العقاب المنتظر.

 

العقاب المنتظر

آ29. الويلُ لكم أيُّها الكتبةُ والفرّيسيّون المراؤون الذين تَبنُون قبورَ الأنبياء وتُزيِّنون مدافنَ الصدِّيقين ببنايات حديثة. وبهذا العمل أوَّلاً تشهدون وترضَون (كما روى لو 11: 48) بقتلِ آبائكم للأنبياء، إذ تَصنعون أوّلاً، كما يصنعُ أولادُ اللصوص الذين يَدفنون جثثَ القتلى الذين قتلَهم آباؤهم. ثانيًا، تريدون بهذه المراءاة أن تكسبوا اعتبار العامَّة والمدح منهم، إذ تنقشون أسماءكم على المدافن. ثالثًا، إنَّ الأنبياء والصدّيقين لا يريدون أن يكون لهم هذا التكريم من مال الفقراء الذي كان الكتبة والفرّيسيّون يثقّلونهم به. وأخيرًا، إنَّهم مع عملهم هذا كانوا يريدون قتل سيِّد الأنبياء الذي هو المسيح. فعلى هذه الأمور يؤنِّبهم المخلِّص لا على بناء قبور الأنبياء وتزيين مدافن الصدِّيقين، فإنَّ ذلك بذاته أمر حسن وتقويّ.

آ30. وتقولون لو كنّا في أيّامِ آبائِنا لما كنّا نُشاركُهم بدمِ الأنبياء. أي لما كنّا نقتل الأنبياء، ولا نجاري على قتلهم، وقد لحنوا لأنَّهم قتلوا سيِّد الأنبياء، فإذًا لكانوا يقتلون الأنبياء أيضًا لو كانوا في أيّام آبائهم.

آ31. فأنتم إذًا تشهدون على نفوسِكم بأنَّكم أبناءُ قتلةِ الأنبياء. كأنَّه يقول: أنتم إذًا تشهدون على نفوسكم أنَّ فيكم طبْعَ آبائكم الذين قتلوا الأنبياء وميْلَهم بنفسه.

آ32. وأنتم أيضًا املأوا. وقرأت العربيَّة القديمة: تملأون، كيلَ آبائكم بقتلي وقتل رسلي، كما قتل آباؤكم الأنبياء لتملأوا كيلهم بالإثم. فالمسيح بقوله "املأوا" لا يأمر بإملاء هذا المكيال، بل يتنبَّأ ويُنذر بأنَّهم سوف يملأونه، ومع هذا يشير في الوقت نفسه إلى أنَّه يسمح بذلك، إذ كان يمكنه منعه بما أنَّه إله، كما قال ليهوذا الدافع: ما تصنع فاصنعه عاجلاً (يو 13: 27). ومن هذه الآية ومن آ35 و36 الآتي ذكرهما، نتج بعض اللاهوتيّين أنَّ الله قد حدَّد للممالك والجماعات والأفراد أيضًا مكيالاً معيَّنًا من الخطايا، ومتى امتلأ هذا الكيل يُعاقِب الله بملء الخطايا.

آ33. أيُّها الحيّاتُ أولادُ الأفاعي كيف تهربون من دينونةِ جهنَّم؟ التي أوجبها عليكم يوم الدين لقتلكم المسيح ابن الله. وقد دعا الكتبة والفرّيسيّين حيّات أولاد الأفاعي لخبثهم ومكرهم. فراجع ما قيل في مت 3: 7.

آ34. مِن أجل هذا، أي لكي تفرُّوا وتحذروا هذا الإثم الذي يفضي بكم إلى الدمار والهلاك في جهنَّم. ها أنا أرسلُ إليكم بعد موتي أنبياءَ وحكماءَ وكتبة. وروى لوقا: أنبياء أو رسلاً. فيسمّي المسيح تلاميذه بهذه الأسماء، ويعدهم بأنَّه يرسلهم إليهم ليردُّوهم إلى التوبة والإيمان، كما تنبَّأ بقوله: فتقتلون منهم كثيرين كإسطفانوس واليعقوبَين وغيرهم كثيرين، وتَصلبون منهم، كما صنعوا بسمعان أسقف أورشليم خليفة مار يعقوب، كما روى أوسابيوس* في ك2 من تاريخه رأس 32. وتجلدون منهم في مجامعِكم، كما صنعوا ببطرس والرسل (أع 4: 5). وتضطهدونَهم من مدينةٍ إلى مدينة، كما صنعوا بشاول وبرنابا. طالع أع 13 و14.

آ35. ليأتيَ عليكم، ويحلَّ على رؤوسكم الانتقام الذي يستلزمه هرق كلُّ*** دمِ الصدِّيقين الذي سُفكَ على الأرض مِن دمِ هابيلَ الصدِّيق والبارّ الأوَّل المشهور، الذي قتله أخوه قاين. فإنَّ قاين وإن لم يكن يهوديًّا أمَّة، فكان يهوديًّا خبثًا وشرًّا، وكان مثالاً لليهود قتلة الأنبياء. وإن لم يكن أبًا لليهود فكان عمًّا لهم، لأنَّه أخو شيت الذي من ذرِّيَّته إبراهيم واليهود وقد اتَّخذ بنو شيت بنات قاين، كما في تك 6: 3، ووَلدوا منهنَّ اليهود. إلاَّ أنَّ هذا غير مؤكَّد، لأنَّ الكتاب المقدَّس يقول إنَّه وُلِد منهنَّ الجبابرة، ولكن لا يُنكر أنَّهنَّ ولدْنَ غير الجبابرة. إلى دمِ زكريّا بنِ بِراشيا الذي قتلتُموه بينَ الهيكلِ والمذبح. من هو هذا زكريّا؟ ففيه اختلاف أقوال بين المفسِّرين. ذهب إيرونيموس* وبيدا* مع ملدوناتوس* وينسانيوس* وغيرهم أنَّه ابن يويادع عظيم الأحبار، الذي قتله الملك يؤاش بين القدس أي الهيكل، ومذبح المحرقات أي في موقف الكهنة، كما ورد في 2 أخ 24: 22. فمن المحتمل أنَّ يويادع كان يدعى براشيا أيضًا. إمّا لأنَّه ذو اسمين، وإمّا لأنَّ المسيح لاحظ معنى الاسم لا حروفه. وتأويل اسم يويادع قريب من تأويل براشيا، أي مبارك من الله. وقال مار إيرونيموس* إنَّه يوجد في إنجيل الناصريّين ابن يويادع عوضًا عن ابن براشيا. وذهب فم الذهب* وسنكس* وريبيرا* وغيرهم، أنَّ المراد بزكريّا، زكريّا الذي قبل الأخير من الأنبياء الصغار، وهو حقيقة وحرفًا ابن براشيا. ولكن لم نقرأ أنَّه قُتل بين الهيكل والمذبح. وذهب أوريجانوس* وإبيفانيوس* وباسيليوس* وأوتيميوس* وباقي الآباء الروم، ووافقهم بارونيوس*، أنَّ زكريّا هذا هو أبو يوحنّا المعمدان. وأثبت إيبوليتوس* أنَّ أباه كان اسمه براشيا كما ذكر نيكوفوروس*. وأثبت بطرس الإسكندريّ* كما روى بارونيوس، أنَّ هيرودس قتله لإخفائه ابنه لئلاّ يُقتلَ مع أطفال بيت لحم، ولأنَّه أنذر علانية بمجيء المسيح. فكلُّ هذه الآراء مُحتمَلة فليخترِ القارئ أيَّها شاء. وقال أوريجانوس* وتاوافيلكتوس* وأوتيميوس* ومار باسيليوس* في ميمره على ميلاد المسيح البشريّ: إنَّ زكريّا هذا قتله اليهود لإدخاله مريم العذراء بعد ولادتها المخلِّص مع العذارى في الهيكل. وهذا يصعب تصديقه لبراهين ردَّه بها بارونيوس* والأبولنسيّ* بحث 255.

آ36. الحقَّ أقولُ لكم إنَّ هذا كلَّه يأتي على هذا الجيل. كأنَّه يقول: إن الانتقام من هذه الآثام يصيب هذا الجيل أي يهود هذا العصر، الذين سيقتلوني ويضطهدون رسلي، ولهذا بعد سنين قليلة يدمِّرهم طيطوس والرومانيّون. فتسأل بأيِّ حقٍّ يحتمل العصر المتأخِّر وحده العقاب الذي لم يستحقَّه وحده. فأجيب أنَّ الأولاد لا يعاقَبون حينئذٍ عقابًا أثقل ممّا تستحقُّه خطاياهم الخاصَّة، لكن من حيث إنَّهم يملأون كيل الخطايا، فيتصارم عليهم غضب الله. ولَما كان يتصارم عليهم كذلك لو لم تتقدَّم خطايا والديهم وتساعد على إملاء الكيل. ويقال إنَّ الأبناء يعاقَبون بآثام والديهم، لأنَّ الله ينظر معاقبًا إلى خطايا الفريقين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM