وفاة سارة ودفنها

سفر التكوين، الفصل 23 الآية الأولى.

عنوان الموضوع: وفاة سارة ودفنها.

قرأنا أحبّائي، الفصل 23 من سفر التكوين وعنوانه وفاة سارة ودفنها. في حديث سابق، تكلّمنا عن ولادة إسماعيل، عن ولادة إسحق كما تكلّمنا عن الختانة، ختانة إسماعيل وختانة إسحق واليوم نكون في الخط الثاني من الحياة، خطّ الموت فالحياة تكون بين الولادة وبين الموت وسوف نرى هنا أوّل ميتة وهي سارة زوجة إبراهيم، نلاحظ:

أوّلاً: العمر التي وصلت إليه 127 سنة، عادة العمر المثالي 120 سنة بمعنى 3 أجيال وكلّ جيل يشكّل 40 سنة، أمّا سارة فتعدّت الأجيال الثلاثة وبدأت الجيل الرابع، 127 سنة، وماتت في قرية أربع وهي حبروت في أرض كنعان، هنا الإسم القديم للقرية، اسمها قويّة أربع والإسم الجديد هو حبروت يعني اليوم الخليل، القريبة من أورشليم وبيت لحم هذا القبر، هذا الموضع، هو في أرض كنعان وسيقول لإبراهيم، بعد ذلك بآية 4، أنا غريب ونزيل بينكم، إبراهيم غريب في حياته غريب في مماته، نلاحظ هذه الغربة التي عاشها إبراهيم منذ يوم دعا الربّ بـ 12 آية 1 أترك أرضك وعشرتك وبيت أبيك إلى المكان الذي أدلّك عليه، عاش غريبًا وهي امرأته تموت في أرض الغربة وهنا نرى إبراهيم يفعل ما يفعله جميع الناس عند ساعة الموت يندب سارة امرأته ويبكي عليها، هذا وهو وضع الموت في الكتاب المقدّس ونتذكّر أنّنا لم نعرف بعد في هذا الوقت، الحياة الخالدة، الحياة في ما بعد الموت، الموت هو النهاية، نهاية الحياة نهاية الإنسان وهو بعد موته سيكون مثل خيال، مثل شبح، لا يستطيع أن يمجّد الله، لا يستطيع أن يسبّح الله، كما يقول المزمور ليس الأموات يسبّحون الربّ، ولا الهابطون إلى الجحيم، هذا يعني إلىعالم الأموات كافة، قام إبراهيم بواجبه تجاه امرأته وانطلق إلى العمل، تأمين مدفن، تأمين قبر بهذه الأرض الذي يقيم فيها، لا ننسى أهميّة الدّين في عادات الشرق القديم ومنها في شعب إسرائيل، يجب أن يدفن الميت مهما كلّف الأمر. فالدفن يدلّ على إكرام خاص والدفنة هي من أعمال الرحمة السعة مع مساعدة المرضى. إطعام الجياع إلى آخره...

وهنا سيقوم إبراهيم بواجبه خير قيام. ذهب إلى بني حسّ، بني حسّ أو بنوحس هم شعب من تركيا، جاؤوا إلى أرض فلسطين وأقاموا في هذه الناحية أو تلك، وكانوا خصوصًا في قرية حبروت أو قرية أربع وهنا سوف يشتري منهم إبراهيم أرضًا تكون له مدفنًا، لامرأته وسيدفن هو أيضًا في ذلك الموضع. هنا نلاحظ، احترام بني حسّ لإبراهيم لم يكن شخصًا كسائر الأشخاص، قال له الله جعلك رفيع المقام في ما بيننا. شدّدوا أوّلاً على أنّ ابراهيم هو شخص وجيه، شدّدوا على إقامته في ما بين بني حسّ وأخيرًا شدّدوا على أنّ ما حصل عليه ابراهيم هو عطيّة من الله. هو بركة من بركات الله، نتذكّر هنا ما قاله سفر التكوين فصل 12 أباركك قال الربّ لابراهيم أجعلك بركة وكأنّ بني حسّ يطلبون بركة إبراهيم أن يدفن إبراهيم ميتًا في أرضهم وبين موتاهم. فهذا يعني بركة بالنسبة لهؤلاء القوم، وكانت طريقة البيع والشراء هذه الطريقة المعروفة بالشرق القديم والتي لا تزال حاضرة اليوم في شرقنا مع الأخذ والعطاء، مع المساومة. بدأ عفرونط صاحب الأرض التي فيها مغارة المكفيلة. بدأ أوّلاً، فقدّم الأرض إلى إبراهيم، طلب إبراهيم الأرض، ارض المكفيلة ووعد بأن يدفع ثمنها كاملاً فكان جواب عفرون أنّه يقدّمها لإبراهيم، قال إسمع لي الحقل وهبته لك والمغارة التي فيه، أهبها أيضًا هذه هبة لك منّي، بمشهد من بني قومي، فأذنن ميتك. نلاحظ هذه الطريقة المغلقة في الكلام، فيها بعض التهذيب إذا شئنا ولكن فيها بعض الكذب إذا شئنا أيضًا. هو يريد، أن يدفع إبراهيم له السعر العالي، أربع مئة مثقال فضّة، هذا كان ثمنًا عاليًا جدٌّا، بما أنّ بني حسّ هم في الأرض وبما أنّ ابراهيم هو غريب ونزيه، نجعله يدفع أعلى سعر وأكبر سعر لهذه الأرض. هو لا يستطيع أن يفعل شيئًا، وهو الغريب، وهو الضغيف وهو الشيخ الأعزل الذي لا يستطيع شيئًا تجاه هؤلاء، هنا سيشدّد الكتاب المقدّس على أهميّة الغريب، ويقول كنتم غرباء أنتم يا شعبي فلا تعاملوا الغريب بقساوة، لا تاملوا القريب بقساوة، عاملوه كالنزيل بينكم، كواحد منكم ولكن نرى هنا كيف أنّ هذا الغريب ابراهيم مستغلّ أشنع إستغلال عندما مسّت الحاجة إلى أرض، يدفن فيها ميتًا وسوف نرى من بعد أن قدّم الارض صاحبنا عفرون، كيف أنّه سيقول الشعر بطريقة غير مباشرة يقول كلامه بجملة إعتراضيّة، أرض تساوي أربعة مثقال فضّة فأيّة قيمة لها بيني وبينك، قال السعر وقال هذا السعر بسيطًا جدٌّا فأنا مستعدّ أن أتخلّى عن هذا السعر، هذا كلام خارج في الواقع، هو يطلب كما قلت سعرًا عاليًا جدٌّا، ويفرض هذا السعر على إبراهيم ويقول له: إدفن ميتك فيها، فإبراهيم مجبر على شراء الأرض، لأنّه مجبر على دفن ميته في تلك الأرض فسمع إبراهيم ووزن له الفضة، التي ذكرها على مسامع بني حسّ وهكذا، إنتهت المساومة ولكن كما قلنا هذه المساومة كان استغلالاً. إستغلال القوي للضعيف، إستغلال أهل المكان للغريب، إستغلال الغني للفقير. ما زلنا في الموضع نفسه، ولكنّ ابراهيم مستعدّ لأن يضحّي بكلّ شيء من أجل امرأته سارة ولا ننسى أنّ سارة معناها الأمير، الملكة في بيت إبراهيم، إبراهيم مستعدّ أن يدفع أغلى ثمن لكيّ يؤمّن مدفنًا لإمرأته. ونلاحظ هنا، أنّ كلّ شيء يتمّ عند باب المدينة، كانت المدينة بسورها ضيّقة، فلا مكان للإجتماع حتّى يلتئم فيها الناس وينظّموا أمورهم وأمور جماعاتهم لهذا إجتمعوا كلّهم عند باب المدينة. يقول بآية 10: فأجاب إبراهيم على مسامع كلّ بني حسّ اللذين جاؤا إلى مجلس باب المدينة، اشترى ابراهيم هذه الأرض، لكي يرتبط بها، لكي لا يذهب إلى أرض أخرى. حاول في الفصل 12، أن يذهب إلى مصر، مع أنّه دعيَ لأن يكون في فلسطين أرض الإيمان. استعدّ أن يذهب إلى مصر وكاد أن يبيع حاملة الوعد امرأته سارة. لا شيء يربطه بأرض فلسطين وهو صاحب المواشي، يذهب حيث يجد الماء والكلء. أمّا في مصر فقد وجد الخيرات الكبيرة وسوف يجدها أيضًا أبناؤه، أبناء يعقوب ونسلهم، سوف يتحسّرون إلى هذه المياه الغزيرة، مياه النيل إلى هذا الخضار، إلى العشب، إلى كلّ خير في أرض مصر، ولكن بعد أن اشترى إبراهيم هذه المغارة، مغارة المكفيلة واشترى الحقل بما فيه من شجر فقد ارتبط بأرض فلسطين ولم يعد يستطيع أن يترك هذا المكان وسوف نرى أنّه عندما يعود العبرانيّون من مصر سيدفنون هناك بعض موتاهم وستصبح حبرون مكانًا مقدّسًا مكانًا مقدّسًا لأن فيه دفنت سارة، دفن ابراهيم وإسحق ويعقوب وغيرهم من الآباء. وحتى اليوم يجتمع اليهود والمسلمون ليكرّموا مدفن إبراهيم، فابراهيم هو رجل الإيمان واليهود والمسيحيّون والمسلمون هم من نسل إبراهيم وارتباطهم بأرض إبراهيم، يعني إرتباطًا بإيمان إبراهيم وهكذا أحبّائي، بعد أن تحدّثنا عن الولادة تحدّثنا الآن عن الموت، وضعت سارة في القبر وانتهى كلّ شيء وسيتابع ابراهيم حياته فيؤمّن امرأة لإبنه إسحق وسنجد في آخر فصل 24 لمّا أدخل إسحق رفقة إلى خباء سارة أمّه وأخذها زوجة له وأحبّها إسحق، تعزَّ بها عن فقدان أمّه، ماتت أمّ إسحق سارة تلك التي تعطي البنين تلك التي هي حوّاء وكلّ أم هي حوّاء فجاء محلّها رفقة زوجة إسحق، أم عيسو ويعقوب. فيها ستتواصل الحياة في شعب إبراهيم، في الشعب المؤمن تنتقل الحياة من الأمّهات إلى البنات ومن الآباء إلى البنين وهكذا يتواصل نسل إبراهيم من إسحق إلى يعقوب، إلى الإثني عشر، إلى الشعب العبراني كلّه. مسيرة الحياة على الأرض تكون في الولادة ومنذ حوّاء تلعب المرأة الدور الأوّل ويقال عند بعض الشرّاح أنّ سارة هي إسم قبيلة، إسم عيلة، هي أميرة في شعبها، كما كانت أميرات عديدات، وملكات عديدات في العالم العربي القديم، نستطيع أن نتحدّث عن سارة الأميرة عن راحيل التي هي أمّ شعب كامل عن لبقة، عن زلفى، عن بلهى وعن كلّ هؤلاء النسوة اللواتي يذكرهنّ الكتاب المقدّس، وبعد أنّ الإرتباط الدينيّ والسياسيّ سيصل بنا إلى الإرتباط حسب اللحم والدم، إبراهيم صار قريب من إسحق، صار قريب من يعقوب بعد أن اتّحدت القبائل الثلاث بعضها مع بعض. وكذلك صارت سارة زوجة إبراهيم وأمّ إسحق. لمّا اتّحدت قبيلتها مع هاتين القبيلتين، مع العلم أنّ إبراهيم عاش قرب حبرون أمّا إسحق عاش في الجنوب عند بئر سبع. وهكذا قرأنا الفصل 13 من سفر التكوين وفاة سارة ودفنها. ماتت سارة وقد كبرت في السنّ، عاشت 3 أجيال، ماتت وكان موتها مناسبة ارتباط ابراهيم بالأرض، اشترى الحقل حقل حبرون، اشترى المغارة وهكذا ارتبط بالأرض فلن يذهب بعيدًا، عن الأرض التي دلّه الله عليها وإن أراد ابناءه أن يذهبوا فهم سيعودون لأن هنا كان مدفن سارة بانتظار مدفن ابراهيم فسيصبح المكان مقدّسًا بانتظار مدفن آخر، هو مدفن يسوع المسيح على جبل الجلجلة، هذا المدفن الذي لن يحتفظ بالميت وراء الحجار، بل ينفتح على ذلك الذي قام من بين الأموات وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM