الفصل الثاني عشر: السنابل يوم السبت.

 

الفصل الثاني عشر

فحواه تبرئة يسوع تلاميذَه إذ كانوا يفركون سنبلاً يوم السبت. وإبراؤه اليد اليابسة. وفراره مجانبة لحسد الفرّيسيّين وتفنيده تجاديفهم بأنَّه ببلزبوب يخرج الشياطين. وتعليمه بأنَّ التجديف على الروح القدس لا يغفر. وإعطاؤه الطالبين آية من السماء آية يونان النبيّ. وأخيرًا تعليمه من هم أقاربه حقيقة أي من يصنعون مشيئة الله أبيه.

السنابل يوم السبت

آ1. في ذلك الزمان مشى يسوعُ يومَ السبت بين الزروع. إنَّ هنا أيضًا تقديمًا وتأخيرًا في نظام التاريخ، إذ يظهر أنَّ ما رواه الإنجيليّ هنا قد حدث قبل إرسال الرسل الذي مرَّ الكلام فيه في ف 10، قبل خطبة الربِّ في الجبل التي تقدَّم ذكرها في ف 5، كما يتلخَّص من بشارة مرقس (2: 23) ولوقا (6: 1).

آ2. فجاعَ تلاميذُه فأخذوا يفركون سنبلاً ويأكلون. ولمّا أبصرَهم الفرّيسيّون قالوا له: ها تلاميذُك يعملون ما لا يَحلُّ عملُه يومَ السبت. وروى لوقا (6: 2) أنَّ الفرّيسيّين قالوا لهم، أي لتلاميذ المسيح. وتوفيق ذلك بأنَّهم قالوا هذا أوَّلاً للتلاميذ ثمَّ للمخلِّص. إنَّ الفرّيسيّين لم يبكِّتوا التلاميذ على قطع السنابل، لأنَّ قطع السنابل من زرع الغير والأكل من قطوف كرم رجل آخر، كان الناموس يسمح به في تث 25: 25، بل بكَّتوهم على عمل ذلك يوم السبت. فإنَّ فرك السنبل يظهر أنَّه من الأعمال الخدميَّة المنافية راحة السبت وتقديسه، ولذلك كان محرَّمًا.

آ3. فقال لهم: أما قرأتُم ما صنعَ داودُ إذْ جاعَ هو ومَنْ معه. إنَّ هذا القول الأخير يبان منافيًا لما قيل في 1صم 21، حيث ورد أنَّ داود كان وحده. والجواب أنَّ داود إذ فرَّ من وجه شاول ذهب وحده إلى أخيملك (الذي يدعوه مرقس أبيتار) الحبر، وطلب منه الخبز فأخذه، لا رفاقه الذين كانوا ينتظرونه في محلٍّ آخر. وهذا يظهر من هذه الآية ومن 1 صم 21: 3 حيث قال داود للحبر: إنَّ الفتيان فرضت عليهم ذلك المحلّ وذلك المحلّ. وارتأى بعضهم أنَّ داود كان وقتئذٍ يصحبه غلمان ولكن أقلَّ عددًا من المعتاد، فقال الكتاب المقدَّس إنَّه كان وحده، والتفسير الأوَّل أصحّ.

آ4. كيفَ أنَّه دخلَ بيتَ الله، أي القبَّة، إذ لم يكن الهيكل بُني بعد، مع أنَّه لم يكن يحلُّ له الدخول إلى القدس، بل للكهنة وحدهم. وقدس الأقداس لم يكن يدخله إلاّ عظيم الأحبار، وإلاّ مرَّة واحدة في السنة. وأكلَ خبزَ مائدةِ الربّ. إنَّ هذا الخبز هو الذي كان يقدَّم دائمًا في القدس أمام التابوت وقدس الأقداس. ودعته اللاتينيَّة خبز التقدمة، والعبرانيَّة خبز الوجوه، إذ كان يقدَّم أمام وجه الربِّ. فهذا الخبزُ، الذي لم يكُنْ يَحُلُّ له، أي لداود، أكلُه ولا للذين معه بل للكهنةِ وحدَهم، إذ كان الله أمر في خر 25: 30 أن يجدَّد هذا الخبز كلَّ سبت، ويقدَّم غيرُه إلى المائدة، ويتناول الكهنة وحدهم الخبز العتيق، قد أكله داود ورفاقه. فكان المخلِّص يقول: إنَّ الاضطرار أحلَّ لداود ورفقائه أكل خبز التقدمة، الذي كان أكله محرَّمًا عليهم بالناموس الإلهيّ الوضعيّ، وعمل ذلك داود مع قداسته، فلماذا لا يحلُّ لي ولتلاميذي، بسبب جوعنا، فرك السنبل يوم السبت، المحرَّم بالناموس الإلهيّ الوضعيّ، مع أنَّ حفظ الحياة بالقوت وإن مقدَّسًا هو مأمور الناموس الطبيعيّ.

آ5. أو ما قرأتم في الناموس الموسويّ أنَّ الكهنةَ في الهيكل يَحُلُّون السبت، بنحر الثيران والخراف وسلخها وتقطيعها وغسلها وإعداد الحطب وإضرام النار تحتها. ولا لومَ عليهم؟. لأنَّه وإن كانت هذه الأعمال شاقَّة وخدميَّة وبالتالي تنافي راحت السبت، فمع ذلك كانت التقوى ووصيَّة الله تجيزها وتقدِّسها. ولذا كان اليهود يقولون: لا سبت في الهيكل. فكأنَّه يقول: كما أنَّ العبادة كانت تعذر الكهنة من مخالفة وصيَّة السبت هكذا يُعذَر تلاميذي بمخالفتها بفرك السنبل، لأنَّهم يتبعوني أنا الماسيّا، وقد أغفلهم جدُّهم بتعليمي عن أخذ الخبز معهم. وقوله "إنَّ الكهنة في الهيكل يحلُّون السبت"، لم يَرد بحروفه في الأسفار المقدَّسة، بل ورد معناه في عد 28 وغيره، حيث رسمت رتبة المذبح يوم السبت.

آ6. وأنا أقولُ لكم إنَّ ها هنا أعظمَ من الهيكل. أي يوجد هنا ابن الله الذي الهيكل بيت له، وبالتالي هو أشرف وأقدس كثيرًا من الهيكل. فإن كانت الأعمال الخدميَّة تتقدَّس بمجرَّد تقديمها لخدمة الهيكل، فكم أولى وأحقّ أن تكون كذلك الأعمال التي تقدَّم لخدمة ابن الله الحاضر؟ فالتلاميذ كانوا يخدمون ابن الله بقطعهم السنبل وفركه ليُقيتوا جسدهم ليقيم بخدمة ابن الله بإنذاره وسفره، وهذا أكثر قبولاً لدى الله من كلِّ خدمة الهيكل.

آ7. لو كنتم تعلمون ما هو أنّي أريدُ رحمةً لا ذبيحة، لما كنتُم تَحكمون على مَنْ لا ذَنبَ لهم، أي تلاميذي لأنَّهم أبرياء، وقوَّة البرهان أنَّ الرحمة أولى وأشرف من الذبيحة والسبت (رج 9: 13). فإذًا يجوز لأجل الرحمة حلُّ وصيَّة السبت، وبالتالي عبثًا تشجبون تلاميذي مع خلوِّهم من كلِّ ذنب، وقد سمحتُ لهم رحمةً أن يقطعوا السنبل ويفركوه يوم السبت لجوعهم. وأحرِّضهم على هذه الرحمة بقولي ومثالي، ليرحموا البائسين نفسًا ويهتمُّوا بتعليمهم وخلاصهم. وقرأت العربيَّة القديمة: لما كنتم تحكمون على من لا ذنب له بالمفرد، أي لما كنتم تحكمون عليَّ أنا البارّ لأنّي سمحتُ لرسلي بذلك.

آ8. وربُّ السبت هو ابنُ الإنسان. كأنَّه يقول: إنّي ابن الله طبعًا، وتنازلت إلى أن أصير إنسانًا، وبالتالي أنا فارض الناموس الموسويّ وشريعة السبت. فإذًا يمكنني أن أفسِّح منها لتلاميذي. وزاد مرقس برهانًا آخر من براهين المخلِّص على ذلك بقوله في 2: 27: إنَّ السبت خُلِق من أجل الإنسان، وليس الإنسان من أجل السبت.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM