الفصل السابع والثلاثون: من يشوع وكالب إلى صموئيل والملوك.

 

الفصل السابع والثلاثون

من يشوع وكالب إلى صموئيل والملوك (46: 1 - 47: 25)

1- المقدّمة

إنتقل ابن سيراخ من أسفار موسى، إلى ما يُسمّى التاريخ الاشتراعيّ، الذي كُتب على ضوء سفر التثنيّة مع تشديد على معبد واحد، وملك واحد، وأرض تُعطى لشعبٍ يكون أمينًا لوصايا ربّه. هناك أوّلاً يشوع وكالب (46: 1 - 10) اللذان تميّزا عن إخوتهما سائر الجواسيس، فشجّعا الشعب وما أثبطا الهمم. وهناك القضاة وصموئيل (46: 11 - 20). وبما أنّ هذا القسم من التوراة يُدعى »الأنبياء الأوّلين«، نجد ناتان النبيّ مع داود الملك (47: 1 - 11)، بانتظار سليمان الذي كان الكتاب قاسيًا في الحكم عليه: »أزاغت نساؤه قلبه«، »ومالت زوجاته بقلبه إلى آلهة غريبة« (1 مل 11: 3 - 4). وأخيرًا رحبعام الذي في أيّامه انقسمت المملكة، وكانت حصّةٌ ليربعام ملك مملكة إسرائيل، أو: مملكة الشمال.

2 - نظرة إلى النصّ

آ 1. إسمه. يشوع أو الربّ يخلّص. »ياسوس« في اليونانيّة. هو اسم يسوع المسيح في العهد الجديد.

آ 3. بشجاعته. ما تجرّأ أحد على الوقوف في وجهه (العبريّ).

آ 5. العليّ. ع ل ي و ن. هو اسم الله الذي يدلّ على خالق السماء والأرض، وسيّد البلاد. يدعوه ابن سيراخ في وقت الخطر، فيرد اسمه 15 مرّة منذ 39: 6. قبل ذلك، ورد اسم كيريوس (ي هـ و هـ): الربّ.

آ 6. سلاحه روحيّ، لا بشريّ. فالله هو الذي يتدخّل.

آ 9. الأرض الجبليّة. هي منطقة حبرون التي أعطيت لكالب (يش 14: 13 - 15).

آ 11. ما توقّف الكاتب عند كلّ من القضاة الاثني عشر. بل قدّم نظرة إجماليّة قصيرة: »كلّ واحد باسمه«. رفضوا الزنى، أي عبادة الأصنام (إر 5: 7؛ هو 2: 4 - 7).

آ 12. رج 49: 10. تصل الفكرة فيما بعد إلى القيامة. أمّا المعنى الأوّل، فهو نسل يجدّد الأمانة التي تحلّوا بها، في زمن ابن سيراخ.

آ 13. في العبريّ: أحبّه شعبه، ورضي عنه خالقه. طلبته أمّه في الحشا. تكرّس للربّ في الوظيفة النبويّة. صموئيل قاضٍ وكاهن. بأمر ا؟ أقام المُلْك. مسح شاول (1 صم 10:1) وداود (1 صم 16: 13).

آ 18. حكّام صور. أخطأ المترجم، فجعل »ص و ر« بدل »ص ر« (العدوّ).

آ 19. لم يتّهمه. في العبريّ: حتّى زمن النهاية وُجد حكيمًا، في نظر الربّ وفي نظر كلّ حيّ.

آ 20. أعلن هزيمة الشعب وموت شاول (1 صم 28: 19).

47:1. آية واحدة تكفي للكلام عن ناتان النبيّ الذي لعب دورًا كبيرًا في حياة داود، كما في بداية ملك سليمان.

آ 2. هي ذبيحة تحمل الخلاص. يؤخذ الشحمُ ويُحرَق إكرامًا للربّ، واللحم يأكله الكهنة. رج لا 4: 8، 10؛ تث 12: 6.

آ 5. شأن. حرفيٌّا: قرن. والقرن هو علامة القوّة (لدى الثور).

آ 6. في العبريّ: أنشدت له الصبايا وكلّلته بعشرة آلاف. حين اعتمر التاج قاتل (7) حوله وأخضع العدوّ وأقام المدن لدى الفلسطيّين.

آ 7. ما توسّع ابن سيراخ طويلاً في الكلام عن حروب داود، وكأنّه في خطّ الذين رفضوا متابعة الحرب مع داود المكّابيّ وإخوته. فهمُّه الليتورجيّا وشعائر العبادة (آ 8 - 11).

آ 8. أضاف اللاتينيّ: وقوّاه على أعدائه.

آ 9. أضاف اليونانيّ: وكلَّ يوم يمدحون الله بترانيمهم.

آ 12. هنا يبدأ الكلام عن سليمان. وسّع الله له مملكته إكرامًا لأبيه داود.

آ 14. وجّه ابن سيراخ كلامه إلى داود، في صيغة المخاطب. إمتدحه (آ 14 - 18). ثمّ لامه (آ 19 - 21). السلام يرتبط باسم سليمان (ش ل م).

آ 18. باسم الربّ. يديديا: من ودّه الربّ وأحبّه. ذاك كان الاسم الأوّل لسليمان (2 صم 12: 25).

آ 21. نسب 1 مل 11: 33 انقسام المملكة إلى أصناميّة سليمان. ولكنّ ابن سيراخ لا يقول شيئًا عن هذا الأمر.

آ 23. حين ذُكر يربعام في العبريّ، أضاف النصّ بعد: إلى أن قام: »لا يكن له ذكر«. لا يذكرْه أحد.

3 - شرح الآيات (46: 1 - 47: 25)

أ - يشوع وكالب (46: 1 - 01)

كان يشوع خلفًا يليق بموسى (آ 1 - 6) على رأس الشعب (عد 27: 18ي). عبَرَ الأردنّ واحتلّ أرض الموعد. هو المحارب الشجاع. »جبّار ابن قوّة«، كما قال العبريّ: حين كان موسى بعدُ حيٌّا، انتصر يشوع على عماليق (خر 17: 9ي)، وساعد موسى في عمله النبويّ. قال اليونانيّ: خلفه. في العبريّ: خدمه في تفسير إرادة الله وتنفيذها. إسمه الخلاص. كان أداة خلاص فنجّى شعبه من أعدائه (يش 10: 3) وملّكه أرضَ كنعان.

يشوع هو صورة يسوع المسيح (عب 4: 8). قال العبريّ في آ 2: »ما أعظمه (50: 5) حين مدّ يده وأطلق الرمحَ على المدينة«. إشارة إلى احتلال العاي (يش 8: 18،26). »من يقدر أن يقف في وجهه« (آ 3، العبريّ)لله رج يش 1:5. قاتل قتال الربّ (1 صم 18: 17؛ 25:28). خلال الحرب دعا الله العليّ فاستجابه الله مرسلاً البرَد التي تقتل الحيوان والإنسان، فشتّت المهاجمين. الهدف أن يعرف الكنعانيّون أيّ سلاح هو في يد يشوع.

أطاع يشوع (آ 7 - 10) الله بدقّة. تبع الله، سار وراءه (يش 14: 8، 9، 14). ومثله كان كالب. الاثنان ساندا موسى على الشعب المتمرّد، حين سمعوا تقارير الجواسيس المتشائمة. أعطى الله كالب قوّة رافقته حتّى المشيب (ش ب ب هـ، يش 14: 6 - 11)، فأتاحت له أن يستولي على هضاب حبرون التي ورثها أبناؤه (عد 14: 24) ذاك كان جزاء طاعته الكاملة للربّ، وهكذا كان مثالاً لإسرائيل (آ 10).

ب - القضاء وصموئيل (46: 11 - 20)

جاء مديح القضاة (آ 11 - 12) سريعًا. هي مباركة ذكرت أولئك الذين لم يعاهدوا الأصنام وعباداتهم. تُزهر عظامهم. ليتبعهم الخلفْ في عملهم وفي فضيلتهم.

وآخر القضاة (آ 13 - 20) هو صموئيل. أحبّه الله. منحه موهبة النبوءة، »قدّسه وهو في حشا أمّه« (العبريّ، 1 صم 1:28)، مارس وظائف الكهنوت (م ك هـ ن، 1 صم 7:9). أقام الملكيّة فمسح شاول وداود. في المصفاة، حفظ الشعب في الطاعة ؟ (آ 14)، وهذا ما جلب بركة الله كان الرائي الذي يُصدق كلامه (آ 15). شابه يشوع فدعا هو أيضًا (العبريّ، آ 16) الله في ساعة الشدّة، وقدّم حملاً محرقة. فأجابه الربّ من خلال الرعد وأعطاه النصر على أمراء المدن الفلسطيّة.

دعا صموئيل الله ليكون له شاهدًا على صدقه في مهمّته: ما أخذ فدية ولا رشوة (العبريّ). ما أخذ نعلاً، أي ما أخذ شيئًا له قيمته. لبث »متنبّهًا« (ن ب هـ ن) حتّى زمن النهاية. كما تنبّأ بعد موته (آ 20، العبريّ). وبدا موت شاول وهزيمة الشعب في جبعون عقابًا للشعب لأنّهم طلبوا ملكًا، أو لأنّهم رفضوا أن يدمّروا عماليق (1 صم 28: 18).

ج - ناتان وداود (47: 1 - 11)

ذُكر ناتان (آ 1 - 7) بعد صموئيل كأرفع نبيّ خلال حكم داود (آ 1؛ 2 صم 7: 2ي؛ 12: 1ي). قام (ع م د، في العبريّ. رج عمود في العربيّة)، انتصب بملء قامته. كان حاضرًا. قال العبريّ في آ 1ب: حضر أمام داود، كالعبد أمام سيّده (زك 6: 5). هذا ما يلمحّ إلى علاقات ناتان مع داود. »العبد« يشبه الوزير الأوّل. مقامه رفيع لدى الملك (1 مل 1: 26). قال المترجم: »نبيٌّا«، فدلّ على تواصل التعليم النبويّ للكلام عن تاريخ الشعب في تسلسله.

كانت آ 1 مجرّد انتقالة. أمّا داود فهو موضوع اختيار مميَّز. فرزه الله مثل قطعة مختارة لذبيحة السلامة. إذن، رضي الله عنه (1 صم 16: 4 - 13؛ حك 3:6). قوّته وشجاعته جعلتاه »يضحك« (س ح ق، العبريّ) أمام العدو، يلعب مع الحيوان، مع الصعوبات. هذه القوّة، شأنها شأن قوّة يشوع، جاءته من ا؟. هو القويّ (رمز القرن). وهو الفخور، يرفع الله رأسه. ويشير النصّ إلى حربه مع جليات حيث أنشدتْ له الصبايا (آ 6، 1 صم 18: 6 - 7؛ 68: 12).

وداود ليس فقط رجل حرب (آ 8 - 11). فتقواه تعادل شجاعته، وحسُّه الليتورجيّ يساوي حسّه في أساليب الحرب. في كلّ ما يعمل، كان يرفع آيات الشكر إلى الله أحبّ الربّ فألّف المزامير (م ز م ر) التي أنشدها بكلّ قلبه. أكمل تشريع موسى حول شعائر العبادة، فنظّم أهل الغناء والموسيقى (العود، الكنّارة). رج 1 أخ 15: 16ي؛ 16: 4ي؛ 23: 5. ثمّ رتّب داود الاحتفالات (آ 10) وأعطى الأبّهة للأعياد (م و ع د ي م). أو حدّد الأزمنة المقدّسة. حدّد الكلندار (1 أخ 23: 30 - 31).

د - سليمان ورحبعام (47: 12 - 25)

مُلك سليمان (آ 12 - 16) »ابن الحكمة« (العبريّ، 1 مل 5: 9، 10)، ارتبط بالوعد بسلالة ملكيّة. بفضل حروب والده. وازدهر في السلام (آ 13). وذلك، لا بالنظر إلى استحقاقاته، بل استحقاقات داود، ليتفرّغ لبناء هيكل يليق بالله.

بعد هذه النظرة التاريخيّة واللاهوتيّة إلى ابن داود وبتشابع، وجّه ابنُ سيراخ مديحًا ولومًا إلى هذا الملك الشابّ الذي اشتهر بالفهم والحكمة، ففاق حكمة المصريّين والشرقيّين، وألَّف الأقوال المأثورة (آ 15) التي جعلت الناس يعرفونه ويُعجَبون به إلى أقاصي الأرض (آ 17). لمّح ابن سيراخ إلى نشيد الأناشيد، إلى الجامعة مع رسم لوجوه الناس، إلى سفر الأمثال (آ 18).

النساء هنّ اللواتي أزغن قلب الملك (آ 19 - 22) في نهاية حياته. وهكذا ذَبُل مجدُه (آ 20)، وتنجّس فراشه ونسله الخارج من نساء وثنيّة. أمّا أبناء الشرّ فلا يباركهم الله (حك 3: 16 - 19). هم يمتلئون عارًا وتعبًا حين يفكّرون بسلوك والدهم السيِّئ.

في آ 23 - 25، نبدأ مع إيراد من 1 مل 11: 43. مات سليمان بعد أربعين سنة من الحكم، وخلفه ابنه رحبعام، ابن أميرة عمونيّة، وبالتالي وثنيّة (1 مل 14: 21). تلاعبَ النصّ العبريّ على الاسم: ر ح ب. ع م: رحابة الشعب.

»ر ح ب. ا و ل ي ت« رحابة الجهالة والجنون، وضيق الفطنة. أمّا والده سليمان فكان »ر ح ب. ل ب«: رحب القلب وواسع الفكر (1 مل 5: 9). العبريّ: مال رحبعام بالشعب إلى ما نواه، إلى عدم خبرته (العبريّ). نقصَ هذا الوارث الفطنةُ وبُعدُ النظر، فضايق الشعبَ الذي ثار على سلطته. فقام يربعام من قبيلة إفرائيم. خطئ وجعل إسرائيل يخطأ (العبريّ) جعل أمام إفرائيم حجر العثار (م ك ش د. العبريّ) أي عبادة الأصنام في بيت إيل (1 مل 12: 28ي). باع أهل مملكة إسرائيل نفوسهم للباطل، فوصلت بهم الأمور إلى انحطاط خلقيّ (2 مل 17:7 - 18) فحلّ فيهم غضب الله تشتّتًا وتهجيرًا إلى أشورية (1 مل 14: 15؛ 2 مل 17: 20 - 23؛ إر 27: 10).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM