نسل قطورة

الحلقة 42  تكوين 25:

نسل قطورة 1/18

حين نقرأ هذا النصّ نتساءل ما قيمة هذه الأسماء؟ لماذا ذكرها الكاتب وبالنسبة إلينا ما معناهالله لا شكّ في أنّنا لا نتوقّف عند التفاصيل، وإن كانت هذه الأسماء معروفة بالتراثات القديمة، منها العربيّة، إذن هذه الأسماء كانت معروفة في قسم كبير منها، يبقى السؤال لماذا جعلها الكاتب الملهم هنالله جعلها هنا يربط جميع الشعوب بإبراهيم. مع إبراهيم هناك خليقة جديدة، هناك انطلاقة جديدة، مع آدم بدأت بشريّة إنتهت بالطوفان، وبعد الطوفان مع نوح بدأت بشريّة إنتهت بالتشتّت مع برج بابل. فصل 11 من سفر التكوين.

ومع إبراهيم يبدأ شعبٌ جديد هو شعب الإيمان.

حاولت البشريّة أن تبني نفسها بنفسها، منذ البداية أراد آدم أن يصير الله، وستغني عن الله،فإذا هو عبدٌ للخطيئة وللشرّ بعد الطوفان، حاول الناس أن يبنوا برجًا يصل إلى السماء، يهاجم الله في عقر داره، كأنّ السّماء مملكة مصوّرة، وأرادوا أن يصعدوا إلى هذه المملكة حتّى يهاجموا الله ويخضعوه له، بدل من أن يخضع الإنسان ؟، أراد الإنسان أن يُخضع الله له. أمّا مع إبراهيم فتبدّلت الأمور كلّها، هم أرادوا بقوّتهم أن يبنوا مدينة، أن يكونوا شعبًا تجاه الله، ضدّ الله، أمّا إبراهيم فما أراد أن يكون له شيئًا إلاّ من يدِ الله، من نعمة الله في سفر التكوين فصل 12/ الربّ هو الذي يتّخذ المبادرة وليس إبراهيم هو الذي يقول للرّب أنا أريد، أنا أقول، كلا. لكنّ الربّ قال لإبراهيم أترك أرضك وعشيرتك وبيتِ أبيك وتعال إلى المكان الذي أدلّك عليه. إذن الربّ هو الذي اتّخذ المبادرة وكان جواب إبراهيم نعم. فمضى إبراهيم كما أمره الربّ، إذًا نحن أمام بشريّة جديدة من نسل إبراهيم، من نسلِ الإيمان، ومضى الكاتب الملهم في كلّ هذا الشرق القديم، فجمع الشعوب والممالك والعشائر ليجعلها ترتبط كلّها بإبراهيم لكي تنال البركة التي نالها إبراهيم، ذاك كان الوعد الذي قاله الربّ، بك تتبارك جميع الأمم، كما بارك الربّ إبرام سوف يبارك جميع الشعوب في هذا الشرق، لا شكّ ستكون البركة خاصة لإسحق وستكون لجميع الأمم. لهذا السب ربط لاكاتب الملهم العمونيّين (عمان اليوم)، والأدوميّين بواسطة لوط، ربطهم بإبراهيم وهنا من قبيلة قطورة مع أولادها، دخلوا كلّهم في سلالة إبراهيم. ومواليد إسماعيل أيضًا دخلوا في سلالة إبراهيم، هم أولاد إبراهيم، هنا نلاحظ أسماء الأمّهات. مثلاً قطورة في آية 12، هاجر، هي قبائل وليست امرأة، وإذا كانت امرأة فهي تمثّل القبيلة. نتذكّر دائمًا أنّ المرأة دائمًا تدلّ على الشعب، إفرحي يا بنت صهيون، أي إفرحي يا شعب صهيون، يا شعب أورشليم. وهنا قطورة تدلّ على جماعة من القبائل، وكذلك نقول عن هاجر، إسماعيل ثم أبناء إسماعيل. وسنعرف بعد وقتٍ طويل أنّ هناك نسل أدوم ونسل إسحق، كلّ هؤلاء يدخلون في نسل إبراهيم، لسنا هنا أمام نسل من نوع ماديّ وعندما يقول في فصل 25/1 »وعاد...« وآية 7   أنّه سيموت قريبًا، فهذا لا يعني أنّ إبراهيم تزوّج وهو ابن 175 سنة، وكان له كل هذا العدد من الأولاد، كلاّ، أراد الكاتب أن يبيّن القرابة الروحيّة بين إبراهيم ونسل قطورة. كلّ هذه القبائل التي ارتبطت بقبيلة قطورة.

وتقول الشيء عينه عن هاجر التي هي قبيلة ارتبطت بها عدد من العشائر، فصارت قبائل على خُطاها. فنلاحظ في نسل إبراهيم 25/26 12 رئيس، لا ننسى أن قبائل بني إسرائيل هي 12، لماذا هذا العدد 12؟ 12 هو رقم كامل هو 4 رقم الكون، شمال جنوب الشرق الغرب × (ضرب) 3 رمز الألوهة. إذن نحن هنا أمام رقم الكمال. إذًا كان بنو إسحق إكتملوا بجدّهم إسحق وجدّتهم رفق، كذلك بنو اسماعيل كانوا كاملين في جدّهم اسماعيل وجدّتهم هاجر.

ولماذا العدد 12، لأنّ كان هناك معبد يتوالى على خدمته عدد من القائل. وبما أنّ في السنة 12 شهر، كانت القبائل 12 حتى تؤمّن كل قبيلة خدمة المعبد شهرًا في السنة. وهكذا سيكون الأمر بالنسبة لبني إسرائيل، سواء كانوا حول الجلجل، حول شكيم، حول المصفاة أو حتى حول أورشليم.

كان هناك 12 لتؤمّن كلّ قبيلة خدمة المعبد، وكذا نقول بالنسبة للكعبة في العصر الجاهلي. كانت هناك قبائل تدور حول كعبة وتؤمّن كل قبيلة خدمة المعبد شهر في السنة وفي العالم اليوناني، كذلك حول معبد دلفيس، كان هناك 12 مجموعة من الشعوب تؤمّن كل مجموعة خدمة المعبد. ونلاحظ من خلال هذا النسل، النسل الواسع أنّ هناك نسلاً خاصٌّا، هذا النسل يمرّ من إبراهيم إلى إسحق، من إسحق إلى يعقوب، إذن كان هناك أوّلاً إسحق وإسماعيل، إسماعيل أخذ خطٌّا آخر، أمّا إسحق فكان خطّ إبراهيم. ولدا إسحق هما يعقوب وعيسو، أخذ عيسو خطٌّا آخر، وكان يعقوب الخطّ الأساسي، ومن 12 قبيلة أبناء يعقوب خط يهوذا، وهكذا يتوالى الخطّ حتّى يسوع المسيح كما نراه في إنجيل متى فصل 1/1. مهمّ جدٌّا أن نفهم أهميّة الأسماء وأهميّة الأنساب في مثل هذا الكتاب، وفي مثل هذه الفصول، وهذه السلسلة أو النسب تربط كلّ شخص بإبراهيم ومن خلال إبراهيم بنوح، ومن خلال نوح بآدم، كما يقول القديس لوقا في السلسلة، اوردها يسوع كان يُعرف ابن يوسف إلى آخره، ابن آدم وابن الله. وهكذا ترتبط البشريّة كلّها بالله. بواسطة إبراهيم، قبله نوح وقبله آدم. ويقول النص أنّ إبراهيم أعطى إسحق كلّ ما يملك، هناك المعنى المادّي، أعطاه بعض الخراف أو بعض الجمال ولكن أهمّ من هذا اعطاه الإيمان، شعلة الإيمان ستكون في يد إسحق التي ينقلها إلى يعقوب وإلى القبائل حتى تصل إلى المسيح. هذه الشعبة سلّمها إذن إبراهيم إلى إسحق ويقول الكاتب وهو بعد حيّ أي في حياته وسيُقال بعد موت أنّ إبراهيم منذ حياته نقل إلى ابنه وأبنائه أعظم ما عنده من إرث وهو إرث الإيمان. وذكر الكاتب هذه السلالة حالاً قبل موت إبراهيم، لماذا؟ ليدلّ على أنّه كما الآب يُعطي ميراث لإبنه، كذلك إبراهيم أعطى ميراث لكلّ أبنائه وخصوصًا إسحق ويقول عن عمر إبراهيم 175 سنة. من الصعب أن يصل إنسان إلى هذا العمر لكن لا ننسى أنّ إبراهيم تأخّر في التعرّف إلى الله، تأخّر في الحصول على ابن، يقول 100 سنة، كل هذه الأرقام هي أرقام رمزيّة.

ما أراد الكاتب أن يقوله هو أنّ إبراهيم عاش مدّةً طويلة، ليبيّن أنّ علامة البركة، علامة بركة الله من أجل إنسان من الناس هي في العمر الطويل.

وهنا إبراهيم كان عمره أكثر من إسماعيل، إسماعيل فقط 137 - 120 ثم 110 - أمّا إبراهيم كان عمره أكبر الأعمار ليدلّ على أنّ برارته تفوّقت على برارة الآخرين ويقول في آية 8 وفاضت روح إبراهيم. يعني خرجت منه، لم يعد إنسانًا حيٌّا، ومات بشيبةٍ صالحة، الإنسان المبارك يموت بشيبةٍ صالحة، يموت شيخًا شبع من الحياة. نظرتنا نحن اليوم بعيدة عن نظرة العبرانيّين الذين لم يكونوا يؤمنوا بعد بالحياة في الآخرة. فسواء مات الولد أو الشاب أو الصبي، بعمر من الأعمار، فهو يستقبله الله، شيخًا شبع من الحياة وانضم إلى آبائه أي جُعِلَ في ذات المدفن مع آبائه. هنا نلاحظ أنّ ما قاله الكاتب عن إبراهيم قاله عن إسماعيل، (آية 7 - 17) هذا يعني أن لا رفض لأحد في مخطّط الله. الجميع لهم ميراثهم، الجميع لهم العمر الطويل، الجميع لهم البركات، إبراهيم، إسماعيل، إسحق. فبركة الله هي أوسع من أن تنحصر في شخص من الأشخاص أو في شعبٍ من الشعوب. ما نلاحظ في نسل إسماعيل هو هؤلاء القبائل المعروفة في الأدب العربي، هي قبائل عاشت في الصحراء - صحراء الأردنيّة والسوريّة، حتّى ما يسمّى اليوم السعوديّة؟ هذه القبائل كانت معروفة والعظمة في الكتاب المقدّس أنّه لم يترك إسمًا من الأسماء يضيع أبدًا. جمع كلّ الأسماء، لأنّ جميع الأسماء في قلب الله. يقول الربّ نقشتك على كفّ يدي، على كفّ يد الله نُقشَت جميع الأسماء، جميع العشائر، جميع الأشخاص، ولهذا حاول الكاتب الملهم أن يجمع أكبر عدد من الأسماء حتّى تكون الصورة كاملة، حتّى تكون جميع الشعوب التي تفرّقت بعد برج بابل، تكون كلّها في يد الربّ، في خطّ إبراهيم، في خطّ إيمان إبراهيم، ويذكّرنا الكاتب أخيرًا كيف أنّ إبراهيم دُفن مع سارة وعندما يقول مع آبائه هذا لا يعني شيء، لأنّ آباء إبراهيم هم في حاران، أمّا هو ففي فلسطين، وكذا نقول عن إسماعيل، انضمّ إلى آبائه، يعني عمليٌّا دُفن مع إبراهيم وهذا ما لم يقوله الكاتب الملهم، أن يقول النصّ في شخص إبراهيم وفي شخص إسماعيل، لم ينفصل عن آبائه، كما أنّ أبناءه لن ينفصلوا عنه، فستبقى العائلة مجموعة. نتذكّر هنا أن الموت في العالم العبراني كان ينتهي بخيال، لا يستطيعوا الموتى أن يسبّحوا الربّ، ولهذا يطول عمرهم حتّى يستطيعوا أن يسبّحوا الربّ مدى الدهر وإلى الأبد.

ارتبطت جميع القبائل والشعوب في هذا الشرق بشخص إبراهيم، بإيمان إبراهيم، ولمّا مات إبراهيم وهو ابن 175 سنة دون أن يخاف، لأنّ هذا الإيمان انتقل إلى الأبناء ولأنّ السلسلة تتواصل وتتواصل حتّى تصل إلى قمّتها فس شخص يسوع المسيح. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM