الطوفان

الطوفان

الفصل 6/..11.

الحلقة 19:

خبرة معروفة جاءت من أرض العراق كتبها كتاب الرافدين في ملحمة غلفامش، تقول هذه الملحمة إنّ الآلهة تعبوا من البشر وأرادوا أن يغنوهم لهذا كان الطوفان. ما هو الواقع:

الواقع هو أنّ مطرًا غزيرًا غرق الأرض ومات أشخاص عديدون وهذا ما رأيناه مؤخّرًا في أميركا الوسطى أو في الصين فالطوفان وفيضانات المياه معروفة في الأرض. كلّها إنطلق الكاتب من هذا الواقع حيث مات فيه 50 - 100 ألف شخص يبقى عدد محدود لأنّ الطوفان لا يمكن أن يسيطر على البشريّة كلّها ويفي جميع البشريّة هذا مع العلم أن علماء الإنسان ينظرون إلى فترة تبعد 50 أو 30 ألف سنة قبل المسيح كانت فيها البشريّة تضمحِلْ عن الأرض. أمّا الكاتِب الملهم ترك التاريخ وترك علم المطر وعِلمْ الإنسان أراد أن يقدِّم تأمّلاً دينيٌّا روميٌّا ماذا رأى. رأى أنّ الأرض فسدت 3 مرّات عنى كلمة فسدت الأرض... كلّ إنسان أفسد سلوكَهُ بدل الخير هناك الشرّ وبدل الصلاح هناك الفساد. وبدل الوداعة والتواضع والسلام هناك العنف ويقول الكاتِب بشكلٍ بشريّ رأى الله. الله ليس كالأصنام التي لا ترى ولا تسمع ولا تحسّ، نظر الله فرأى. رأى الشرّ ومعهُ سوف يرى أيضًا نوح أو رأى نوح قبل أن يرى الشرّ. آية 6/9 »كان نوح رجلاً بارٌّا لا عيب فيه وسلك نوح مع الله هو رجُلٌ بار رجُلٌ صالح يعني يعيش بحسب وصايا الله يعيش بحسب إرادة الله مشيئة الله كما في الأبانا... هو رجُلٌ صالحٌ لا عيب فيه وهذا أجمل مديح يقال في إنسان. عندما ننظر إلى فتاة جميلة نقول لا عيب فيها وهذا الجمال إلى زوال. وعندما ننظر إلى إنسان إلى رجل نقول لا عيب فيه وهذا الإنسان هو إلى الموت ولكن عندما نتحدّث إلى البرارة عن الصلاح عن القداسة فغياب العيب فيه علامة أنّهُ بدأ يعيش السماء على الأرض وكما توارى أخنوخ لأنّه سلك مع الربّ فأخذه الربّ إليه كذلك نوح الذي سلك مع الله سوف ينجوا من الموت ساعة يموت الجميع بهذا الطوفان.

نشدّد أحبّائي على أن فكرة الخطيئة وما تحمل وراءها من موت تسبّق جميع الصور التي يمكن أن يأخذها الكاتِب الملهَمْ من الحضارات القديمة سواء إلى أرض مصر أو بنهر الرافدين. ما هي الفكرة التي سيطرت على تشابه التوراة. الفكرة جميع البشر خطأة يقول المزمور »جميعهُمْ فسدوا وليس فيهم من يعمل الصلاح وهذا ما يقولُهُ الإنسان ونشدّد على أنّ الكاتِب لا يتكلّم عن العنف ويرد كلمة عنف مرّتين آية ..11. امتلأت عنفًا. العنف هو الخطيئة الكبرى وحين نتذكّر الحربين الآخرتين. الحرف العالميّة الأولى سنة 1914 - 1918 والحرب العالميّة الثانية سنة 1939 - 1945 الأولى 18-20 مليون قتيل والحرب الثانية 70 مليون قتيل يتفنّن الإنسان ليملأ الأرض عنفًا وقتلاً ودمًا ودمارًا الحرب تدمير وقد دمّرتْ الكثير وما زالت اليوم تدمِّر هذه البلد أو تلك العنف يحملْ شرهَ بنفسه عندما يقول الله وأنا أهلكهُم مع الأرض يتشدد على أنّ الله هو السبب الأوّل يعني كلّ شيء يحدث بإرادةٍ منهُ أو بسماحٍ منهُ لكن في الواقع من يَهلِكْ الإنسان هو الإنسان من يحمل الموت إلى الإنسان هو الإنسان. الإنسان هو الذي يتعامَلْ بالعنف هو الذي يقتُل. هو الذي يَبدِلْ الحياة إلى موت. وهكذا يسيطر العنف يسيطر الموت فلماذا نقول أنّ الله قال أنا أهلكهُم. هل يهلكِ الله أحدًا كلاّ. الله هو إله الحياة لا إله الموت ولكن وهنا العظمة الشرّ الذي في الأرض والذي أنا مسؤول عنهُ والذي أعاقب بسببِهِ هذا الشرّ يأخذُهُ الله على عاتِقِهِ، يأخذهُ الله ويحوّلُهُ إلى خير نتذكّر هنا كلام يوسف لأخوتِه يوسف إبن يعقوب قال أنتُم أردتُم بي شرٌّا والربُّ نوى بي خيرًا. الكاتب يشدّدْ دومًا على أنّ الله هو الأساس. أنّ الله هو الذي يُعاقب ولكن يجب أن نفهم هذا الفن الأدبيّ هذه الطريقة في الأسلوب وفي الكلام الله لا يُهلِك أحدًا لا يُميتُ أحدًا، ولكن الإنسان هو الذي يقتُلْ أخاه الإنسان وبما أنّ العنف جاء يزحَفُ على الأرض مثل بحرٍ هائجٍ مثل أمواجٍ ترتفعْ مثل فيضان مثلَ مطر. لا ينقطع عمل الله ضدَّ هذا الطوفان سفينة طلب من نوح أن يصنع سفينة هل يطيع نوح الله، أم يسمع من الناس وهو الذي تقولُ عنه التقاليد إنّهم سخروا منهُ كلَّمَهُم المرّة بعد المرّة ويقول مثلاً إفرام السرياني أو غيرهُ من التراجيم أعطاهم الله مئة يوم ولكنّهُم لم يتبدّلوا بل هزئوا من نوح وما يغفلُهُ من نأين تأتي المياه ونحنُ نعيش في الشمس وسيقول ربّنا يسوع المسيح »كان الناس يأكلون ويشربون ويزوجون ويتزوّجون إلى أن جاء الطوفان والطوفان هنا صار رمزًا إلى الموت الذي يحلُّ بنا إذا لم نكن ساهرين. إصنع لك سفينة هذا ما قال الربّ لنوح فأطاع نوح. نلاحظ أنّ هذه السفينة تشبهُ الهيكل في الهيكل كان هناك ثلاث طبقات. سفلى، ووسطى، وعليا. هذا ما تقرأهُ في الآية 16 ثمّ الطول والعرض والارتفاع يذكّرنا في الهيكل. ينطلِقْ الكاتب من الهيكل. الذي هو مركز حضور الله. فيفهمُنا أنّ الله هو الذي يخلّص البشر بوسائل بشريّة بوسائلْ ماديّة. والخشب هو الذي يعارض الماء، عاد الكاتِب إلى أهميّة السفينة التي تمشي على الماء. التي تسيطر على الماء تتغلّب على الماء وهكذا الربّ أراد خلاص الإنسان بواسطة الخشب وسيقول آباء الكنيسة إنّ يسوع خلّص الإنسان بواسطة الخشبْ، بواسطة خشب الصليب. إنّ الخلاص الذي نالَهُ نوح منذُ بعيد ستنالَهُ البشريّة في ذلك اليوم. يوم الجمعة العظيمة يوم موت يسوع على الخشبة على الصليب. ويقول الكاتب في آية 17 إنّ الربّ يقول »ها أنا آتٍ بطوفان مياه على الأرض. الكاتب يعتبر أنّ كلَّ شيءٍ بيدِ الله طوفان المياه، الحروب، الشرور، العنف كلّ هذا بيدِ الله. ولكن الربّ لا يتعدّى يومًا على حُريّة الإنسان ولكن كيف يقول الكتاب أزيلُ جسدٍ فيه نسمة حياة تحت السماء لم ينطلِق الكاتب ممّا رآهُ وهو لا يستطيع كما نرى اليوم بواسطة الأقمار الإصطناعيّة والتلفزيون أن نعرف أين وصل هذا الطوفان. كلّ ما يعرف هو أنّهُ في الموضع الذي أقام فيه كان فيضان وماتَ من مات في هذه المنطقة لا في جميع المناطِق إذًا كيف استطاع أن يقول أُهلك كلّ جسد فيه نسمة حياة يعني الإنسان والحيوان. إنطلق الكاتب من مبدأ لاهوتيّ يقول الجميع خطئوا بما أنّ كلَّ جسدٍ بشريٍّ وقع تحت الخطيئة فكلُّ جسد بشريّ سوف يهلك.

وهكذا بدتْ الصورة قاتمة من قبل الله لأنّه رأى شرّ الإنسان وأراد أن يُعاقب الشر. في أيّ حال يبقى أنّ هذا الهلاك هلاك الجسد ليس أهمّ شيء، قال يسوع في الإنجيل: »لا تخافوا ممن يقتُل الجسد بل خافوا ممن يهلك النفس والجسد في جهنّم نعم من هذا خافوا قال يسوع. في هذا المقطع الذي قرأناه عنى بالأوّل نوح الرجُلْ البار، الرجُلْ الصالح الذي لا عيب فيه، الرجُلْ الذي يسلك مع الله وفي نصف هذا المقطع عنى الشرّ الذي سيحملْ الموت والهلاك إلى البشريّة. وفي آية 18 نعود إلى نوح يقول ولكنّي أقيم عهد لي معك فتدخلُ السفنة أنت وبنوك وامرأتك ونساءُ بنيك هنا العهد المعاهدة. عهدًا بين الرجلُ والمرأة علامتَهُ هذا الخاتم. عهدًا بين الله والإنسان سوف نراه في قوس قزح صار الله على مستوى الإنسان فكما يعاهدُه الملك القويّ ملكًا صغيرًا. وكما يعاهِدْ الرجلْ إمرأتُهُ هكذا يُقيمُ الله عهدًا مع نوح والإله العظيم الكليّ القدرة السامي المتعالي يتنازل إلى مستوى الإنسان ويقيمُ عهدًا مع الإنسان وكيف نعِّبر عن هذا العهد هذا العهد يحملْ الحياة الخلاص نعبِّر عنهُ حين يدخُلْ نوح السفينة هو وبنوه وامرأتُهُ ونساء بنيه يعني البار ينجوا وينجوا الذين يعيشون معَهُ. هنا نتذكّر الفصل 16 من سفر التكوين لمّا تجادل الله تناقش الله مع إبراهيم هل يهلك سادوم إذا وجد فيها 50 40 30 20 10 أبرار لو وجد فيها عشرة أبرار لما كانت أُحرقت المدينة وهنا مع نوح لن نجِدْ عشرة أبرار هو وامرأتُهُ. 3 + 3 = 8 هو وامرأتَهُ 2. أولاده وزوجاتهنّ 8 أشخاص. إذًا لم يصلْ إلى الرقم 10. لهذا السبب هلكت البشريّة ويقول بـ 19 تأخذ إثنان من الخلائق إليه. إذا كان الإنسان هو سيّد الخلائق فقد أعطاها إسمًا هذا ما قال سفر التكوين فصل 2 إذا كان الإنسان حين خطئ جرّ الخلائق في خطيئتِهِ وحمل اللعنة إلى الأرض وصارت الحيّة تأكلُ من تراب الأرض، فهو في خلاصِهِ يخلِصْ معَهُ جميع الخلائق التي ستدخُلْ مع نوح ستنجوا بحياتِها. نتذكّر هنا كلام القدّيس بولس في الرسالة إلى روما إنّ الخليقة تئنّ منتظرة تجلّي أبناء الله عندما يتمّ الخلاص للإنسان يتمّ الخلاص للخلائق التي تعيش مع الإنسان وبما أنّ نوح سيحملْ الخلاص في السفينة التي صنعها هكذا ستنجوا الخلائق الحيّة التي سيأخذها معَهُ وهكذا قدّمَ لنا التقليد الكهنوتي صورة عن فساد الارض وفي قلبِ هذه الصورة نوح الرجُلْ الصالح ونوح الذي ينجوا بل لا ينجوا وحدهُ تنجوا معه عائلتُهُ، ينجوا بيتُهُ وينجوا معه عدد من الحيوان ويحدّثنا الكتاب كيف حدث هذا الطوفان.

بقي الطوفان 40 يومًا على الأرض فكثر المياه وحمل الماء السفينة فارتفعتْ عن الأرض كلُّ هذه الصور تقول لنا في النهاية تغطّت جميعُ الجبال الشامخة تحت السماء كلّها يعني الجبل العالي المرتفع الذي يعتبر نفسُهُ تجاه الله هذا الجبل تغطّى بالمياه خضع للشرّ. خضع للموت وهكذا يقول الكتاب هلك كلُّ من له جسدٍ يدبُّ على الأرض. التقليد اليهودي تقليد الحكماء يشدّد على أنّ الطوفان دام 40 يومًا. أمّا التقليد الكهنوتي فيتحدّث عن طوفان يُبقي المياه على الأرض مُدّة سنة كاملة وإذا كان قد قال إنّ نوح في سنة الـ 600 من عُمره عرف الطوفان فقد كانت نهاية الطوفان في السنة 601. كانت هناك سنة كاملة إنتهت وبدأت سنة جديدة بدأت حياة جديدة. أمّا تقليد الحكماء التقليد اليهودي فسوف يتكلّم عن 40 يومًا و40 ليلة نتذكّر أنّ العدد 40 هو عدد رمزي وبعد هذه الأيّام الأربعين هناك لقاءٌ بالربّ وسوف نرى هذا اللقاء في الذبيحة التي يقدّمها نوح للربّ فيتنسّم الربّ رائحة الرضى. العدد 40 هو عدد معروف جدٌّا فيسوع نفسُهُ سوف يصوم أربعين يومًا. ولهذا سوف يكون له لقاء مع الربّ يعبّر عنهُ حضور الملائكة وموسى أيضًا سيصوم 40 يومًا ويكون له لقاء مع الربّ. أمّا نوح فعاش الطوفان عاش الموت. لا ننسى المياه تدُلّ على الموت عاش في قلب الشرّ ومع ذلك فقد صبر. وتقول التقاليد صلّى، وصام وفي النهاية سوف يلتقي بالربّ نوح هو صورة عن المسيح الذي سيطر على الشرّ بسفينته وسوف يقول لنا الإنجيل إنّ يسوع مشى على البرّ فيدّلْ على أنّه داس البحر على أنّه سيطر عليه وقال له في مرّة من المرّات أسكت، أخرُس والسفينة التي كان فيه التلاميذ والتي دلّت على الكنيسة هذه السفينة ظلّت تمشي على البرّ، إنطلقت من الأرض اليهوديّة إلى الأرض الوثنيّة وهي تحملْ الإنجيل تحملْ البشارة الجديدة هذا هو معنى الطوفان الخطيئة تحملْ الموت، تحملْ العنف، تحملْ الشرّ على الأرض فيستحقّ الإنسان الموت وخطيئته تحملْ الموت في ذاتها ولكن سفينة نوح تحملْ الخلاص هذه السفينة التي نراها في خشبة الصليب التي نراها في السفينة التي كان فيها يسوع نائمًا هذه السفينة حملتْ الرسُلْ إلى الأرض الوثنيّة وحملت معهُم الإنجيل وهي لا تزال حاضرة في الكنيسة اليوم وفي كلِّ يوم وحتّى انتهاء العالم. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM