الخاتمة.

 

الخاتمة

تلك هي التأمُّلات التي قدَّمناها في هذا الكتاب حول نصوص الإنجيل الرابع. قرأنا الإنجيل المتجذِّر في الكتب المقدَّسة التي سبقته. عرفنا المناخ الذي فيه وُضعت كلمات يسوع وأعماله وحياته كلُّها. كما أنَّ هذه الكتب »قديمة«، لأنَّ الإنسان استعملها وحجَّرها، صارت جديدة حين أوردها يسوع، وفي خطِّه الكنيسة الأولى.

لا مجال لوضع الخمرة الجديدة في زقاق عتيقة، لئلاّ تُشَقَّ الزقاق وتتلف الخمرة، بل العتيق يجب أن يتجدَّد لكي يدخل في مسيرة الجديد، وإلاّ يسبقه موكب المسيح والكنيسة. ذاك كان وضع الشعب اليهوديّ. وضع شروطًا لمجيء المسيح: أن يكون تعلَّم عند الرابِّيّين، عند الفرّيسيّين. ويجب أن يولَد في بيت لحم، لا في الناصرة، حيث عاش مع والديه طائعًا لهما. ويجب أن يتكلَّم لغة الناس، وإلاّ حسبوه »أضاع عقله«. ويجب أن لا يكون »أكولاً شرّيبًا«، كما لا يكون »ناسكًا متقشِّفًا« مثل يوحنّا المعمدان. هي الشروط تدعوهم لرفضه، وإن رافقوه في الطرقات، وأكلوا قدَّامه وشربوا. وفي النهاية، أسلموه ليُصلَب.

أمّا نحن أبناء العهد الجديد الذين اشترانا المسيح بدمه، فنسمع كلام الربِّ خاضعين. نصغي إليه كما كانت مريم »تحفظ هذه الأمور وتتأمَّلها في قلبها«. قبلَتْ مريم، في عرس قانا الجليل، أن تنتقل من عالم العرس الأرضيّ، حيث وصلت قبل ابنها واكتشفت غياب الخمر المادّيّ، إلى عالم الإيمان مع العريس الجديد الذي جاء يقدِّم للبشر نبيذًا أجود، نبيذًا لا ينفد، نبيذًا يُظهر مجد الله فيعبِّر عن فرحة على الأرض يصل هتافُها إلى السماء.

وراحت مريم مع »إخوة يسوع« (أي أبناء عمِّه، أبناء العشيرة)، ولا ندري السبب الذي لأجله رافقتهم. ولكنَّها لم تبقَ معهم، فصارت الأمُّ التلميذةَ التي »تعمل بمشيئة الله«، التي تعطي الحبَّة المزروعة فيها »مئة ضعف«.

هذه الأمّ تدعونا، تدعو أولادها الذين مثَّلهم عند الصليب، التلميذ الحبيب. منذ الآية الأولى حتّى آية الآيات، أمُّ يسوع هي هنا. فمن أحبَّ المسيح أخذها إلى بيته. لا شكَّ في أنَّ يوحنّا ابن زبدى وابن سالومة شقيقتها، كان أوَّل المحبِّين ليسوع فقال التقليد بأنَّه كان عند الصليب. ولكنَّ أحبّاء يسوع لا ينحصرون في شخص واحد. ويمكن أن يكون كلُّ واحد منّا عند الصليب ويسمع من ذاك الذي تحمله المسامير: »هذه أمّك«. وما أجملها ساعة نرافق تلك التي فهمت يسوع وكلامه كما لم يفهمه بشر.

هل هذه هي الطريق التي أخذناها في قراءة هذا الكتاب، لكي يأتي وقت نتركه جانبًا لنسمع المعلِّم يدعونا في أعماقنا؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM