القسم التاسع عشر: يسوع يرسل التلاميذ
 

 يسوع يرسل التلاميذ  6: 7- 13
أرسلهم إثنين اثنين ليبشرّوا وأعطاهم سلطاناً وأوصاهم .بدأ التلاميذ دورتهم الرسولية. لا يقول لنا الإنجيل كم دامت هذه الدورة. ولكننا نعرف أنه كان للرسل دور فاعل قرب يسوع. يشدّد مرقس بصورة خاصة على الرقم 12 (رج 3: 14: جعلهم إثني عشر) الذي يدلّ على الملء والكمال. يدلّ على البلاد كلّها، على الكنيسة كلها. لسنا بعد أمام الإئني عشر رسولاً. فهذه التسمية سترد فيما بعد. أما الآن فهم مرسلون وحاملو مهمّة. انطلقوا إثنين اثنين. ربّما لأسباب أمنية. ثم إنّ الشهادة لا تصحّ إلاّ بشاهدين.
المرسلون عند لوقا هم 72 لا 70 فقط. مهمتهم عند مرقس هي أبسط ما يكون: الأرواح النجسة. هذا هو هدف مرقس: إعادة مثل هؤلاء المرضى الذين هم على هامش المجتمع إلى قلب الجماعة. وتحدّث مرقس أيضاً عن التوبة والمسحة بالزيت. كانت المسحة في البداية فعلة طبّية قبل أن تصير علامة أسرارية. إذن، انطلق التلاميذ بعد أن تجرّدوا من كل شيء. لم يترك لهم مرقس إلا عصا وحذاء. إذاً كانت العصا رمز السلطة (كالصولجان) أو الدفاع عن النفس (كسلاح)، فهي ممنوعة عليهم. أما إذا كانت تساعدهم في مسيرتهم، فلا بأس بها. إنها عصا الحجّاج. والحذاء يساعد الإنسان في مسيرته. ترك لهم فقط ما يتيح لهم أن يتقدّموا بسرعة.
إعتاد الفقراء أن يكون لهم قميصان، لأنهم لا يستطيعون أن يشتروا معطفاً. وكان للكهنة قميصان أيضاً احتراماً للإله الذي يعبدون. سيكون التلاميذ أفقر الفقراء. ولن يكونوا من الوجهاء الدّينيّين. ثم تشير تعليمات يسوع إلى طريقة الإقامة في مكان معين. لا يحقّ لهم ان ينتقلوا من بيت إلى بيت (لو 10: 7). يتّخذون بيتاً كمركز إشعاع، ومنه ينطلقون. نحن نجد هنا التنظيم الكنسي كما عرفه المسيحيّون الأولون. هناك إمكانية النجاح وإمكانيّة الفشل كما في الناصرة. أمّا نفض الغبار عن الأرجل فهو علامة الانقطاع والانفصال. إنه يجعلنا نرى رفضاً للضيافة العزيزة على قلوبنا نحن الشرقيّين. كما هو شهادة سلبيّة تدفع الناس لكي يفكّروا بما فعلوا!
وانطلق الاثنا عشر. وأعلنوا ملكوت الله. الله يملك حيث لا يملك الشرّ. إذن، عليهم أن يطردوا الشرّ بكلّ أشكاله وبجميع الوسائل: بالكلام، بالأشفية... وعليهم أن يصيروا محترفين في المسيرة الإنجيلية فيتعلّموا مهنتهم كمرسَلين. ويوضح متى أنهم عمّال تحق لهم أجرتهم. بما أنهم يأكلون خبزهم هكذا، فلا حاجة إلى المؤونة والزاد. العمل الرسولي هو "مهنة". ومع ذلك فالتلميذ يطلب الجمال والحقيقة والعطاء.
أمرهم يسوع أن لا يأخذوا شيئاً للطريق: لا خبزاً ولا زاداً ولا مالاً ولا ثوبين. غريبة هذه التوصية! عادة، حين نذهب في مهمّة يُقال لنا: لا تنسوا شيئاً. لماذا يقول يسوع للمرسَلين الأولين: لا تأخذوا شيئاً؟
نسك وفقر. لا شكّ. ولكن هناك باعثاً أعمق: هو يدعوهم إلى ثقة كاملة بالله. فقد قال في خطبة الجبل بقوّة لها معناها: لا تخافوا من أن ينقصكم شيء. فأبوكم السماوي يعرف ما تحتاجون إليه (مت 6: 25- 35).
لا نستطيع أن نتحدّث عن هذه الثقة إن كنا لا نؤمن بها، إن كنّا لا نحياها. جاء كاهن إلى قرية جبلّية فقيرة ووعظ على نص متى "لا تهتمّوا". لما خرج الناس من الكنيسة، قال أحدهم حين رأى سيّارة الكاهن الفخمة: هو لا يحتاج بأن يهتمّ!
سيقول تلاميذ يسوع بأنه لا يجب أن نهتمّ، لأننا نؤمن حقّاً أن الله يهتمّ بنا. ولكن إن رافق هذا الإعلان عن الثقة بالله مالٌ كثير وحوائج كثيرة، يكونون قد وعظوا الاهتمام والرخاء والطمائنينة قبل ان يكونوا فتحوا أفواههم. وستكون كلماتهم هباء في الريح.
شدّد يسوع مراراً على هذه العلاقة بين القول والفعل. كيف يعظ الرسول عن السلام إذا كان في حياته اليومية محارباً ومقاتلاً؟ وكيف يتحدّث عن الوحدة إذا كان لا يعرف الحوار؟
ولكن هل ينطبق انجيل التجرّد هذا على المسيحي البسيط كما على الرسول؟ نعم. فالمسيحي يكون رسولاً وإلاّ يكون مضّراً بالرسالة بتصرّفه. هو لا ينقل إلى الآخرين الثقة بالله إذا كان دائماً مهموماً، متشائماً، يخاف دوماً على نفسه.
ولكنكم تقلبون شفاهكم ولستم مقتنعين. لا شكّ في أنه صعب علينا أن نتكل كل الاتّكال على الله. لن نستطيع ان نطيع وصيّة التجرّد (لا تأخذوا شيئاً) إلاّ إذا صلّينا لكي ينمو إيماننا.
رأينا التلاميذ يرافقون يسوع، يسمعون له، يحاولون أن يفهموا أمثاله، أن يكونوا شهود اقواله وأفعاله ولا سيّما عجائبه. وها هو يسوع يرسل الإثني عشر للمرّة الأولى، لقد فهموا: لن تكون مهمّتهم أسهل من مهمّة يسوع، ولن يكونوا أحكم من معلّمهم. أختارهم المسيح وأرسلهم، فلا غنى لهم إلاّ يسوع نفسه. وكل غنى آخر يكون ثقلاً عليهم، ولن يسهّل الرسالة.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM