمتُ فقط أنَّ المسامير رسخت في يديك(41)
وأخفيَ عنّي أنَّك حطَّمت أمخال الشيول
سمعتُ منهم كثيرًا أنَّ يوسف حنَّطك(42)
وما قالوا لي إنَّ الملائكة أذاعوا انبعاثك
ردَّدوا أمامي أنَّك نزلت إلى الشيول (= الجحيم)
وأغلقوا (الباب) في وجهك
280 وما تعلَّمت أنَّك ارتفعت من (هناك) إلى الأعالي
من اليهود سمعتُ أنَّ التلاميذ سرقوك(43)
وما عرفت، يا ربّ، أنَّ الملائكة يرتهبون منك
حين الاضطهاد تعلَّمتُ منهم أنَّك ابن النجّار(44)،
وما فقهتُ أنَّك مكلِّل جميع البرايا
285 ظننتُ أنَّك في الأساسات العميقة كالمائتين،
فرأيتُك ديّانًا على رأس الأعالي.
نظرتُك كالميت في لجج الأرض
وما عرفت أنَّك مزيَّح لدى كلِّ الأعالي
شاول، بولس الرسول
في هذا التجلّي الذي تقبَّله شاول خلال الاضطهاد،
290 تعلَّم بأن يتقبَّل الاضطهاد من أجل يسوع
بحدَّة القتل خرج الغيور من بيت أدوناي،
فربطه النورُ والصوت، في الطريق، فلا يضطهد بعدُ.
حقٌّا، رأى بعينيه وبأذنيه سمع
ثمَّ وضع نُصب عينيه البشارة بالملكوت
295 رأى البارُّ (=الله) كم غيرة الرجل عزيزة
فما احتقره، بل أهَّله لجليان الحقيقات
لهذا حسن أن يكون رسولاً، كما كان،
ويجدُّ في (الأسفار) العتيقة، (والأسفار) الجديدة
من أجل الناموس، قام قدْرَ استطاعته، مثل الجلاّد (بالمطرقة)
300 ولمّا دعاه التجلّي إلى البشارة، انتصر بين الرسل
سار فيها في زمن الظلال(45).
واحترق فيها حين أشرق له نورُ يسوع
ما اشتكت التوراةُ(46) عليه، أنَّه تراخى فيها
وما كان له للبشارة (كتاب) آخر يشبِّهه بها
305 دخل في أسرار موسى وكأنَّها موضعه
وتعلَّم في جمالات الصلب وحدَّق.
لاق بهذا (الرجل) أن يكون للابن رسولاً
لأنّه رتَّب في أقنومه الجمالات، كما الأعضاء.
صومٌ وسهر وأتعاب لا حدَّ لها، كما هو قال(47)
310 كلّ الضيقات والعذابات والآلام من أجل يسوع(48)
وفي كلِّ الأيّام، الصبر والاضطهاد،
الجوع والعطش والحاجة، وهو يشهد لي(49).
ذاك هو الكاتب الذي تتلمذ(50) لملكوت العلاء
الذي اهتمَّ بالأسفار الجديدة والأسفار العتيقة
315 شهوةً اشتهت البشارة أن يكون لها كارزًا
وفي الحال هاجَمْتُه بنورها ليرى جمالها
رأيته متكلِّمًا، يقظًا، غيورًا، مثقَّفًا، خبيرًا
فاختطفتْه ليكون مدافعًا عنها مع سلماء القلوب
أشرقَتْ عليه فسقط أرضًا من مجدها،
320 فجلت قدّامه كلَّ جمالاتها وبيَّنت.
حتّى السماء الثالثة(51) سباه التجلّي
فصعد ورأى مجد الابن في موضع علائه.
رماه على وجهه وخطف عقله نحو الملكوت
ليتعلَّم هناك من هو يسوع وابن من هو.
325 »شاول، شاول، لماذا أنت تضطهدني؟«
قاسٍ عليك أن تبعط قبالة مناخس الصليب.
تعجَّب المضطهد بالمجد الذي رأى وبالسؤال
وبما قال له: »من أنت يا ربّ«، كما سمعتم
قال له: »أنا هو يسوع الناصريّ«.
330 يا من تضطهدني وتتقاتل مع المناخس
صغيرة هي الناصرة، وقليلون الساكنون فيها
تعال ترَ السماوات وجموع الملائكة التي لا عدَّ لها.
إن هدَّدتَ قرية صغيرة كما قلتَ،
فماذا تصنع بمدينة عظيمة، مدينة السماويّين؟
335 إن أنتَ احتقرتني، لأنّي كنتُ زمنًا في الناصرة
فماذا تصنع لي الآن وأنا كائن منذ الأزل؟
إن طلبتَ أن ترى ربوات وربوات، فتعال أبيِّن لك
المواضع التي لا حدود لتخدمها.
إن كان عيبًا أن تكون تلميذَ الناصريّ،
340 فاخرج واكرز بي، أنا السماويّ، في البلدان
افتخاري هو بالصغارة التي تنازلتُ إليها،
ساعة العظمة كلُّها تخصُّني، وها أنت تراها.
شاول عند حنانيا في دمشق
قُم الآن، وادخل إلى المدينة التي قصدتَ
وهناك يُقالُ لك ماذا تصنع
345 مدَّه بالرؤية، وبالتجلّي نَجدَه
وحين تفقَّه بالخفايا دعاه وأقامه
قام المضطهد بعد أن أُخذ النورُ من بؤبؤته:
عيناه مفتوحتان، وهو لا يقدر أن يرى شيئًا
من الناصريّ خرج شعاعٌ فأعماهما
350 وفتح لتلميذه (حنانيا) السلطان بأن يفتحهما
ووجب أيضًا على شاول أن يتعلَّم بواسطة هذا (الكلام):
حين أَضطهدُ التلاميذ، أَضطهد بهم يسوع.
حبسَ الرؤية عنده، ووضع قفلاً في وجه نوره
وهب لحنانيا مفتاحًا به يفتح له.
355 إلى التلاميذ المضطهَدين أرسله ليدخل.
وحين يشفونه يحني منعته قدّام القلوب السليمة.
أخذ نورَ الكاتب الماهر فصار عارفًا
بأنَّه يحتاج إلى سذاجة البشارة(52) لكي يستنير.
جعل المفسِّر محتاجًا ليبيِّن له
360 كم من القدرة في بساطة الصليب!
كان متباهيًا بالقدرة على الكلام التي له،
فأحنى عنقه أمام السذَّج من أجل شفائه.
ظنَّ أنَّه مستنير في ما وجد
فأرسله نحو التلاميذ ليطلب موجود نوره (= نور يسوع)
365 أُدخلْ إلى المدينة (= دمشق) فيُقال لك ماذا تصنع
لماذا هذا؟ إلاّ ليجعله ينحني قدّام التلاميذ.
شرع شاول يمشي في الطريق. فاقتادوا
الأعمى الجديد الذي أنار العالمَ بكرازته
من التجلّي امتلأت نفسُه نورًا عظيمًا
370 وأُخذ منه النورُ الخارجيّ قصدًا (من الربّ)
جعله أعمى لأنَّه خرج ليضطهد النور
فيعود ويكون شاهدًا للنور، بعد أن يستنير
دخل المدينةَ وهم يقتادونه، كما قُلنا
فقبله الكهنةُ لأنَّهم سمعوا بغيرته.
375 فرحوا به لأنَّه أتى ليحمِّل بيتَ يسوع الآلامَ
ومثل رابّي(53) قبِلَه هؤلاء وبه فرحوا.
ولعلَّ كهنة الشعب قالوا له هذه (الأقوال):
مرَّ زمان علينا ونحن ننتظر اهتمامك
سيِّدي، وسمعنا أيَّة غيرة تلبسها كلَّ يوم
380 قبالة يسوع الذي أطغى شعبَنا هو وتلاميذه
علمنا أيَّة عذابات منك يحتمل.
الرجالُ والنساءُ الذين يعترفون باسمه (= باسم يسوع) فامتدحناك كثيرًا
أتت إلينا أخبار عن غيرتك الباسلة:
كم جرجرتَ الذي اعترف بالاسم هذا
385 قالوا لنا: بأيَّة حدَّة امتلأ وجدانك
قبالةَ المضلِّ وقبالةَ جوق الأطفال الذين أطغى.
وكما سمعنا، نرى اليوم عزَّتك،
فقُم مثل الطارق (بالمطرقة) ونحن معك حتّى نأسرهم
بيِّن الآن كلَّ غيرتك وتجبَّر،
390 لأنَّنا ننتظر متى نراك لتكون لنا مساعدًا.
هؤلاء الذين ضلُّوا وراء يسوع، أفسدوا الأرض،
فأَبعدْهم من بيننا بكلِّ اهتمام.
شاول والكهنة(54)
قال شاول: »إذًا أقول أنا أقوالي.
لا تعجِّلوا حول أعمال لا تخصُّنا.
395 نورَ عينيَّ أخذ ابنُ النجّار رهينة
فامضوا وجيئوا لي بالرهينة المأخوذة فأَقبل
أقفل باب عينيَّ وأنا آتٍ في الطريق
فمن قدر أن يفتحهما، إيّاه أُحبّ،
من الآن وصاعدًا لا تنظروا إليَّ كما سمعتم
400 لأنَّ لي شيئًا جديدًا أقوله وأبشِّركم به.
أنا أحفظ هذه الآية إلى أن أرى.
من يهب لي نورَ عيني كما (سبق) وقلتُ؟
ليأتِ الكتبة والفرّيسيّون والصادوقيّون
وليبيِّن واحدٌ منهم: هل يعطيني النور؟
405 هذا الامتحان جليٌّ وقائم كما النيِّرات،
وأنا وسيط فأكون شاهدًا متى تنفتح (عيني)
هنا طلبي: أن أرى! فمن له النور
أنا أصدِّقه حين يفتح لي عيني حقيقةً
إذًا، نبحث عمَّن يهب لي النور لأنَّ الظلمة لي
410 وأنا أسمع ما يُقال لي بدون جدال.
قال الكهنة: ''من هو هذا الذي تتكلَّم عنه؟
أصادق أنت أم تسعى إلى امتحاننا؟
لعلك تردِّد هذه (الأقوال) مثل حكيم، ماكر:
إن وُجد هنا من يعترض بيسوع، يحتمل العذابات.
415 نحن واثقون أنَّ صدقك لا اعوجاج فيه
فهب الرسائل لأنَّنا سمعنا لماذا أتيت.
قال شاول: أنا لا أتكلَّم بمكر،
تعلَّمتُ الحقيقة وما رأيت به أكرز.
حين أخذتُ الرسائل كنتُ عتيقًا(55)
420 فلاقاني المسيح في الطريق فصنعني جديدًا.
ها أنا أشقُّ الرسائل(56) كما أنتم ترون،
لتصدِّقوا أقوالي: لا أسلِّم مع الأمور القديمة.
هذا البناء الذي بنيت، ها أنا أقتلعه
فمن الآن وصاعدًا أبني على أساس يسوع
435 رأيتُ يسوع، لا كما أنتم تحتقرونه،
بل في مجد لا يقدر الأرضيّون أن يتكلَّموا عنه
وأمزِّق الرسائل وأنا أعمى
لأنّي لا أقدر أن أرى إهانته في الكتابات
رأيتُ مجده فلا أقتربُ بعدُ من إهانته
430 ارتويتُ بحبِّه ولا أقدر أن أبتعد عنه
مع الله، بدَّل شاول النورَ بالنور
وبدل نوره، أخذ آخر أعظم منه.
أشرقَ(57) شمسُ البرِّ في وجدانه،
ومن أشعَّته اضمحلَّ النور الخارجيّ
حوار يسوع وحنانيا
435 ابنُ النجّار (=يسوع) حبس الأسد وتحكَّم به
ودعا تلميذه حنانيا لكي يرى
اسفرارَ الوجه صنع لحقيقته بما صنع
لكي يأتي المضطهَد ويهب النورَ للمضطهِد
من شاول هرب التلاميذ
440 لأنَّه اضطهدهم بشدَّة، وبلا رحمة
سمعوا بخبره: اشتعل (حقدًا) وأتى ليقتل
فدخلوا إلى المأمن خوفًا منه
وحين كانوا خائفين منه ومرتجفين،
دعا الربُّ حنانيا، في رؤية، ليأتي إليه (= إلى شاول):
445 »قُم، تعالَ، امضِ، انظرْ شاولَ ومُدَّ له يدك
صوَّرتُك قدّامه قبل أن تمضي، ليثق بك
رسمتُ اسمك وأقنومك (= شخصك) قدّامه، في رؤية رآها.
هو يتطلَّع إليك، فلا تتأخَّر عن زيارته«.
سمعَ حنانيا خبر شاول، فارتعب
450 وشرع يتوسَّل أن لا يمضي إلى المضطهِد:
»ربّي، من أيمتى صار هذا قريبًا من تلاميذك،
إلاّ ليأسرَ ويحتمل العذابات ويُبيد؟
متى الذئب رعى مع الحملان وتحبَّب إليهم
ومن رمى اللقطة (طائر صغير) أمام الباشق مع الفراريج؟
455 من يقدر أن يُدخل الحيَّة إلى قنِّ الحمام،
وكيف نقدر أن نخلط هذا مع التلاميذ؟«
قال ربُّنا: »امضِ، يا حنانيا، انظر وتشجَّع
قُبض على الأسد، وانحنت منعتُه، وهو ينتظرك
ربطتُ الذئب وها هو هادئ ساكن مع الحملان
460 أُمسكَ المفترسُ وما عاد يؤذيك
ها الجبّار مربوط في الظلمة، وبطُل بأسُه
فامضِ وحُلَّه لأنَّه هزُل من العذاب
تعالَ وانظر الأسد، فهو كالثور يأكل التبن(58)
وكُدن على مثالك تحت نير الصليب
465 اذهبْ وحدِّقْ في الكاتب الماهر الذي بطلت أقواله:
فمنذ الآن وصاعدًا، التجأ إلى البساطة (الإنجيليَّة)«.
بولس الإناء المختار
هو الإناء(59) الذي اخترت لأُفرغ فيه الكرازة
فهو يحتويها برحابة قلبه ويفهمها
لن أبلغ (أنا يعقوب) امتداح بولس مهما تمدَّدتُ
470 فعقب ميمره أرفعُ من رأسي، فكيف أقوله؟
أيُّ ساذج يقدر أن ينسِّق صورة للملك
إن لم يعرف أن يميِّز الألوان والأصباغ؟
من هو كفوء لهذه الصورة العجيبة، صورة بولس
إلاّ إذا تزيَّن إصبعه بالألوهيَّة؟
475 بعد ذلك دعاه إناء مختارًا وجلا (سرَّه)
فمن يقدر بعدُ أن يضيف جمالاً على هذا الجمال؟
بحكمة اختار ذاك الذي اختار، كما المتميِّز
والمختار جعل نفسه مختارًا بجمالاته.
محبوبٌ اختيارُه لأنَّه لبس الجمالات الجديدة
480 والذي اختارهَ كان صائبًا، فأمسكه حرٌّا حين اختاره
»هو لي إناء مختار ويفيدني كثيرًا
وسيكون له اسمٌ يأخذه في الشعوب وبين الملوك«(60)
سيكون له أن يتألَّم كثيرًا لأجلي حين يكرز لي،
ولهذا، امضِ يا حنانيا وافتح له عينيه
485 المختار الذي انتصر، امتدحه فمُ الربّ
فما تجاسرتُ أن أمدح المليء جمالاً، ولا ظننتُ.
قال الربُّ، فقام التلميذُ كما أُمر
ومضى ليعطي النور لشاول الذي عميَ
دخل عليه ووضع يدَه على عينيه
490 فأشرق النور داخل بؤبؤة صارت ظلامًا
دعاه: يا شاول أخي. ليبيِّن له أنَّه أخوه
وليعترف بولسُ بالجنس الذي اختلط به
أرسلني إليك ربُّنا يسوع الذي التقى بك
وهو أرسل لك النور بيدي، من كنزه
495 قال بولس: نعم، بالحقيقة أنتَ من خاصَّته،
لأنَّ كلَّ من هو له ينشر النور من كلِّ جوانبه
حين اقتربتَ منّي، أيُّها الرجل، كان النور مجتمعًا في يدك،
فوُلدتْ من أصابعك البروقُ المضيئة
أنت تلميذ ذاك الذي رأيتُه محاطًا
500 بأمواج النور التي تطفئ العين بأشعَّتها
أنت من خاصَّة ذاك الذي رأيتُ مجده في النور
وهذا أصغر من ذاك البحر الذي لا يُحدّ.
وسأل حنانيا شاول الكاتب
والتلميذ اللابسُ المسيح (سأل) البليغ(61) المتكلِّم
505 فتحَ له باب المعموديَّة، ودخل وأقامه
في البطن الجديد الذي يلد كلَّ يوم، الجمالات كلَّها
طهَّر الإناء المختار بالمياه الإلهيَّة،
ليكون (شاول) كفوءًا لتقبُّل البشارة حين تسقط عليه.
بقوَّة خرج من حشا المعموديَّة
510 واعتزَّ صوتُه أكثر من الرسل رفاقه.
بولس في إثر المسيح
مَن مثل هذا الذي حدَّق بالصليب،
وقبلَ منه نورًا جديدًا به يُفحَص كلُّ جمال
من يُشبهه وهو الذي كان كلُّه شبه المسيح
قال: »تشبَّهوا بي كما أنا بالمسيح«(62).
515 عظيمة الكلمة وسماعها يغلب الطبيعة
والفهم عجيب فعجز الوجدانُ عن تفسيرها.
ما تطلَّع بولس بالأوَّلين ولا بالآخرين
بل أمسك العلاء لكي يتشبَّه بجمال المسيح
قياسات كثيرة في كلِّ الجمالات،
520 تخطّاها كلَّها وما تشبَّه إلاّ بيسوع
وُضع قدّامه ملكيصادق(63) مثل مرآة،
فما نظر إليه، لأنَّ نظرته كلَّها تعلَّقت بالمسيح.
ما تشبَّه بأخنوخ الزاهي الذي لم يذق الموت(64)
لأنَّه اشتهى أن يتشبَّه بربِّه الذي قُتل
525 ما تنازل ليتمسَّك بالصوم مثل إيليّا(65)
فقد حدَّق في صوم المسيح حين صام.
ما نظر إلى عجائب موسى ليتشبَّه به،
بل اشتهى أن يبلغ إلى صورة آلام المسيح
كلُّ الجمالات عاديَّة بالنسبة إلى هذا الجمال،
530 فما أراد أن يتشبَّه إلاَّ بربِّه.
حين صعد، صعد فوق صوَر جميع الأبرار
وطبع نفسه بالمسيح وما طبعها بآخر.
ترك وراءه فضيلة جميع الصدّيقين
وما وضع هدفًا يتشبَّه به إلاّ يسوع.
535 قال: ''تشبَّهوا بي كما أنا بالمسيح''.
عظيم هو الشبه الذي صوَّر به نفسه وتشبَّه به.
لماذا إذًا أقول شيئًا عن الجميل(66)
لأنَّ لا ميمر يصوِّر جمالاته وهي كثيرة
من صوَّر له صورةً(67) بكلمته، وما شوَّهه؟
540 هو يُشبه ربَّه، وصورةُ الابن فوق كلِّ الحدود
ذاك الذي هو حيٌّ وليس بحيّ، كما قال(68)
اعترف بأنَّ المسيح وحده ''حيٌّ فيَّ''
في هذا عجب وأكثر ممّا تعجَّبنا
وكيلة الأذن لا تعرف كم هو عظيم
545 هناك شابه شبهًا فقط، وهو هنا هو.
هو لا بشبهه، بل هو فيه حيٌّ ويتكلَّم
قال: »المسيح حيٌّ فيَّ. وما أنا الحيّ
لأنِّي متُّ بذاك الذي بالحقيقة مات لأجلي
قال: »إنساننا العتيق صُلب معه(69)
550 فماتت بالصليب كلُّ تحرُّكات الأهواء.
من هو اللاحيّ؟ ذاك الذي لا يحيا لنفسه وهو حي،
حين لا يموت إلاّ لذاك الذي لأجله مات
من توصَّل إلى إماتة تحرُّكاته وأفكاره،
ومن (ساد) الهيجان الذي فيه إلاّ بيسوع؟
555 إلى هذا المقياس بلغ بولس.
فكيف له رفيق يشبهه بالكمال؟
من يقدر أن يخرج من نفسه كما خرج هو؟
قال: أخرجني الحبُّ وأدخل المسيح بدلي
يا لك من رجل! ماذا تقول أنت في رسوليَّتك؟
560 قسْ أقوالك، فهي لا تُسمَع في آذاننا!
من خرج من ذاته الخاصَّة إلاَّ أنت،
وأتى بآخر ليدخل ويسكن فيك على مثالك؟
أخرجني الحبُّ وأدخل المسيح وأسكنه فيَّ
عظيمٌ الساكن وأعظم وأفضل ممَّن يحتويه
565 ما تحرَّك ولا شعر إلاّ بيسوع
فهو حيٌّ فيه، وبحسب إرادته تصرُّفاتُه.
أفتخر بصليب ربِّنا(70)
إلى الصليب نظر كما هو وتطلَّع،
فانطفأ منه كلِّه، كلُّ التحرُّكات الجسديَّة
إلى الصليب نظر فاستطاع أن يرى كلَّ جماله
570 ولهذا افتخر به وحده
فلا افتخار لي إلاّ به
شعر بغناه، ولهذا افتخر به
استطاع أن يعرف أنَّ (الصليب) هو علَّة كلِّ الخيرات
وما كان له شيء آخر عظيم مثله
575 نظر إلى علامة العار، فرأى فيها ربوات من الجمال
فافتخر بها كلَّ يوم في كرازته.
بذلك التجلّي سافر إلى البلدان العديدة،
فما وجد فيها جمالاً مثل (جمال) الصليب
دخل بمعرفته، وجسَّ كنوز الله كلَّها
580 فما رأى هناك غنى يشبه (غنى) الصليب
عاش في الداخل إلى حدود الكمال
فحدَّد هناك أنَّ كلَّ شيء يمتلئ بالصليب
وحين رأى أنَّ كلَّ الجمالات به (= بالصليب) كاملة،
ما كرز حيث مضى، إلاَّ بالصليب
585 أحبَّ الصليب حتّى صلب نفسه معه
وصلب العالم بالصليب، كما قيل
قال: صُلب العالم لي وأنا صُلبتَ للعالم
بقوَّته العجيبة استطاع أن يصلب العالم كلَّه
أو لرجلٍ واحد عُلِّق العالم كلُّه على الصليب
590 واستطاع أن يحمل وحده الثقلَ هذا
من هو الجبّار الذي تمكَّن أن يعلِّق هذا الحجر العظيم
إلاّ بولس الذي صلب العالم كما قال
صلب نفسه قبالة العالم والعالم قبالته
وعلَّق ذاته والعالم بقوَّة الصليب
595 »أنا مصلوب للعالم«. يعني كما قال: »ما أنا حيّ«
حدّ أقواله: مات للعالم وحييَ لله
كيف أتجاسر أن أمتدح هذا الرجل
فأنا لا أكفي لكي أحيط ببحر أخباره
إذًا، أتوقَّف عند مدائحه، مدهوشًا
600 مبارك من اختاره للرسالة لأنَّه أهلٌ لها.