الويل لمدن الجليل .

 

الويل لمدن الجليل

آ20. حينئذٍ، أي حين إذ أرسل رسله يُنذرون في اليهوديَّة، وهو كان يُنذر وحده، ابتدأ يسوعُ يُعيِّرُ، أي يُظهر خبث وإصرارالمدن، أي أهل المدن، التي كانت فيها أكثرُ آياتِه ولم يتوبوا، ولم يؤمنوا به، قائلاً:

آ21. الويلُ لكِ يا كورزين. وهي مدينة في خارج بحر الجليل من المدن العشر. الويلُ لكِ يا بيتَ صيدا. وهي مدينة على شاطئ البحر المذكور وقريبة من كفرناحوم وكانت تخصُّ اليهود. لأنَّه لو كان في صورَ وصيدا الآياتُ التي صارَتْ فيكما، لعلَّهما تابتا بالمسوحِ والرماد. وصور وصيدا مدينتان على شاطئ البحر المتوسِّط، وكانتا تخصَّان الأمم وعبدة الأوثان. وقد كان المخلِّص أنذر في كورزين وبيت صيدا، وصنع فيهما عجائب كثيرة، ولم يؤمن منهما إلاّ قليلون. ولذلك يوبِّخهما هنا ويفضِّل عليهما صور وصيدا المسكونتين بعبدة الأوثان. وبقوله: "لعلَّهما تابتا بالمسوح والرماد" يشير إلى توبة أهل نينوى (يو 2). وقرأت اللاتينيَّة: لتابتا قبلاً، أي لما انتظرتا حتّى الآن. ومن قوله هنا: إنَّ هؤلاء الوثنيّين لو رأَوا الآيات التي رآها اليهود لتابوا. يُثبت اللاهوتيّون العلم المتوسِّط في الله، أي إنَّ الله يسبق فيعلِّم مؤكِّدًا جميع الأمور المحدثة والحرَّة ولو كانت غير عتيدة أن تبرز إلى الوجود، لعدم وجود شرط ضروريّ لوجودها. فالمخلِّص يُثبت هنا أنَّ أهل صور وصيدا لو رأَوا آيات المسيح لتابوا، ولم يروها فلم يؤمنوا. ووجه ذلك أنَّ علم الله غير متناهٍ، فيمتدُّ إلى جميع الأشياء الممكنة والموجودة، ولاسيَّما أفعال الناس وأفكارهم وإرادتهم الحرَّة. وليس بالنظر إليه فرق بين الماضي والحاضر والمستقبل. ولذا يعلم أيضًا ما لكان يفعله الإنسانُ لو وُجد في ظروف كذ،ا كما علم توبة أهل صور وصيدا لو رأَوا عجائب المسيح. وهذا العلم في الله يسمّى العلم المتوسِّط أو علم الشرطيّات. إنّ مار أوغسطينوس* يفنِّد بهذه الآية زعم النصف بيلاجيّين* بأنَّ الله ينتخب هؤلاء الناس أو أولئك، لأنَّه يسبق فيرى أنَّهم يسعون مع النعمة إن أُعطيت لهم. فأهل صور وصيدا لكانوا سعَوا مع النعمة لو أُعطوها، ومع ذلك لم يعطَوها. ولا ينتج من ذلك أنَّ الصوريّين عازتهم النعمة الكافية. كلاّ، بل النعمة الفعّالة والوافرة التي فاز بها الجليليّون المذكورون.

آ22. لكنّني أقول لكما إنَّه يكون لصورَ وصيدا راحةٌ يومَ الدين أكثرَ منكما. كأنَّه يقول: إنَّ أهل صور وصيدا سيعاقَبون لآثامهم في يوم الدين، ولكن أنتم يا أهل كورزين وبيت صيدا، ستعاقَبون أشدَّ عقاب. أوَّلاً، لأنَّكم عرفتم شريعة الله والفضيلة أكثر من سكّان صور وصيدا الوثنيّين. ثانيًا، لأنَّكم سمعتموني مرارًا منذرًا ورأيتموني متواترًا صانعًا العجائب، وأهل صور وصيدا لم يرَوا ولم يسمعوا شيئًا من ذلك.

آ23. وأنتِ يا كفرناحوم التي ارتفعتِ حتّى السماء بحضوري وتعليمي وعجائبي، لأنَّ المخلِّص كان كثير التردُّد والإقامة فيها. وقرأت اليونانيَّة واللاتينيَّة: هل ترتفعين إلى السماء؟ وكأنَّه يقول: إن ظننتِ أنَّ هذا المجد يدوم لك زمانًا طويلاً، فأنت ضالَّة ومخدوعة. وسوف تهبطين إلى الجحيم لأنَّه لو كان في صادومَ الآياتُ التي صارَتْ فيك لثبتَتْ حتّى يومِنا هذا. أي لو رأى أهل صادوم العجائب التي صنعتُها فيك، لتابوا مع كلِّ فحشائهم ولم يُبادوا. وقرأت اللاتينيَّة هنا: لعلَّها أو لربَّما ثبتت وأهملت حرف الشكّ هذا في آ21 عند قوله "لعلَّهما تابتا"، ولعلَّ وربَّما هنا وفي آ21، لا للشكّ والتردُّد من جهة الله، بل من جهة المخلوقات، ونظرًا إلى العلم المتوسِّط في الله.

آ24. لكنّي أقول لكِ أن سيكونُ لصادومَ راحةٌ يومَ الدين أكثرَ منك. وهذا قد مرَّ آنفًا تفسير مثله في آ23، أي إنَّ عقاب كفرناحوم سيكون أشدَّ من عقاب صادوم للسببين الموردين هناك.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM