عقاب الجبار الشرير مزمور:52

عقاب الجبار الشرير

مزمور:52

1- قراءة المزامير

أحبّائي، قراءة المزامير قراءة لا يمكن أن نتعب منها. إنشاد المزامير يمكن أن يجعل حياتنا كلّها ارتباطًا مع الله. إن حزنّا ننشد حزننا فيرافقنا الربّ بالحزن ليملأ قلوبنا بالفرح كما فعل مع تلميذي عمّاوس. إن بكينا يبكي معنا. إن أنشدنا أنشد معنا. إن دلّلنا على يأسنا فهو بقربنا يمشي طريقنا، حتّى وإن سارت إلى الهاوية. في أيّ حال، يقول القدّيس بطرس في رسالته الأولى: نزل المسيح إلى الجحيم، إلى عمق أعماق الموت. فكما أخذ المكان الأخير حتّى يكون وراء الشعب كلّه، فيقوده إلى المراعي كما يقود الراعي خرافه، كذلك نزل إلى أعماق الموت لكي لا يبقى مائت واحد إلاّ ويقيمه.

يا ليتنا نعتاد على قراءة المزامير: كلّ يوم مزمور أو قسم من مزمور. نصلّيه، نصلّي إلى الله بكلمات الله. وهكذا من مزمور إلى مزمور تدخل فينا الكلمة، تدخل فينا الصلاة، تدخل فينا صلوات كلّ الذين سبقونا. هذه الكلمات لن تعود حبرًا على ورق، هذه الصلوات لن تعود أبدًا كلمات محفورة على حجر، كلاّ. هذه الكلمات تصبح حيّة بالحياة التي نجعلها فيها.

2 - شاول الجبّار الشرّير

ونقرأ المزمور 52 وعنوانه: عقاب الجبّار الشرّير. لكبير المغنيّن. نشيد لداود عندما جاء دواغ الأدوميّ وقال لشاول: جاء داود إلى بيت أخيمالك. والبداية: لماذا تتهلّل بالشرّ أيّها الجبّار، وبرحمة الله تكفر نهارًا وليلاً؟ والنهاية: أحمدك يا ربّ طول الأيّام على ما عملتَ من الأعمال، وأرجو اسمك لأنّه صالح عند الذين يتّقونك. إذًا عنوان كلامنا عقاب الجبّار الشرّير.

وهناك مقدّمتان. الأولى. يرتبط هذا المزمور بكبير المغنّين برئيس الجوقة. ثمّ يرتبط بداود وكأنّ داود ألّفه، أو ربّما طلب من أحد الشعراء أن يؤلّفه، ومن أحد الموسيقيّين أن يضع له الموسيقى والنوتات لكي يستطيع المؤمنون أن ينشدوه.

والمناسبة؟ رُبط هذا المزمور بمناسبة في حياة داود. نتذكّر، أحبّائي، هنا، أنّ شاول انحسد من داود وأراد قتله، وكانت حرب داخليّة بين القبائل. هرب داود من وجه شاول واختبأ، أو بالأحرى مرّ في بيت أخيمالك الكاهن، مرَّ عنده، فأُخبر داوغ الأدوميّ. وهذا جاء إلى شاول يخبره ويقول له: داود جاء إلى بيت أخيمالك. والنتيجة نعرفها من الكتاب المقدّس 1 صم 21:7. نعرف العقاب الذي ناله أخيمالك لأنّه استقبل داود. إذًا الإطار هو إطار الرجل القويّ، شاول الملك، الذي يلاحق الشخص الضعيف. وإذ لم يقدر عليه، تمكّن أن يقتل أشخاصًا أبرياء لكي ينسى هزيمته وينسى العار والخجل الذي حلّ به. ذاك كان وضع شاول. بما أنّه لم يقدر أن يفعل شيئًا بداود، سوف يعاقب كلّ إنسان استقبله برضاه أو بغير رضاه.

ويبدأ المزمور، أحبّائي، بالآية 3: لماذا تتهلّل بالشرّ أيّها الجبّار، وبرحمة ا؟ تكفر نهارًا وليلاً؟ منذ البداية يتوجّه كلام ا؟ حالاً إلى الإنسان بدون أيّ خوف وبدون أيّ تردّد.

3 - الافتخار بالسوء

هذا المزمور مزمور 52 هو في الواقع مزمور تعليميّ. فيه يريد المؤمن، المرتّل المنشد، ان يعلّمنا، أن يذكّرنا بالحياة الأخلاقيّة الأدبيّة. هذا الشخص يفتخر بالسوء، يتهلّل بالشرّ، يفرح لأنّه عمل شرٌّا.

يمكن أن نلاحظ، أحبّائي، هذا المرض، هو مريض بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، هو يريد الموت له ولغيره.

هذا المزمور يريد أن يعلّمنا فينطلق بالسؤال: لماذا تفتخر بالسوء؟ لماذا تتهلّل عندما تفعل الشرّ أيّها الجبّار. وبرحمة الله تكفر نهارًا وليلاً؟ تخطأ مرّة أولى، فيغفر لك الربّ، ومرّة ثانية ومرّة عاشرة. وفي النهاية نفهم أنّك تكفر نهارًا وليلاً، أنّك تقول الكلام الذي لا يحقّ لك أن تقوله ضدّ الله.

هذا الرجل هو جبّار، هو قويّ، هو متكبّر، هو مترفّع، لا يعيش على مستوى سائر البشر. لكنّ الكاتب يقول له: الله يرفع الأبرار ويحطّ المترفّعين والمتكبّرين. نتذكّر هنا نشيد مريم العذراء: حطّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين، أشبع الجيّاع خيرًا والأغنياء أرسلهم فارغين.

لماذا قيل هذا المزمور؟ لماذا كُتب هذا المزمور؟ أوّلاً كتبه شخص مسكين، شخص فقير، لا قوّة سياسيّة له، ولا قوّة عسكريّة، ولا قوّة من أيّ قوًى وُجدت. هو من مساكين الربّ الذين يجعلون اتّكالهم على الربّ. ومتى كتبه ومتى أنشده؟ بمناسبة دعوى يُقيمها عليه رجل غنيّ وقدير. هذا الرجل يعتبر نفسه أقوى من هذا المسكين، عنده الغنى، عنده القدرة، خصوصًا هنا يعتزّ بفساد أعماله. هو قويّ بأعماله الفاسدة بحيث يخاف الناس منه.

4 - البارّ يلجأ إلى الربّ

من يقدر أن يخلّص هذا المسكين من براثن هذا الرجل القدير القويّ؟ وحده الله. هذا ما فعله في الواقع أيّوب لمّا رأى أنّ هناك شخصًا ضدّه. أخذ له أرزاقه، أمواله، أولاده وجعله مريضًا وقريبًا من الموت. هذا القويّ من هو؟ أعطاه أصدقاؤه صورة كاذبة، صورة غير حقيقيّة عن الله الذي يحمل عصاه ويضرب حالما تظهر خطيئة صغيرة. كلاّ ثمّ كلاّ. ا؟ أخذ جسدًا من عندنا. الله يعرف كيف يعاملنا المعاملة الصالحة. الغنيّ يعتزّ بفساد أعماله، أمّا المرتّل فلا يعتزّ كما يقول مار بولس، فلا يفتخر إلاّ بضعفه. لهذا السبب في نهاية الحوار بين أيّوب وأصدقائه، ترك أيّوب الحوار مع أصدقائه وتوجّه إلى الربّ في صلاة حميمة، في صلاة شخصيّة.

والمؤمن هنا يتوسّل إلى الربّ والربّ ينجّيه من يد الظالم. لهذا السبب جاء إلى الهيكل ومعه تقدمته فرخي يمام، زوجي حمام، حملاً صغيرًا، بعض الماعز. جاء ينشد صلاته في الهيكل أمام إخوته في الإيمان وفي الضيق. إذا كان هذا المرتّل مؤمنًا، فإخوته مؤمنون. وإذا كان هذا المرتّل مضايَقًا فإخوته أيضًا مضايقون. لهذا رفع عينيه إلى السماء، ما عاد ينتظر شيئًا من الأرض، رفع عينيه إلى الل. بعد أن بان البشر ضعفاء، بل هم يتّهمونه، مع أنّ الكتاب المقدّس سبق وقال عن أيّوب: إنّه رجل صالح يسير بحسب وصايا ا؟. هذا المرتّل أقيمت عليه دعوى، أقامها عليه شخص قويّ. وها هو جاء بعد أن نجا من يد الظالم، جاء ليُنشد صلاته في الهيكل أمام إخوته في الإيمان وفي الضيق.

هنا الصلاة هي صلاة شكر، صلاة اعتراف بقدرة الله الفاعل في حياتنا، ولكنّها صلاة الإيمان، صلاة المؤمن، يعني ذاك الذي يثق بأنّ الله وعد وسوف يفي.

لماذا تتهلّل بالشرّ أيّها الجبّار؟ منذ البداية نفهم أنّ هناك قوّة جسديّة، وليست هي الأولى وليست هي الأهمّ. ويبدأ الكاتب من آ 3 إلى آ 6 ويقدّم صورة لنا عن العدوّ المتكبّر ويسأله: هو قويّ. غير أنّ هذا النبيّ، هذا المتكلّم باسم الله، لا يخاف على حياته. إذًا هذا السؤال يقول: »لماذا تتهلّل بالشرّ أيّها الجبّار؟ برحمة الله تكفر نهارًا وليلاً. يختلق لسانك الإثم وكموسى مسنونة تعمل بالمكر. تحبّ الشرّ أكثر من الخير، والكذب أكثر من كلام الصدق. تحبّ كلّ كلام مهلك، يا صاحب اللسان الماكر«.

5 - خطايا اللسان

نلاحظ هنا، أحبّائي، كلّ هذه الخطايا، وخصوصًا خطايا اللسان. يقول عنه القدّيس يعقوب: اللسان مثل قشّة النار تشعل الغابة كلّها. أو مثل مقود السفينة يديرها كما يشاء. وأنت تحبّ الشرّ أكثر من الخير، والكذب أكثر من كلام الصدق. تحبّ كلّ كلام مهلك يا صاحب اللسان الماكر. نلاحظ كيف أنّ الكاتب بيّن أخطاء هذا الرجل الكبيرة. كتب: كلّ كلام ماكر. لا يكفي أن يفرح هو بما يقوله من كلام كاذب، بل ينقل كلام صاحبه. لسانك يختلق المفاسد، تحبّ الشرّ أكثر من الخير، تحبّ كلّ كلام مُهلك، يا لسان المكر.

إنّ هذا الكاتب يشدّد أوّل ما يشدّد على خطايا اللسان. وفي الواقع هو لا يستطيع أن يتّهم هذا المسكين الذي جعل ثقته في الله. هو لا يستطيع أن يتّهم هذا المسكين إلاّ إذا اختلق المفاسد، إذا أضاف كذبًا إلى كذب. خصوصًا أنّ هذا الشرّ يخرج من أعماق قلبه ويتابع النصّ:

تحبّ كلّ كلام مهلك يا لسان المكر. كم هو مهمّ، أحبّائي، أن نعرف كم اللسان يفعل من الشرّ. يقتل الكبير ويقتل الصغير، يقتل القويّ ويقتل الضعيف. هو حاضر هنا لكنّ الربّ أيضًا هو حاضر هنا، وسوف يقلع هذا الشرّ من المسكن الذي يقيم فيه. الله يحكم على المنافق. يفنيك إلى الأبد، يخطفك، يقلعك من مسكنك. هو أكثر من نفي، هو تأكيد. ويتابع النصّ في آية 8: فيرى الصدّيقون ويخافون ويضحكون عليك قائلين: هذا الرجل لا يتحصّن بالله، بل يتّكل على كثرة غناه ويعتزّ باتّباع أهوائه.

نلاحظ في هذه الآيات الثلاث كيف أنّ الشرّير سوف يزول إلى النار إذا لم يعرف أن يدخل في مخطّط الله. هذا الشرّير سوف يدخل في مخطّط الموت.

6 - موقف الصدّيقين

في آية 8 - 10: فيرى الصدّيقون ويخافون ويضحكون عليك قائلين: هذا الرجل لا يتحصّن بالله، بل يتّكل على كثرة غناه. الإنسان الصدّيق يرى، يعيش في المخافة، في مخافة الله، ولكنّه متأكّد أنّ هؤلاء الأشرار لا يدومون. والخوف لا يكون بالنسبة إلى الصدّيقين بل بالنسبة إلى المشاهدين الذين يرون هؤلاء الصدّيقين، هؤلاء الشهداء، عندما يرونهم يضعون عليهم شروطًا. فيرى الصدّيقون ويخافون ويضحكون عليك قائلين (آية 9): هذا الرجل لا يتحصّن بالهل، بل يتّكل على كثرة غناه ويعتزّ باتّباع أهوائه. غير أنّ الربّ يسمع للمساكين، وهم يثقون به، هم يتّكلون على رحمته ومحبّته. لذلك قال: أتّكل على رحمة الله إلى الأبد.

ويأتي التشبيه الرائع مع الآية 10: »أنا كزيتونة خضراء مغروسة في بيت الله أتّكل على رحمته الباقية من الآن وإلى الأبد. أحمدك يا ربّ طول الأيّام على ما عملت من الأعمال، وأرجو اسمك لأنّه صالح عند الذين يتّقونك«. تغيّرت الصورة. أوّل الطريق كان العنف من قبل الغنيّ على الفقير، وهنا لم نعد أمام العنف، بل أمام الأهواء التي يمكن أن تقودنا في هذه الطريق أو تلك. وأنا كزيتونة خضراء مغروسة في بيت الله أتّكل على رحمتك الباقية الآن وإلى الأبد. أمّا صلاة الأبرار فالربّ يسمع لهم. لهذا يثقون به، يتّكلون على رحمته ومحبّته. يقول النصّ: أتّكل على رحمته الباقية إلى الأبد. البارّ هو كالزيتونة، ومن يتوكّل على الربّ يكون كالشجر المغروس على المياه. يسمّي الربّ شعبه زيتونة خضراء، جميلة، لأنّ الزيتونة علامة تدلّ على أنّ المرتّل كاهن من الكهنة أو ربّما يكون ذلك، لكن المهمّ هذه الصورة الرائعة، صورة السلام: نحن نبدأ في عالم العنف وننتهي مع الربّ في صورة السلام.

أتكون الزيتونة علامة تدلّنا على أنّ المرتّل كاهن من الكهنة؟ الجواب ربّما بعدئذٍ المرتّل يَعد الله بأن يشكر له ما عمله من أجله فيكون قد حصل على طلبه، فيكون أنّ الله أعطاه علامة على أنّه يستجيبه. مهما يكن من أمر، فنحن نفهم ثقة المرتّل بربّه وفرحه لوجوده في هيكل الربّ.

وينتهي المزمور، أحبّائي، بهذه الصورة: بيت الله يشبه الفردوس: فيه ماء الحياة، فيه الخصب، فيه الزيتونة الخضراء التي هي رمز لأشجار الفردوس. أمّا سعادة آدم فكان سببها حضور الله، وكذلك كانت سعادة مساكين يهوه تامة على حضورهم إلى بيت الله.

هذا، أحبّائي، هو معنى المزمور 52: نفس متقلّبة، نفس ضائعة، نفس مضطربة. لا تنتظر سوى إشارة من عند الربّ، ولا شكّ في أنّ الله يستجيب لها، وهو الذي قال اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتَح لكم، ثمّ قال: كلّ شيء لكم. إذًا إن أكلتم أو شربتم أو مهما عملتم فاعملوا كلّ هذا لمجد الله. وهذه النفس عملت من الأعمال المجيدة لله، ورجت الربّ لأنّه الصلاح بالذات. أحمدك يا ربّ طول الأيّام في ما عملت من الأعمال، وأرجو اسمك لأنّه صالح عند الذين يتّقونك. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM