تقديم.

 

 

حين كان فيلبس، أحد السبعة، ماضيًا في الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزة، صادف وزير ملكة الحبشة الذي كان يقرأ بعض أشعيا. سأله فيلبس: »هل تفهم ما تقرأ؟« فأجاب الوزير: »كيف أفهم ولا أحد يشرح لي؟« (أع 8: 30-31). اعتاد المؤمنون في الماضي أن يقرأوا الكتب المقدسة ويعيدوا قراءتها، وبعضهم كادت تعمى عيونهم من الغوص في النصوص الإلهيّة.

ونحن نقرأ الكتب الالهية. لاشك في أننا نقرأ بسهولة العهد الجديد بشكل عام، والأناجيل بشكل خاص. مع العلم أننا، يا للأسف، نتعلّق بالخبر ونبقى عند القشور دون أن نصل إلى اللبّ وأعمق من اللبّ. أما العهد القديم، فكثيرون يتهرّبون منه: صعب المنال. بعيد عنا. أمور تعدّاها الزمان. أخبار لا معنى لها، ونحن نجد مثلها وأفضل منها وأقدم، في هذا الشرق القديم. هذا عدا أصحاب الايديولوجيّات الذين يربطون العهد القديم بالشعب اليهودي، وكأن الكتاب المقدس مُلك شخص من الأشخاص أو فئة من الفئات. مبدأيًا يرفضون قراءة التوراة، ويتصوّرون إله التوراة غير إله الانجيل. وينسون أن اسم »يهوه« الذي يعني الاله الذي هو. الذي كان ويكون) يقابل في اليونانية »كيريوس، الرب. وأن كيريوس هو اسم الرب يسوع. أما الله الآب فهو »الله« (تيوس).

أما نحن فنعتبر الكتاب المقدّس كلاً واحدًا. يبدأ مع سفر التكوين: في البدء خلق السماوات والأرض. ويتواصل في أسفار موسى بما فيها من خروج من مصر، ومسيرة في البرية. مع الأنبياء الأولين، أو أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك، نتعرّف إلى نظرة لاهوتية تُلقي بضوئها على أحداث شبه عادية. والأنبياء الآخرون هم أشعيا وارميا وحزقيال، ما عدا الاثني عشر. مع هوشع نكتشف حبّ الله ورحمته وحنانه. مع عاموس، نتعلّم أهمية العدالة الاجتماعية... والقسم الأخير من التوراة، يتضمّن المزامير وفيها صلاة الشكر والمديح والتوسّل وطلب الغفران، كما يتضمّن الأسفار الحكميّة، التي حملها الكتّاب الملهمون من هذا الشرق وطبعوها بالطابع الالهي.

في هذا الكتاب، سرنا في خطّ الذي سبقه (محطات كتابية، 26). انطلقنا من سفر التكوين فوصلنا إلى العهد الجديد. كان باستطاعتنا أن نفعل كما اليهود يفعلون، أو كما بعض شرّاح مدرسة أنطاكية. نحصر نفوسنا في العهد القديم ولا نخرج منه. ثم نعود إلى العهد الجديد، وكأن لا علاقة بين العهدين. لقد جاء المبدأ واضحًا منذ القديس جيروم وتبنّاه المجمع الفاتيكاني الثاني: الجديد يجد جذوره في القديم. والقديم يجد ملء نوره بالجديد. فالذي كتب سفر التكوين هو الذي كتب الأناجيل الاربعة. والذي دوّن المزامير، هو الذي دوّن رسائل بولس الرسول. من هو هذا الكاتب الذي لبث أمينًا مع نفسه منذ سفر التكوين والكلام عن الجنة بأنهارها وأشجارها، وصولاً إلى سفر الرؤيا حيث »شجرة الحياة تُثمر اثنتي عشرة مرة« (رؤ 22: 2)؟ هو الروح القدس. أما البشر فأداة في يد الله. حين نفهم هذه الحقيقة الايمانيّة، لا نعود نناقش النصوص التوراتيّة على مستوى العقيدة والأخلاق. بل ندخل في النص. نقرأه مثل وزير ملكة الحبشة، وتشرحه لنا الكنيسة، على مثال ما فعل فيلبس.

إلى هذه »القراءة« ندعو المؤمنين. وإلى شرح نقدّمه. يبقى على كل واحد أن يفعل كما فعل أوغسطين حين فتح الكتاب. قيل له: خذ واقرأ. ففعل. والنداء يتوجّه إلينا نحن أيضًا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM