مثل الكرّامين.

 

مثل الكرّامين

آ33. اسمعوا مثلاً آخر. إنسانٌ ربُّ بيتٍ نصَبَ كرمًا وأحاطَ به سِياجًا وحفرَ فيه مَعصرةً وبنى فيه بُرجًا ودفعَهُ إلى فَعلةٍ وسافر.

آ34. ولمّا بلغَ زمنُ الثمارِ أرسلَ عبيدَه إلى الفعلةِ لكي يَبعثُوا له من ثمارِ الكرم فقبضَ الفَعَلةُ على عبيدِه.

آ35. فضربوا بعضًا ورجموا بعضًا وقتلوا بعضًا.

آ36. ثمَّتَ أرسلَ إليهم عبيدًا آخرين أكثرَ من الأوَّلين فصنعوا بهم هكذا. هذا المثل أخذه المخلِّص عن أش 5: 1 ضدَّ الكتبة والفرّيسيّين أخصامه. فيريد بربِّ البيت الله، وبالكرم مجمع اليهود، وبالشوك الذي أحاط به محافظةَ العناية الإلهيَّة وحراسة الملائكة، كما قال أوريجانوس* وإيرونيموس* وأمبروسيوس*، وبالمعصرة الشريعة المُلْزِمة والضاغطة لكلٍّ ليَبرز عصير التقوىُ وبالبرج الهيكل وسموّ العبادة الإلهيَّة، كما فسَّر الآباء المذكورون وبيدا* المكرَّم. وزعم بعضهم أنَّه يُفهَم بهذه بالإجمال تقديم كلَّ ما هو ضروريّ ومفيد لمجمع اليهود من الله. ويريد بالفعلة المتقدِّمين بين اليهود كرؤساء الكهنة والكهنة والكتبة والملوك والولاة والقضاة، وبالشغل بالكرم عمل البرّ، ويريد بسفر ربِّ البيت تعاطي الله معهم بمنزلة غائب، أو لأنَّه ظهر لهم عند إعطاء السنَّة في جبل سيناء. ثمَّ لم يظهر فلاّح أنَّه سافر إلى محلّ آخ،ر وعبيد ربِّ البيت يُراد بهم الأنبياء الذين كانوا يطلبون الثمار المذكورة، فضرب اليهود بعضهم كحاناني وميخا، ورجموا بعضًا كزكريّا وإرميا، وقتلوا بعضًا كأشعيا وحزقيال وعاموس وغيرهم كثيرين، كما ورد في عب 12: 36 وما يليه.

آ37. أخيرًا أرسلَ إليهم ابنَه قائلاً: لعلَّهم يَستحُون من ابني، إذا لم تكن عظمت رداءتهم، وقال ذلك عن الله بمنزلة إنسان. فإنَّ الله كان يعلم أنَّهم يقتلون ابنه، ولكن قال "لعلَّهم يستحون"، على سبيل ما يتفكَّر إنسان في حادث كذا.

آ38. أمّا الفعَلةُ فلمّا شاهدوا الابنَ قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث. من هنا يظهر أيضًا أنَّ رؤساء اليهود عرفوا حسنًا أنَّ يسوع هو الماسيّا. وهل عرفوا أنَّه ابن الله أيضًا؟ فالجواب أنَّهم إن كانوا لم يعرفوا أنَّه ابن طبيعيّ لله، فعرفوا لا محالة أنَّه أسمى من باقي المخلوقات كافَّة، ويحقُّ له التسلُّط على الكرم بحقِّ الطبيعة. إلاّ أنَّه يظهر أنَّهم ما استطاعوا أن يُقنعوا نفوسهم بهذا الأمر تمام الإقناع، لكون الحسد أعماهم، لأنَّهم لو عرفوا بتوكيد لما صلبوا ربَّ المجد. إلاَّ إن شئت أن تفهم هذا بالأحرى عن الشعب الأمّيّ وحده، فهيهات أن يصدَّق ذلك على الرؤساء، مع أنَّ المخلِّص كرَّر لهم الإنذار بذلك متواترًا، وكان يقول: إنَّ لا عذر لهم، وإنَّهم يفعلون بغضة بالابن والآب. تعالوا نقتلُه. وروى يو 11: 50: الأحسن أن يموت واحد ولا يهلك الشعب كلُّه. ونأخذُ ميراثَه. إذ توهَّموا أنَّه بموت المسيح يستمرُّ مقامهم واستيلاؤهم ومنفعتهم دون انثلام، وإلاّ فيعدمون ذلك. فأفشى المخلِّص سائر ضمائرهم المتحازبة على مضرَّته.

آ39. فقبضوا عليه وأخرجوه خارجَ الكرمِ وقتلوه. هذه من جملة نبوءة المسيح على موته، ويشير على أنَّه يُقتل خارج المدينة.

آ40. فإذا ما جاءَ ربُّ الكرم، فما الذي يَصنعُه مع أولئك الفعَلة؟

آ41. فأجابوه أنَّه يُهلِكُ الأردياء. روى مر 12: 9 ولو 20: 16 أنَّ المسيح قال ذلك، فكيف ينسبه متّى هنا إلى الكتبة؟ فالجواب مع فم الذهب* وأوتيميوس* أنَّ الكتبة قالوا هذا أوَّلاً، ثمَّ قاله المخلِّص ليفهموا أنَّ مآل القول موجَّه إليهم. والمعنى أنَّه يعامل الكتبة وأحزابهم بالرديء، فيُهلكهم بواسطة طيطوس* وفسبسيانوس* في هذه الحياة، ومع الشياطين في جهنَّم. ويُولي على الكرم فعلَةً آخرين، ويُراد بهم الرسل وخلفاؤهم. يؤدُّون له الثمارَ في حينِها. وقد ظهرت هذه الثمار بارتداد جماهير وافرة إلى الإيمان والقداسة وخاصَّة بثبات ملايين من الشهداء على الاضطهاد والعذابات.

آ42. فقالَ لهم يسوع: أما قرأتُم قطُّ في الكتاب أنَّ الحجرَ الذي رذلَهُ البنّاؤون صارَ رأسَ الزاوية؟ من لدُنِ الربِّ كان هذا وهو عجيبٌ في عيونِنا. يستشهد المخلِّص هنا بقول المرتِّل مز 17: 22، حيث يتنبّأ عن المسيح، وهذا كان الكتبة يعرفونه، ليفهموا أنَّ المرتِّل يشير بذلك إلى المسيح. وقد دعا الكتبة آنفًا فعلة، وهنا يدعوهم بنائين، كأنَّه يقول: إنَّكم أيُّها الكتبة ترذلوني لكنَّ الله صيَّرني رأس الزاوية. فهو الأساس الأوَّل للكنيسة، وقد منح بطرس ذلك اسمًا وحقيقة ليكون أساسًا للكنيسة من بعده. وكان كلفينوس* يقول عن نفسه إنَّه هو هذا الحجر المرذول من البابا والكنيسة الرومانيَّة، فيشبِّه نفسه بالمسيح، وقد صار أساسًا لبدعة الكلفينيّين.

آ43. ولهذا أقولُ لكم إنَّ ملكوتَ الله يُنزَعُ منكم. أي لا تبقون كنيسة الله وشعبه الحقيقيّ، وتُعدَمون الخير الذي يصيب شعب الله. ويُعطى لشعبٍ آخر، أي للشعب الوثنيّ الذي يصنعُ ثماره، أي ثمارًا تليق بملكوت الله وشعبه، كالإيمان والمحبَّة والسرور والسلام والصبر التي يعدِّدها الرسول في رسالته إلى غلا 5: 22. وكذا من عادة الله أن ينقل المُلكَ الزمنيّ أيضًا من أمَّة إلى أخرى، متى تغاضت تلك الأمَّة عن أداء ثمرة المُلك. وكلامه في هذا العدد خاتمة للأمثال الثلاثة المتقدَّم*** إيرادها، أي مَثَل الابنين المطيع والغير المطيع، ومثل فعلة الكرم، ومثل الحجر المرذول. فكأنَّه يقول لهم: أنتم الأبناء الغير المطيعين للآب، لأنَّكم تضطهدوني أنا ابنه الوحيد، وأنتم فعلة الكرم الذين تريدون قتلي أنا الوارث، وأنتم البنّاؤون الذين رذلتموني والله جعلني أساسًا لكنيسته، ولهذا يطردكم منها ويُدخل الأمم الذين يقبلونني.

آ44. فمَنْ وقعَ على هذا الحجر، يعني من عثر بتعليم المسيح أو سيرته أو اضطَهد أو أهان المسيح أو عضوًا له، كما تصنعون أيُّها الكتبة، يَرتضِ، أي ينال آلامًا مبرَّحة*** وإن لم تكن مهلكة. وكأنَّه يقول: إنَّ مثل هذا لا يضرُّ المسيح بشيء، بل يُلحِق بنفسه مضرَّة ثقيلة، ولكن بنوع أنَّه يمكن أن يعالَج بمرهم التوبة. ومَنْ يسقُطْ عليه ذاك الحجر، يعني ينتقم منه المسيح انتقامًا ثقيلاً كانتقامه من اليهود بخراب أورشليم ومن الهالكين في جهنَّم، يَسحقْه، حتّى لا تمكن معالجته ولا شِفاؤه، كما قال القدّيس أغوسطينوس*.

آ45. فلمّا سمعَ عظماءُ الكهنة والفرّيسيّون أمثالَه وعلِموا أنَّه تكلَّمَ عليهم.

آ46. حاولوا القبضَ عليه وخافوا من الجمعِ لأنَّهم كانوا متَّخذينَه بمنزلةِ نبيّ. قد علم الكتبة من كلام الزبور وأقوال المسيح وأفعاله، أنَّ ذلك يضادّهم، فراموا القبض عليه وتعذيبه، ولكن خافوا حينئذٍ من الشعب. فها قد أنهج المسيح الطريق إلى الصلب والموت الذي أنزلوه به بعد ثلاثة أيّام، وكذا تمَّ رسم الله بفداء الناس بموت المسيح.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM