الفصل 24: الانقضاض على الأتقياء

الانقضاض على الأتقياء (2:12، 17 - 20)

مع هذه الآيات ندخل في فلسفة الأشرار: إنهم يعيشون في عالم الموت، ونظرتُهم إلى الحياة ترفض كلَّ نظرة متسامية: »وُلدنا مصادفة، وبعد موتنا يكون كما لو لم نكن« (2:2). كما أنها تستهين بالقيم الخلقيّة. »فالشرّير تخفّى عن الحكمة غاضبًا، فهلك في حمّى غضبه بقتل أخيه« (10:3). والذروة في الشرّ تظهر في انقضاض هؤلاء الأشرار على الأتقياء، لا لأنهم أساؤوا إليهم، بل لأن سلوك هؤلاء الأبرار يوبّخ الأشرار. ما قيمة حياة الأتقياء تجاه المدّ الآتي من العالم الوثنيّ القديم الذي يعود بنا إلى سفر الخروج؟ وتجاه المدّ الوثنيّ الذي يأخذ وجهَ الحضارة الهلينيّة بحيث يبادل المؤمنُ شريعةَ موسى بفلسفة اليونان؟

ونبدأ بقراءة النص:

16 - فلنتحيّن الفرصة للانقضاض على الأتقياء،

لأنهم يضايقوننا ويقاومون أعمالنا،

ويتّهموننا بمخالفة الشريعة،

ويفضحون خروجنا على الأعراف والتقاليد.

17 - فلننتظر لنرى هل أقوالهم هذه حقّ،

وكيف تكون عليه نهايتُهم في الحياة.

18 - فإن كان الاتقياء أبناء الله،

أفلا يُعينهم ويُنقذهم من أيدي خصومهم؟

19 - فلنمتحنْهم بالإهانة والتعذيب،

لنعرف مدى وداعتهم ونختبر صبرهم.

20 - ولنحكمْ عليهم بالموت، في العار،

لنرى إذا كان الله يردّ عنهم.

1 - سياق النصّ وبنيته

ما المعنى الذي يعطيه مؤمنٌ من الشتات في الاسكندريّة، لحياة صعبة يرافقها الألم؟ حياة يُحسّ فيها معارضةً لالتزامه الإيمانيّ تجاه الله، في القول وفي العمل؟ حاول سفرُ الحكمة أن يقدّم جوابًا عن هذه المسألة.

في مرحلة أولى، عالج مسألةَ الموت (ف 1 - 5): كلَّ حياة بالنسمة الأخيرة، كما قال البعض. والموت يحلّ ويفكّك كلّ شيء، حتّى إمكانيّات التفكير والحبّ عندنا. فلا فكرة عندهم عن آخرة يدينُ الله فيها أعمالنا. في هذه الحالة، أما يكون الخير بأن نقيم في الاطمئنان، ونستفيد كل الإفادة من الملذات (2:1 - 9)؟ في ذلك الوقت، كان الشاعر اللاتيني هوراتيوس (65 - 6 ق. م.) يقول: »استفد من الساعة الحاضرة«. هؤلاء الأشرار المذكورون هنا، ليسوا فقط من جماعة الإبيقوريّين الذين بحثوا عن لذَّةِ يستمتعون بها، بل بشكل رئيسيّ يهود جحدوا إيمانهم.

ولو توقّفوا هنا، لهان الأمر، ولكن العائق يجيء دومًا من ذاك الذي يعيش في الإيمان، ويحافظ على ثقته با. مثلُ هذا الإنسان يسبّب الإزعاج لهؤلاء الأشرار. ففقرُه وحضوره وتوبيخاتُه وتصرّفه، كل هذا لا يُطاق. فلا بدّ من التخلّص منه. فهذا البائس يعتقد ان الله القدير يؤمّن له السعادة: لنرَ إذا كان الأمر صحيحًا (2:10-20).

إن خطبة الأشرار هذه نكتشفها في جدليّة مشروعهم. وفي هذا المقطع الذي نتأمّل به، والذي يبدو بشكل خطبة (2:12، 17 - 20)، نجد اعتبارَين متكاملَين حول لاهوت الموت، على ضوء الفصول الأولى من سفر التكوين.

2 - براهين الأشرار (2: 1 - 20)

يمكن أن نوجز براهين الأشرار بما يلي: الموت الذي يتحدّثون عنه، هو النهاية والمصير الذي لا يتبدّل، والحياة هي حدثُ صدفةٍ وحسب. الحياة قصيرة ومليئة بالقلق، ونحن ننساها في سرعة كبيرة. وتأتي خاتمةٌ واضحة لا يمكن التهرّب منها. لننعم بقدر استطاعتنا، لأنّ هذه هي الحصّة المعطاة لنا. ثم إنّ الخبرة تبيّن أن القوّة هي الحقّ، فلماذا نتجنّب استغلال الضعيف الذي لا مُعين له؟ ولهذا نتّخذ المبادرة فنُذلّ الناس الاتقياء الذين أخذوا بمبادئ البرّ. لهذا لا حاجة إلى الكلام عن العدالة، كما فعل الأنبياء. فشريعةُ الله تغيب، ويحلّ محلّها شريعةُ العنف التي هي المعيار الوحيد. فكل ضعيف لا فائدة منه. لهذا لا تحقّ له الحياة.

مثلُ هذا الموقف الذي يقفه الأشرار، لا بدّ أن يصطدم بالبارّ، فيضطهده. ما أوردنا الله 13 - 16 في النصّ، ونحن نقدّم هنا مضمونها.

إن سلوك البارّ وما فيه من شجاعة (آ 13)، يستند إلى إيمانه. فهو يعتقد اعتقادًا متينًا أنه يمتلك معرفة الله الحقّة، وأنّه وحده يمتلك هذه المعرفة. هذا اليقين ترسّخ في الوجدان اليهوديّ، فسمّى نفسه ابن الله. فماذا نقول عن الاتقياء، الذين يصلّون »صلاة سليمان«: »اخترتني لشعبك ملكًا، ولبنيك وبناتك حاكمًا« (9:7).

مثلُ هذا التعارض بين البارّ والأشرار (أ 14 - 15)، يشكّل للأشرار توبيخًا حيٌّا، ومشهدًا لا يُطاق. فموقف البارّ موقف الاستخفاف بأهل هذا العالم (آ 16). هو لا يقف معهم، يحتقرهم، يعتبرهم عملة مزيّفة. يرى النجاسة في سلوكهم، فيبتعد عنهم ويتجنّبهم. وهكذا بدت هوّتان اثنتان: واحدة بين اليهوديّ والوثني، وواحدة بين اليهود الذين حافظوا على الإيمان، والذين جحدوا إيمانهم. فالإيمان بالإله الواحد يتعارض مع العبادات الوثنيّة، وحياةٌ أخلاقيّة دقيقة لا تتوافق مع لاخلقيّـة فاسدة.

3 - البارّ مزعج (2:12)

البارّ يزعج الأشرار بسلوكه، لهذا فهم يهاجمونه. يستسلمون إلى الملذّات قبل أن تتبخّر حين تأتي ساعة الموت. ثم يهاجمون الأبرار الذين ينتظرون السعادة في الآخرة. نظر الشرير، فرأى البارّ بين الفقراء والضعفاء. فماذا يمنعه من أن يكون عدائيٌّا؟ لهذا عاد إلى الأنبياء يستوحي كلامهم ليهاجم به الأبرار: »نظلم الفقراء، نسحق البؤساء« (عا 4:1). »نبغض البائسين، ونُبيد المساكين في الأرض« (عا 8:4). »نغتصب المسكين ونسرقه، ونستغلّ البائس، ونعامل القريب بغير حقّ« (حز 22:29). وفي النهاية »يتغلّب الشرّير على الصدّيق« (حب 1:4). في هذا المجال يقول سفرُ اللاويين (19:32 - 33): »قم احترامًا للأشيب، وأكرم وجه الشيخ، واتّقِ الهك، أنا الرب. وإذا نزل بكم غريبٌ في أرضكم، فلا تُرهقوه«. ولكن كلام الأشرار في سفر الحكمة هو: نُرهق المسكين البارّ. لا نحترم الأرملة. ولتكن القوّةُ قاعدةَ العدالة، لأن لا منفعة ممّا هو ضعيف (2:10 - 11؛ رج أي 12:5 - 6).

لجأ الأشرار إلى القوّة ليفرضوا إرادتهم على الأبرار. وهذا ما يعارض عمل الله الذي سيقول فيه الكاتب فيما بعد: »جبروتك مصدرُ كل عدل، فأنت تترفّق بالجميع« (12:16). اتّخذ الشرّير قراره، منطلقًا من المبدأ الذي وضعه: »ننصب فخٌّا للبارّ لأنّه يزعجنا« (آ 12:1). فما الذي يهيّئه الشريّر؟ ينصب الفخّ سرٌّا ليقتل البريء، ويسلب الفقير. قال عنه مز 10:8 - 9: »يجلس في المكامن الضيّقة، وفي الخفية يقتلُ البريء، تراقبُ عيناه الضعيف، ويكمن كالأسد في عرينه. يكمن ليخطف المساكين، يخطفهم ويمسكهم بشرَكه«. تذكّر سفر الحكمة هذا الكلام، كما عاد إلى اش 3:10 (حسب السبعينيّة): »نقيّد البارّ لأنّه يزعجنا«.

في أي شيء صار البارّ مزعجًا؟ لأنّه يقف في وجه سلوكنا، ويوبّخنا حين نخالف الشّريعة، ويتّهمنا أننا نخون التربية التي تلقّيناها (في البيت أو في إطار المجمع اليهوديّ). إذن، يهاجم البارّ بشكل صريح الجاحدين، ويقول لهم خطأهم. فالجاحدون كانوا كُثُرًا في الاسكندريّة، في ذلك الوقت. وهناك من أفرط في تشيّعه للحضارة الهلينيّة، فتوافق مع السلطة السلوقيّة وتخلّى عن كلّ ما يعبّر عن إيمان الأجداد (رج 1 مك 1: 10 - 15، 52 - 61). وهكذا وضع بعضُهم يدَه على السلطة، كما فعل رئيس الكهنة ياسون (2 مك 4:7 - 15)، وصار قديرًا جدٌّا (1 مك 1:58). قبل ذلك الوقت ببضعة قرون، نال إرميا المضايقات من اخوته، فوجّه إليهم تنبيهًا استحقّوه، وأعلن العقاب الآتي (إر 11: 18 - 21؛ 18: 22 - 23). حينئذ أرادوا أن يقتلوه. لأنّه أزعجهم، »قبضوا عليه وقالوا له: موتًا تموت« (إر 26:8).

حسب الله 12، اتّهم الأشرار البارّ لأنّه يمنعهم من العمل، ولأنّه يوبّخهم على مخالفتهم للشريعة: فرائض التوراة وكلّ تعابير الديانة. كما وبّخهم لأنهم تركوا الأعراف والتقاليد. أما ابن سيراخ، فيرسم وجَه الكاتبِ (يُعتبرُ بارًا) ويقول عنه: »في نصائحه تبينُ التربيةُ التي تلقّنها، وبشريعة عهد الربّ يفتخر« (سي 39:8). أما الجاحد، فيتنكّر لماضيه، ويتناسى التربية الدينيّة التي كان بإمكانها أن تجعله مؤمنًا متواضعًا، وانسانًا أمينًا للربّ.

ونلاحظ بشكل عابر شجاعة البارّ. فهو يشبه النبيّ الذي يحمل كلام الله ولا يتراجع. لا شيء يمنع البارّ من اعلان إيمانه (2: 13، 16)، ومن شَجْب نوعيّة الحياة التي تعارض هذا الإيمان. هذا ما كان يفعله الأنبياء: كانوا يحملون كلام الربّ ويشدّدون على الأمانة له. وأحسّوا بعض المرات أن عليهم أن ينبّهوا إخوانهم الذين تركوا إيمانهم، فالتصقوا بالأرض والحياة المادية. فالنبيّ لا يريد أن يهدّد ولا أن يتوعّد لأنه يشفق على الذين يحيطون به. ولكنّه لا يقدر. في هذا المجال، قال إرميا: »فإن قلت: لن أذكر الربّ، ولا أتكلّم باسمه من بعد، أحسستُ بنار محرقة، محبوسة داخل عظامي، أحاول كبتَها ولا أقدر«. هكذا يتصرّف البارّ، كما يصوّره سفر الحكمة في ف 2: هو لا يخاف أن يدعو الشرّ شرٌّا، ولاسيّما حين يحرِّك هذا الشرَّ أولئك الذين تتيح لهم تربيتهم بأن يفكّروا أن شريعة الربّ لن تبقى مكتوبة على ألواح من حجر، بل في قلوب من لحم (إر 31:33). فحين يسقط المؤمن، على أخيه أن يذكّره بكلام الله.

غير أن كلام البارّ لا يتوقّف هنا. أشرنا في المقطع الثاني إشارة سريعة إلى ما في الله 13 - 16 حيث نجد القسم الإيجابيّ من كلام البار كما يفهمه الشرّير: »يدّعي امتلاك معرفة الله، ويُسمّي نفسه ابن الربّ... يعلن أن نهاية البار مباركة، ويتباهى بأنّ الله أبوه«.

البار يعرف الربّ (إر 31:34) وينادي بهذه المعرفة، فيستاء الشرّير. ويكفي أن يحضر البارّ ليكون حضورُه ثقيلاً على الشرّير. كما يرى الجاحد أنّ البار يتصرّف الآن بشكل يعاكس تصرّف الآخرين (2:15)، فيحسّ بجرح بليغ حين يرى البارَّ يتجنّبه (2:16). في اسكندريّة ذلك الوقت، انقطعت الجسور بين يهود يؤمنون ويمارسون، وبين يهود يأخذون بالعادات الهلينيّة. ولكن يسوع سوف يجمع اليهود والوثنيّين إلى مائدة واحدة، فيعتبر أن النجاسة الخارجيّة لا تدنّس قلب الإنسان.

4 - أين البرهان

اعتبر البارّ أنّه ابن الله، وافتخر بأن الله أبوه. ولكن الشرّير لا يصدّق مثلَ هذا القول. بل هو يتحدّاه، ويطلب منه البرهان: »لنرَ إن كانت أقواله حقٌّا« (2:17 أ). وأعلن البارّ أن مصير الأبرار مباركًا، فقال الشرّير: »ننتظر ونرى نهايتهم في الحياة« (آ 17 ب). وغضب هؤلاء الأشرار، واتّخذوا قرارًا لا شيء يؤثّر فيه: نقتل البارّ ونرتاح منه. وهكذا يبدو إيمانه وكأنه لم ينفعه بشيء. فليدافع عنه الله إن كان راضيًا عنه.

إنما الكتاب المقدّس يقدّم لنا أمثلة قريبة ممّا نقرأ في 2:17 - 18. أراد إخوة يوسف أن يقتلوا أخاهم، قالوا: »نقتله، ونرى ما يكون من أحلامه« ( تك 37:20). وفي مز 22:9 نقرأ: »سلّم أمره إلى الربّ، فليُحرّره، ولينقذه إن كان حبيبه«. ولكن لا شيء يبرهن أنّ الناس الذين أساؤوا معاملة المرتل، تلفّظوا بهذه الأقوال. أمّا في حك 2:17 - 18، فقد هزئ مضطهدوا البارّ بيقين المؤمن: اكتفى بأن يوكِّد سعادةَ الأبرار في النهاية، وهي سعادة ترتكز على الإيمان با الآب الذي يمنح المؤمنين الخلاص (آ 18).

فهنا كما في مز 22، نرى استخفافًا بإلهٍ يخلّص. لهذا نقرّب بين النصّين، كما نقرّبهما من أش 49:26: »ظالموك يأكلون من لحمهم، ويشربون من دمهم كالخمر. فيعلم كلّ بشر أني مخلّصك، وأن فاديك جبّار يعقوب«.

5 - المحنة (2: 19 - 20)

بدا الكاتب وكأنه يتلاعب على الكلام. فنحن نستطيع أن نفهم أن وقاحة الجلادين وجدتْ جوابًا في وداعة المعذّبين، كما الإفراط يعارض وسط الأمور. إن كان الأمر هكذا، فالأشرار يدلّون في الوقت عينه على إفراطهم، ويعاملون البارّ بوقاحة، ويُسمعونه مختلفَ الإهانات. أما جواب البارّ على العذابات التي يتحمّلها، فهو الخضوع والانصياع.

إذن، سيُخضع الأشرارُ البارّ للعذاب والموت، بل لموتٍ مذلّ. أتُرى الكاتب فكّر بشخص نجده في الكتاب المقدّس؟ هل فكّر بإرميا؟ ولكن إن قاسى نبيّ عناتوت (قرية إرميا) المكايد (ار 11:19؛ 18:22 - 23، 26:8)، وعرف السجن (ار 37:15 - 16) والبئر العميقة (ار 38:6)، فما من نصّ يتحدّث عن صبره.

وشدّد النشيد الرابع لعبد الرب المتألّم، على انصياع رجل الأوجاع وصمته (اش 53:7؛ رج حك 2:19). ولكن من أساء إلى هذا العابد؟ ثم إن حك 2 ألغى إلغاءً كلّيٌّا الفكرة القائلة: »حمل أوجاعنا« و»سُحق بسبب خطايانا« (اش 53:4 - 5). وحسب النشيد الثالث، ما قاوم عبد الربّ، ولا هو تلافى الضربات (اش 50:6). غير أن النصّ لا يقول إنّ العابد احتمل الاضطهاد من أجل إيمانه. لهذا لا يبقى سوى ألعازر الشيخ  (2 مك 6:18 - 31) الذي كان مثالَ الأمانة والصبر بعد أن مات تحت ضربات العصا. نحن لا نجد هنا تقاربًا على مستوى الألفاظ، بل على مستوى الأوضاع.

6 - من هو هذا البار، ابن ا

في المعنى الحرفيّ للنصّ، أي حسب نيّة الكاتب الملهم، يبدو أن البارّ لا يدلّ على شخص محدّد، بل على مجمل المؤمنين المرتبطين بالرب. فبعد أن حدّد الكاتب المصير الذي يحتفظ به الأشرار للبارّ، للأرملة، للشيخ، أعلن نهاية المواجهة، متحدّثًا لا عن البار، بل عن الأبرار، عن الأتقياء في صيغة الجمع (1:1 - 3). وفي ما تبقّى من الكتاب، دلّ لفظ »ابن« أو »ابن ا« على كل الشعب. وأعداؤه في ليلة الخروج اعترفوا، حين هلك أبكارُهم، أن هذا الشعب كان »ابن ا« (حك 18:13؛ رج خر 4:22).

ولقد رأى آباء الكنيسة والليتورجيّات القديمة في حك 2، إعلانًا مسيحانيٌّا لموت يسوع. فقد كتب يوحنّا: »فازداد سعيُ اليهود لقتله، لأنّه مع مخالفته الشريعة يوم السبت، قال إن الله أبوه، فساوى نفسه با« (5:18). وقال متّى الإنجيليّ: »توكّل على الله وقال: أنا ابن الله. فليُنقذْه الله الآن إن كان راضيًا عنه« (27:43).

في الحقيقة، إن حك 2 يمكن أن يُشرح شرحًا وافيًا دون أن نرى، في المعنى الحرفيّ، إعلانًا عن المسيح المتألّم. ومع ذلك، فالتقليد المسيحيّ اكتشف في يسوع وحده ملء تحقيق مثال القداسة والشجاعة، الذي صوّره هذا المقطع. فوحده احتمل إلى آخر الحدود الإهانات للأسباب عينها. لهذا، فان الأبرار المتألّمون في العهد القديم صورة عن يسوع المسيح بحياتهم وموتهم. والشهداء المسيحيّون يظلّون في أيامنا، المقتدين الوضعاء والواثقين بهذا المسيح بالذات، حتى سفك دمهم.

خاتمة

ذاك كان موضوع هذا المقطع الكتابي من سفر الحكمة في فصله الثاني: نوى الأشرار أن يضطهدوا البارّ الذي يزعجهم، بل تآمروا عليه ليهلكوه، لكي يُسكتوه فلا يعود يوبّخهم بسلوكه الأمين لشريعة الله، ولا يحكم عليهم من خلال موقفه بالنسبة الى طريقة تفكيرهم وعيشهم. كلام انطلق فيه الكتاب من أشخاص تألّموا في تاريخ شعبه، ولاسيّما إرميا وعبد الربّ، هذا فضلاً عن أبرياء عديدين لم يذكر التاريخ أسماءهم، ولكنّنا نسمع صرختهم في المزامير. وكوّن صورة »مجرّدة« يمكن أن تنطبق على كل بارّ يحاول أن يعيش إيمانه في عالم خاطئ. ولكن الصورة التامّة التي تنطبق على هذا المقطع تبقى صورة يسوع المسيح الذي تآمر عليه اليهود، لأن منطقه عارض منطقهم، وفي النهاية قتلوه. ولكن الله أقامه، وكان الرسل شهودًا على ذلك. فالبارّ لا يعرف الموت كما يعرفه الشرّير. وإن مرّ في الموت، فموته مملوء خلودًا

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM