سكّان الأرض

سكّان الأرض

(فصل 10)

الحلقة 24

هنا نفرح قبل أن نقرأ هذا النصّ لهذه النظرة من الكاتب الملهم جمع كلّ الشعوب في لوحة واحدة. جمع أسماء العلم وأسماء البلدان وأسماء الشعوب وأسماء المدن وأسماء القرى. جمعها كلّها في لوحة واحدة وقيل هم سبعون، سبعون شعبًا (7×10) لا ننسى رقمين كاملين، 7 في العام الثاني (7 الذي هو جمع 3+4) و10 في العالم اليوناني يعني جمع الأرقام الأربعة الأولى (1+2+3+4). إذًا سبعين شعب سيذكرهم الكاتب هنا ليقول أنّ البشريّة كلّها خرجت من يد الله. لا شكّ ستكون هناك نظرة ضيّقة عند الشعب العبراني، فيعتبر نفسه وحده شعب الله ويعتبر أرضه وحدها الأرض المقدّسة. كلاّ جميع الشعوب هي شعوب الله وكلّ الأرض هي أرض الله. وكم هو جميل عندما نقرأ مرّات عديدة كلمةالأرض بدون أيّ صفة، بدون أيّ تحديد، فهي تعني من جهّة أرض فلسطين، بلا شكّ أرض فلسطي تقدّست بشكل خاص بمرور يسوع عليها، بحياة يسوع بها ولكن كلّ الأرض هي مقدّسة بعد أن وصل إليها الإنجيل، بعد أن وصل تعليم يسوع المسيح. ولكي يبيّن الكاتب ارتباط جميع البشر بالله، انطلق من نوح، ثمّ شجرة بثلاث جذوع سام وحام ويافت. ومن هذه الجذور الثلاثة وصل بنا إلى جميع أمم الأرض التي عرفها في القرن السادس أو القرن الخامس ق.م. فيبدأ النصّ فييقول فصل 10/1 وهؤلاء مواليد بني نوح سام وحام ويافت ومن ولد لهم من البنين بعد الطوفان. هكا ربطنا الله وربط البشريّة كلّها بثلاثة أسماء سام وحام ويافت. وبدأ أوّلاً ببني يافت، يعني بدأ بأهل أوروبا. هنا لا نحاول أحبّائي أن نحافظ على المقابلة بين الشعوب وبين أوروبا ولكن نفهم أن بعض الشعوب هي حقٌّا من أوروبا مثلاً بنوياوان بآية 4 يعني أهل اليونان. مثلاً ترشيش هي في إسبانيا على نهر الوادي الكبير. والكتيم هي قبرص، الرودانيم هي روس. ونستطيع أن نتوقّف عند أسماء وأسماء لا مجال هنا أن نتوقّف عندها. ولكن نفهم أنّ هذه الشعوب البعيدة عن أرض فلسطين كانت معروفة وكانت هناك دراسات نذكر على سبيل المثال هيرودوتوس اليوناني أو سترابون أو غيرهما الذين تعرّفوا إلى تواريخ الأمم وكتبوا عنها ما كتبوا. ولا ننسى حنّون الفينيقي ويتابع فيذكر أشور ونينوى. يذكر إذًا هذه المدن المعروفة، المعروفة في ذلك الوقت، آشور ومنهم جاء الذي أتى فيهم الآشوريّون ونينوى عاصمتهم التي ستدمّر سنة 612. ويتابع فيذكر أسماء من هنا ومن هناك. وفي آية 15 يربط بكنعان صيدون، صيدون يقول: وكنعان وُلِد صيدون بكرًا. نلاحظ هنا أحبّائي بأنّ كنعان هي مجموعة قبائل حلّت على الشاطئ من مصر حتّى تركيا، فكان منهم العبرانيّون والفينيقيّون وأهل أوغاريت وشعوب كثيرة غيرها. اعتبر أنّ كنعان هو رجل وصيدون هو ابنه. لكنّنا نعرف أنّ كنعان هي منطقة ممتدّة من مصر إلى تركيا وصيدون هي مدينة مشهورة على الساحل اللبنانيّ، اليوم اسمها صيدا. لماذا جعل من صيدون بكر كنعان؟ لأنّه عندما كتب الكاتب هذا النصّ كانت صيدون أعظم مدينة على شاطئ البحر المتوسّط. نحن نعرف بأنّ هذه المدينة سوف يدمّرها الحثّيون وسيحلّ محلّها صور. ولكن صيدون كانت كبيرة جدٌّا ويذكر في الوقت عينه، الحثّيين واليبوسيّين والأمومريّين إلخ... الأرواديّين، الصمّاريّين يعني في تركيا وهكذا تفرّقت عشائر الكنعانيّين.

انطلقنا من يافت وصلنا إلى حام وكنعان وغيره. نلاحظ أن كنعان مع أنّه لعن من أبيه، مع أنّه صار خاطئًا بخطيئة كبيرة إلاّ أنّ الربّ أعطاه صيدون بكره وأعطاه شعوب عديدة أقامت في هذه المنطقة من العالم. وذكر مع كنعان سدوم وعمورة وأدمة وصبوئيم. وهي مدن وخصوصًا سدوم وعمورة، اشتهرت بأنّها دمّرت في زلزال، في بركان وصارت صخورًا من الملح. وسدوم وعمورة هي في خط كنعان الذي زنى الرجل مع الرجل دون ربما أن يصلوا إلى زنى مع الأهل. وفي النهاية كما تطواف الأعظم، الأكبر يأتي في النهاية، بعد يافت وحام، جاء سام. في سفر التكوين فصل 10/1، وولد لسام أيضًا بنون، وهو أبو جميع بني عابر وأخو يافت الأكبر. وعابر هنا نتذكّر كانت قبائل اسمها قبائل عابر ارتبطت بسام. وبعد ذلك سيصبح العبرانيّون أولئك الذين جاؤوا من عبر الفرات يعني من الجهة الثانية من الفرات. ولكن قبائل عابر اشتهرت بالسلب في أيّام السلم وبالحرب في أيّام الحرب، كانوا مرتزقة، تدخل هذه القبائل في جيوش الذين يريدون الحرب ومن هم بنو سام. أوّلاً عيلام يعني الأرض العالية وما يقابل اليوم جزء من إيران والعراق. آشور هي البلاد الآشوريّة ما يقابل اليوم الموصل وما حولها. وأرفكشاد ولود وأرام يعني بلاد الآراميّة التي امتدّت من تركيا حتّى حمص وحماه ودمشق وبعض بلاد الرافدين العليا. وبنو أرام هم غوص وحُول وجائر وحاش ولكن الكاتب ينطلق من سام، سام هناك م جهة عندنا عيلام وآشور إلخ... يترك هؤلاء كلّهم حتّى يترك الأراميّين حتّى يتوقّف عند العبرانيّين أرفكشاد وشالح وعابر. هنا إذًا نحن ننطلق من الواسع الواسع، حتّى يطلّ إلى الضيّق الضيّق. التاريخ في هذا الفصل مثل القمع، القمع يكون واسعًا واسعًا ثم يضيق ويضيق حتّى تمرّ فيه السوائل من زيت وماء وخمر إلخ... وهنا ستضيق إلى أن نصل إلى عابر الذي هو جدّ العابريّين. يقول: ووُلد لعابر إبنان اسم الأوّل لا نعرفهما، اسم أحدهما فالج لأنّ في أيّامه انقسمت الأرض وإسم أخيه يقطان. وينطلق في خط يقطان ويترك فالج ويصل إلى يقطان. وينهي الكتاب فصل 10/32 هؤلاء عشائر بني نوح بموالدهم، بأممهم. ومنهم تفرّقت الأمم بعد الطوفان.

أحبّائي نستخلص من هذا الفصل الذي فيه الأمور العديدة عن الشعوب والبلدان. هذا الفصل هو سفر التكوين فصل 10. هنا نشدّد على نظرة الكتاب المقدّس إلى التاريخ، إلى الزمن. في العالم اليوناني، الزمن يدور في حلقة مقفلةن ينطلق من نقطة ويدور ليعود إلى هذه النقطة. هنا نفهم مثلاً في هذا الخط التقمّص أو نأخذ جسد جديد. هذه النفس تأتي من فوق وتأخذ جسدًا وتعود إلى فوق. التاريخ كما قلت هو حلقة مقفلة نبدأ من هنا ونعود إلى هنا. هذا خصوصًا الوضع الموجود في عالم اليونان والذين تبعوا العالم اليوناني أو الذين استقى منهم العلم اليوناني. أمّا في الكتاب المقدّس، التاريخ له بداية والتاريخ له نهاية يعني عندما قال الكاتب الملهم في الفصل الأوّل من سفر التكوينك في البدء خلق الله السموات والأرض يعني جعل بداية. وحده الله لا بداية له نقول: من الأزل إلىالأبد أنت الله. أمّا الكون له بداية، في البداية خلق الله السموات والأرض وله نهاية عندما يأتي المسيح بمجدٍ عظيم ليدين الأحياء والأموات.

نتحدّث هنا أحبّائي عن البداية المنظورة والنهاية المنظورة. لكن إن كان للكون من بداية منظورة ولا منظورة، لكنّه سيكون كما قلت أرض جديدة وسماء جديدة بمعنى أنّ هذا الكون لن يعود إلى أبد الآبدين. إذًا مسيرة الكتاب المقدّس هي مسيرة تاريخيّة بدأت من البشريّة كلّها وضاقت حتّى وصلت إلى أبناء سام. وفي الحلقات التالية سوف نرى كيف إنّنا نصل إلى إبراهيم. مع إبراهيم ستكون مسيرة جديدة بتاريخ الله على الأرض، مسيرة الإيمان، يعني نستطيع أن نقول في الفصل 10 هي مسيرة البشريّة بما وردت من أولاد، بما كوّنت من أمم، أمم تفرّقت، تشتت في الأرض كلّها مع إبراهيم في الفصل 12 سنكون في مسيرة الإيمان التي تصل بنا إلى يسوع المسيح وهنا أريد أن أشكّك وإن قرأنا النصوص الكتابيّة بمعناها الروحيّن بمعناها الرمزي، بمعناها اللاهوتي، فهي تنطلق دومًا من الواقع التاريخيّ من الواقع الذي نعيشه في كلّ يوم. نحن لا ننطلق من علىالأرض، فهذه الأرض ستكون أرض الله. وهذه الشعوب ستكون شعب الله. قد تتنوّع لغّاتها، قد تتنوّع مساكنها، في النهاية هناك لغّة واحدة لغّةالله الذي بها يكلّم البشر. قد تتنوّع البلدان، ولكن هناك بلد واحد نقترب منه كلّنا هو بلد الإيمان. هناك الفردوس، في البداية كان الفردوس وفي النهاية يكون الفردوس، لأنّ الفردوس حيث يكون الله. وهذا يعني إنّ هذه الأرض باتّساعها وتنوّعها هي في النهاية أرض الله، أرض يريد أن يباركها الله، ان يجعلها موقع حضوره، موقع إيمانه، لهذا طلب من الإنسان أن يكون هنا. بل أقام عهدًا بينه وبين الإنسان وسوف نرى الحشرجة الأخيرة بين الله والإنسان. الحشرجة الأخيرة من الإنسان في بناء برج بابل ولكن بعد ذلك سننطلق من أجل مسيرة جديدة تبدأ مع ابراهيم وتصل إلى يسوع المسيح. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM