القسم السادس والثلاثون:دم العهد الجديد

دم العهد الجديد  14: 12- 26

هذا هو دمي الذي يُسفك من أجل الكثيرين.
إستعدادات غريبة، ولكن الواقع بسيط. كان ليسوع وتلاميذه أصدقاء يستقبلونهم في بيوتهم. أمّا الرجل الحامل الجرّة فهو يوجّههم في الطريق الصحيح. بما أن يسوع مهدّد بالموت، فيجب عليه أن يعمل بخفر وبسّرية. رجل يحمل جرة. نجده حالاً. لأن النساء هنّ اللواتي يحملنَ الجرار عادة. وقد ظن بعض الشّراح أن هذا الرجل هو مرقس نفسه الذي استقبلت أمه التلاميذ في بيتها في أورشليم (أع 12: 12). حين وصل الباقون، كان كل شيء قد أعدّ. لا مكان للصدفة أو للمفاجأة. فالعيد يُهيّأ. وأصدقاء يسوع يريدون أن يعيّدوا الفصح معاً لأن يسوع يريد أن يكون حمل الفصح المذبوح.
حين أراد يسوع أن يدخل إلى أورشليم، أرسل اثنين من تلاميذه ليهيّئا الناس لاستقباله. فتهيئة الحدث أمر جوهري. هي استباق وتأمل. هي طريقة تدل على اهتمام الله المسبق بنا. والاستعداد للفصح جزء لا يتجزّأ من العيد. كل شيء معدّ. وهذه الاستعدادات اللافتة تتعارض وتأسيس العشاء السري الذي بدا وكأنه ابن ساعته، بدا وداعاً دراماتيكياً. لا شكّ في أن بعض الأوساط اليهودية عرفت طقس الخبز والخمر. ولكن حين طبّق يسوع على نفسه هذه الحركات التقليدية، دلّ على أنه الذبيحة المقدَّمة. وانفصال الجسد عن الدم صوّر الموت من خلال الدم المراق.
تحدّى يسوع تلاميذه وصدهم: دلّهم على الدم ودعاهم ليشربوه. هو لم يُخفِ دمه، عرضه على الجميع ليشجب الذين يسفكون دم اخوتهم. نجد في كل الروايات الافخارستية أربع فعلات: أخذ، بارك، كسر، أعطى. أية فعلة أبسط من أخذ الخبز؟ إنها طريقة ندلّ بها على أننا نمسك حياتنا بأيدينا لنكسرها ونعطيها للآخرين. ما الذي فكّر به الرسل أمام هذه الفعلات مع ما فيها من اتساع ومهابة؟ إكتفوا بالصمت بعد أن تحدّتهم هذه الكلمات التي سيتذكّرونها إلى أن يجيء.
لا يذكر مرقس أمر الرب بأن يعيد التلاميذ ما فعله هو. تذكّر فعلة المرأة في 14: 9 فأفهنا معنى الاحتفال. فالكلمة على الدم تشير إلى عهد جديد. فيسوع يتمّ كل عهود البشر، كل محاولاتهم ليجعلوا من الأرض مرفأ سلام. فيجب علينا أن نعطي ذواتنا من أجل هذا الرجاء. ويسوع يعرفه فيوضح أنها المرة الاخيرة التي يشرب فيها الخمر. غير أن عيده الاخر بين البشر يقوّي رباطات الدم في العائلة المسيحية الجديدة ويستبق العيد الأبدي. الافخارستيا هي حضور الذكرى من أجل الغد. وهي استمرار لحضور المسيح التاريخي. وهي نداء وتمنّ بمائدة اخوية يكون لا يسوع خبز العالم وحظّه الاخير.
نحن لا نقبل أياً كان على مائدتنا. فالمشاركة في الطعام تفترض العيش المشترك وبداية اتحاد بين المدعوّين يقوّيه الطعام الواحد. حين نأكل معاً، ندلّ على علاقات أعمق من مصافحة بالايدي. فهناك كأس نشربها وعيد نحتفل به خلال مأدبة فندلّ على الرباط بين الاشخاص والجماعات: كل العائلة، إحتفال بزواج، مأدبة من أجل القدماء...
كل أشكال الطعام هذه هي تعبير عن عهد وميثاق. فنحن بحاجة إلى هذه التظاهرات وإلا ضاع كل واحد منا وأحس أنه على جزيرة بعيدة.
واحتفالنا اليوم يدلّ على أن الله يدعونا ويرغب بأن يقيم معنا عهداً، نحن أولاده. ولقد تكيّف مع حضارتنا وثقافتنا بعد أن طوّرها. إعتاد الساميّون على نَحْر الذبائح ورشّ المؤمنين بدمائها. فالدم هو مبدأ حياة يعبرّ عن الرباط بين الله والإنسان. ولكن الله بدّل الامور، فقدّم لنا وليمة ليدلّ على عهده معنا.
ولكن تبقى الحاجة إلى دم الله لنصل إلى هنا: فالعهد الجديد قُطع بدم المسيح الذي طهّرنا من الأعمال التي تقود إلى الموت. فبالدم الذي سفكه وبالموت القاسي الذي احتمله وضع حداً لطقوس دموية وأقام رباطاً نهائياً بين الله وشعبه.
إن عيد هذا اليوم يكشف لنا أن خبز الافخارستيا وخمرها هما البرهان على عهد الله معنا. نحن شعبه، نحن كنيسته. فان كانت البرشانة بيضاء، فهي خبز مكسور ودم مراق. كُسرت فدلّت على جسد عرف الجلد والصلب. وأريقت فدلّت على دم سُفك في الآلام حتى الموت. ولكن خبز الافخارستيا كُسر ووُزّع ليوحّدنا مع الله، ويوحّدنا بعضنا مع بعض. وخمرة الافخارستيا نشربها في الكأس الواحدة فتربطنا في العهد الوحيد، عهد الله مع شعبه. وحين نخرج من الاحتفال، نصبح شعب المسيح وجسده، نصبح حاملي المسيح: فبنا يريد المسيح أن يعمل في عالمنا لكي يعرفه الجميع ويرتبطوا به في علاقة ويقيموا معه عهداً.
نحن نحتفل بالرب الذي يعطي حياته خلال عشاء أخير فيؤسّس الافخارستيا حسب قوله: إصنعوا هذا لذكري. ونحتفل بالرب الحاضر بجسده ودمه وهو الذي قال لنا: ها أنا معكم كل الأيام وحتى انتهاء العالم. كم يجب أن نشدّد على الخبز وعلى جوع الإنسان، كم يجب ان نشدد على الدم المراق لأجل خلاصنا ولكي يجمعنا كلّنا في الوحدة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM