اذهبوا إلى يوسف.

 

اذهبوا إلى يوسف

حين نقرأ الكتاب المقدَّس، نكتشف المرّات العديدة التي فيها يُذكر الجوع. فأرض فلسطين تعرف الشحَّ والجفاف، فيتعرَّض الناس للهجرة إلى الخارج. إبراهيم نزل إلى مصر ليكون غريبًا هناك لأنَّه »كان جوعٌ في أرض كنعان« (تك 12: 10). وأراد إسحق هو أيضًا أن يمضي إلى مصر، لأنَّه »كان في الأرض جوع غير الجوع الأوَّل الذي كان في أيّام إبراهيم« (تك 26: 1). ولكنَّ الربَّ منعه. ويعقوب مضى مع أولاده إلى مصر، ولبثوا هناك إلى زمن الخروج.

والجفاف جعل أليمالك يترك بيت لحم، بيت الخبز، ويمضي إلى أرض موآب (را 1: 1)، حيث يموت هو وابناه. ولمّا سمعت زوجته »أنَّ الربَّ بارك شعبه ورزقهم طعامًا« (آ6)، رجعت إلى أرض يهوذا. وعرفت البلاد سبع سنين من الجوع، على مثال ما حدث لمصر، في أيّام داود الملك (2صم 24: 13). كما عرفت في أيام إيليّا: »لن يكون ندى ولا مطر في هذه السنين المقبلة« (1مل 17: 1). ارتبط المطر هنا بكلام إيليّا: »إلاّ حين أُعلن ذلك«. والجوع في زمن داود كان عقابًا للملك الذي اعتبر الشعب شعبه، لا شعب الله، حيث يحقُّ له أن يحصيه فيفرض الضرائب التي يريد.

وحدث جوع في أيّام يوسف، فأرسل فرعون الجائعين إلى يوسف. فكان ذلك الوزيرَ الحكيم الذي لا يسمح بأن يجوع شعبه، بل يحسب حساب السنوات العجاف. وإن هو ما استطاع، استند إلى الربِّ الإله وهو يعطي المؤمن »خبزًا كفاية يومه«.

1- سنوات جوع وسنوات شبع

بعد أن فسَّر يوسف الحلمين اللذين رآهما الفرعون في منامه، حسن كلام هذا الشابّ »عند فرعون وعند جميع رجال حاشيته« (تك 41: 33). فماذا قال يوسف؟ »على فرعون أن يرى رجلاً فهيمًا حكيمًا يقيمه على أرض مصر، ويوكِّل وكلاء على الأراضي، ويأخذ خُمس غلَّتها من سبع سنين الشبع. فيجمعون، تحت سلطة الفرعون، خيرات السنين الآتية ويخزنون القمح في المدن ويحفظونه. فيكون الطعام ذخيرة لسبع سنين الجوع التي ستُصيب أرض مصر فلا ينقرض أهلها بالجوع« (آ33-36).

سبق الربُّ فأعلن بفم يوسف ما سيكون. البقرات الجيِّدة، والسنابل الجيِّدة، هي سبع سنين من الشبع. وتليها سبعُ سنين، أيّ مدَّة طويلة من الجوع. وقد رمز إليها الحلمان بسبع بقرات نحيلة، قبيحة، وسبع سنابل نحيلة »لفحتها الريح الشرقيَّة« (تك 41: 28).

وصل يوسف إلى الحكم في أرض مصر، فرافقته البركةُ التي جعلت القمح يفيض ويفيض. »فكان ما جمعه من القمح يعادل رمل البحر كثرة، حتّى ترك إحصاءه لأنَّه لم يكن يُحصى« (41: 49). هذا الذي به تبارك بيتُ فوطيفار حين حلَّ فيه، وتبارك السجن به بالنسبة إلى رئيس السقاة فاستعاد الحياة بعد أن كان قريبًا من الموت. ها هو يتبارك أيضًا وأيضًا. وهو في هذا يشبه جدَّه اسحق: مع أنَّ الجوع كان في الأرض بسبب الجفاف وقلَّة المطر، زرع في تلك الأرض، فحصد في تلك السنة مئة ضعف (تك 26: 12). والسبب: باركه الربّ. وإسحق سوف يبارك يعقوب فيقول له: »يعطيك الله من ندى السماء، ومن خصوبة الأرض، فيضًا من الحنطة (لطعامك) والخمر (لأعيادك)« (27: 28).

ولكن قد ينال الإنسان خيرات، فيبدِّدها على ملذّاته، كما فعل الابن الضالّ في المثل الإنجيليّ (لو 15: 11-32). قال عنه الكتاب: »بدَّد ماله في العيش بلا حساب، فأنفق كلَّ شيء له. فجاع وعرف الضيق« (آ13-14). وقال عنه أخوه محدِّدًا موضع التبذير: ابنك، يا أبي، »أكل مالك مع البغايا« (آ30).

ما الذي نقص هذا الإنسان؟ ما الذي ينقص المسؤول، الحاكم، الملك؟ الحكمة. فأيُّ حاكم يكون حاكمًا حقيقيٌّا إن نقصته الحكمة. أمّا فرعون فاكتشف ذلك لدى يوسف، فقال له: »بعدما أعطاك الله كلَّ هذه المعرفة، فلا فهيم ولا حكيم مثلك. أنت تكون وكيلاً على بيتي، ولا أكون أعظم منك إلاَّ بالعرش، وها أنا أقيمك حاكمًا على كلِّ أرض مصر« (41: 39-41). ولكن من أين تأتي الحكمة؟ هنا يقول لنا سليمان كيف طلبها في الصلاة وتقدمة الذبائح: »وها أنا وسط شعبك الذي اخترته وهو شعب عظيمٌ لا يُحصى ولا يُعدّ لكثرته. فامنحني عقلاً مدركًا لأحكم شعبك وأميِّز الخير من الشرّ. وإلاّ فكيف أقدر أن أحكم شعبك هذا الكثير« (1مل 3: 8-9).

ويوسف صورة عن الملك سليمان. وربَّما وجب على سليمان أن يتحلّى بصفات يوسف في تدبير شعبه والعناية به، ولاسيَّما في أيّام الجوع. ولماذا تفوَّق هذا الشابّ على الملك الذي دُعي »الحكيم«؟ لأنَّ فرعون اكتشف هنا رجلاً »فيه روح الله« (41: 38). هذا الروح الذي يمنح »الحكمة والفهم والمشورة، والقوَّة والمعرفة والتقوى ومخافة الربّ« (أش 11: 2-3). هذه المخافة تكلِّل ما ذُكر قبلها. فالقوَّة بدون مخافة الله تصبح استبدادًا. والمعرفة تصبح سلاحًا أين منه السيوف والرماح.

إلى هذا الرجل، أرسل فرعون الناس الجائعين. سمّاه »صفنات فعنيح« أي صائن الحياة وحافظها. ولمّا برزت الحاجة، قال لهم: »اذهبوا إلى يوسف، وما يقوله لكم فافعلوه« (41: 55). ذهبوا إليه، ففتح جميع المخازن وباع قمحًا للمصريّين (آ56). بل »جاء الناس من جميع أقطار الأرض إلى مصر ليشتروا قمحًا من يوسف« (آ57). لا شكَّ في أنَّ يوسف هو الذي يوزِّع. أمّا العاطي الأوَّل فهو الله.

2- الآن أمطر لكم خبزًا

اختبر الشعب العبرانيّ، في البرّيَّة، برفقة موسى، أنَّ الله هو الذي يُعطي، ويُعطي بمجّانيَّة مطلقة، كما يفعل الطير مع صغاره، والأب مع أولاده. يروي سفر الخروج كيف حصل ذلك. »ألقى جميع بني سرائيل اللوم على موسى وهرون: »ليتنا متنا بيد الربِّ في أرض مصر. فهناك كنّا نجلس عند قدور اللحم ونأكل من الطعام حتّى نشبع. فلماذا أخرجتمانا إلى هذه البرّيَّة لتمحيا هذا الجمع كلَّه بالجوع«؟ فقال الربُّ لموسى: »الآن أمطر لكم خبزًا من السماء. وعلى الشعب أن يخرجوا ليلتقطوا طعام كلِّ يوم بيومه« (خر 16: 2-4).

وهكذا أعطى الربُّ الشعب المنَّ الذي سوف يقولون فيه: »هو كبزر الكزبرة الأبيض، وطعمه كطعم القطائف بعسل« (آ31). هم أعطوه هذا الاسم منطلقين من سؤال طرحوه في العبريَّة: من هو؟ وفي العربيَّة: ما هو، ما هذا؟ وفي النهاية من هو. هو ما يأخذه الراعي عن شجرة في البرّيَّة. هو طعام الفقراء الذين لا يجدون شيئًا يسدّون به جوعهم في هذه الصحراء الواسعة التي لا يمكن الإقامة فيها لولا بعض الواحات وأمكنة فيها بعض الماء.

ولكنَّ الربَّ دعاه »الخبز الذي أطعمتكم في البرّيَّة حين أخرجتكم من مصر«. نشير إلى أنَّ الخبز ليس فقط الخبز، كما نقول في كلامنا اليوم. الخبز يدلُّ على كلِّ طعام. هنا نتذكَّر ما قاله يعقوب حين كان ماضيًا إلى بلاد آرام، إلى حيث يقيم خاله: »إن كان الله معي وحفظني في هذه الطريق التي أسلكها، ورزقني خبزًا آكله وثيابًا ألبسها« (تك 28: 20). لا شكَّ في أنَّ العالم القديم اهتمَّ أكثر ما اهتمَّ بالخبز الذي هو أساس طعامه. الكبار يستطيعون أن يخبرونا. أمّا اليوم »فالأدام« هو المهمّ، أي الطعام الذي كان يرافق الخبز، وصار اليوم يحلُّ محلَّ الخبز. من أجل هذا نفهم أن يكون عيسو باع بكوريَّته لقاء بعض الأدام (تك 5: 29). سوف يقولون هو العدس بلونه الأحمر. ولكنَّ ابن الصحراء كان يتمنّى شيئًا آخر غير الخبز. من أجل هذا سوف يتذكَّر الشعب في البرّيَّة. »نفوسنا يبست. لا شيء أمام عيوننا غير المنّ« (عد 11: 6). ولكنَّ الربَّ لا يتركهم والمنّ. لا يترك هؤلاء الرعاة يأكلون الألبان والأجبان، لأنَّهم لا يجسرون أن يذبحوا خروفًا في القطيع. عندئذٍ أعطاهم طيور السلوى، الآتية من البعيد بعد أن عبرت البحار وحطَّت لاهثة على الرمل. فأسرع هؤلاء الرعاة وأمسكوها بحيث أكلوا مع المنّ اللحم. غير أنَّهم ما زالوا يتحسَّرون إلى السمك »الذي كنّا نأكله في مصر مجّانًا، القثاء والبطّيخ والكراث والبصل والثوم« (عد 11: 5).

نسي هؤلاء الناس أنَّ المنَّ هو عطيَّة من الله، وهنا تكمن عظمته. فلا يحقُّ لنا أن نتعامل معه كما نشاء. فالمؤمن يجمع كلَّ يوم ما يحتاج إليه. ولا يزيد ولا يكدِّس، بحيث إنَّ القويّ يأخذ أكثر والضعيف لا يحصل على قوته كما يحصل الآن. أناس يموتون من كثرة الطعام وآخرون يموتون من الجوع. هم لا يجدون لهم الطعام. وقد قيل: لو أرادت البشريَّة أن تعيش كلَّها على مستوى أميركا، لما كانت الأرض كافية بغلالها. ولكنَّ الفقراء كثيرون جدَّا في العالم. وأكثر منهم العائشون تحت عتبة الفقر.

لا حاجة إلى تكديس. وفي أيِّ حال، ما يبقى في المساء ولم يُؤكل »دوِّد وأنتن« (خر 16: 20). فقد كان موسى قال لهم: »لا تُبقوا شيئًا منه إلى الصباح« (آ19). وكان الموقف: »فلم يسمعوا له، وأبقى منه بعضهم إلى الصباح« (آ20). لماذا لا يلتقط الواحد منه حاجته؟ ذاك هو مبدأ الطمع. ثمَّ هو يدلُّ على عدم الثقة بالله الذي يعطي الإنسان الطعام كلَّ يوم بيومه. وأخيرًا جمع الطعام اليوميّ تطبيقًا للوصيَّة التي وصلت إلى البشريَّة. بعرق جبينك تأكل خبزك. فالمؤمن يجمع المنَّ في الصباح الباكر، لأنَّه »إذا حميَت عليها الشمس كان المنُّ يذوب« (آ21).

وقدَّم الكاتب الملهم نظريَّة إلى عطاء الله الذي لا نقدر أن نأخذ منه فوق حاجتنا. »فعمل بنو إسرائيل ذلك والتقطوا: فمنهم من أكثر، ومنهم من أقلّ. ولمّا كالوه وجدوا أنَّ الذي أكثرَ لا يفضل له. والذي أقلّ لا ينقص عنه. فكان ما التقطه كلُّ واحد لا ينقص عن حاجته ولا يزيد« (آ17-18). يا ليت الناس يأخذون بهذا المبدأ. حينئذٍ لن يكون فقير فيما بيننا. وإن كان من محتاج، يقول الربُّ بفم موسى: »لا تقسُّوا قلوبكم، ولا تبخلوا على إخوتكم المحتاجين في ما بينكم، بل افتحوا لهم أيديكم« (تث 15: 7-8).

ومن خبرة المنّ، وجب على هؤلاء الخارجين من مصر، الذين عاشوا في العبوديَّة واعتادوا أن يعملوا سبعة أيّام في الأسبوع، أن يعملوا كلَّ أيّام السنة، كما صار الوضع في أيّامنا لكي يستطيع الفقير أن يقوم بأودِه. وجب على هؤلاء أن يرتاحوا يومًا في الأسبوع. إذا كان الله ارتاح بعد ستَّة أيّام من العمل، أما يجب على الإنسان أن يرتاح؟ ولكن ماذا يأكل في يوم الراحة هذا إن هو ما اشتغل؟ الله يعطيه في اليوم السادس طعام يومين. قال الكتاب: »ولمّا كان اليوم السادس التقطوا طعامًا مضاعفًا، غمرين لكلِّ واحد« (خر 16: 22). »وتركوه إلى الغد، كما أمر موسى، فما أنتن ولا كان فيه دود« (آ24).

وهكذا صار المنُّ مناسبة تعليم. نتَّكل على الله فنستعدَّ للصلاة الربّيَّة: أعطنا خبزنا كفاية يومنا. نفهم أهميَّة المساواة فلا يكون بيننا غنيّ »يلبس الأرجوان والثياب الفاخرة ويقيم الولائم كلَّ يوم« تجاه فقير »يشتهي أن يشبع من فضلات« المتخمين، ولا يعطيه أحد (لو 16: 19-21). كما نتعلَّم أن نرتاح يومًا في الأسبوع، ويرتاح معنا الخادم والخادمة. بل الثور والحمار. فالإنسان الملتصق بالأرض يرفع عينيه إلى السماء لكي يعرف غاية حياته.

3- أعطوهم أنتم ليأكلوا

اهتمَّ يوسف بالناس فأعطاهم القمح في سنوات الجوع. ومثله فعل موسى بيد الله، حين كان هؤلاء الهاربون في البرّيَّة: أعطاهم المنَّ الذي فهموا في النهاية أنَّه خبز السماء (مز 78: 24). فطلبوا مثله من يسوع: »أعطنا كلَّ حين من هذا الخبز« (يو 6: 34). أجل، طلبوا من يسوع فاستعدَّ أن يعطيهم، بل وكل تلاميذه، وكلَّ كنيسة: »أعطوهم أنتم ليأكلوا« (مر 6: 37).

في الواقع، أحسَّ الرسل بالصعوبة. هم أمام »غنم لا راعي لها«. فمن يرتِّبها، من ينظِّمها؟ يسوع سيفعل »وأخذ يعلِّمهم أشياء كثيرة«. التعليم الواحد يجمع الناس في حظيرة المسيح. هكذا كان الوضع مع الخروج من مصر. متى صار هؤلاء الهاربون من العبوديَّة شعبًا واحدًا؟ حين اجتمعوا حول جبل سيناء وسمعوا الوصايا، وفي النهاية قالوا: »كلُّ ما تكلَّم به الربُّ نعمل به« (خر 24: 3). قبل ذلك، كانوا من الرعاع كما يقول الكتاب. والصعوبة الثانية: المكان مقفر كما كان الوضع في زمن موسى. هم في البرّيَّة. لهذا نصح التلاميذ يسوع: »فقُلْ للناس أن ينصرفوا إلى المزارع والقرى المجاورة ليشتروا لهم ما يأكلون« (مر 6: 36). ما رضي يسوع بهذه النصيحة: »أعطوهم أنتم ما يأكلون« (آ37). وأطلَّت صعوبة أخرى تحدَّث عنها إنجيل يوحنّا. كيف نطعم هذا العدد الكبير؟ من أين نشتري الخبز؟ وإن وُجد فهو لا يكفي لكي يحصل الواحد منهم على كسرة صغيرة، يبلُّ بها ريقه (يو 6: 6-7).

كلُّ هذه الصعوبات لا تقف في وجه يسوع »وهو العارف بما يعمل« (آ6). ولكن هل يستعدُّ كلُّ واحد أن يعمل ما في وسعه؟ إبحثوا، حينئذٍ أجاب أندراوس: »هنا صبيّ معه خمسة أرغفة من شعير، ولكن ما نفعها لمثل هذا الجمع« (آ9)؟ هل يستعدُّ هذا الصبيّ أن يعطيها؟ أم يريد أن يحتفظ بها لنفسه؟ ليس له سوى هذا الزاد لكي يصل إلى البيت ولا يخور في الطريق، وقد يكون جاء من مكان بعيد (مر 8: 3). معه فلس الأرملة. قدَّمه ليسوع وما ترك شيئًا. أمام مثل هذا السخاء هل يكون الربُّ أقلَّ سخاء؟ كلاّ ثمَّ كلاّ. هذا يدلُّ على أهميَّة المشاركة، المقاسمة. »أعطوا تُعطوا«. يعني يعطيكم الله ويعطيكم الكثير: »كيلاً ملآنًا، مكبوسًا، مهزوزًا، فائضًا« (لو 6: 38). فحيث تكون المقاسمة تكون البركة. وحيث تكون الأنانيَّة »يأكلون ولا يشبعون، يزنون«، ولا يكثرون، لأنَّهم تركوا الربّ« (هو 4: 10).

قبِلَ هذا الصبيّ لا أن يعطي من فضلته، من الفائض عن حاجته، بل كلَّ ما يملك من أجل معيشته (مر 12: 43-44). فأفاض الربُّ بركته على عطيَّة الفقير: بعض خبزات من الشعير، لا من الحنطة. والربُّ سيجعل من هذا الخبز أطيب خبز، بحيث »أكلوا كلُّهم حتّى شبعوا« (مر 6: 42). بل بقي الكثير من أجل الذين سيأتون بعد ذلك.

الخاتمة

قال الفرعون للآتين جياعًا: اذهبوا إلى يوسف. وقال الربُّ لموسى: سوف أمطر لكم خبزًا. يكفي أن تلتقطوه. وهو عطاء مجّانيّ. وقال يسوع لتلاميذه: أعطوهم أنتم ليأكلوا. هذا ما يقول لكلِّ واحد منّا. فالله لا يطعم أحدًا بيده مباشرة، بل يريد أن تكون يدُنا امتدادًا ليده، مهما كانت مقبوضة بعض المرّات. كيف نحسب نفوسنا أبناء الله فنرى أخًا عريانًا أو أختًا عريانة، لا قوت لهما، فنقول لهما: »اذهبا بسلام! استدفئا واشبعا« (يع 2: 15-16). نعلن بفمنا أنّنا مؤمنون، وبأعمالنا أننّا لامؤمنون. نعلن إيماننا ولكنَّنا لا نعمل ما يطلب هذا الإيمان. فيكون إيماننا ميتًا. وقال يوحنّا في رسالته الأولى: »لا تكن محبَّتنا بالكلام أو باللسان، بل بالعمل والحقّ« (1يو 3: 18). هذا هو الدليل أنَّ محبَّة الله فينا »من كانت له خيرات العالم ورأى أخاه محتاجًا فأغلق قلبه، فكيف تثبت محبَّة الله فيه« (آ17). فهل نستعدُّ أن نستقبل إخوتنا إذا جاعوا أو عطشوا أو كانوا عراة؟ حينئذٍ يقول لنا الربّ: تعالوا يا مباركي أبي. وإلاّ: امضوا يا ملاعين إلى النار الأبديَّة. الله يُرسل المحتاج إلينا. يا ليتنا نعرف أنَّ ما نفعله لأحد إخوتنا هؤلاء الصغار، فله نفعله. اذهبوا. يأتون إلينا فنستقبلهم كما استقبل إبراهيم ضيوفه (تك 18: 1ي) وفي النهاية استقبل الملائكة بل استقبل الله نفسه. فما أعظم ما كانت سعادته!

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM