السهر الدائم.

 

السهر الدائم

آ36. إنَّ ذلك اليومَ وتلك الساعةَ لا يَعرفُها أحدٌ ولا ملائكةُ السماء إلاّ الآبُ وحدَه، ومن له وللآب ذاتٌ واحدة وعلٌم واحد، أي الابن والروح القدس. وإن روى مر 13: 32: ولا الابن أيضًا، فهذا يُقال عن الابن بما أنَّه مرسَل من الله الآب، كما أنَّ سفير الملك إذا سُئل عن أسرار مُلكه، فيجيب إنَّه لا يعرف. والمعنى أنَّ المخلِّص لا يعرف ذلك اليوم ليشهره للبش،ر وسوف نرى تفسير ذلك في بشارة مرقس، ومع ذلك فللعلماء أقوال في زمان نهاية العالم. زعم بعضهم أنَّه ينتهي بعد أن يكون لبث ستَّة آلاف سنة، كما أنَّه أُبدِع في ستَّة أيّام، وهذا محتمَل. وزعم غيرهم أنَّه يمرُّ بعد المسيح بمقدار ما مرَّ قبله من السنين، سندًا على قول حب 3: 2: يا ربُّ أَحْيِ عملك في وسط السنين، في وسط السنين تُعرِف. إلى غير ذلك من الأقوال جميعها، تقديري واستحساني الإذعان لقول المخلِّص: إنَّ ذلك اليوم وتلك الساعة لا يعرفها أحد. وإن ارتأى أصحاب الآراء المذكورة أنَّ هذا القول يُراد به الحاضرون وقتئذٍ، لا الآتون بعدهم الذين لا مانع من أن يعرفوا ذلك بوحي إلهيٍّ أو طريقة أخرى.

آ37. وكما كان في أيّامِ نوحٍ هكذا يكونُ مجيءُ ابنِ الإنسان. كأنَّه يقول: كما جاء الطوفان بغتة وغّرق الجميع، هكذا يأتي ابن الإنسان بغتة للدينونة.

آ38. فكما كانوا قبلَ الطوفانِ يَأكلون ويَشربون، متنعِّمين دون اهتمام بالمصاب المقبل. ويتزوَّجون ويُزوِّجون حتّى اليومِ الذي دخلَ نوحٌ فيه السفينة.

آ39. ولم يَشعروا بالغرق المفاجئ، حتّى جاء الطوفان وأخذَ جميعَهم. أي لم يعرف الأثمة الخراب المفاجئ للمسكونة، وكانوا يسخرون بنُوحٍ المنذِر بذلك، مصرِّين على سيِّئي خصالهم. هكذا يكونُ عند مجيءُ ابنِ الإنسان إلى الدينونة. ولكن كيف يمكن مع تراكم هذه المصائب الانكباب على اللذات؟ فأجيب: لا بدَّ من توسُّط مدَّة، ما بين موت الدجّال وظلام الشمس والقمر وباقي الآيات التي ذكرناها، وبين مجيء المخلِّص للدينونة، كالإنسان يظهر له الفرج قليلاً عند النزع ثمَّ يُدركه المنون. وبينما يقال: هدوء وسكون، كما يقول الرسول، فيأتي المسيح بغتة للدين.

آ40. حينئذٍ يكونُ اثنانِ في حقل يشتغلان، يُؤخذُ واحدٌ ويُترَكُ الآخر. كأنَّه يقول: إنَّه في يوم الدين يُفَصل الرفيق من رفيقه والجار من جاره إلخ. فيؤخَذ مَن عملَ صالحًا إلى السماء ويُترَك مَن عملَ سوءًا في آثامه ويُرذَل ويهلك.

آ41. واثنتان تَطحنان في رحًى تُؤخذ الواحدةُ وتُترَكُ الأخرى. كانت العبيد والإماء تدير الرحى في الأمصار الشرقيَّة، إذ لم تكن حينئذٍ مطاحن الماء أو الهواء. فالمخلِّص يقول: إنَّه من اثنتين تطحنان كذا على رحًى واحد، تُؤخذ واحدة لملاقاة ربِّها في الهواء، وتُترك الأخرى في الأرض فتهلك بعد قليل. فكأنَّه يقول: إنَّ المتساوين حالة هنا، تكون حالهم مختلفة هناك كاستحقاقهم، وأنَّ لله منتخَبين من العبيد والإماء أيضًا، وإنَّ الجميع، أبرارًا كانوا أم أشرارًا يفاجئهم يوم الدين بغتة.

آ42. تيقَّظوا الآن لأنَّكم لا تعلمون في أيَّةِ ساعةٍ يأتي ربُّكم. كأنَّه يقول: تيقَّظوا مفتكرين أبدًا أنَّ الموت محقَّق ويومه مجهول. وكذا يوم الدينونة الخاصّة عند موت كلٍّ والعامَّة في آخر العالم، ولذا استعدُّوا لكليهما دائمًا بالفضائل والأعمال الصالحة. ولهذا أراد الله أن يكون يوم الموت والدينونة مجهولاً، ليكون ذلك منخسًا حادًّا يحرِّكنا إلى الرغبة في الفضيلة، ولهذا يعتني إبليس بإبطال فاعليَّة هذا المنخس، مقنعًا بطول العمر وبإمكان عمل التوبة في كلِّ حين.

آ43. اعرَفوا هذا: أنَّه لو عرفَ ربُّ البيت في أيَّةِ هجعَةٍ يأتي السارقُ لسَهِرَ ولم يدَعْ بيتَهُ يُنقَب. لكنَّه لا يعرف أيَّ متى يأتي السارق، فيرتقب اللص وقت الغفلة هذا فيسرق البيت. ويراد هنا بالسارق على الأصحّ المسيح نفسه، كما أبان قوله التالي:

آ44. فلهذا كونوا مُستعدِّين لأنَّ ابنَ الإنسان يأتي في ساعةٍ لا تَظنُّونها. فيشبِّه المسيح نفسه بالسارق، لا نظرًا إلى فعل السرقة، بل نظرًا إلى إتيانه لدينونة الناس في ساعة لا تخالونها.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM