نهاية الطوفان

نهاية الطوفان

الفصل 8

الحلقة 20:

في هذا الحديث فهو نهاية الطوفان يعني نهاية المرور في الشرّ والمومت نهاية المرور في المياه وسوف نرى أنّ الذي توكّل على الله هو الذي كان رجلاً صالحًا لا عيب فيه ذاك الذي سلك مع الله استطاع أن يمرّ في المياه ولم تغمرُهُ المياه ونتذكّر هنا ما حصل للشعب العبراني لمّا مرّ في منطقة المستنقعات واعتبر أنّه مرّ في البرّ أنّه مرّ في وسط الماء ونجا في حياته لأنّ الله كان حاضرًا معَهُ. وكما قلنا السفينة التي بناها نوح تشبه هيكل أوراشليم هنا لا ننسى أنّ النص لم يكتب من 20 الف سنة. كُتبَ في القرن الخامس ق. م. يعني كان هناك الهيكل دمّر. وأعيد بناءهُ وكانت السفينة بشكل الهيكل لتدُلّ على أنّ الله في الواقع هو الذي خلّص نوح وليس بضعةُ قطع من الخشب.

الفص 8

- أوّلاً تذكّر الله نوح. التذكّر هو ضدّه النسيان يهتف صاحب المزامير مرّات عديدة »لا تنساني يا ربّ« أن ينسانا الربّ هذه أكبر حالة تعيسة هذا أكبر عقاب ولكن الله لم ينس نوح تذكّر الله نوح وجميع الوحوش التي معَهُ في السفينة وأرسل ريحًا على الأرض فتنافست المياه هذه الريح تشبهُ الروح الذي سيعيد الحياة على الأرض. هذه الريح ستبعده المياه وتجعلها تتناقض. الربّ من جهة أبعد المياه ومن جهة ثانية سدّ ينابيع الغمر ونوافذ السماء ما معنى هذا الكلام؟ كان يعتبر الكاتب المُلهم أنّ هناك ماءًا في السماء وعندما يريد الربّ أن تمطر يفتح النوافذ فتتساقط المياه والينابيع تخرج يسدُّها الربّ. ويُرينا الكاتِب أنّ المياه تناقصت عن الجبال. الجبال هي أعلى ما على الأرض يقول هنا فاستقرّت السفينة في الشهر السابع لا ننسى أنّ الشهر هو يوم العيد عيد المظال ثمّ يقول على جبل أرارات هي جبال بإرمينيا اليوم. من مدّة تحدّثت الصحف عن هذه السفينة التي كانت على جبال أرارات. كما قلنا أحبّائي السفينة هي رمزيّة تدُلّ على الخلاص ونحن لا ننتظر أن نجد سفينة بعد 7 آلاف سنة على الجبل بعد الثلوج والأمطار وبقيت كما هي فلو كان صخرًا وحديدًا كانت إهترأت. إذًا لا نتطلّع إلى هذه الأخبار الصحفيّة التي تريد أن تصوّر الأمور بالعين البشريّة، أمّا الكاتب فيحدّثنا عن السفينة التي هي رمز الخلاص.

وكما قلت نحن هنا في عيد، هو عيد 1. العيد الذي يعيش الشعب مع ربّه في الخيام في البريّة. فكأنّي بهذه الوقفة على الجبل تذكّرنا بوقفة ثانية على الجبل، وقفة على جبل سيناء.

هنا أرارات يقابل سيناء. ويتابع النص 8/6 وكان بعد أربعين يومًا أن فتح نوح النافذة التي صنعها في السفينة وأرسل الغراب فخرج الغراب وأخذ يروح ويجيء إلى أن جفّت المياه من الأرض.

عندنا مثل يقول: غراب نوح يعني يذهب ولا يعود، هذا الغراب إذًا أرسله نوح لتأكّد إن كانت المياه جفّت عن الأرض. ولكن الغراب بلونه الأسود الطالب الجيف، الطالب الجثث وجد ما يأكله، هو من لون الموت. وذهب إلى عالم الموت. وظلّ هناك، ثمّ أرسل الحماقة من عنده، ليرى هل قلّت المياه على وجه الأرض، ولم تجد الحمامة استقرارٍ لرجلها، لزحفت إلى نوح في السفينة لأنّ المياه كانت على وجه الأرض كلِّها.

ومدّ نوح يده فأمسكها وأدخلها إلى السفينة معه، هنا تدلّ الحمامة على السلام. تدلّ الحمامة على الوداعة، وهي بعيدة كلّ البعد عن الغراب، الذي يطلب الموت من خلال الجثث التي يأكلها.

ونلاحظ كيف هذه الحركة الصغيرة من نوح كيف يتعامل مع الحيوان. وانتظر أيضًا نوح سبعة أيام أُخر. وعاد فأرسل الحمامة من السفينة فرجعت الحمامة إليه في المساء تحمل في فمها ورقة زيتون خضراء فعلم نوح أنّ المياه قلّت عن وجه الأرض. وهذه الحمامة مع أنّ الزيتون بدأ يتساقط عنه الماء عادت وحملت ورقة زيتون خضراء. مهمّ جدٌّا الخضر علامة الحياة. تحمل الخضر، تحمل الغلاّت. ويقول النصّ في الآية - 12 - إنتظر أيضًا سبعة أيّام وأرسل الحمامة فلم ترجع إليه هذه المرّة. نتذكّر أنّ طير الحمام يرد مرارًا في الكتاب المقدّس. في العهد القديم يشبّه الشعب بالحمامة، وهي حمقاء. في الإنجيل كونوا ودعاء كالحمام، وحكماء كالحيّات، وفي عماد يسوع المسيح ظهر الروح القدس بشكل حمامة.

هنا بشكل حمامة نشدّد على مستوى الروح القدس، هو الذي يجعل الحياة تخرج من الماء. والحمامة التي تقوم على بيضها، والربّ شبّه نفسه بهذا النسر أو بهذا الطير الذي يغطّي صغاره لئلاّ يضايقهم البرد.

ويتابع النصّ 8 - 13 - وفي السنة الواحدة والست مئة من عمر نوح، في اليوم الأوّل من الشهر الأوّل، جفّت المياه عن الأرض فرفع نوح غطاء السفينة فنظر ورأى وجه الأرض ناشفة.

كما قلت كما بدأ الطوفان كان عمر نوح ستمائة سنة والآنن عمره ستمائة وسنة، يعني مرّة من بداية الطوفان إلى نهايته سنة كاملة. مهمّ جدٌّا كأنّه عمر جديد تبدأ فيه الأرض تبدأ تعيش.

فخاطب الله نوحًا وقال: أخرج من السفينة أنت وامرأتك وبنوك ونسوة بنيك معك. هنا عندما نسمع أنّ الله خاطب إنسانًا فلا نحسب أنّنا بين إنسان وإنسان فالله، لا فم له مثل أفواهنا ولا أذن له مثل آذاننا، نقول الله يتكلَّم، يعني يكلّمنا في أعماقنا، يكلّمنا في ضميرنا، والضمير هو صوت الله فينا. يكلِّمنا من خلال الناس، يكلّمنا من خلال الأحداث. رأى نوح أنّ الأرض جفَّت انّه لم يعد من المطر فما احتاج أن يقول له أحد، هو رأى من خلال الأحداث، سمع صوت الله، من خلال الأخحذاث عرف مشيئة الله. كانت السفينة له مسكنًا ما دامت المياه تغمر الأرض، أمّا وقد شفت الأرض فلم يعد بحاجة إلى السفينة. نتذكّر كلام القدّيس أفرام السرياني، في شرحه لسفر التكوين، قال: عاش الناس والبهائم حياة العفّة في السفينة.

لمَ يتزوّجوا، لمَ يتجامعوا. ما تزوّجوا، ما تجامعوا. وبما أنّ السفينة تدلّ على الكنيسة، شدّد الآباء على هذه العفّة، هذه البتوليّة التي هي درّة في جبين الكنيسة.

مرَّ الموت والآن تأتي الحياة.

قال الربّ لنوح الآية 17 - أخرج كلّ حيوان معك والطيور والبهائم وسائر ما يدبُّ على الأرض فتتوالد في الأرض وتنمو وتتكاثر عليها.

وهنا نعود إلى الفصل الأوّل الآية 26: أنمو وأكثرو واملأو الأرض.

مرَّ الموت كسحابة مارّة.

مرَّت المياه ولكنّها ستترك وراءها الحياة بسبب حضور الله.

أمر الله نوح فنفّذ نوح الطلب. خرج نوح وامرأته وبنوه ونسوة بنيه معه.

نلاحظ هذه الطاعة، الطاعة الدائمة من قبل نوح للربّ.

كانت الحياة في السفينة وعلى البحر حياة في الأخطار، حياة في المحنة، في التجربة.

هل يا ترى نوح يفضّل الناس على الله، يفضّل أن يسمع للناس وحكمتهم، أن يسمع للناس أن يسمع لحكمتهم أم يسمع كلام الله؟

لا فضّل نوح كلام الله وهو الله يدعوه إلى اللقاء معه، لقاء حقيقيّ، نقرأ في 8 - 20 - وبنى نوح مذبحًا للربّ وأخذ معه سبعة أزواجٍ من جميع البهائم والطيور وهنا عنى الطيور الطاهرة نتذكّر في العصور القديمة وفي التوراة أنّ هناك طيور طاهرة وطيور نجسة غير طاهرة مثلاً: الوطواط هو طير نجس. البهائم: هناك بهائم طاهيرة وبهائم نجسة مثل الخنزير هو بهيمة نجسة، الأرنب هو بهيمة نجسة.

كان يحقّ للمؤمن أن يأكل من البهائم الطاهرة، والطور الطاهرة،ن وكان يُطلب منه أن يقدّم ذبائح من البهائم الطاهرة والطيور الطاهرة. أمّا من البهائم والطيور النجسة، فلا يقدّم منها على مذبح المحرقات. بما أنّ نوح قام بهذا العمل العظيم، فدلّ على أنّه من خلال التقدمة التي يقدّمها، من خلال الذبيحة التي يذبحها يقدّم ذاته، يقدّم عائلته، يقول النصّ بآية - 21 - تنسَّم الربّ راشحة الرضى. تنسّم الربّ رائحة الرضى يعني رضى الربّ عمّا فعله نوح - لا شكّ ستأتي ذبيحة أهمّ بكثير من هذه الذبيحة، هي ذبيحة يسوع المسيح.

ولكن منذ ذلك الوقت، رضيَ الربّ عن نوح وعن ذبيحته، فقال في قلبه لن ألعن الأرض مرّةً أخرى بسبب الإنسان، فهو يتصوّر الشرّ في قلبه منذ حداثته ولن أُهلِك كلّ حيٍّ كما فعلت - هنا نسمّيه تضمين أو احتواء، إنَّا نقول في النهاية كما قلنا في البداية.

في آية 6 - 11 - قال النص: فسدّت الأرض، امتلأت عنفًا، جاءت نهاية كلِّ شرّ وها أنا اهلكهم على الأرض. هنا قال الربّ لن أهلك كلّ حيّ كما فعلت.

مع أنّ الإنسان يبقى شرّيرًا منذ حداثته عرف الربّ وهو يعرف أنّ الإنسان شرّير وأنّه يحمل الخطايا في قلبه، ولا ينفع شيئًا.

إن حلَّت به اللعنة وإن حلّ به الموت، لهذا قال في حزقيال أنا لا أريد موت الخاطئ بل أن يعود عن ضلاله ويحيا.

وهنا الربّ الذي عرف قلب الإنسان، يقول له في المزمور: تعرف قيامي ونهوضي تعرف ماذا أفكّر فيه إن ذهبت إلى أقصى الأرض، إلى قعر البحار فعينك تراني. هذا الإله الذي يعرف ما في قلب الإنسان، ما يتصوّره الإنسان، مع ذلك رمى اللعنة جانبًا وأحلّ محلّها البركة. وكما كان يفعل الناس في الهيكل كانوا ينتظرون البكرة من الكهنة بعد أن يقدّموا ذبائحهم. ها هو نوح يبعده عنه اللعنة وينتظر البركة من عند الله، ننتظرها في المعنى السلبي لن ألعن معناها أبارك لن أهلك معناها أعطي الحياة جاءت الكلمة في صيغةٍ سلبيّةٍ ولكنْ معناها إيجابيّ ما يعارض اللعنة هو البركة ما يعارض الهلاك هو الحياة وجاءت النهاية ما دامت الأرض باقية فالزرع والحصاد والبردُ والحرّ والصيف والشتاء والليلُ والنهار لا تبطل أبدًا يعني لمّا جاء الطوفان بلبل البشريّة. بلبل الأرض حمل الموت. حمل الهلاك، بل الضياع وها الربّ يأتي ويوقف يحمل الطوفان فتعود الأرض إلى النظام الذي عرفتهُ في الماضي تعود إلى الترتيب هذا ما نسمّيه الطقس باليوناني Taxis الترتيب الطقس الذي يتوزّع بين صيفٍ وشتاء لا ننسى أن أرض فلسطين لا تعرف الربيع والخريف هناك فصلان فصل القيظ والجفاف الصيف. وفصل المطر وهو الشتاء وكلّهُ يتناغم ويتوازن من زرعٍ إلى حصاد. يزرعُ في الشتاء ويحصُد في الصيف من بردٍ وحرّ. البردُ في الشتاء والحرّ في الصيف والليل والنهار والصيف والشتاء لا تبطلُ أبدًا يعني لا يُمكن أن تزول هذا الترتيب هذا التناغُم هذا التناسق بين الفصول من صيف وشتاء في اليوم بين ليلٍ ونهار في المناخ بين بردٍ وحرّ في الزراعة بين زرعٍ وحصاد. هذا الترتيب يبقى دائمًا وهكذا نكون تحدّثنا عن الطوفان الذي اعتبر عقاب الله بينما هو في الواقع عقاب الخطيئة التي يحملها الإنسان إلى العالم فحملت معها الموت ولكن الربّ هو إله الغفران لا تكون لعنتهُ إلى الأبد فتتحوّل إلى بركة لا يمكن أن تكون الكلمة الأخيرة للهلاك والموت بل للحياة بهذا وعد نوح ومن خلالِه وعد البشريّة يتعاقب الفصول يتعاقب الأيّام يتعاقب الزرع والحصاد وعد البشريّة وما زال يعِدْها يبقى على البشريّة أن تعرف من خلال هذا الترتيب ترتيب الطبيعة هنا ترتيب آخر ترتيب الإنسان الذي يعيش بارٌّا صالحًا مثل نوح الذي يكون بلا عيب فيسلُكُ مع الله فهنيئًا له حينئذٍ يعرف أنّ الله معه. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM