اسحق ذبيحة للرّب

سفر التكوين 22/1-19:

اسحق ذبيحة للرّب

- ختن إسحق فصار للربّ، ولكن كيف نعطيه للربّ؟

هناك طريقة أولى اعتاد عليها الوثنيّين في المنطقة، ماذا يفعلون؟ يذبحون البكر حتّى يكون كلّه للرّب وهكذا تكون العائلة التي تكون بعده كلّها للربّ، هكذا كان يفعل شعوب كثيرة في العالم القديم وهكذا فعل يفتاح بعد أن عاد من هربه مع العمونيّين فذبح ابنته، ويبدو أن هذه العادة انتشرت في العالم الكنعاني ومنه العالم الفينيقي هذه طريقة بأن نعطي إبننا ؟، بأن نردّه للربّ، الربّ أعطى والربّ أخذ، يعني أخذ في الموت ونحن نعجّل فنعطي ابننا ؟.

الطريقة الثانية هي طريقة حنّة أم صموئيل، أعطاها الربّ ولد، فكرّسته للربّ طوال أيام حياته، فيكون هذا الولد مكرّسًا ؟، في خدمة شعبه، هو الذي نقل الشعب من عهد القضاة إلى عهد الملوك هو الذي نظّم القبائل في وحدة، بأمرة شاوول ثم بأمرة داوود، ولكن إبراهيم الذي سمع صوت الله، الذي دلّ على سخاءٍ كبير تجاه الله، ومع ذلك إبراهيم لم يأخذ بطريقة حنّة وهي طريقة من يخاف الله بل أخذ بالطريقة الوثنيّة بطريقة شعوب كنعان، لهذا لم يرض الربّ عن عمله وإن كان رضي كلّ الرضى عن نيّته بأن يقدّم ابنه إسحق ؟، لهذا السبب سيرسل ملاكه، يقول لإبراهيم لا تمدّ يدك إلى الصبيّ، هنا نشير إلى كلمة ملاك ظهر في الفصل 21 لمّا سمع الله صوت الصبي نادى ملاك الله هاجر من السماء، وهنا الملاك ينادي إبراهيم ويقول له: »الآن عرفت أنّك تخاف الله«. ثمّ كرّس في آية 15 ونادى ملاك الرب ثانيةً إبراهيم من السماء وقال: »بنفسي اقسمت«، هو الله الذي يقسم نلاحظ هنا أنّ هناك نوع من مزج بين ملاك الربّ وبين الربّ، نستطيع أن نقول ملاك الربّ هو الذي يسبق الربّ، يعدّ الطريق للربّ، وكلمة ملاك تعني المرسل، عندما نقول الربّ تكلّم، في الواقع هو الله يتكلّم، والملاك يعدّ الطريق كالمنادي الذي يسبق الملك الآتي إلى المدينة، هنا لا نستطيع أن نميّز كثيرًا بين ملاك الربّ وبين الربّ، لكن إذا كان هناك من ملاك كشخص حيّ، هو الذي يسير أمام الربّ، هو كالمنادي أمام الملك، يدلّ على الربّ الذي يأتي بعده والذي يفعل. الملاك ينادي، يبشّر، والربّ هو الذي يفعل، يقول النص إبراهيم قد امتحنه الربّ، لا شكّ نحن أمام محنة كبيرة يقول »إسحق إبنك وحيدك الذي ليس لك غيره، وهنا جعل الكاتب الفصل بعد فصل 21، فنبّهنا إلى أنّ إبراهيم كان له ولدان، اسماعيل وإسحق، طرد اسماعيل، لم يبقى لإبراهيم إلاّ إسحق، كلّ الآمال معلّقة عليه، ومع ذلك يقول الربّ »خذ إسحق وحيدك« وبتابع النصّ الذي تحبّه، أربع كلمات تدلّ على عمق تعلّق إبراهيم بإسحق وبالتالي على عمق الألَم والعذاب الذي يحزّ بقلب إبراهيم وهو ذاهب ليذبح ابنه على جبل مورّية، نرى هنا كلمة إذهب إلى أرض مورّية، دائمًا الربّ يدعو إبراهيم ويدعو كلّ واحد منّا إلى الذهاب، إلى أين؟ إلى أرض، ما هي هذه الأرض؟ مورّية، تعني إلى أرض أريك إياها، من فِعلِ رأى، لا يقول الكاتب أبدًا إلى أين الربّ يريد أن يأخذنا، هو يدعونا إلى الذهاب، يدعونا إلى السير أمّا نحن فننطلق إلى إين؟ إلى المكان الذي يدلّنا عليه إلى الأرض التي يرينا إيّاها، تقول التقاليد أنّ مورّية هي أورشليم هو الموضع الذي عليه سيبنى هيكل أورشليم وسوف نرى على المستوى المسيحي، أن إسحق هو صورة بعيدة عن يسوع المسيح، إذًا المحنة كانت كبيرة جدٌّا هنا لدينا مستويين: المستوى الأوّل: مستوى الله والمستوى الثاني: مستوى البشر.

على مستوى البشر ما الذي دفع إبراهيم لأن يذبح ابنه إسحق؟ حين رأى الناس حوله يقدّمون أولادهم، وعندنا هنا مستويات عديدة مستوى عندما خاف إبراهيم على نسله فقرّر أن يذبح بكره ليسلّم باقي النسل كما كانوا يفعلون مع القطعان، يذبحون البكر من القطعان وهكذا يسلّم القطيع كلّه عن الفناء ومن الموت، وهنا درجة أخرى خاف إبراهيم على نسله فقدّم ابنه إسحق وهناك مستوى آخر رأى إبراهيم كيف أنّ الكنعانيّين يذبحون أولادهم إكرامًا لآلهتهم، فيدلّون على خوفهم من هذه الآلهة وعلى محبّتهم لهذه الآلهة، ما همّ أن يضحّون بأولادهم من أجل آلهتهم، أيا ترى إبراهيم لا يفعل مثلهم أيا ترى يكون إبراهيم أقلّ سخاءً من هؤلاء الناس، هم فعلوا وهو سيفعل.

جرجة ثانية: إقتدى إبراهيم بهذه الشعوب التي تعرّف إليها، هؤلاء الكنعانيّين الذين يذبحون أولادهم، إكرامًا للآلهة.

وفي الدرجة الثالثة: هنا نصل إلى المستوى الروحي، الربّ الذي ألهَمَ إبراهيم بأن يقدّم له ابنه وفي الواقع، الختان، كانت تقدمة إبراهيم إبنه ؟، هذه الطريقة لم تكن هي الفضلى، اعتبر إذن إبراهيم أنّ عليه أن يصعد ابنه محرقة على مثال الناس الذين حوله، يقول الكتاب المقدّس لا تفعلوا مثل الوثنيّين، يشدّد مار بولس على هذا الشيء: »لا نستطيع أن نتصرّف مثل الوثنيّين، لم يكن على إبراهيم أن يتصرّف مثل الوثنيّين، لكن مسيرته كانت مسيرة إنسان مؤمن، مسيرة إنسان يسمع صوت الله، والله الذي يقوده، لكي يقود عمله قدوة لأعمالنا ولكي تكون مسيرته قدوةً لمسيرتنا، والجميل هنا أنّ الله يتركنا في مسيرتنا مهما كانت هذه المسيرة بشريّة، كان بإمكانه أن يمنع إبراهيم من هذه المسيرة منذ البداية ويفهمه كيف يقدّم الإنسان إبنه ؟، فالربّ طويل البال، كثير الرحمة، ينتظر، يرافقنا حتّى في أعمق أعمالنا، حتّى في أعماق خطايانا، الربّ مستعدّ على أن يرافقنا ويسير معنا، هكذا كان يسير كلّ مساء مع آدم في الجنّة، يتمشّى معه في برودة المساء، هكذا كان رفيق نوح، هكذا سار مع إبراهيم من أور إلى حاران إلى أرض كنعان، هكذا سار يسوع المسيح مع تلميذي عماوس من أورشليم إلى عماوس، قلبان أسودان تركا الجماعة تركا أورشليم والعلية ومضيا، كان بإمكان يسوع أن يوقفهما من البداية لكنّه سار معهما، سمح لهما، فتح قلبه على حزنهما، تألّم معهما، وفي النهاية حين عرفاه بآخر المسيرة، تبدّل قلبهما فعادا، عادا إلى التلاميذ في أورشليم، ولكنّه لم يقطع عليهم مسيرتهم، تركهما يمضيان، يبتعدان عن الباقين وفي النهاية عادا أدراجهما وهذا ما سيفعله إبراهيم بعد هذه المسيرة نقرأ في آية 19 في الفصل 22 ثم رجع إبراهيم إلى خادميه.

مهما كانت مسيرتنا مليئة بالأخطاء والفشل والضعف فهو لا يصدّقنا ولا يوق مسيرتنا، يتركنا نتابع الطريق، هو بجانبنا وقريبًا منّا وفي النهاية سنفهم ونعرف، وبانتظار ذلك سيتألّم إبراهيم ألمًا عميقًا وهو الذي يقدّم أحبّ ماله، إسحق إبنه، وحيده، أين؟ لا يعرف، متى؟ لا يعرف أيضًا، فكما فعل في بداية مسيرته مع الله بسفر التكوين 12، هو يفعل هنا، قال له الربّ أترك أرضك، عشيرتك، بيت أبيك، فترك كلّ شيء. ومضى إلى المكان الذي يريه إيّاه الله، هنا أيضًا سيمضي إبراهيم، في الآية 3: »فبكّر إبراهيم في الغد«، هذه الكلمة تتردّد مرارًا، لم ينتظر إبراهيم مدّة طويلة، فأخذه سريعًا في الغدّ، فعندما يطلب الملك طلبًا نسرع في تلبية طلبه، وماذا يقول عندما الله طلب من أجل مؤمن اسمه إبراهيم، نتذكّر إييمالك الذي بكّر في الغدّ حين كلّمه الله وقال له »ردّ هذه المرأة إلى زوجها« وسترى أيضًا بفصل 21، كيف بكّر إبراهيم في الغدّ وأرسل هاجر مع ابنها لأنّ هناك خطّين أمامه. خط إسماعيل وخط إسحق، إحتفظ الربّ بخط إسحق، فمضى إسماعيل في طريق أخرى، لهذا بكّر إبراهيم وفعل ما يجب عليه أن يفعله، نلاحظ دائمًا في الكتاب المقدّس   كيف أن الربّ ينادينا »يا إبراهيم« هذا النداء هو في أعماق قلوبنا نحن لا نسمع صوت الله كما نسمع صوت البشر، صوت الربّ عميق في أعماق قلوبنا، قد يكون بعض الناس قد قال لإبراهيم أيا ترى أولئك الشعوب يحبّون الله أكثر منك، إذن إبراهيم سمع نداء في أعماقه يقول له: »إبنك قدّمته لي، وأنا أريده لي، ولكن لا أريده بهذه الطريقة كما يفعل الوثنيّون، أنا أريده لي كي يحمل الموعد، منك إلى يعقوب ويعقوب إلى الإثني عشر من الإثني عشر إلى الشعب العبراني ومن الشعب العبراني عبر الملوك والآباء والأنبياء يوصله إلى المسيح، هكذا إسحق يكون إبن إبراهيم، يصبح إسحق إبن الله وكما كان إبراهيم مثالاً للمؤمنين حين يقدّمون ذواتهم للربّ، هكذا سيكون إسحق مثالاً للأنبياء الذين يقدّمون ذواتهم للربّ، هكذا فعلت حنّة أم صموئيل قالت يا ربّ إن أعطيتني ولدًا أقدّمه لك لكلّ أيّام حياته، وتجاوب صموئيل مع صلاة أمّه، فكانت حياته كلّها مقدّمة للربّ.

هذا هو القسم الأوّل من إسحق كذبيحة للربّ توقّفنا فقط عند الآية 3 وفهمنا هذه المحنة التي عاشها إبراهيم، رأى فيها نداءً من الربّ تألّم كثيرًا، إعتبر أنّه بعيدًا عن الربّ، في الواقع كان الله معه لأنّ إسحق هو إبن إبراهيم وهو إبن الله وكما أعطى الله الحياة مرّة أولى لإسحق سيعطيه مرّة ثانية لن يسمح لأبيه أن يذبحه عند ذاك يصبح إسحق إبن الله بعد أن يمرّ في موت قدّمه له أبوه، سيكون إسحق هنا إبن الله بعد أن يمرّ في هذه الذبيحة فيصوّر حقٌّا شخص الله الذي ذهب إلى الجلجلة، إلى الصليب، إلى الموت وإلى القيامة.

 

 

 

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM