الفصل الأربعون: صلاة ابن سيرا خ.

 

الفصل الأربعون

صلاة ابن سيرا خ(51: 1 - 30)

1- المقدّمة

يشكل ف 51 ملحقًا لسفر يشوع بن سيراخ، مع أنّه وُجد في اللغة الأصليّة، في العبريّة، وفي جميع الترجمات. يتألّف من مزمورين، واحد هو فعل شكر (آ 1 - 12) وآخر يصوّر طلب الحكمة (آ 13 - 30). هل وضع هذه الصلاة ابنُ سيراخ أم غيره؟ ما زال الجدال قائمًا في هذا المجال. ولكن وُجد حلَ سلبيّ بالنسبة إلى القسم الثاني، مع اكتشاف جزء من هذا المزمور. ونستطيع أن نتساءل: أما أدرج ابن سيراخ نفسهُ، في نهاية كتابه، نصّين ليسا منه. في أيّ حال، النصّ اليونانيّ هو النصّ القانونيّ بالنسبة إلى الكاثوليك وإلى الأرثوذكس، وهو يتضمّن مزمورين اثنين.

في المزمور الأوّل (آ 1 - 12)، شكر الكاتب الله لأنّه خلّصه من أخطار تعرَّض لها حين افترى بعضهم عليه لدى الملك. في الواقع، هو نسيج من آيات أخذت من المزامير. وفي المزمور الثاني (آ 13 - 30)، يروي الكاتب كيف اقتنى الحكمة، ودعا الآخرين إلى طلبها. نحن هنا أمام »مزمور« أبجديّ مثل مز 25؛ 37؛ 119؛ أم 31، وهذا ظاهر في المقطع العبريّ الذي وُجد في قمران. وفي القسم الثاني من الترجمة السريانيّة، وُجد هذا المزمور كلّه في مخطوط القاهرة (آ 13 - 30)، وقسمٌ منه (آ 13 - 20) في المغارة الحادية عشرة من مغاور قمران. جاء اليونانيّ قريبًا من نصّ قمران. أمّا عبريّ القاهرة فيبدو ترجمة عن الترجمة السريانيّة التي تفترق جزئيٌّا عن اليونانيّ ونصّ قمران. رغم التقارب بين اليونانيّ وقمران، فالاختلافات كثيرة على مستوى المضمون وعلى مستوى العبارة. فالطريقة التي فيها وُجد هذا المزمور في قمران تشير إلى أنّ وجوده كان مستقلاٌّ ولا يرتبط بسفر ولا بكتاب، ونحن نجهل إن هو وُجد في الأصل العبريّ لابن سيراخ. كيَّف النصّ اليونانيّ مزمور قمران الذي يفسرّ، حسب بعض الشروح، بشكل واقعيّ، حبّ الحكمة، وطلبها بشكل علاقة بين طفل ومرضعته، ثمّ بين شابّ وحبيبته. خفّفت النسخة اليونانيّة هذه الوجهة، فعرضت مجهود الكاتب ليجد الحكمة (آ 13 - 22)، ودعت إلى تقبّل التعليم منه (آ 23 - 30). وجاءت المتشابهات عديدة مع 6: 18 - 37 و24: 1 - 34.

2 - نظرة إلى النصّ

51: 1. الربّ الملك. رج مز 47: 7 - 8؛ 93 :1؛ 96: 10؛ 97: 1؛ 99: 1. العبريّ: يا إلهيّ، يا خلاصي. أو: أيّها الإله مخلّصي. رج مز 18: 47؛ 51: 16؛ 88: 2. ونقرأ أيضًا: إله أبي (خر 15:2). نشير إلى أنّ العنوان (صلاة يشوع بن سيراخ) وُجد في المخطوطات اليونانيّة، فكان مقدّمة (آ 1 - 2) لفعل شكر لله الذي نجّى المؤمن من مخاطر حرّكتها الاضطهاداتُ والافتراءات.

آ 2أ. في العبريّ: ملجأ حياتي، لأنّك نجّيتَ نفسي من الموت، وحفظت جسمي من الهاوية، ومن قبضة الشيول (مثوى الأموات). حرّرتَ رجليّ. انتزعَتني من افتراء الشعب. ومن آفة افتراء اللسان، ومن شفاه الذين يصلّون في الكذب. الخطر حقيقيّ (لسنا أمام صورة من عالم الخيال) وقد يقود إلى الموت. الكذب والافتراء هما آفتان يودّ البارّ أن ينجو منهما. رج مز 12: 3 - 5؛ 52: 3 - 6؛ 120: 2.

آ 3. بكثرة رحمتك. رحمة الله هي ينبوع الخلاص، رج مز 51: 3؛ 69: 14. يقابل الكاتب الأعداء بوحوش مفترسة، تطلب فريسة تبتلعها (مز 17: 12؛ 22: 14؛ 57: 5). هؤلاء الوحوش هم المفترون (يأكلون لحمي). رج دا 3: 8 حيث يقال عن المشتكين: أكلوا قطع اللحم.

آ 4. الافتراء نار (28: 22 - 23؛ يع 3: 5 - 6). المؤمن ما أشعل النار. أي كان بريئًا.

آ 5 - 6. إقترب الخطر، والموت أطلّ في الأفق. فلا مجال للانتظار. رج أش 14: 15؛ تث 32: 22؛ يون 2: 3 - 4؛ مز 71: 20؛ 86: 13.

آ 5. اليونانيّ: من لسان النجاسة وكلام الكذب. العبريّ: من الشفاه الخادعة ومن اختراع الكذب (أي 13: 4).

آ 6. اليونانيّ: افتراء لسان شرّير لدى الملك. العبريّ: سهام لسان شرّير.

آ 7أ. العبريّ: »التفتُّ إلى كلّ جهة فما وجدتُ من يُغيثني«. رج أش 59: 16؛ 63: 5؛ مز 22: 12.

آ 8. تذكّرتُ. يتوجّه اليونانيّ إلى الله في صيغة المخاطب. والعبريّ في صيغة الغائب. إحدى ميزات أمانة ا؟ أن يذكر رحمته وأحسانه. رج خر 13: 3؛ 32: 7؛ مز 105: 7 رجَوْك. في العبريّ: التجأوا إليك (أش 57: 13).

آ 9. هنا يفترق العبريّ عن اليونانيّ: »ومن أبواب الشيول صراخي (آ10). صرخت: يا ربّ، أنت أبي، أنت جبّار خلاصي (= مخلّصي الجبّار). لا تتركني في يوم الضيق، في يوم الدمار والخراب.

آ 10أ. رأى بعضُهم هنا يدًا مسيحيّة حين دعا المؤمنُ الله، أباه. ولكن رج 23: 1؛ حك 14: 3.

آ 11ب. هنا يختلف العبريّ: »أذكرك في الصلاة. فسمع الربّ صوتي وأصغى إلى توسّلي (12) نجّاني من كلّ شرّ، وخلّصني في يوم الضيق«.

آ 12. بعد هذه الآية، أدخل العبريّ لائحة شكر لا نقرأها في اليونانيّة ولا في السريانيّة.

أ - هلّلوا للربّ لأنّه صالح، لأنّ إلى الأبد رحمته.

ب - هلّلوا لإله التهليل، لأنّ إلى الأبد رحمته.

ج - هلّلوا لحامي إسرائيل، لأنّ إلى الأبد رحمته.

د - هلّلوا لخالق الكون، لأنّ إلى الأبد رحمته.

هـ - هلّلوا لفادي إسرائيل، لأنّ إلى الأبد رحمته.

و - هلّلوا لجامع مشتَّتي إسرائيل، لأنّ إلى الأبد رحمته.

ز - هلّلوا لباني مدينته ومعبده، لأنّ إلى الأبد رحمته.

ح - هلّلوا لقوّة (حرفيٌّا: قرن، بُعد مسيحانيّ) بيت داود، لأنّ إلى الأبد رحمته.

ط - هلّلوا لمن اختار أبناء صادوق كهنة، لأنّ إلى الأبد رحمته.

ي - هلّلوا لتُرس إبراهيم، فإنّ إلى الأبد رحمته.

ك - هلّلوا لصخرة إسحق، لأنّ إلى الأبد رحمته.

ل - هلّلوا لقدير يعقوب، لأنّ إلى الأبد رحمته.

م - هلّلوا لمن اختار صهيون، لأنّ إلى الأبد رحمته.

ن - هلّلوا لملك الملوك، لأنّ إلى الأبد رحمته.

س - رفع قوّة (= قرن) شعبه،

علّة مديح لجميع المؤمنين،

بني إسرائيل الشعب القريب إليه.

هلّلويا.

لا نجد هذا المزمور في أيّ من الترجمات. ولا نقرأه إلاّ في مخطوط القاهرة. هو نصّ سابق للمسيحيّة. وقرابته مع نصوص قمران تجعلنا نقول إنّ الأسيانيّين أضافوه إلى الكتاب: بُنيته بشكل »طلبات«، تشبه مز 139. هو فعل شكر أُخذتْ أقواله من التوراة وقاربَ الصلاة اليهوديّة المسمّاة: المباركات الثماني عشرة. تُذكر هنا قوّة اله وجبروته. هو مخلّص شعبه.

آ 13. أسفاري (34: 9 - 12). كانت أسفار ابن سيراخ كثيرة. ولكنّه تاه بعض المرّات وها هو يعود إلى الحكمة. طلبتُ الحكمة. رج 6: 27؛ 24: 34؛ 33: 18؛ 39: 1. في صلواتي. رج 1 مل 3:9. هي عطيّة من الله. وهي أيضًا ثمر طلب مستمرّ كما يدلّ سي. »منذ شبابي« (آ 15). رج 6: 18؛ 7: 23.

آ 17. هنا يختلف اليونانيّ وقمران. في العبريّ: الحكمة مرضعةٌ (أم 8: 30 - 31). والحكمة أمّ وعروس. أمّا اليونانيّ فشدّد على النموّ الذي هو ثمرة غيرة مجدّة ومحاربة، ترافقها الصلاة.

آ 19. جهلي لها. أو: جهالاتي. خطايا الجهل. رج 23: 2؛ طو 3:3؛ عب 9: 7.

آ 20. وبالطهارة. أو: كنتُ طاهرًا. أو: وجدتُها في ملء طهارتها. الفهم. حرفيٌّا: القلب. من طلب الحكمة فهي لن تتخلّى عنه.

آ 22. من مواهب الحكمة، الخطابةُ وموهبة التعليم والتسبيح.

آ 23. العبريّ: تعالوا، أقيموا في بيت الدرس (ب ي ت. م د ر ش): أوّل مرّة تظهر هذه العبارة فتدلّ على الموضع الذي فيه تُدرَس الشريعة. رج 32: 14 .

آ 24. العطش هو الرغبة في الحكمة. رج 24: 21؛ عا 8: 11؛ أقوال الآباء 1: 4: »ليكن بيتك موضع اجتماع للحكماء... واشرب بشوق أقوالهم«.

آ 28ب. حين نطلب ندفع الثمن غاليًا، ولكنّ النتيجة تفوق كلَّ الآمال.

آ 30. أضاف العبريّ: مبارك الربّ إلى الأبد، ومسبَّح اسمه من جيل إلى جيل. وتوسّعت نهايةُ النصّ العبريّ: »إلى هنا كلمات سمعان بن يشوع المدعوّ ابن سيراخ. حكمة سمعان بن يشوع بن ألعازار بن سيراخ (50: 27). ليكن اسم الربّ مباركًا من الآن وإلى الأبد«.

ونقرأ في مخطوط قمران قصيدة حول الغيرة في طلب الحكمة، توازي 51: 13ي.

13. حين كنت شابٌّا وقبل تيهاني، طلبتُها.

14. فجاءت إليّ في جمالها وإلى النهاية ألاحقها.

15. كما تعقد الزهرة حين ينضج العنب لفرح القلب

هكذا سارت قدماي في السهل، لأنّي عرفتها منذ صباي.

16. ملتُ أذنيّ قليلاً فوجدتُ الدروس الكثيرة، العذبة.

17. صارت لي مرضعًا، فقدّمتُ المديح اللائق لمن علّمني

ونويتُ أن أرتاح.

18. غرتُ للخير غيرةً وما توقّفتُ.

19. أشعلتُ رغبتي لها وما مال وجهي.

20. حرّكتُ رغبتي لها، فتحتُ يدي

تأمّلت أسرارها وطهّرتُ كفيّ.

3 - شرح الآيات (51: 1 - 30)

أ - صلاة شكر (51: 1 - 12)

نجا المؤمن من خطر سبّبه له الافتراء. ولكنّ الله نجّاه، بحسب وفرة رحمته. أنياب الوحوش، فخاخ على الصخر تحاول أن تمسك الضحيّة. ضيقات عديدة. ولا سيّما ضيق النار. تشير آ 6 إلى اتّهامات وافتراءات رُفعت أمام الملك فصارت حياةُ المؤمن في خطر (28: 13ي؛ مز سل 16: 2). إنطلق ابن سيراخ ممّا وجده في المزامير، فتطلّع إلى إله الحنان الذي ينجّي المتكلّين عليه (آ 8). »من الأرض رفعتُ صوتي، ومن أبواب الشيول صرخت« (آ 9، العبريّ).

ب - إقتناء الحكمة (51:13 - 30)

منذ الصبا (آ 13 - 22)، وقبل الأسفار أو قبل التيهان في طرق الخطيئة، كرّس ابن سيراخ وقته لطلب الحكمة. مضى إلى الهيكل فطلبها بشكل علنيّ من الله، كما فعل قبله سليمان. جعل فرحه في تأمّلها، كما الكرّام ينظر إلى العناقيد الناضجة. وهذا الخضوع التامّ (آ 18) أتاح له أن يصل سريعًا إلى مبتغاه، فكان جزاؤه كبيرًا. ربَّته الحكمة. أنمته. سارت أمامه (2 مك 8:8). فعزم على شكر المعطي الإلهيّ، وعلى الأمانة لمتطلّبات هذا العطاء (آ 18): حياة في الكمال. غيرة في الخير. حفاظ دقيق على الشريعة (آ 19). طلب من الربّ عونه، بكى خطايا الجهل عنده. دفع الثمن غاليًا، فنال مواهب الكلام والتعليم والمديح.

في آ 23 - 30 قدّم ابن سيراخ نفسه كمعلّم يدعو الجهّال إليه. كانت المدارس في الهواء الطلق، في بيت مدرش. تعليم الحكيم مجّانيّ (آ 25)، لأنّ الحكمة التي اقتبلها تُعطى بسخاء لنفوس تقبل نير الربّ. فالحكمة قريبة من الذين يطلبونها باستعدادات طيبّة، ويجعلون قلبهم فيها. وجاء مثلُ المعلّم مشجّعًا: بعض التعب (آ 27) منحه راحة كبيرة، والمجهود هو بعض المال (آ 28) حين نقابله بالنتائج التي نحصل عليها. وكان شرح: اسمعوا تعليمي مهما كان بسيطًا، فهو يمنحكم الفضّة والذهب. وفي الختام: ليفرح قلب التلميذ دومًا بعطيّة الحكمة وما فيها من نعم (آ 29). ولا يتأخّر عن مديح المعطي الإلهيّ. قال العبريّ: »لتفرح نفسك في مدرستي فلا تستحيَ من حلقة الدراسة، من الإقامة معي (ي ش ت ب هـ)«. فإن اجتهد التلميذ خلال الوقت المحدّد، خلال حياته، في مهمّته وفي دراسة الحكمة (آ 30)، فالله الذي يعرف كلّ شيء (17: 19ي) الذي يحبّ التقوى (18: 14)، الذي هو عادل، يجازيه بالخير في اليوم المؤاتي. يوم الدينونة. وهكذا نلتقي مع نهاية سفر الجامعة: »والله يحاسب كلّ إنسان على عمله، خفيٌّا كان أم ظاهرًا، وخيرًا كان أم شرٌّا« (جا 12: 14).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM