محبّة الأعداء.

 

محبّة الأعداء

آ43. سمعتُم ما قيل: أحبِبْ قريبَك وأبغِضْ عدوَّك. أمّا قوله: أحبب قريبك، فقد ورد في أح 19: 18، وأمّا قوله: أبغض عدوَّك، فأين ورد؟ فيجيب ملدوناتوس* أنَّه ورد في تث 25: 19 حيث قيل، "امحُ اسمه من تحت السماوات، احذر أن تنسى"، لأنَّ الله أمرَ يشوع بن نون واليهود أن يستأصلوا الكنعانيّين ويملكوا أرضهم. فإذًا المسيح يصلح هنا الشريعة نفسها، لا إزعام الكتبة، بقوله: أحبّوا أعداءكم. على أنَّ الشريعة في المحلِّ المارِّ ذكرُه تأمر بقتل الكنعانيّين لا ببغضهم أو ببغض باقي الأمم. فالقاضي يأمر بقتل الجاني ولا يبغضه بل يحبُّه، والجندي يقتل العدوّ في الحرب العادلة ولا يبغضه. فالصحيح إذًا أنَّ قوله: أبغض عدوَّك، لم تقله الشريعة بل الكتبة، الذين من قوله في أحبب قريبك الذي كانوا يفهمون به اليهود كانوا ينتجون ضدَّ رسم الشريعة الصريح قائلين: إذًا أبغضْ عدوَّك. لكنَّ المسيح يعلم أنَّه يفهم بالقريب كلَّ إنسان وإن كان عدوًّا لأنَّنا جميعًا خليقة إله واحد على صورته ومثاله، وآدم أبو جميعنا، وكلَّنا قد أراد المسيح آدم الثاني أن يردَّنا إلى ميراث واحد سماويّ. كذا فسَّر إيرونيموس* وأغوسطينوس* وتاوافيلكتوس* وغيرهم، وقد أبان المسيح ذلك بقوله التالي.

آ44. وأمّا أنا فأقول لكم أحبُّوا أعداءكم، وباركوا مَنْ يلعنُكم. هذه العبارة الأخيرة لا توجد في اللاتينيَّة وهي موجودة في اليونانيَّة والسريانيَّة. وأحسنوا إلى من يبغضكم وصلُّوا على من يضطهدكم ويقتسركم. فالمسيح يأمرنا أن نحبَّ أعداءنا بالقلب والفم والعمل. فبالقول بقوله: أحبُّوا أعداءكم؛ وبالفم بقوله: باركوا من يلعنكم وصلُّوا على من يضطهدكم؛ وبالعمل بقوله: أحسنوا إلى من يبغضكم.

آ45. لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء. يعني لتظهروا أنَّكم أبناء الله، أو لتكونوا أبناءه بالاقتداء به لأنَّكم أبناؤه بالنعمة والذخيرة. ذلك الذي يشرقُ شمسَه على الأخيار والأشرار ويسكبُ غيثَه على الأبرارِ والفجّار. يعني أنَّه يُحسن إلى أعدائه أيضًا بإعطائهم الشتاء ومفعولات الشمس ثمَّ ثمار الأرض إلخ.

آ46. فإن كنتم تحبُّون من يحبُّكم فأيُّ أجرٍ لكم؟ لا يريد أنَّه لا أجر مطلقًا لمن يحبُّ من يحبُّه، لأنَّ محبَّة الأصدقاء من أفعال فضيلة المحبَّة، ولكن ينكر وجوب الأجر لهم إن فعلوا ذلك كما يفعله العشّارون، أي أن أحبُّوا من يحبُّهم لا لأجل الله بل لأجل الميل الطبيعيّ أو النفع. وقد صرَّح بذلك بقوله: أليس العشّارون هكذا يصنعون؟ فمن لا يحبُّ أعداءه، يوضح أنَّه لا يحبُّ أصدقاءه لأجل الله بل لأجل نفسه. والعشّارون هم كانوا يحبّون المكوس وكانوا يضيِّقون على الفقراء، ولذا كان اليهود يعتبرونهم أثمة مفضوحي الصيت.

آ47. وإن حيّيتم. قوَّة اللفظة اليونانيَّة هنا: إن عانقتم أو سلَّمتم بالقبلة، إذ كان السلام بالمعانقة والقبلة عادة قديمة عند اليونان والرومانيّين، بل عند النصارى الأوَّلين أيضًا كما يظهر من قول الرسول في 2 كو 13: 12: فليسلِّم بعضكم على بعض بالقبلة المقدَّسة. إخوتكم، أي أقرباءكم وأصدقاءكم. فقط بالسلام فأيَّ فضلٍ عملتُم أليس العشّارون، وباللاتينيَّة الوثنيّون، هكذا يفعلون؟

آ48. كونوا كاملين. في كلِّ ما تقدَّم وخاصَّة بإظهار المودَّة والإحسان إلى الخارجين وإن كانوا أعداء. كما أنَّ أباكم الذي في السماء كامل هو. في هذه وفي كلِّ ما سواها ولفظة "كما" هنا للدلالة على التشبيه والاقتداء لا على المساواة، فإنَّ كمال الخليقة من المستحيل أن يساوي كمال الخالق. وهذا الكمال مأمور في كلِّ ما يلاحظ إتمام الوصايا، وهو من باب المشورة في كلِّ ما يلاحظ المشورات الإنجيليَّة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM