الفصل 21: الظلمة والرعبُ الجديد

الظلمة والرعبُ الجديد (17:1 - 21)

أ - المقدمة

وأدخلنا الكاتب بكلمة عامة، في ضربة الظلمة (خر 10:21 - 23) التي سيقابلها في ف 18 عمود النار. ونعود إلى المبدأ المعلن في 11:5 (فكان ما عوقب به أعداؤهم هو الذي نفعهم وقت حاجتهم إليه). هذه الضربة تُعاقب المصريّين الذين حاولوا استعباد بني اسرائيل. أخطأوا في الظلمة، فصاروا أسرى الظلمة التي عذَّبتهم. فهذه الظلمة تُغلق على الانسان، وتَعزله، وتجمِّده مكانه، وتمنعه من الحركة. وبالأخص ذلك الذي كان في الحقل أو في البرية. ثم إنها تزرع الرعب، وتدخل المخيلة، وتُؤلم الضمائر القلقة. وبسبب الظواهر القريبة (اشباح، ضياء سري) والمخاوف، أصاب النفوسَ مرضٌ حلَّ قواها فخافت لسماعها الضجيج. إن المجرم الذي يحكم عليه ضميره، يعيش في قلق دائم وفي خوف مما سيحدث من شر. وهكذا صارت ظلمةُ سفر الخروج، ظلمة جهنمية تخرج من الجحيم وترسم أمامنا صورة الهلاك الآتي. تعلّقت هذه الظلمة بالمصريين وحدهم، اما سائر سكان الارض (ولا سيّما بني اسرائيل) فنعِموا بنور عظيم.

ب - تفسير الآيات الكتابية

1 - الظالمون اسرى الليل (17:1 - 6)

(17:1) أحكام الرب هي تدخّلاته الخلاصيّة من أجل شعبه. وسيتطلع بولس إلى حكمة الرب التي رذلت اسرائيل (روم 11:33). فهل نعجب بعد هذا أن تضلّ النفوس التي لا تريد أن تتعرف إلى عمل الله في الضربات التي حلّت بمصر؟

(آ 2) وعاد الكاتب إلى الضربة التاسعة (خر 10:21 - 23): سمَّرت الظلمةُ المصريين في أماكنهم ثلاثة أيام، اما بنو اسرائيل فكان لهم نور. منع المضطهِدون بني اسرائيل (الشعب المقدس، رج 10:15) من إعطاء العالم النور الحق الذي هو الشريعة (18:4)، فعاقبهم الله عقابًا مماثلاً، وصاروا أسرى الظلمة وما نعموا بعمل العناية العطوف، لأنهم ابتعدوا عن الله.

(آ 3) أخطأوا في الظلمة، وظنّوا أن خطأهم بقي مستترًا (14:23)، وها هم مبعثَرون لأن كل واحد أُجبر أن يبقى مكانه بسبب الظلمة.

(آ 4) وكان خوف وتراءيات مذهلة وأصوات مرعبة.

(آ 5) وكانت الظلمة كالحة كظلمة الجحيم (أي 10:21 - 22)، لا تفعل فيها نارٌ نشعلها أو بريقُ نجوم تشعّ في السماء.

(آ 6) ولكن ظهرت نيران أشبه بالبروق، وكانت تشتعل فجأة فتُلقي الرعب في القلوب التي كانت تفضّل الظلمة على هذه النيران. وما إن تزول النار حتى تعود الظلمة.

2 - ظاهرة الخوف وعجز السحرة (17:7 - 15)

(آ 7 - 8) حاول السحرة في الماضي أن يقلّدوا موسى... ولكن الخوف جعلهم ضعفاء. أرادوا أن يطردوا الخوف، فإذا هم خائفون. نجح السحرة في مصر بطريقة مؤقتة (خر 7:11، 22؛ 8:3)، ثم فشلوا فشلاُ ذريعًا (خر 9:11). تلك هي حالة السحرة في كل زمان ومكان.

(آ 9) وكان يُخيفهم أيضًا مرورُ الحشرات وفحيح الأفاعي. فما كانوا يجرأون ان ينظروا في الهواء، بل كانوا يخافون من أي شيء. وهكذا انضمّت الضرباتُ السابقة إلى ضربة الظلمة فزادت المَ المصريين المًا ورعبَهم رعبًا.

نشير إلى اننا هنا في فن المدراش أو القصة الدينيّة التي تنطلق من النص الكتابي وتترك العنان للمخيّلة. نجد هنا الخبر الكتابي والأساطير اليهوديّة وتفكّرات الرابينيين (التي نجدها في فيلون) مع شذرات من الأدب اليوناني (مثل الهبوط إلى الجحيم). نذكر هنا مثلاً وصف أبولونيوس الرودسيّ الذي تحدّث عن عودة رفاق ياسون بعد أن بحثوا عن جزّة الذهب: حلّت بهم ظلمة مفاجئة، تامة، فصارت الملاحة مستحيلة. حينئذٍ قابل بين هذه الظلمة وظلمة الجحيم (هاديس). حتّى الكواكب لم تقدر أن تخرق تلك العتمة.

(آ 10 - 12) وفلسف الكاتب الأمور، فقدّم نظرية الخوف وأرفقها بالنتائج السيكولوجية التي يحدثها. ففي يأسهم، تخلّوا عن العقل، مفتاح الفهم لحياتهم، فوجدوا أكبر ينبوع لشقائهم الكذب، بعد أن جهلوا (أو تجاهلوا) السبب الذي قادهم إلى مثل هذه الاضطرابات.

(آ 13 - 14) ونعود إلى المصريين الذين تنطبق عليهم نظريّةُ الخوف: الليل الذي أصابهم منعَ عنهم كلَّ نشاط، فبدا وكأنه أتى من عالم الجحيم.

(آ 15) ولكن هل يقدرون ان يناموا والأشباح تلاحقهم والفزع يضايقهم؟

3 - قبضة الظلمة على الذين في الحقول (17:16 - 21)

(آ 16 - 18) تسمَّرَ كلُّ واحد مكانه حيث يعمل، وخاف من أي ضجّة تحصل: صفير الريح، زقزقة العصافير، هدير المياه، قعقعة الحجارة...

(آ 20:21) وقابل الكاتبُ هذا الظلام الكثيف بعطايا الله من أجل شعبه. فحين كان الظلامُ يسيطر على المصريين، كان سائر العالم يضيئه نارٌ ساطع... إذًا أصاب العقابُ المصريين وحدهم. حلت بهم ظلمة كظلمة الجحيم (مز 88:12 - 13؛ مت 8:12؛ 22:13). وكان ضميرهم الضائع أقسى عليهم من كل الآفات.

ج - الخاتمة

واصل الكاتب تأمّلَه الرمزيّ في »ضربات« مصر، فرأى في الظلمة التي تُثقل كاهلَ مصر، تعبيرًا عن ضمير أتعبه الندمُ والخوفُ من العقاب. أما شعبُ الله الذي فرَّ من العبوديّة، فأضاء عليه عمودُ نورٍ يرمز إلى الشريعة. أما العبور من الظلمة إلى النور، فهو تعبير تقليديّ عن الخلاص الذي يجب أن يصل إلى العالم كلّه. وهكذا دخلنا في ف 18 حيث يُطلَبُ من شعب الله أن يحمل النور، فيستعدّ إبن العهد الجديد ليكون نورًا يستضيء من نور المسيح، فيرى الناس أعماله الحسنة ويمجّدوا الآبَ الذي في السما

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM