الشجرة وثمارها.

 

الشجرة وثمارها

آ15. احذروا الأنبياءَ الكذبة الذين يأتونكم بلباس الحملان ومن داخلهم ذئاب خاطفة. انتقل المسيح هنا إلى التحذير من العلماء الكذبة الذين يعلِّمون أنَّ طريق السماء واسع لا ضيِّق، إذ يُنذرون بأنَّه لا ينبغي الصوم ولا الاعتراف ولا حفظ النذور، ويطلقون عنان حرِّيَّة الشهوات. ويراد بالنبيّ لا من يُنذر بالعتيدات فقط، بل الرجل التقيّ أيضًا والقدّيس ومن يصنع العجائب، وغالبًا يُفهم به المعلِّم، لأنَّ الأنبياء كانوا قديمًا معلِّمي الشعب. فالمراد إذًا بالأنبياء الكذبة المعلِّمون، أراطقة كانوا أم وثنيّين أو غيرهم ممَّن يردُّون الناس عن طريق الخلاص الضيِّق والقويم إلى طريق الهلاك الواسع والمعوجّ. ويريد بلباس الحملان، بساطة الحملان التي يتوارى بمثلها الأنبياء الكذبة، بذكرهم متواترًا كلام الله والأسفار المقدَّسة، وبشقشقة كلامهم المنمَّق وادِّعائهم بإصلاح عوائد الكنيسة لاسيَّما إصلاح الإكليروس، وبتظاهرهم بالوداعة والبرارة ليغطُّوا بذلك تعليمهم الوخيم وخصالهم القبيحة.

آ16. فمن ثمارِهم تعرفونهم. هل يُجنى من الشوكِ عنب أو من العوسجِ تين؟ لمّا حذَّر من الأنبياء الكذبة، وجب أن يذكر ما يدلُّ عليهم، فعيّن أخصّ العلامات وهي ثمارهم، ويراد بها خاصَّة تعاليمهم الكاذبة وخصالهم السيِّئة الصادرة عن تعليمهم. على أنَّهم ولو مهما توازوا بصلاح سيرتهم، فأعمالهم تنكشف سريعًا، لأنَّك إن أصغيت إليهم وجرَّبتهم وقتًا وجيزًا تجد دلائل على إثمهم، لأنَّ مبادئ تعاليمهم فاسدة، فتكون نتائجها كذلك.

آ17. هكذا كلُّ شجرةٍ صالحة تثمرُ ثمارًا صالحة والشجرةُ الرديئةُ تُثمرُ ثمارًا رديئة. يُفهم بالشجرة هنا كلُّ مثمر كما تقدَّم في ذكره الشوك والعوسج، فكأنَّه يقول: كما أنَّ الشوك لا يُجنى منه عنب، هكذا الشجرة الصالحة يُجنى منها ثمار صالحة، والشجرة الرديئة تثمر ثمارًا رديئة. ولا يراد هنا بالشجرة الصالحة على المعنى الحرفيّ الإرادة الصالحة أو المحبَّة ولا بالشجرة الرديئة الإرادة الرديئة أو الشهوة كما ارتأى فم الذهب* وأغوسطينوس* وغيرهما، بل يراد بذلك المعلِّم الصالح أو الشرّير أي الصادق أو الكاذب لأنَّ الكلام السابق فيهما. والكلام هنا في الإيمان فقط. وفي لو 6: 43، الشجرة الرديئة كناية عن المرائيّ، لأنَّ المعلِّمين الكذبة هم أعظم المرائين. ويُفهم بثمار الشجرة أي المعلِّم: أوَّلاً، تعليمه كما روى لو 6: 45، إذ يصدر من المعلِّم الصادق الصدق ومن الكاذب الكذب. ثانيًا، أعماله كما ارتأى إيرونيموس* وفم الذهب* وأغوسطينوس*، لأنَّ المعلِّمين الكذبة والأراطقة، وإن أظهروا أعمالاً صالحة وقتًا ما، فلا يبقى الذئب دائمًا متستِّرًا بأثواب الحمل. والمسيح ذكر علامة عامَّة: فإن حدث اتِّفاقًا وجودُ حسن الخصال في معلِّم كاذب وسيئًا في معلِّم صادقُ فهذا لا ينافي العلامة العامَّة.

آ18. لا يمكنُ الشجرةَ الصالحة أن تثمرَ ثمارًا رديئة، ولا الشجرةَ الرديئة أن تثمر ثمرةً صالحة زمنًا طويلاً وبثبات، وتكون الثمار مفيدة للحياة والخلاص الأبديّ، كما فسَّر المجمع الأروسيكانيّ*، على أنَّه يمكن هذه الشجرة الاستعاريَّة المراد بها الإنسان أو الإرادة البشريَّة، أن تصير من عوسج تينًا أو من رديئة صالحة بنعمة الله والمطاوعة منها، وتثمر حينئذٍ ثمارًا صالحة كما قال إيرونيموس* وفم الذهب* وأغوسطينوس* وغيرهم، كما يمكن الشجرة الصالحة أن تصير من دالية شوكًا، أي من صالحة رديئة بفقدان نعمة الله، وتثمر حينئذٍ ثمارًا رديئة. وعلى هذا الأسلوب تنحلُّ برهانات المانيّين* الذين زعموا سندًا على هذه الآية، أنَّ الناس بعضهم صالح طبعًا وبعضهم رديء طبعًا. وبرهانات يوفينيانوس* الذي زعم أنَّ الصالحين لا يُخطئون لأنَّهم شجرة صالحة لا تثمر ثمرة رديئة. وبرهانات كلفينوس* الذي زعم أنَّه لا اختيار مطلق في الأفعال الصالحة والشرّيرة، فهذه البرهانات جميعها تنحلُّ لأنَّ المسيح لم يقل إنَّ الشجرة الرديئة لا يمكن أن تصير صالحة، ولا أنَّ الصالحة لا يمكن أن تصير رديئة، بل قال: لا يمكن الشجرة الصالحة أن تثمر ثمارًا رديئة، يعني ما دامت صالحة؛ ولا يمكن الشجرة الرديئة أن تثمر ثمرة صالحة، يعني ما دامت رديئة. وقوله في

آ19. وكلُّ شجرة لا تثمرُ ثمرةً صالحة تُقطعُ وتُلقى في النار. وقد مرَّ تفسيرُه في 3: 10 من هذه البشارة. وقوله في

آ20. فمن ثمارِهم تعرفونهم. هو خاتمة المثل وقد مرَّ تفسيره آنفًا (آ16) هنا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM