نزول أبناء يعقوب إلى مصر.

 

نزول أبناء يعقوب إلى مصر

وصل أولاد يعقوب إلى مصر، بعد أن سادت المجاعة في فلسطين وفي عدد من بلدان آسيا بسبب القحط والجفاف. عرفهم يوسف أمّا هم فما عرفوه. هو الحاكم. إذًا، »سجدوا له بوجوههم إلى الأرض« (تك 42: 6). هذا الذي ركعوا أمامه، هو تلك الحزمة التي انتصبت وركعت أمامها سائرُ الحزم. »تنكّر لهم«. أخفى هويّته. ولكي يزيد البعد، استعان »بترجمان بينه وبينهم« (آ23). ما عرفوه. »وما علموا أنّه يفهم لغتهم«. ما حنّ قلبهم. ما لاحظوا من عيني يوسف شيئًا. كلّ همّهم أن يأخذوا القمح ويعودوا إلى أرضهم لئلاّ يموتوا من الجوع. أمّا يوسف فتوخّى من هذا اللقاء أن لا يكون فقط لشراء القمح. فهو سيقدّمه لهم تقدمة، ويقول لهم وكيل البيت باسم سيّده: »فضّتُكم صارت عندي« (43: 23). توخّى أن يكون محنة يعبر فيها إخوتُه، ليفهموا الشرّ الذي عملوه ويبدّلوا قلوبهم. »كلّمهم بجفاء« (42: 7) وحسبهم جواسيس (آ14). ولمّا هدّدهم بأن يأخذ واحدًا منهم ويجعله في الحبس، أحسّوا بالخطر.

فقال بعضهم لبعض: »نعم. نحن أخطأنا إلى يوسف أخينا. رأيناه في ضيق، ولمّا استرحمَنا ما سمعنا له. لذلك نزل بنا هذا الضيق«. فأجابهم رأوبين: »أما قلت لكم: لا تخطأوا وتسيئوا إلى الولد؟ فلم تسمعوا. لذلك نحن الآن مطالبون بدمه« (تك 42: 21-22).

1- لا تخطأوا

يقترف الإنسان الخطيئة، يسيء إلى قريبه، ويمضي في طريقه وكأنّ شيئًا ما حصل. أرسلت إيزابيل زوجة آخاب ملك إسرائيل بعاصمتها السامرة، شهودَ زور، فقتلوا نابوت بعد أن رجموه. فمضى آخاب »بضمير مرتاح« ليضع يده على الحقل (1مل 21: 18). مات الضمير فيه. أو هو رقد فما تحرّك ولا وبّخه على عمله. اتّفق مع امرأته، فأعدّا العدّة الكاملة لكي تتمّ السرقة وتبقى المظاهر هي هي. جدّف نابوت على الله. إذًا يستحقّ الرجم. من رآه، من سمعه؟ يكفي أن نأتي بشاهدَي زور، »برجلين سافلين« هما »ابنا بليعال« الذي سيُصبح في النهاية إبليس. تزيّا بزيّ الحيّة في الماضي ليوقع آدم. وهو يتزيّا، أو يختبئ وراء إيزابيل خادمة المعبد، ليوقع الملك في خطيئتين: القتل والسرقة. وما اكتفى بقتل ربّ البيت، بل قد يكون قتل كلاٌّ من له، بحسب عادة تربط العائلة بربّ البيت على ما حدث لعاكان: رجموه ورجموا أفراد العائلة ليبتعد »غضب الله« (يش 7: 26)، وهكذا فعل آخاب، رجم نابوت وكلَّ من له، ليزول حزنُه وتتبدّد كآبته. قالت له امرأته مجرّبة: »قم تناول طعامًا وطب نفسًا، وأنا أعطيك كرم نابوت اليزرعيليّ« (1مل 21: 7).

هكذا سقط الملك في التجربة، بعد أن تزيّنت له الخطيئة بحلاوتها. أمّا الله فلا مكان له هنا، إلاّ لكي يكون سيف الغضب على رجل مسكين، كلّ خطيئته أنّ أرضه تقع قرب قصر الملك آخاب (آ1). وهكذا سقط »آدم«، كما يسقط كلّ كائن بشريّ، حين زُيّنت له الشجرة »طيّبة المأكل، شهيّة للعين، باعثة على الفهم« (تك 3: 6). فيصير الإنسان يعرف الخطيئة حين يختبر الخطيئة. هو لا يقدر أن يبقى جاهلاً، كمن يضع يده في النار ليعرف ما يمكن أن تفعله النار. العقلُ تحرّكَ، والفم والعينان وسائر أعضاء الجسم. وتصوّر الإنسانُ أنّه إن عمل هذا العملِ يصل إلى السعادة التي تاق إليها، التي تأوّه (كما في العبريّ) لكي يحصل عليها.

أحسّ الملك أنّه يبقى تعيسًا إذا لم يحصل على ما يشاء. فترك وصايا الله، وسنّ وصايا لنفسه. وهكذا كانت سعادته تامّة ومنية قلبه كاملة. واعتبر الإنسان أنّه حين يأكل من الشجرة، أي يخالف الوصيّة (ولا يحدّد الكتاب أي وصيّة) يصير عارفًا، فإذا هو عريان بعد أن نزل عن مستواه البشريّ حيث اللباس يدلّ على الهويّة. وكذا نقول عن إخوة يوسف في ضعفهم، في ذلّهم، في توسّلهم بعض الطعام. »سجدوا بوجوههم إلى الأرض«.

ولكنّهم في الوقت الذي خطئوا، لم يفكّروا في الخطيئة التي اقترفوها. طلب أخوهم الرحمة، فما رحموه. وجعلوه في جبّ فارغ، وأخذوا يأكلون وربّما »يسكرون« بعد أن أرضوا »حسدهم«. سوف نرى ما تكون أحلامه. انتصروا عليه. أزاحوه من الدرب. وحاولوا أن يتفنّنوا في إزالته: »تعالوا نقتله« (تك 37: 20). أو: »نطرحه في البئر« (آ22) فيأتي وحش ويفترسه. وفي النهاية: »تعالوا نبيعه« (آ27). وهذا الذي يعاملونه بهذه الطريقة »هو أخونا، هو لحمنا«. ونقول اليوم: من لحمنا ودمنا. إلى هذا انحدر الشرّ بالإخوة. ونبّههم رأوبين: لا تخطأوا. لا تسيئوا. ما أرادوا أن يسمعوا له في ذلك الوقت. أمّا الآن ففهموا. وما الذي جعلهم يفهمون؟ »نزل بنا هذا الضيق« (42: 21).

2- نحن مطالبون

حين وقع الإخوة في الضيق، تذكّروا الضيق الذي حلّ بأخيهم. انطلقوا من ذاتهم، من أنانيّتهم، لكي يعرفوا »عقليٌّا« ما أصاب أخاهم في ذلك الوقت. في أيّ حال »واحد مفقود« (آ13). نسوه، نسوا اسمه. لا حاجة إلى هذا التذكّر المؤلم. فالمثل العاميّ يقول: »والد القاتل ينسى«. ما تحرّك القلب عندهم ليعرفوه، بل إنّ يهوذا اعتبره مات (تك 44: 20).

وهكذا عادوا الآن إلى نفوسهم منطلقين من شريعة المثل: نحن ضايقْنا أخانا، فأصابنا هذا الضيق. إذًا، الله يعاقبنا. يطالبنا بدم أخينا. نعم، ولماذا لا يطالب. أنريد أن نكون مثل قايين القويّ المقتدر. ونقتل هابيل المرتبط بأخيه كما الدخان بالنار! هذا هو معنى هابيل، حيث »هبل« العبريّ يقابل »اللهب والبخار« (في العربيّ). ونعتبر أنّ لا من يرى ولا من يسمع. هذا ما يقول الجاهل، الناكر وجود الله: الربّ لا يرى. وإن هو رأى لا يفعل. وهكذا صار في نظره مثل الأصنام. أي تجديف مثل هذا التجديف الذي ما زلنا نسمعه إلى الآن في فم »الأقوياء« لكي يحلّلوا ما يقومون به من ظلم للآخرين وسيطرة.

»قايين، أين هابيل أخوك؟« (تك 4: 9). وكان الجواب الوقح: »لا أعرف«. كأنّي به يقول: لماذا تسألني؟ لا يحقّ لك أن تسألني. أنا حرّ في ما أعمل. هكذا يحاور الإنسان ضميره الذي هو صوت الله فيه. ويُسكته: لماذا يطرح الربّ عليّ هذا السؤال؟ »أحارس أنا لأخي«؟ نعم أنت حارس ويجب أن تحرس أخاك حتّى في الليل. أنت »ش و م ر« (كما في العبريّة). وفي العربيّة: ساهر. هو من لا ينام ليلاً. فرضًا، أنت حارس أخيك. فإذا تألّم قال »آخ«، يعني دعاك إلى مساعدته. ولكنّك تنكّرتُ له. أمّا أنا فلا. فهو لي في الحياة وفي الممات: »دم أخيك يصرخ إليّ من الأرض« (آ10). واللعنة تلاحقك. أي تُمنَع البركة عنك. الأرض لا تعطيك بعدُ غلّتها، وهذا كان يُعتبَر قصاصًا و»ضربة« من الله. حينئذ أحسّ بخطيئته عندما رأى العقاب الذي يصيبه: »طردتَني. حجبتَ وجهك عنّي« (آ13-14). لا. الله لا يطرد أحدًا، بل يستعدّ لتقبّل ابنه الذي يبتعد عنه، كما فعل مع الابن الضالّ.

قايين هرب من الانتقام الذي يمكن أن يلاحقه. فقريبُ القتيل يطلب دم قريبه. هرب قايين واعتبر أنّ الله يطرده. مع أنّ الله لم يسمح بملاحقته: »جعل الربّ على قايين علامة لئلاّ يقتله كلُّ من يجده« (آ15). ومع ذلك، اعتبر أنّ الربّ طرده، شرّده. حجب وجهه. أترى الأب (والأمّ) يحجب وجهه عن ابنه مهما كانت خطاياه، كلاّ. قد يكون وليّ القاتل خاف من انتقام مسبَّع (آ15). ولكنّ الكاتب الملهم رأى في هذا الوضع إرادة الله التي لا تريد الانتقام والانتقام المتبادل بحيث تفنى القبيلتان. فمن خلال »الشرّ« حمى الله قايين. فيا ليته يتوب عن فعلته! وبّخ إيليّا آخاب الملك »فمزّق ثيابه ولبس مسحًا ونام فيه، وصام ومشى منكّس الرأس« (1مل 21: 27). هذا ما يدلّ على ندامته. ووبّخ ناتان الملك داود بعد أن قتل أوريّا الحثّي وأخذ له امرأته بتشابع، فكان جواب الملك، لا الرفض والاقتصاص من ناتان الذي تجاسر وقال ما قال لداود، بل: »خطئتُ إلى الربّ« (2صم 12: 13). وكان جواب الربّ سريعًا بفم نبيّه: »الربّ غفر خطيئتك« (آ14).

في هذا الإطار تصرّف إخوة يوسف. اعتبروا أنّ الله »إنسان« فقط، ويتصرّف كما يتصرّف الناس. قال الربّ بفم نبيّه هوشع: »أنا إله لا إنسان. أنا القدّوس« (11:9). أنا أمّ لكم. »يضطرب قلبي في صدري، وكلّ مراحمي تشتعل. لن أعاقبكم، لا أعود أغضب عليكم، ولو كان الأب يغضب على أبنائه لكي يؤدّبهم. فأنا أنتظركم فتأتون إليّ كما العصافير تأتي من مصر، والحمام من أشور« (هو 11: 8-11). ويقول الربّ بفم هوشع: »كيف أتخلّى عنكم؟« هذا مستحيل. »كيف أهجركم«. لا أقدر. وهل تقدر الأمّ أن تنسى أولادها. ولكن وحتّى إذا نسيتهم، فأنا لا أنساكم، بعد أن كتبت أسماءكم على كفّ يدي.

قالوا: الربّ يطالبنا بدم أخينا. قتلناه ونحن نستحقّ الموت. لو أراد الله لكم الموت، لما جاء بكم إلى مصر، فمتّم من الجوع في فلسطين. لا شكّ في أنّ الله يسألكم، كما سأل قايين. ولكنّه لا يريد موت الخاطئ، بل أن يعود عن ضلاله ويحيا. فهل فهم الإخوة الآن؟ ما أرادوا أن يسمعوا لأخيهم الأكبر رأوبين. فهل استعدّوا أن يسمعوا ويبدأوا مسيرة التوبة. بحيث لا تكون المسيرة بالكلام، بل بالعمل. مثّلهم شمعون في تحمّل الألم؟ »قيّدوه أمام عيونهم« (تك 42: 24). ليكون في السجن. ولا ننسى أنّ اسم شمعون يرتبط بالسماع.

وتتواصل المسيرة في اللقاء الثاني بين الإخوة ويوسف، بحيث نستطيع أن نقرأ اعترافًا بالخطايا من خلال كلمات تبدو للوهلة الأولى بلا علاقة مع ما فعلوا بأخيهم. قال يهوذا باسم إخوته: »بماذا نجيبك يا سيّدي، وماذا نقول لك، وكيف نتبرّأ بعد أن كشف الله جرمنا«؟ (تك 44: 16). كان بإمكانهم أن يتبرّأوا من أخيهم الأصغر، ويغسلوا أيديهم مبيّنين أنّ الأمر لا يعنيهم، خصوصًا أنّ يوسف فتح الطريق أمامهم: »من وجدتُ الكأس معه يكون لي عبدًا، وأنتم تكونون أبرياء« (آ10). فلا جرم عليهم. ولا خطيئة. فابن راحيل مخطئ وليتحمّل خطأه. لو فعلوا ذلك، لبدوا مثل قايين الذي ما اعتبر نفسه حارسًا لأخيه. وجرّبهم يوسف مرّة ثانية، ليرى إن كانوا تغيّروا أم لا. إن كانوا نسوا شريعة التضامن كما فعلوا مع أخيهم الذي باعوه ففرطت المسبحة واهتمّ كلّ واحد بنفسه. وانغلق الوالد على ذاته يطلب الموت: »تُنزلون شيبتي بحسرة إلى عالم الأموات« (تك 44: 17). وما هو هذا السلام الذي ينتظرهم؟

هنا فكّر يهوذا بأبيه الذي »يموت عندما يرى الغلام مفقودًا« (آ31). واستعدّ أن يضحّي بنفسه بحيث لا يصاب أخوه بأذى. قال: »والآن دعني يا سيّدي أبقى مكان الصبيّ عبدًا لك، وليعُد هو مع إخوته« (آ33). عندئذ اعترف بهم يوسف أنّهم حقٌّا إخوته حين يستعدّ الواحد بأن يضحّي بنفسه من أجل الآخر قال: »أنا يوسف أخوكم« (تك 45: 4).

لا. ما طالب الله بدم يوسف. فهو حيّ. وهو يدعو إخوته لكي يستعدّوا للمحنة، التي تنتظرهم على المدى البعيد، في عبوديّة مصر كما في الحياة في البرّيّة. هكذا يتنقّون ويستعدّون لأن يدخلوا أرض الربّ. وإلاّ سوفَ يتيهون ويموتون إن هم رفضوا المسيرة مع الربّ إلى النهاية.

3- أما قلت لكم

حدّثنا حزقيال النبيّ عن واجبات الرقيب الذي يرسله الربّ. انطلق أوّلاً من صورة معروفة في عالم الحرب. إن رأى الرقيب »جيش العدوّ مقبلاً على البلاد، ونفخ في البوق وأنذر الشعب، فإن سمع السامع صوتَ البوق وما تنبّه، ثمّ جاء الجيش فقتله، فدمه يكون على رأسه، لأنّه سمع صوت البوق، وما تنبّه له. فلو كان تنبّه له لنجا بنفسه« (خر 33: 2-5). ولكن إن رأى الرقيب الجيش وما أنذر الشعب، أطالب الرقيب. وطبّق حزقيال المثل: »إذا أنذرتَ الشرّير ليتوب عن طريقه وما تاب، فإنّه يموت في إثمه« (آ9).

فالله يرسل دومًا من ينبّه الإنسان بحيث لا يقع في الخطيئة. تكلّم يوسف إلى إخوته، طالبًا الرحمة، فما أرادوا أن يسمعوا. ذاك كان نداء الله الأوّل. قرع الباب، فما فتحوا له. والنداء الثاني جاء من رأوبين: قلتُ لكم فلم تسمعوا. ولماذا؟ لأنّ الحسد أعمى عيونهم. كرهوا أخاهم فما عادوا في النور، بل اختاروا الظلام. سلكوا في الظلام فما عادوا يعرفون الطريق، بعد أن أعمى الظلامُ عيونهم (1يو 2: 9-11). سيطرت عليهم »شهوة الجسد« أو اللحم والدم والضعف البشريّ والميل إلى الشرّ. سيطرت عليهم الرغباتُ التي لا يردعها رادع. وسيطرت عليهم »شهوة العين«. هم يريدون كلّ ما يرون. رأى داود بتشابع، أرادها له. رأى آخاب كرم نابوت، أراده له. وأخيرًا، سيطر عليهم »مجدُ الحياة« (1يو 2: 16)، الذي هو ثقة المتكبّرين بما يملكون من خيرات مادّيّة، أو قوّة ظاهرة في العدد الكبير، كما كان الوضع مع يوسف: عشرة ضدّ واحد. اتّكلوا على نفوسهم وقدرتهم وغناهم، فاستغنوا عن الله، بل أرادوا أن »يكذّبوا« الله لا سمح الله، وكلامه يظهر من خلال أحلام أبراره. وكما أراد شاول (= بولس الرسول) أن يقتل المسيح من خلال قتل المؤمنين واضطهادهم (وأوّلهم إسطفانس) كذلك أراد إخوة يوسف، قالوا: »ها صاحب الأحلام مقبلٌ نحونا. تعالوا نقتله فنرى ماذا نفعت أحلامه«. (تك 37: 19-20). وماذا نفع ما قاله الله له.

ما سمعوا صوت أخيهم الصغير الضعيف. ولا سمعوا تنبيه أخيهم البكر رأوبين. فبقيَت المحنة التي توقظ الإنسان من سباته. عرفوا في النهاية أنّهم خطئوا. أنّهم اقترفوا جرمًا كبيرًا.

الله ينبّه الإنسان دائمًا. كذاك الغنيّ الذي لم يعرف في لعازر الملقى عند باب بيته، من أرسله إليه الربّ لئلاّ يعود ماله مال حرام، مالاً باطلاً لا نفع منه. لو أعطى ذاك الغنيّ الفقراء، لاستقبلوه »في المساكن الأبديّة« (لو 16: 9). وطلب من إبراهيم أن يُرسل من يمضي إلى إخوته ويخبرهم. فكان جواب إبراهيم: »عندهم موسى والأنبياء، فليستمعوا لهم« (لو 16: 29). ولكنّهم ما استمعوا فصاروا إلى »مكان العذاب هذا« (آ28).

وقايين جاء من يحذّره. »قال له الربّ«. ربّما في أعماق قلبه. في ضميره ووجدانه. وربّما بواسطة أحد أقربائه. بواسطة مرشد أو كاهن بالنسبة إلينا. أو صديق نثق به. »لماذا غضبتَ؟« لماذا تتمرّد وتحتدّ. ولماذا عبس وجهك وسيطرتْ عليك الكآبة. وخصوصًا الحسد. هي هي خطيئة إخوة يوسف. تريد أن يرضى الله عنك، تعمل بحسب وصاياه. وإلاّ فالخطيئة هي هنا، تنتظرك كما الأسد ينتظر فريسته. صارت الخطيئة شخصًا حيٌّا. هي تشتاق إليك، تتلهّف في أن تراك في حضنها. إذا رفضت، تكون بعتَ نفسك للشرّ »لأنّ من يعمل الخطيئة هو من إبليس« (1يو 3: 8).

أمّا آخاب، فازدادت تجربته تجربة. وبدلاً من أن تكون إيزابيل عونًا له، كانت عونًا للشرّ عليه. أما يكون الربّ أرسل إليه صوتًا؟ لا شكّ في ذلك. وإلاّ لما كان ندم بهذه السرعة حين وبَّخه إيليّا. استعبدته امرأتُه قبل أن تستعبده الخطيئة.

قال يسوع: »من يصنع الخطيئة يكون عبدًا للخطيئة«. وهكذا كلّ إنسان. ينحدر من عبوديّة إلى عبوديّة. ذاك كان وضع داود. رأى بتشابع زوجة أوريّا فزنى معها. وربّما أكثر من مرّة. وفي النهاية، أراد أن يتزوّجها، ولكن دون ذلك زوجها. فقتله، وما اهتمّ لموته وكأنّ لا دخل له بالأمر. يموت هذا ويموت ذاك. ولكن من قتل هذا؟ من أمر بقتل أوريّا؟ وكلّمه الربّ من خلال موقف أوريّا المترفّع: رفض أن ينام في بيته مع امرأته، ساعة جيشه في الخيام. ولكنّه ما سمع، فصار عبدًا للشرّ الذي سيلازمه كلّ حياته. وفي النهاية، تفرض عليه بتشابع إرادتها فيجعل ابنها ملكًا وتكون هي الأمّ الملكة، مع ما لهذه الصفة من نفوذ كبير في المملكة. ولكن الحمد لله أنّه سمع صوت ناتان. بعد الخطيئة، وبعد الدمار الذي حصل. استيقظ داود من سباته. وكلّ واحد منّا. يبقى أن نتعرّف إلى من ينادينا فنكتشف صوته بين الأصوات، ونعرف وجهه بين الوجوه، فيدخل ويتعشّى معنا ونحن معه.

الخاتمة

مسيرة طويلة سرناها مع يوسف وإخوته. هم خطئوا وخافوا على نفوسهم. عاشوا في الخطيئة التي طالت. فما عملوه لأخيهم ما كان ابن ساعة غضب لا يعتّم أن يهدأ. بل نتيجة تفكير طويل. وسوف نراهم في نهاية الخبر يدعون نفوسهم مرّتين: »عبيد«. قالوا في 50: 17: »عبيد إله أبيك«. وفي آ18: »نحن عبيد لك«. مع أنّ يعقوب دعاهم إخوة يوسف. قال له: »اغفر لإخوتك« (آ17). فعبد الخطيئة لا يكون فقط عبد شهواته، بل عبد الآخرين من أجل تلبية رغباته. وحده القدّيس حرّ، كلَّ الحرّيّة. وكيف يتحرّر المؤمن؟ سماع كلام الله يدعوه إلى الإيمان، والإيمان يجعله في قلب الإنجيل. بحثنا عنه فوجدناه. طلبناه فظهر لنا (روم 10: 20). والويل لنا إن عشنا في التمرّد والعناد وقست رقابنا!

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM