الفصل الخامس والأربعون: حكمة الله في شعبه.

 

الفصل الخامس والأربعون

حكمة الله في شعبه (24: 1 - 12)

الحكمة تمدحُ نفسها. أو هي تعرّفنا بذاتها. هيّأتْ لها الطريق نصائحُ عمليّة، فجاءت تحمل نظرة الله المحيية إلى شعبه وإلى كلّ إنسان. فالحكمة قريبة من الله. لهذا فهي تعرفه، وتستطيع أن تُخبر عنه. لا ينحصر وجودُها في مكان واحد، فهي في كلّ مكان، وسلطانها أبعد من أورشليم، أبعد من فلسطين. سلطانُها يصل إلى الكون كلّه. وإن هي أقامت في أرض إسرائيل، فلأنّ الربّ أمَرها بذلك. هي تدعو الجميع إلى المجيء إليها، كما كانوا يجيئون إلى الهيكل ليلتقوا بالله الحاضر في قلب مدينته.

لنسمع ما تقوله الحكمة في فم ابن سيراخ:

1 الحكمةُ تمتدح نفسها،

ووسط شعبها تمجَّد.

2 في جماعة العليّ فتحتْ فمها،

وأمام قدرته تمجّدت:

3 »من فم العليّ خرجتُ،

وكالضبابِ غطّيتُ الأرض.

4 في السماء جعلتُ مسكني،

وعرشي في عمود السحاب.

5 أنا وحدي دُرْتُ في القبّة الزرقاء،

وسِرتُ في أعماق الغمر.

6 بأمواج البحر والأرض كلّها،

وبالأمم والشعوب جميعًا،

7 في هذه كلّها طلبتُ الراحة،

وتساءلت في أيّ بلد أُقيم.

8 فأمرني خالقُ الجميع،

خالقي عيّن لي مسكني.

قال: »أسكني في يعقوب،

وليكن ميراثك إسرائيل«.

9 من البدء خلقني من الأزل،

وأنا إلى الأبد أبقى.

10 في المسكن المقدَّس خدمْته،

وثبّتُّ إقامتي في صهيون.

11 في المدينة المحبوبة أراحني،

في أورشليم سلَّطني.

12 فتجذّرتُ في شعب عزيز،

اختارَه الله ليكون خاصّته.

1 - سياق النصّ

نتوقّف في هذا السياق، عند موضوع الحكمة في الكتاب المقدّس، كما نجدها في ما يُدعى الأسفار الحكميّة، أي أيّوب والجامعة والأمثال والحكمة وابن سيراخ. إنّ لفظ حكمة (ح ك م. سوفيا) نقرأه قرابة 500 مرّة في مجمل البيبليا، 95 مرّة في حكمة ابن سيراخ، 76 في كلّ العهد الجديد. هذا يعني أنّ ما نجده في سي يتفوّق عمّا نجده في العهد الجديد. إذا كان الأدبُ الحكميّ قد توزَّع في ما سُمِّي الأسفار الحكميّة، إلاّ أنّه انطلق من تقليد شفهيّ نجده في جميع أسفار العهد القديم والعهد الجديد. ونحن نجد في الأسفار »التاريخيّة« عددًا من الأقوال والأمثال والأخبار والحكم التي تهيِّئ الطريق لعالم الحكمة. نورد هنا خبر يوتام حول الأشجار التي طلبت ملكًا (قض 7: 15). وهناك مزامير حكميّة، مثل مز 1 (طوبى للرجل)؛ 37 (لا تَغَرْ من أهل السوء)؛ 73 (الله صالح للمستقيمين، صالح لأنقياء القلوب). وسفرُ باروك الذي ارتبط بالكتب »النبويّة«، يتضمّن من أجمل المقاطع حول الحكمة (با 3: 9 - 4:4): »اسمعوا يا بني إسرائيل، وصايا الحياة، أصغوا وتعلّموا الحكمة، لماذا شختُم في الغربة؟ لأنّكم تركتم الحكمة«.

تُمثّل التوسّعاتُ حول الحكمة، عددًا من النصوص الهامّة في الأدب البيبليّ. وهذا ما نفسِّره بالدور الكبير الذي لعبه الحكيمُ بنصائحه. وقد وازى إر 18:18 دور الحكيم مع وظيفة الكاهن، حافظِ الشريعة، ومهمّة النبيّ المنادي أمام الله والوجدان الحيّ في الشعب: »الشريعةُ لا تُحرَم من كاهن. ولا حسنُ المشورة من حكيم. وكلمة الوحي من نبيّ«.

كيف نحدّدُ الحكمة؟ في الأساس، وفي كلّ زمان ومكان، نحن أمام مجهود الفكر البشريّ لكي ننظر إلى الكون، إلى الطبيعة، إلى الإنسان. وذلك لنعرف علاقة كلّ منها مع الآخر ومع ا؟، ولنكتشف في هذه الملاحظة فنّ العيش في السعادة، وفطنة هي في الوقت عينه تفكير وتميُّز واختيار. فالحكمة ترتبط بالفهم والحرّيّة، اللذين أعطيا للإنسان مع عطيّة الحياة. وعلى المستوى البدائيّ، الحكمةُ مهارةٌ يدويّة، وطريقة بها نستعمل آلةً أو نمارس مهنة، سواء تكلّمنا عمّن يقطع الحجارة للبناء (خر 31: 5) أو عن المتعامل مع الحيّات (مز 58: 6).

الحكمة معرفة. معرفة من أجل العمل. كفاءة نجدُها حتّى عند بعض الحيوانات. تكلّم أي 38: 36 عن الحجل في طيرانه والديك في فهمه، وأم 30: 24ي تحدّث عن النمل الذي يهيِّئ طعامه في الصيف، والوبار الذي يجعل في الصخر بيته، والجراد الذي يزحفُ صفٌّا صفٌّا، والعنكبوت التي تُقيمُ في قصور الملوك. وهذه المعرفة العمليّة تُصبح في النهاية حيلة وخدعة: تلك كانت حيل فرعون تجاه العبرانيّين (خر 1: 10؛ رج يه 5: 11؛ أع 7: 19). ويوناداب الذي نصح أمنون في ما يخصّ أخته تامار، (2 صم 13: 3؛ كان رجلاً ذكيٌّا جدٌّا). وامرأة (2 صم 14: 2، امرأة حكيمة). إحتالت على داود فأعاد ابنه أبشالوم. وامرأة آبل بيت معكة (موضع في فلسطين. قيل عنها: امرأة حكيمة، 2 صم 20: 16). اقنعت يوآب برفع الحصار عن المدينة.

غير أنّ الحكمة، في شكل عامّ، هي تطلّع إلى تصرّف البشر في عالم يجب أن يعرفوه ويسيطروا عليه: هذا التطلّع وهذا النظر يقودان إلى »فنّ« تدبير الأمور وتنظيم الحياة بوعي وفطنة. فالحكيم يبحث عن وسائل عيش كريم، ويعلّم ما وصل إليه في بحثه. لهذا وجبتْ ممارسةُ بعض المزايا وتجنُّبُ بعض الرذائل وما فيها من إفراط.

مثلُ هذه الحكمة هي ثمرة الدرس. هي معرفة التقليد الذي يضمّ نتائج خبرات الأجيال السابقة. وحين تريد أن تعالج المسائل الأساسيّة حول أصل الإنسان ومصيره، تحسّ نفسها ضعيفة، عاجزة. فالإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، يعرف أنّ كلّ حكمة حقيقيّة هي من عند الله. بل يقول ابن سيراخ في بداية كتابه: »واحدٌ هو الحكيمُ المهيبُ الربّ الجالسُ على عرشه، خلقها (= الحكمة)، تأمّلها، وعدّها، وأفاضها على كلّ أعماله« (1:8 - 9). واستعادت الرسالةُ إلى رومة هذا القول: »الله وحده الحكيم« (روم 16: 27). كان الرسول قد تحدّث عن »عمق حكمة الله« (روم 11:13). وشدّد أم 21:30 على المسافة التي تفصل حكمة البشر عن حكمة الله، فقال: »ما من حكمة، ولا فهم، ولا مشورة، تقف أمام الربّ«.

إذا جعلنا جانبًا بعض مقاطع حك، يتركّز عمقُ التعليم البيبليّ في بعض نصوص هامّة: سي 24:1ي؛ أم 1: 20 - 33؛ 8:1ي؛ 9: 1 - 6؛ أي 28: 1ي؛ با 3: 9 - 4:4. هذه الحكمة التي كانت حاضرة في تك 2:17 ، في »معرفة الخير والشرّ«، التي هي خاصّة بالله، سوف تتماهى في النهاية مع روح الربّ بالذات. وسيُقالُ عنها ما قيل عن الكلمة، ولا سيّما في مطلع إنجيل يوحنّا. وشيئًا فشيئًا سوف تأخذ صفة شخصيّة، فتهيِّئ الوحي للمسيح على أنّه كلمة الله وحكمته.

2 - في البدء كانت الحكمة

ذاك هو أحد الأقوال الكبرى في سي:

l قبل كلِّ شيء تكوّنت الحكمة،

ومن أقدم الدهور الفطنة والفهم (1: 4).

l من البدء خلقني ومن الأزل،

وأنا إلى الأبد أبقى (24: 9).

ويَبرز موضوعُ وجود الحكمة من الأزل إلى الأبد في أم 8، ولا سيّما في آ 22 - 29:

l الربّ خلقنَي أوَّل ما خلق،

من قديم أعماله في الزمان.

من الأزل صنعني، من البدء،

من قبل أن كانت الأرض.

ونجد تعبيرًا عن هذه الأزليّة في تساؤلات أدبيّة نقرأها عند أيّوب أو باروخ:

l ولكن هل وجدوا الحكمة،

واكتشفوا أين مقرّ الفهم (أي 28: 12)؟

l من وجد موضع الحكمة،

ومن عثر على كنوزها (با 3: 15)؟

3 - كانت الحكمة لدى الله

في هذا النصّ (024: 1 - 12) الذي ينبِّهنا إلى حضور الحكمة على الأرض، ووسط الشعب المختار، نكتشف بشكل خاصّ التقارب بين الحكمة وما يُقال عن كلمة الله في يو 1:1ي.

من فم العليّ خرجتُ،

وكالضباب غطّيتُ الأرض.

في السماء جعلتُ مسكني.

وعرشي في عمود السحاب (24: 3 - 4).

السماء هي موضع يسكن فيه الله (مت 6: 9: أبانا الذي في السماوات). ويدلّ اللفظ على الله نفسه، في نصوص عديدة مثل مت 21: 25 (من السماء أم من الناس، أي من الله أم من البشر). أمّا عمودُ الغمام فيُحيلنا في النصوص القديمة إلى زمن البداية وتجلّي حضور الله. أن تكون الحكمةُ قريبة جدٌّا من الله، فهذا ما يشهد له عددٌ من النصوص الحكميّة:

l وكنتُ حين كوّن السماوات...

وكنت حياله بأمان (أو: كمهندس، أم 8: 27، 30).

l هبني الحكمةَ الجالسة على عرشك...

فمعك الحكمة التي تعرف أعمالك،

وكانت حاضرة حين صنعتَ العالم (حك 9: 4، 9).

4 - بها صُنع كلُّ شيء

نكتشف هذا القول في جميع النصوص التي سبق وأوردناها، وتشهد على حضور الحكمة لدى ا؟ ساعةَ الخلق. ونقرأه أيضًا في أكثر من نصّ:

l الربّ بالحكمة أسَّس الأرض،

وبالفهم ثبّت السماوات (أم 3: 19).

l ثبَّت العالمَ بالحكمة،

وبسط السماء بفطنته (إر 10: 12؛ 51: 17).

هي صانعة كلِّ شيء، وقد علّمتني. هي الحكمة (حك 7: 21).

منحها معرفته الخفيّة

وتركها تنفِّذ أعماله...

فإن كانت الفطنةُ تعمل...

فأيّ شيء أكثر دهاء من الحكمة (حك 8: 4، 6).

ففي مجمل الأدب الحكميّ، الحكمة هي التي تخلق، لا الكلمة. أمّا سي 42: 15 فهو واحد من النصوص الأولى التي تقدّم تعليمًا حول الكلمة التي تخلق:

بكلمة (في العبريّة. بكلمات) من الربّ خُلِقت أعماله،

وكلُّها تخضع لمشيئته.

ونقرأ الشيء عينه في مز 33:6:

بكلمته صُنعت السماوات،

وبنسمة فمه كلُّ جندها.

وفي حك 9:1 - 2، تتوازى الحكمة وكلمة ا؟، في عمل الخلق:

يا إله الآباء وخالق كلّ شيء بكلمة منك

يا من أوجد الإنسان بحكمته...

5 - وسكن بيننا

هذا هو القول الأساسيّ في سي 24: خرجت الحكمة من الله. كانت دومًا حاضرة لديه. رافقته في عمل الخلق. شاركته، مثل شخص حيّ، في عرشه وفي امتيازاته. وفي النهاية أقامت في شعب العهد، بعد أن كانت، ملكة لدى جميع الشعوب وجميع الأمم (آ 6)، »طلبت الراحة عندهم جميعًا« (آ 7).

فأمرني خالقُ الجميع (آ 8 - 12). كيف تجلّت الحكمة في إسرائيل؟ في شكل ملموس من خلال الشريعة. وممارسةُ هذه الشريعة التي أعطاها ا؟، جعلت من إسرائيل شعبًا حكيمًا بين جميع الشعوب.

علّمتُكم سننًا وأحكامًا،

كما أمرني الربُّ إلهي...

فاحفظوها واعملوا بها،

لأنّها تُظهر حكمتكم وفهمكم،

في عيون الأمم.

إذا سمعوا بها يقولون:

هذا الشعب العظيم،

شعبٌ حكيم، فهيم حقٌّا (تث 4: 5 - 6).

وصاحبُ سفر باروك أعجِب بما أعطى الله الحكيمُ للشعب الذي اختاره:

تعلّموا أين الحكمة

وأين القوّة وأين الفهم

حتّى تعرفوا أين الحياة وأين النور لعيونكم

وأين السلامُ وطول البقاء.

من وجد الحكمة أو عثر على كنوزها؟

هل وجدها رؤساء الأمم... (با 3: 10ي).

من أجل هذا، يمتدح ابن سيراخ مهمّة الكاتب:

يتأمّل في شريعة العليّ،

ويتفحّص حكمة الأقدمين،

ويتفرَّغ لدراسة النبوءات.

يملأه (الله) من الفهم

فيفيض بأقوال حكمته.

يمتدح حكمتَه كثيرون،

وهي لا تُمحى إلى الأبد (سي 39: 1 - 10).

وهكذا اجتمعت كلّ قيم إسرائيل الدينيّة في بعض الأشخاص الذين يمثِّلون الشعب. ففي ف 44 - 50، امتدح سي الآباء. قدّم هارون (وبعده سمعان) على أنّه الممثّل الكامل للكهنوت، وجعل من داود النموذج المثاليّ للملك، وإيليّا نموذج النبيّ. ولكن يبقى سليمان، رغم هفوات شيخوخته، معلِّم الحكمة، فيُنسَب إليه عدد من الأسفار الحكميّة. ذاك الذي طلب من الله، يوم اعتلائه العرش، »قلبًا يسمع« (ا مل 3: 9)، منحَه الله »قلبًا حكيمًا وفهيمًا لم يكن لأحد قبله« (آ 12) بحيث »كانت فيه حكمة إلهيّة« (آ 28)، »فجاؤوا من جميع الشعوب ليسمعوا سليمان« (1 مل 5: 14).

6 - ها هنا أعظم من سليمان

في يوم من الأيّام، احتشد معاصرو يسوع حوله، وسمعوا هذا الإعلان الاحتفاليّ: »ملكة التيمن (= سبأ) تقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتحكُم عليهم، لأنّها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وها هنا أعظم من سليمان« (لو 11: 31). كشف يسوع لأبناء وطنه الذين اجتمعوا في المجمع يوم السبت، أنّه الرسول الحقيقيّ الذي يحمل البشارة. حلَّ عليه روح الربّ، كما قال أش 61: 1 - 2، فجعل لنفسه، أمامهم، امتيازات جذع يسّى:

يخرج فرعٌ من جذع يسّى،

وينمو غصنٌ من أصوله.

روحُ الربّ ينزل عليه،

روح الحكمة والفهم،

روح المشورة والقوّة،

روح المعرفة ومخافة الربّ (أش 11: 1 - 2؛ رج، روم 15: 2).

في هذا المجال أيضًا، جاء يسوعُ »يُتمّ« أي يَستعيد، يُوصل إلى الكمال، يُعطي السمات النهائيّة، بحيث يتجاوز كلّ الامتيازات والحقوق. وكما قال: »هنا أعظم من سليمان«! قال أيضًا عن دوره النبويّ: »ها هنا أعظم من يونان« (لو 11: 32). وعن سيادته على السبت: »ها هنا أعظم من الهيكل« (مت 12: 6). في حك، قدّم لنا الكاتبُ الحكمة، صانعة كلِّ شيء، على أنّها »نسمة قدرة ا؟لله، وفيض نقيّ لمجد القدير« (حك 7: 24). وسوف يقول العهد الجديد إنّ المسيح »صورة الله غير المنظور« (كو 1: 15). »ضياء مجده وصورة جوهره« (عب 1: 3). ودعا يسوع نفسه حكمة الله، في كلمة ملغزة أوردها مت 11: 19؛ لو 7: 35: »تبرّرت الحكمة بأعمالها« (أو: بأولادها). ما أخطأ معاصرو يسوع حين قالوا: »ما هي هذه الحكمة التي أعطيتْ له« (مر 6: 2)؟

إستعاد يسوع في كرازته نداءات معلّمي الحكمة، في العهد القديم: »تعالوا إليّ« (مت 11: 28؛ سي 24: 19). »من يأتي إليّ لا يجوع، ومن يؤمن بي لا يعطش« (يو 6: 35؛ 7: 37؛ أش 55: 1؛ أم 9: 1 - 6؛ سي 24: 19 - 22)، قدَّم الابنُ نفسه على أنّه حكمة الآب وكلمته. دلّ على الآب أولئك الآتين إلى مدرسته، فصار لهم »حكمة وبرًا وقداسة« (1 كور 1: 30).

خاتمة

إنطلقنا من الحكمة التي صارت في النهاية شخصًا حيٌّا، فوصلنا إلى الكلمة يسوع المسيح. »في البدء كان الكلمة«. إنطلقنا من معلّمين استقوا تعاليم الأنبياء، فقدّموا تعليمًا يتجاوز إسرائيل ليصل إلى كلّ إنسان، فوصلنا إلى من هو وحدهُ المعلّم الذي قال لتلاميذه: »معلّمكم واحد وأنتم جميعًا إخوة« (مت 23: 8).إليه وصل الأنبياء بكلامهم، ومنه ينطلق المعلّمون بتعاليمهم. هو وحده يقول ويفعل. أمّا بالنسبة إلى البشر، فهناك مسافة بين ما يقولون وما يفعلون. من أجل هذا، لا يكتفي المسيحيّ بصفة تُطلَق على الله، بل هو يتطلّع إلى الله نفسه: صار منظورًا، منذ تجسَّد الكلمة وسكن بيننا. فلا يبقى لنا أن نتعلّق بأقوال ووصايا ونصائح. فهذا الذي رأيناه بعيوننا، وسمعناه بآذاننا، ولمسناه بأيدننا، جعل لنا شركة معه فصار فرحُنا كاملاً. فلا نبحث بعدُ عن كلمة أو حكمة جديدة. يسوع هو الكلمة، هو الله، يسوع هو الحكمة الذي يقودنا في النهاية إلى الله. هو حكمة الله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM