عيسو ويعقوب

عيسو ويعقوب

سفر التكوين 25/19

الحلقة 45

وهذه مواليد إسحق ابن إبراهيم. إبراهيم ولد إسحق كان إسحق ابن 40 سنة حين تزوّج رفقة بنت لبتوئيل الآرامي بنت.... فأكل وشرب وقام ومضى واستخفّ عيسو بالباكوريّة.

نحن هنا في هذا المقطع أما ثلاثة أمور:

- أوّلاً: حبل رفقة زوجة إسحق بعد أن كانت عاقر.

- ثانيًا: ولادة عيسو ويعقوب.

- ثالثًا: عيسو يبيع باكوريّته ليعقوب.

بالآية 19: وهذه مواليد إسحق ابن إبراهيم، يعود الكاتب إلى الأساس. الأساس هو إبراهيم كما قلنا في حلقة سابقة. والأساس هو إبراهيم وإيمانه ينتقل. انتقل إذًا إلى إسماعيل وهو ينتقل هنا إلى إسحق. ويقول الكاتب: كان إسحق إبن أربعين سنة حين تزوّج، لم تكن ذلك عادة أهل البلاد، كانوا يزوّجون الإبنة في سنّ 12 أو 13 سنة والشاب كأقصى حدّ 18 سنة. عندما يقول الكاتب أربعين سنة فهو يدلّ على جيل، الجيل هو أربعين سنة. إذًا نتذكّر حياة موسى كانت أربعين سنة، ثمّ أربعين سنة، ثمّ أربعين سنة. أربعون سنة في مصر، أربعون سنة في البريّة واربعون في خلاص شعبه. نحن هنا أمام رقم رمزيّ لا رقم حقيقيّ. 18-19-20 كان يتزوّج الرجل و13-14 كانت تتزوّج المرأة. ويعود الكاتب فيربط ما قاله هنا بزواج إسحق قرأناه بالفصل 24. تذكّرنا بامرأته رفقا بنت لبتوئيل الآرامي، أخت لابان من سهل آرام يعني من شمال العراق، وكلّ مرّة نكون أمام مهمّة يعدّها الربّ لأحد عباده، لأحد مرسليه يخبرنا أنّ المرأة لم تلد حالاً، تاخّرت المراة لكي تلد. وهكذا يفهم الإنسان أنّ الربّ وضع عينه مسبّقًا على هذا الرجل الذي سيولد وإن هو يقرّر متى تلد المرأة متى لا تلد. يقول الكاتب: وصلّى إسحق إلى الربّ لأجل رفقة امرأته لأنّها كانت عاقرًا. فاستجاب له الربّ لأجل رفقة امرأته لأنّها كانت عاقرًا. فاستحاب له الربّ وحبلت رفقا، هذا ما نعيشه اليوم في محيطنا. عندما تتأخّر المرأة، العروس، الزوجة في أن يكون لها ولد. هناك الصلاة، هناك شفاعة القدّيسين، هناك زيارة الأماكن المقدّسة علّ الربّ يعطي، لأنّه بنظر المؤمن، الولد هو عطيّة الله. صلّى إسحق فاستجاب له الربّ، هذا يعني أنّ إسحق كان بارٌّا. لهذا استجاب له الربّ وصلاته لم تكن من أجله بالدرجة الأولة بل لأجل رفقة. فالمرأة العاقر كانت مرأة مهانة قد يتركها الرجل، قد يطلّقها لكي يتّخذ امرأة غيرها.

بالآية 22: يتحدّث عن ازدحام الولدين في بطنها، هذا أمر طبيعي، طبّي يقرأ على ضوء التاريخ اللاحق ما حدث في بطن رفقة. يعني الكاتب، يكتب أقلّه في القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد. يعني بعد هذه الأحداث بألف سنة. قرّاء التاريخ من خلال حشا أم الولدين الذين هم عيسو ويعقوب. هنا نشير، أنّنا في الأصل أمام قبيلتين، أمام أمّتين، أمّة عيسو أو الأدوميّين وأمّه يعقوب أو العبرانيّين. الكاتب يعد إلى الوراء ويرى هاتين الأمّتين. إنّ هاتين القبيلتين كانتا معًا وافترقتا بسبب الظروف السياسيّة. وقرأ التاريخ حيث العبرانيّون سادوا عادة على الآدوميّين. كانوا هم الأقوى. فجعل كلّ هذا في سؤال يتوجّه إلى الربّ في كلام يحمله الربّ. هذا يعني أنّ الربّ هو الذي يوجّه التاريخ، نحن لا نعرف إلاّ فيما بعد ولكن الربّ يوجّه التاريخ من خلال الأشخاص.

في المشهد الثاني، نرى ولادة الولدين: البكر عيسو الصغير يعقوب. ويتابع الكاتب وكان أبوه إسحق ابن ستّين سنة. يعني جيل ونصف الجيل كما قلت كلّ هذه الأمور والأرقام هي أرقام رمزيّة. يعني إسحق صاحب حكمة، صاحب هدوء لمّا ولد لهم هاتان الولدان. ويقول أيضًا أنّ عيسو اشتهرت بجلدها المليء بالشعر وقرّاء التاريخ أيضًا كيف أنّ يد يعقوب تفيض على عقب عيسو لأنّه خرج بعده. وكأنّه يقول بأنّ يعقوب سوف يقوى على عيسو لأنّه خرج بعده. وكأنّه يقول بأنّ يعقوب سوف يقوى علىعيسو. وأعطى الكاتب وجهين من الحياة في تلك الأيّام. وجه الصيد ووجه الرعاية، رعاية القطعان. هكذا كان المجتمع في الألف الثاني قبل المسيح. كان الناس يعيشون إذًا كان هناك الأشجار من القطاف وإلاّ يعيشون من الصيد، الصيد في البريّة. أمّا الفئات الثانية فكانوا رعاة مع قطعانهم. هكذا كان يعقوب وسوف نراه عند خاله لابان هناك يرعى قطعان خاله. لكن نلاحظ أنّ الرعاة أعطيت لهم صورة جديدة هو مسالم يلزم الخيام. الخيمة تنتقل ليست كالبيت، لكن هو مسالم لا يطلب الحرب. أمّا عيسو فسوف نرى أنّه صاحب طبع عنيف. لمّا أخذ أخوه البركة، عزم على قتل أخيه كما فعل قايين مع هابيل. وانقسمت العائلة، إسحق أحبّ عيسو وفضّله على يعقوب ورفقة أحبّت يعقوب ففضّلته على عيسو. كلّ هذا العالم الحضاري في الشرق نقرأه في هذا الخبر البسيط الذي فيه الكثير من الرموز والمعاني الروحيّة.

والمشهد الثالث: هو مشهد الباكوريّة، يعني من يكون البكر؟ واضح جدٌّا أنّ عيسو خرج الأوّل من بطن أمّه يعني فهو البكر يعني المكرّس لالله. يعني الذي هو موضوع بركة خاصّة من قبل الله. وهذه البركة كانت تظهر في الحياة الإقتصاديّة والإجتماعيّة فكان البكر يأخذ ثلثي الميراث إن لم يكن أكثر ويأخذ وظيفة أبيه. فالإبن الأكبر هو الذي يكمّل عمل أبيه. فإذًا البكر لأنّه يخرج، أوّل من يخرج من حشا أمّه تكون له امتيازات هامّة. هنا نشير إلى أنّ الكتاب المقدّس لا يتوقّف عند الأبكار. فالبكر بحسب البشر هو على المستوى البشريّ، بالصدفة، خرج عيسو أوّلاً ويعقوب ثانيًا. كان من الممكن أن يخرج يعقوب أوّلاً وعيسو ثانيًا. ولكن الربّ يترك هذه الفراضيّات، يترك هذه الرسوم ويأخذ الثاني. إسماعيل هو البكر أخذ إسحق. عيسو هو البكر أخذ يعقوب. وسوف نرى عندما يبارك يعقوب ابن يوسف، قرّب يوسف منسّى على أنّه البكر ولكن يعقوب دلّ على أنّ الربّ اختار رؤبين، افرايين بدل منسّى. إذًا الربّ هو حرّ باختياره. يختار من يشاء وهكذا اختار يعقوب بدل عيسو كما سوف نرى. هذه الباكوريّة التي كانت إذًا امتياز بالنسبة لعيسو على المستوى البشريّ لم يحترمها كما يقول العهد الجديد. عيسو لم يحترم هذه الباكوريّة، لم يحترم هذا الإمتياز، كأنّي به أعطي خمس وزنات فجعلها تحت الأرض. فاستحقّ ما استحقّه ذلك العبد الشرّير الكسلان. إذًا هنا عيسو أعطي وزنة أعطي عطيّة كبيرة، أعطي البركة فتخلّى عن البركة من أجل طعام بسيط، طبيخ من العدس. هنا نلاحظ بالآية 30 كلمة آدام يعني طعام. وهذه الكلمة آدام ارتبطت بآدوم. عندنا تلاعب كثير على الكلام في الكتاب المقدّس. ما هم الإشتقاق الفعلي. المهمّ المعنى الدينيّ، أو المعنى الروحيّ الذي يستخلصه الكاتب الملهم. وسوف نرى أيضًا في الأدب المنحول التابع للتوراة كيف أنّ أمور عديدة فسّرت بالمعنى الروحيّ. مثلاً بابل وهي باب إيل، باب الله صارت المبلبلة، تبلبلت الألسن. ابرام الذي هو في الواقع إبراهيم، أبرام الذي هو الأب الرفيع صار أب جموع كثيرة. اشتقاقيٌّا أبرام وإبراهيم هما شيء واحد. سارة وساراي هما شيء واحد. ولكنَّهم شدّدوا على سارة على أنّها الأميرة. وهنا يعقوب لأنّه أمسك بعقب أخيه عيسو. أمّا عيسو فمن غَطِيَ بالشعر، من غَشِيَ بالشعر، هكذا قالت الإشتقاقات القديمة. طبخ يعقوب طبيخًا، فلمّا عاد عيسو من الحقل وهو خائر من الجوع. هنا نجد من جهّة احتقار لهذه النعمة الكبيرة أن يكون الواحد البكر، ثمّ حيلة يعقوب ليأخذ الباكوريّة من أخيه. جاء عيسو وهو خائر من الجوع ومن أجل طعامه هو مستعدّ لأن يضحّي بكلّ شيء. هناك الخيرات الروحيّة والخيرات الجسديّة، الخيرات الإلهيّة والخيرات الماديّة ولكلّ واحد منّا صراع. ماذا يختار؟ وقال يسوع من أحبّ أبًا أو أمٌّا أكثر منّي. فلا يستحقّني. فهنا بركة الله من خلال الباكوريّة هي نعمة كبيرة فضّل عليها عيسو بعض الطبيخ، بعض العدس. أحسّ هنا يقول في 32: »أنا سائر إلى الموت فما لي والباكوريّة«. فكأنّ الإنسان إذا لم يكن قد اكل يموت حالاً. ولكن جعل أمامه هذا الطعام فنسي الباقي. لهذا شجبه التقليد اللاحق لأنّه لم يقم وزنًا لما أعطي له. أمّا يعقوب لعب لعبته وقال له: إحلف لي اليوم، إحلف لي، يعني إجعل الله شاهدًا لما تقوله أنت. كان الله نقل الباكوريّة من عيسو على مستوى البشر هكذا صار ولكن الله يكتب خطوطًا مستقيمة من خلال خطوطنا الملتوية المعوجّة. ويقول الكتاب فحلف له وباع باكوريّته ليعقوب وينتهي النص، فاستخفّ عيسو بالباكوريّة. نستطيع أن نطبّق الكلام علينا في حياتنا. إذا كان هناك خيرات ماديّة وخيرات روحيّة. ماذا نقول؟ أو إذا كان هناك اختيار بين الله والمال أو أن نعلن الله، نعلن يسوع المسيح أو الكفر بهم. نعنه الربّ والمسيح أو ننكره على غرار ما فعل بطرس. لم يعرف عيسو قيمة الباكوريّة ونحن مرّات عديدة، لا نعرف قيمة الإيمان الذي أعطيناه. لا نعرف قيمة العطايا التي يهبنا الله إيّاها. ولهذا نستخفّ بها كما استخفّ عيسو بالباكوريّة.

نذكر هنا أحبّائي أنّ الإبن الأكبر هو طوعًا مكرّس للربّ. هل كانت بعض الشعوب تقدّمه تضحية للربّ. ممكن، لكن هناك أكثر من علامة استفهام. أمّا في الشعب العبراني فكان البكر يفتدى. هكذا يقول الإنجيل أفتدي يسوع بزوجي يمام أو فرخي حمام. هذا ما فعلا والدي يسوع بالنسبة إلى يسوع. الشعب العبراني كان إذًا البكر يفتدى حتّى على قيد الحياة. ونشير بشكل عابر إلى أنّ الحمار كان أيضًا يفتدى للحاجة إليه لأشغال البيت، لنقل الأشخاص إلخ... هنا نصل إلى الكلام الأخير، الخطّان: خط عيسو آدوم وأدوم تقع اليوم بشرق الأردن وخط يعقوب يعني الشعب العبراني الذي أقام بشرق الأردن. يريد الكاتب أن يقول في الأساس، كان هذان الشعبان واحدًا. افترقا من غربي النهر، هر الأردن وشرقي نهر الأردن، ولكنّهما في الأصل شعب واحد العبرانيّون والآدميّون.

سيكون هناك بعض المرّات خلافات وحروب وحقد بين الإثنين وخصوصًا حين سقطت أورشليم على يد البابليّين سنة 587 ف. م. ولكن ما أراد الكاتب أن يبيّن منذ البداية وعلى ضوء الحروب التي شهدتها أرض فلسطين وشرق الأردن وغيرها، أنّ الشعوب كانت واحدة ويجب أن تبقى واحدة وما يوحّدها اليوم هو إيمانها بالإله الواحد، إله إبراهيم. إذًا الكاتب يقدّم لنا تاريخ الخلاص. يقدّم لنا تاريخًا مقدّسًا وليس معنى تاريخ هو سرد الأمور الصغيرة أو تقرير صحافي. كلاّ التاريخ هو هنا نظرة الله إلى الكون. يريد أن يجمع جميع الشعوب، كلّ الشعوب في واحد. يقول لنا مار بولس كلّ ما في السماء وما على الأرض. إذًا هنا نفهم أنّ الربّ هو الذي ينطلق دائمًا من الوحدة، من الوحدة. إسماعيل وإسحق هناك خلاف في الأساس يرتبطان بإبراهيم. عيسو أدوم ويعقوب عرانيّين. هناك خلاف يعرفه الكاتب الملهم في أيّامه، لكنّه يقول في الأصل كانا معًا في حشا أمّهما. إذًا دائمًا الكاتب يربط كلّ هذه الأمور بالوحدة. الوحدة هي البداية. كان الرجل والمرأة منذ البداية واحدًا، انفصلا ولكنّهما يجتمعان ليكونان جسدًا واحدًا. وهكذا أحبّائي فهمنا أنّه من خلال الصراع بين الآدومييّن والعبرانيّين الذي امتدّ طويلاً. هذا الصراع لا يريده الربّ. ففي البداية كان الأخوان معًا في حشا أمّهما. وتمنّى الكاتب أن يظلّ الأدوميّون والعبرانيّون هؤلاء الجيران الذين يتعاونون فينبذون الحرب، في خط عيسو الذي كان إنسانًا مسالمًا وفي خط يعقوبي الذي يقول عنه كان رجلاً مسالمًا. أجل، الحرب ليست للبشريّة بل للسلام والبركة هي كلمة الله في النهاية.

آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM