يتكلَّمون بلغاتنا.

 

يتكلَّمون بلغاتنا

اعتاد الأقدمون، وما زلنا اليوم في بعض الأماكن، أن يخافوا من الغريب. وبالتالي يحسبونه عدوٌّا. فمن ليس من عشيرتي، قبيلتي، نظرتي إلى الحياة، أستطيع أن أغزوه، أسبي نساءه، آخذ أمواله. وبالتالي ننسى الوصايا الأساسيّة: لا تسرق، لا تشته مقتنى قريبك. لا تشته مقتنى غيرك. ثمّ لا تقتل. وقابلها: أنصر أخاك ظالمًا كان أو مظلومًا. القويّ يسيطر على الضعيف. إلى أن تتبدَّل الأمور ويصبح الضعيف قويٌّا. وتأتي في هذا الإطار شريعةُ الانتقام، التي رفضها الله في أصل البشريّة، مع أنَّ قايين قتل هابيل، الذي كان بالإمكان أن يكون أخاه في الحقيقة، لا في الاسم. منع الله أحدًا أن يقتل قايين. بل وضع له علامة تقول: قايين يخصُّني. فأنا لا أريد موت الخاطئ، بل أن يعود عن خطيئته ويحيا.

لا. فالغريب صار قريبًا في الإنجيل، كما فهمْنا من مثل السامريّ الصالح. والذين حُسبوا خارج »إيمان« إبراهيم بحسب الجسد، كانوا أوَّل من اتَّكأ في الملكوت. والسامريّ الذي احتقره اليهود صار مثالاً للكاهن وللاويّ. ففي الكتاب المقدَّس، البشر كلُّهم، الإنسان، أيّ إنسان، رجلاً وامرأة، هم على صورة الله ومثاله. والويل لمن يشوِّه هذه الصورة. فإنّه يشوَّه وجه الله الحيّ. في هذا الإطار، نفرح حين نجد الكتاب المقدَّس يذكر لنا جميع الشعوب. فهي كلُّها تخصُ الله. هو خالقها. هو راعيها اليوم وكلَّ يوم. هو المسؤول الأوَّل عنها.

1- سكّان الأرض

هذا النصّ الذي كُتب في القرن الخامس ق.م. تقريبًا، عرف ما قاله دارسو التاريخ والجغرافيا في ذلك الزمان. فالدولة الفارسيّة احتلّت من الهند إلى السودان، ووصلت إلى تركيّا الحاليّة واليونان. والمؤرِّخون اليونان، وأوَّلهم هيرودوت، تحدّثُوا عن الشعوب العديدة. هذا عدا الفينيقيّين الذين عرفوا شواطئ البحر المتوسِّط في الشرق وفي الغرب، بل داروا حول أفريقيا في تعاون مع المصريّين. كان بإمكان الكاتب أن يصف هذه البلدان، التي قد يكون زار بعضها، كما فعل آخرون. ولكنَّ نظرته غير نظرة الكتَّاب الدنيويّين. هؤلاء يتحدَّثون عن عمل الإنسان. وهذا أمرٌ هامٌّ جدٌّا. أما هو فيتطلَّع إلى مخطَّط الله. شعب إبراهيم ليس فقط بضع قبائل عاشت شرقيّ الأردنّ وغربيّه. شعب إبراهيم هو كلُّ الشعوب. والبركة التي نالها إبراهيم، سوف تنالها شعوب الأرض قاطبة. لا شكّ في أنَّ إبراهيم انحدر من سام بحسب الجسد، ولكن أبعد من سام، هناك نوح الذي معه بدأت بشريّة جديدة، بعد أن »زالت« القديمة في طوفان الخطايا.

وفرح الكاتب بأن يعدِّد هؤلاء البلدان والشعوب. هم لله كلُّهم. أما هكذا فعل الكتاب المقدَّس بعد العودة من المنفى؟ فقرأ اسم المدن والقرى في فلسطين. كلُّ واحدة انطبعت بحضور الله وعمله. إذا كان الإنسان مجد الله على الأرض، ولاسيّما إذا عاش بحسب مشيئته ووصاياه، فكيف لا ينظر الله إلى كلِّ بلد، كلِّ قرية، كلِّ إنسان، ولاسيّما البسيط والمتواضع والذليل الروح. ولاسيّما القطيع الصغير الذي يخاف من الذئاب الضارية.

كيف جُمع هؤلاء الشعوب في خطّ يافث وحام وسام (تك 10: 1ي). هناك القرب الجغرافيّ، الاتفاقات السياسيّة، والجيرة والقرابة. وانضمَّت الجغرافيا إلى التاريخ، فصار أدوم سعير، ثمّ عيسو. وعيسو أخو يعقوب. فكيف لا يكونان أخوين متحابّين. في الأصل، خاف يعقوب من عيسو. فصرخ إلى الله: »يجيء فيقتلنا، أنا والأمّهات والبنين« (تك 32: 12). لهذا، سجد لذلك الآتي »للغزو« ومعه مئات الرجال. وقدَّم له الهديّة الكبيرة. ذاك عمل الإنسان. فماذا طلب الله؟ »أسرع عيسو إلى لقاء أخيه يعقوب، وعانقه، وألقى بنفسه على عنقه، وقبَّله، وبكيا« (تك 33: 4). وكادت الحرب تقع بين الآراميّين والعبرانيّين، بين لابان ويعقوب، لولا أنَّ الله تدخّل: »إله أبيكم كلَّمني البارحة فقال: ''إيَّاك أن تكلِّم يعقوب بخير أو شرّ« (تك 31: 29). وما كان يمكن أن يكون »غزوًا« يأخذ فيه لابان النساء والأولاد، صار عهدًا مع »شاهد« بين الاثنينِ (آ44). هو في الواقع حدود، لا يتجاوزها هذا ولا ذاك (آ52)، والله يكون الحكم.

في هذا الإطار من الحروب الكثيرة أو الصغيرة، ذكر الكاتب في خطّ يافث: جومر الذي يُقيم في الشرق من آسية الصغرى (تركيّا الحاليّة) وماجوج الذي يمثِّل سكّان ليدية، في جوار جومر. وإذ ذكر ماداي وياوان، تذكَّر ما دعاه المؤرِّخون الحروب الماداييّة التي حصلت في القرن الخامس. حين امتدَّ الفرس باتِّجاه إيونيّة المؤلَّفة من مدن يونانيّة، على شاطئ تركيّا الحاليّة، ثمّ هاجموا اليونان برٌّا وبحرًا بواسطة السفن الفينيقيّة. هنا صارت إيران (ماداي) قرب اليونان (ياوان). وعلى شاطئ البحر الأسود، نجد توبال وماشك وتيراس. هم أجداد الأتروسكيّين، الشعوب الأولى في إيطاليا. والذين قهرهم الرومان قبل أن يؤسِّسوا إمبراطوريَّتهم.

إن تك 10: 3 ذكر »أشكناز«، أهل أسكوتية، الذين اعتبرهم اليونان برابرة لأنَّهم لا يتكلَّمون لغتهم. غير أنَّ الرسول اعتبرهم كلَّهم »خلق الله«. فقال: »لا يهوديّ ولا يونانيّ. لا بربريّ ولا أسكوتيّ«. مع العلم أنَّهم اعتبروا هؤلاء من الشعوب المتأخِّرة. ريفاث تعود بنا إلى الفرس، وتوجرمة (أو بالأحرى: توجدمة) جزء من برّ الأناضول. (د ي ف ت: ربّ الأرض) وذكر النصّ »أليشة« أو قبرص، »ترشيش« أو الجزر الإسبانيّة. دودانيم أو جزيرة رودس.

ونستطيع أن نذكر خطّ حام. كوش أو النوبة (السودان، الحبشة). مصرايم أي الجنوب والشمال في مصر مع الناجين على رأس الفرعون. ثمّ فوط أو ليبيا، وكنعان التي تمتدّ من مصر إلى تركيّا... ومع سام، نتوجَّه إلى عيلام أو هضاب إيران وصولاً إلى الأشوريّين والآراميّين.

ذكر الكاتب هؤلاء الشعوب، وربطهم بنوح (تك 10: 32) ذاك البارّ، وكأنَّه يدعوهم إلى حياة البرارة، فيكونون معًا، كما كانت »الحيوانات« في سفينة نوح، عائشة بعضها مع بعض »الذئب مع الحمل، والنمر مع الجدي، والشبل مع العجل« (أش 11: 6). لا عودة بعدُ إلى شعب صغير، مَلكَ الله بشكل خاصّ. كلّ شعب يستطيع أن يقول: أنا شعب الله. فحين ينغلق على ذاته، ويعتبر أنَّه وحده شعب الله، لن يعود كذلك، بل يصبح »بدعة«، طائفة. وحده شعب الله، لن يعود كذلك. فشعب الله الحقيقيّ ينفتح على سائر الشعوب، بحيث يصيرون كلُّهم »شعبًا واحدًا، ولغة واحدة«، هي لغة المحبّة، على ما سيكون في وقت العنصرة.

2- طريق بين مصر وأشور

في أيّام الحرب الباردة، حيث كادت تقع حرب ذرّيّة بين الاتِّحاد السوفياتيّ والولايات المتَّحدة في أزمة كوبا، أسَّسوا ما سُمِّي آنذاك : التلفون الأحمر. هكذا يتَّصل رئيس الدولتين العظميين ويتفاهمان. وفي هذا الإطار عينه، كان انفتاح بين الاتِّحاد السوفياتيّ وألمانيا الغربيّة عبر مستشارها. العلاقات مقطوعة. والأخطار مهدِّدة، ولاسيّما للدول الصغيرة الواقعة بين الجبّارين.

عن مثل هذا الأمر، تحدَّث النبيّ أشعيا. دولتان كبيرتان. مصر في الجنوب بقوَّتها الضاربة التي وصلت في وقت من الأوقات إلى الفرات، وكانت لها المراكز الحربيّة، في مجدّو، في فلسطين، في كامد اللوز، في البقاع اللبنانيّ الجنوبيّ. والأشوريّون اجتاحوا هذه المنطقة المتوسِّطة، وكلُّنا يعرف القتل والدمار والدماء التي تركوها وراءهم. بل في النهاية، ستنطلق مصر باسم توازن القوى، فتقتل في دربها الملك يوشيّا، سنة 609 ق.م.، وتبدِّد له جيشه.

مع من يكون الله؟ كلُّ قبيلة تعتبر أنّ الله معها. وهو سوف يحطِّم الآخرين، هم أعداء شعبنا وبالتالي أعداء الله. وتُروى الأخبار مثلاً كيف أنَّ الله حارب مع يشوع، فأطلق الحجارة (البرَد) على معادي هذا »البطل«. أمّا الكتاب فواضح: لا مكان للسلاح في مخطَّط الله. السيوف تصبح سككًا للفلاحة. والرماح مناجل للحصاد. »فلا ترفع أمَّةٌ على أمَّةٍ سيفًا، ولا يتعلَّمون الحرب من بعد« (أش 2: 4).

فتطلَّع النبيّ إلى جسر، إلى طريق بين مصر وأشور. صار الجيشان أصدقاء. »تجيء أشور إلى مصر، ومصر تعبدُ الربَّ مع أشور« (أش 19: 23). اجتمع الخصمان لدى الربّ. مصر شعبه. وبلاد الرافدين أيضًا. في هذا يقول الربّ: »شعبي المصريّ مبارك« (آ25). وكما صنعتْ يدي الشعبَ العبرانيّ، كذلك صنعت أشور. ونقرأ عبارة رائعة عن مصر: تضايقت فصرخت إلى الله، كما سبق ففعلت القبائل المستعبدة في مصر، قبل خروجها بقيادة موسى. »صرخ المصريّون إلى الربّ في ضيقهم، فأرسل لهم مخلّصًا ومحاميًا فينقذهم« (أش 19: 20). كان سفر الخروج قد تحدَّث عن »ضربات« مصر. مع أنَّها طبيعيّة، اعتُبرت آتية من عند الربّ. لهذا، قال أشعيا: »ومع أنَّ الربَّ ضربهم بقساوة، فإنَّه يشفيهم حين يرجعون إليه، ويستجيب لهم« (آ22). وحين تُصنَّف الشعوب، تكون مصر في المنزلة الأولى، ثمّ أشور. وفي المراكز الثالث »إسرائيل« (آ25).

وكانت الخلافات بين القبائل المجاورة في فلسطين الحاليّة والأردنّ ولبنان وسورية. وخصوصًا بين العبرانيّين (مملكة يهوذا في الجنوب، ومملكة إسرائيل في الشمال). أيُّ الآلهة أقوى؟ كاموش ملك الموآبيين، المقيمين شرقيَّ البحر الميت. وهو في الوقت عينه مَلكهم. يحملونه في أيديهم. وملكوم إله العمّونيّين، شرقيّ الأردنّ مع عمّان الحديثة. ويصل إله الصيدونيّين. ويهوه إله إسرائيل. بعل هو السيِّد. ويهوه يعني ذاك الذي هو حاضر، لا في شعبه وحسب، بل في الكون كلِّه. مع إيليّا، كانت الحرب بين بعل ويهوه، فانتصر يهوه وسبَّب الموت لكهنة البعل. ولكن يبقى يهوه، إلوهيم، الإله الواحد، سيِّد جميع القبائل والشعوب، مهما كان تصرُّف شعب تجاه شعب آخر، ونظرته إليه، بما فيها من احتقار وخوف.

هنا نقرأ مز 60: 8-10:

8 قال الله في مقدسه:

»بغبطة أقسم شكيم

وأقيس وادي سكوت.

تقع شكيم غربيَّ الأردنّ. هي اليوم نابلس. فيها مرَّ يعقوب بعد أن عاد من بلاد أرام. ومرَّ أيضًا في سكوت، الواقعة على ضفّة يبّوق السفلى، شرقيّ الأردنّ. يعني هما مدينتان تخصّان الله. وهو يهتمّ بهما. ويتواصل المزمور:

9 لي جلعاد ولي منسّى

أفرائيم خوذتي

يهوذا صولجاني.

يقع جلعاد ومنسّى شرقيَّ الأردنّ. أفرايم هو في الشمال، ويهوذا في الجنوب.

10 موآب مغسلتي،

وعلى أدوم ألقي حذائي.

كان الإنسان يُلقي حذاءه على قطعة أرض ليدلَّ على أنَّه ملكه (تث 25: 9). هكذا كان أدوم. وموآب جزء من بيت الله. وماذا يكون من فلسطية، أرض هذا الشعب اللامختون، كما سمّاه العبرانيّون؟ هنا اختلفت نظرة البشر ونظرة الله، فتنوَّعت الترجمات. رجال الحرب قالوا: »على فلسطية هتاف انتصاري«. وأعلنت السبعينيّة اليونانيّة: »خضع الفلسطيّون«! ونسأل لمن خضعوا؟! بل نحن نتبع ترجمات حاولت أن تقترب من المعنى العميق، مثل أكيلا وسيماك، وخصوصًا القدّيس جيروم: »صارت فلسطية رفيقتي«، يقول الربّ الإله. فلا يبقى لها سوى أن تطلق أناشيد الفرح.

في الإطار عينه، نقرأ مز 87: 4-5:

4 أذكرُ مصر وبابل،

بين الذين يعترفون بي (أو يعرفونني)

في فلسطية، في مصر، في النوبة،

وُلد هذا الإنسان أو ذاك.

5 عن صهيون يقال:

»كلُّ إنسان وُلد فيها«.

من التلّة المقدَّسة، التي يصونها الربّ (في العبريّة هي صيّون)، تنطلق البشريّة. »هناك« خلق البشر كلُّهم. وهناك »يجتمعون« في نهاية الأزمنة. لا في أورشليم الأرض، بل في أورشليم السماء. مدينة واسعة. النور يضيئها بحيث لا تحتاج إلى من يغلق لها أبوابها (رؤ 21: 23-25). صارت »مسكن الله والناس« (آ3). الشعوب تكون لله، ويكون هو إله الجميع. لا حرب بعدُ ولا قتال ولا عداوة. »لا يبقى موت ولا حزن ولا صراخ ولا وجع. لأنَّ الأشياء القديمة زالت« (آ4). من أجل هذا انطلق الرسل بدفع من الروح القدس، يوم العنصرة.

3- من كلِّ أمَّةٍ تحت السماء

حين نقرأ ما رواه القدّيس لوقا في أعمال الرسل، ننظر إلى مستويين اثنين، وإلاّ لا نفهم شيئًا إن نحن لبثنا على المستوى الحرفيّ. المستوى الأوَّل هو عيد الحصاد، عيد تقدمة بواكير القمح. فيأتي المؤمنون في حجٍّ إلى أورشليم، ويحملون تقدماتهم وبواكير غلالهم، هو اليوم الخمسون بعد عيد الفصح والفطير. والمعنى اللاحق، صار تذكُّرًا لعطيّة الشريعة على جبل سيناء. أمّا اسم العنصرة فيدلّ على الاجتماع المفرح.

إلى هذا العيد، وغيره من الأعياد، اعتاد المؤمنون أن يحجّوا إلى أورشليم. وذاك كان الوضع يوم وقف فيهم بطرس خطيبًا، برفقة »التلاميذ الأحد عشر« (أع 2: 14). قال: »أيّها اليهود، ويا جميع المقيمين في أورشليم، أصغوا إلى كلامي«. وأنهى الخطبة: »فليعلم بنو إسرائيل كلُّهم علم اليقين أنّ الله جعلَ يسوعَ هذا الذي صلبتموه أنتم، ربٌّا ومسيحًا« (آ36).

توجَّه الرسول إلى »أناس أتقياء من اليهود، جاؤوا من كلِّ أمَّةٍ تحت السماء« (آ5). وحدَّد: من برثية، عند نهر الفرات، وماداي، في بلاد فارس، وعيلام، على الجبال العالية بين إيران الحاليّة والعراق. كيف عرف لوقا جنسيّة كلِّ واحد من هؤلاء الحاضرين؟ هل قام باستفتاء؟ نلاحظ هنا أنّ القراءة الحرفيّة تقودنا إلى حائط مسدود. لهذا، نحن نقرأ النصّ في إطار مسيحيّة انتشرت يوم كتب لوقا الإنجيل وأعمال الرسل. وصل الإنجيل إلى الشرق والغرب. انطلق من اليهوديّة وامتدَّ إلى العرب، كما وصل إلى الرومان.

كلُّهم اجتمعوا هنا. في أورشليم. من جمعهم؟ الروح القدس. ما هي هويّتهم؟ هم مؤمنون. تلاميذ الطريق التي فتحها يسوع. وسيكون اسمهم للمرّة الأولى »مسيحيّين« نسبة إلى المسيح، في أنطاكية. لا حاجة بعدُ لذكر العشائر والقبائل، البلدان والشعوب. وهكذا صار الإنسان، أيّ إنسان، أخًا للذين يلتقي به في طرقات الحياة. فالمسيحيّ لا عدوّ له، هذا إذا عاش بحسب الإنجيل. الله أبي وأبو جميع الناس. نحن إخوة. وما نفعله لأحد إخوتنا، أنّما نفعله للمسيح بالذات.

الخاتمة

تلك كانت مسيرتنا في التعرُّف إلى شعوب الأرض. كلُّ شعب هو شعب الله. الإنسان يستبعد أخًا، كما فعل قايين. شعب منغلق على ذاته، يتعادى مع جيرانه، فيمنعهم من رفع الصلاة معه إلى إله البشر جميعًا (تث 23: 4-5). طائفة ترفض طائفة أخرى، باسم ديانة هي أبعد ما تكون عن الديانة. فالديانة هي في الأصل خضوع لله. فإذا خضعتُ مع أخي وأختي لله، لا تعود مشيئتنا المسيطرة، ولا عاداتنا الذميمة، وإلاّ نصبح كالقبور المكلَّسة، أو مثل هؤلاء الذين يصفّون البعوضة ويبلعون الجمل. ينتبهون إلى ما يأكلون ويشربون، ومن يلمسون، وينسون أهمَّ ما في الديانة الرحمة والعدالة. في أصل البشريّة، شعوب عديدة، وهي مدعوّة لأن تلتقي. وكما الشعوب، كذلك الأفراد. فمتى نقبل كلُّنا أن نكون في قيادة الله، ذاك الراعي الوحيد، بحيث يكون البشر كلُّهم رعيّة واحدة مع راعٍ واحد! ومتى الناس يتكلَّمون بلغاتنا (أع 2: 11)، ونحن نتكلَّم بلغاتهم، لا على أعمال البشر، بل »على أعمال الله العظيمة« في الكون. فيهتف الجميع: »أيُّها الربّ ربُّنا، ما أعظم اسمك في كلِّ الأرض« (مز 8: 1).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM