الفصل 1: المطران يوسف الدبس مراحل حياته

المطران يوسف الدبس مراحل حياته

حين نتكلَّم عن المطران يوسف الدبس، رئيس أساقفة بيروت من سنة 1872 إلى سنة وفاته سنة 1907، حين نتكلَّم عن هذا المطران، يتبادر أوَّل ما يتبادر إلى ذهننا، ذاك الذي ترك وراءه أثرًا تاريخيًّا هامًّا، بل موسوعة هو تاريخ سوريا الدينيّ والمدنيّ في ثمانية أجزاء وفي 4586 صفحة. ولكنَّ مسيرة المطران الدبس كانت أوسع من ذلك. فقد ألَّف ثلاثين مجلَّدًا ونيِّف وأسَّس مطبعة وأطلق جريدة ومجلَّة وفتح المدارس ولاسيَّما مدرسة الحكمة، وبنى الكنائس ومنها كاتدرائيَّة مار جرجس المارونيَّة في قلب بيروت. كتب في التاريخ ولكنَّه لم ينسَ الأدب والشعر، كما كان اهتمامه بالكتب الدينيَّة كبيرًا، وبتثقيف كهنته والمؤمنين في وجه الآتين من الغرب يحملون تعاليم لا تقبل بها الكنيسة الكاثوليكيَّة.

إلى هذا الأسقف الذي توفِّي منذ مئة سنة ولكنَّه لبث حيًّا في ما ترك من مشاريع تشهد لأعماله، نتعرَّف، ونتعرَّف أيضًا إلى شخصيَّته وإلى آثاره، ونقرأ بشكل خاصّ مقدِّمته لشرح الأناجيل الأربعة الذي جاء في 1034 صفحة ملخَّصًا عن كبار الشرّاح في عصره.

1- مراحل حياته

أ- المرحلة الأولى

وُلد يوسف حنّا الدبس في 8 تشرين الأوَّل سنة 1833 في رأس كيفا (قرب زغرتا، في شمال لبنان). كان جدُّه قد هاجر من غزير في أواخر القرن الثامن عشر. وأبوه ترك رأس كيفا إلى كفرزينا القريبة، قرية زوجته روجينا عطيَّة. في كفرزينا تعلَّم يوسف مبادئ القراءة والكتابة بالسريانيَّة والعربيَّة.

في 25 شباط 1847، أرسله السيِّد بولس موسى كسّاب، مطران طرابلس، إلى مدرسة عين ورقة، فتعلَّم فيها إضافة إلى السريانيَّة والعربيَّة، الإيطاليَّة واللاتينيَّة غير أنَّه ترك المعهد بعد ثلاث سنوات "لأسباب داخليَّة" ولكنَّه لم يترك العلم بل أضاف إليه التعليم. فتح مكتبًا يعلِّم فيه اللغة العربيَّة، وظلَّ يمارس اللاتينيَّة. في ذلك الوقت درس الفلسفة على يد الخوري يوسف السمعانيّ، واللاهوت على يد أحد الآباء الكرمليّين.

سنة 1853، طلب منه أسقفه أن يترجم عن الإيطاليَّة مجلَّدًا ضخمًا للقدّيس ألفونس ليكوري موضوعه: تاريخ الهرطقات مع دحضها. وهكذا أنتج يوسف الدبس أوَّل مؤلَّف وهو ابن عشرين سنة، ولا ينتهي من الكتابة حتّى وفاته. أمّا الكتاب فنُشر في مطبعة طاميش سنة 1854.

في 15 حزيران 1855، رُسم يوسف كاهنًا وتسلَّم مهمَّة التعليم في مدرسة مار يوحنّا مارون، في كفرحي من بلاد البترون، ولبث في هذا العمل خمس سنوات. في السنة المدرسيَّة يعلِّم، وفي العطلة الصيفيَّة، في المقرِّ البطريركيّ في الديمان، يترجم ويؤلِّف. ففي سنة 1858-1859، ترجم لطلاَّبه مختصر المقالات اللاهوتيَّة للأب اليسوعيّ يوحنّا بيروني (1794-1876). جاء الكتاب في ثلاثة أجزاء. الجزء الأوَّل (512 صفحة) طُبع سنة 1877، والثاني (584 صفحة) سنة 1879، والثالث (606 صفحات) سنة 1881. جاء كتاب البيرونيّ في أربعة أجزاء، ولكنَّ الخوري يوسف الدبس توقَّف عند الجزء الثالث وما نقل الرابع.

وفي تلك الحقبة عينها، نقل الخوري يوسف عن اللاتينيَّة الرسوم الفلسفيَّة عن يوسف لويس دوفسكي (1818-1879). يحتوي هذا الكتاب علم المنطق والأنطولوجيّا واللاهوت الطبيعيّ وعلم النفس وعلم العالم وعلم الأدب. لبث الطلاّب يتناقلون هذا الكتاب، فلم يُطبَع منه سوى علم المنطق بقسميه في المطبعة العموميَّة (145 صفحة). ولكن بقيت مخطوطة كاملة في المكتبة الشرقيَّة في بيروت (عدد 371).

وهناك مؤلَّف رابع كتاب اللاهوت النظريّ يقول فيه الدبس إنَّه ترجمه وهو بعدُ كاهن.

ب- المرحلة الثانية

سنة 1860، انتقل الخوري يوسف الدبس إلى أمانة سرِّ البطريرك بولس مسعد، ولبث في هذه المهمَّة حتّى سنة 1872، سنة ترقيته إلى الدرجة الأسقفيَّة. ونتركه يروي رفقة البطريرك مسعد سنة 1867. قال: "وقد سافر (البطريرك) سنة 1867 إلى رومة لدعوة الحبر الرومانيّ له للاحتفاء بالعيد القرنيّ للقدّيسين بطرس وبولس وإعلان تطويب بعض الشهداء. وكنت بخدمته في سفره. وبعد عودتنا منه شهرت كتابي الموسوم بسفر الأخبار في سفر الأحبار. جمعتُ فيه تاريخ المدن التي مررنا أو أقمنا بها..." (تاريخ الموارنة، حاشية 1، ص 364-365). ويواصل الدبس كلامه: "خدمتُه (= البطريرك) سبع عشرة سنة. منها خمس سنين مدرِّسًا لتلامذة المدرسة البطريركيَّة المعروفة بمدرسة مار يوحنّا مارون حيث كان يصرف كلَّ سنة أشهرًا، وكنت أقضي لديه مدَّة العطلة. واثنتا عشرة سنة كنتُ فيها كاتبه، وأمين أسراره، وملازمًا له في أشغاله. فعرفتُه حقَّ المعرفة، وخبرت فضائله العميقة... وكان يعترف عندي مرّات فأحقِّق أمام الله أنّي كنت أتلبَّك لأجد له مادَّة للحلّ" (ص 365).

في تلك الحقبة القاسية إثر المحنة الكبيرة التي أصابت الموارنة في "مجزرة الستّين"، كان كاتمَ أسرار البطريرك. وبالرغم من الأشغال العديدة، لا يتوقَّف عن البحث الفكريّ والتنقيب في شتّى المواضيع. فتطرَّق إلى الشعر وعالج الصرف والنحو كما ترجم الرسوم القانونيَّة، ووضع كتيِّبًا في تقسيم الميراث ومعجمًا للفقه.

أمّا الرسوم القانونيَّة فتُرجم بطلب من البطريرك مسعد، ولكنَّه لم يُطبَع. ومعجم الفقه كما سمّاه جرجي زيدان في ترجمة مشاهير المشرق (الجزء الثاني، ص 255) هو قاموس فقهيّ مأخوذ عن ردِّ المحتار على الدرِّ المختار. ضاع الكتاب وما وُجد له أثر في لوائح مخطوطات المكتبات. أمّا تقسيم الميراث كما دعاه الأب لويس شيخو وجورج غراف. فهو شرح في تقسيم الإرث ويُسمّى الفروض كما دعاه يوسف أسعد داغر (مصادر الدراسة الأدبيَّة، الجزء الثاني، ص 359). جاء الكتيِّب في 20 صفحة، وطُبع سنة 1878، ولكنَّنا لم نعثر على الكتاب.

وفي تلك الحقبة أيضًا، نشر تحفة الجيل في تفسير الأناجيل الذي سنعود إليه، ثمَّ رسالة إلى الطوائف الشرقيَّة. طُبعت سنة 1869 وجاءت في 216 صفحة. أراد الدبس، في فصول أربعة أن يبرهن عن رئاسة الحبر الرومانيّ، وأسباب عقده المجمع، وضرورة حضوره، وصحَّة عقيدة رومة. وقد امتدح سليمان البستانيّ في دائرة المعارف (7: 625) "رقَّة العبارة ونزاهة الكلام"، ودعا الباحثين للاقتداء به.

والمسألة التي تطرَّق إليها الدبس خلال إقامته مع البطريرك، الدفاع عن ديمومة الإيمان المستقيم عند الموارنة. فقد اتَّهموا بالمونوتيليَّة أو بدعة المشيئة الواحدة. انبرى الخوري يوسف للدفاع في كتاب عنوانه روح الردود في تفنيد زعم الخوري يوسف داود السريانيّ. طُبع هذا الكتاب سنة 1871 (8 + 352) مع ترجمة لاتينيَّة حرَّة، في أسفل الصفحات. وقد جاء يدافع عن صحَّة عقيدة الموارنة الكاثوليك بوجه الحجج التي جمعها الخوري (المطران فيما بعد) وأرفقها كملحق لكتابه باللاتينيَّة المطبوع في رومة سنة 1870. عاد الخوري داود فأطلق مؤلَّفًا ضخمًا عنوانه: جامع الحجج الراهنة في إبطال دعاوى الموارنة. ردَّ عليه الخوري الدبس في الردِّ على الحجَّة المسمّاة راهنة وهي واهنة، ثمَّ كان كتاب في اللغة الفرنسيَّة وفي اللغة العربيَّة. وطال الجدال واحتدَّ بين الكاهنين إلى أن تدخَّلت رومة. "فدوَّن داود صكَّ اعتذار واستغفار تجاه الدبس وبطريرك الطائفة وأساقفتها وشعبها" (الحايك، حاشية 2، ص. ش)

والمسألة الثانية: علاقة الموارنة بالمردة. ونقرأ ما ورد في المشرق 6(1903)، ص 404-413 بعنوان "ليس الجراجمة المردة": "قد أتحفنا "المشرق" الأغرّ في هذه المدَّة بمقالتين، إحداهما للأب هنري لامنس اليسوعيّ في الجراجمة، والثانية للأب أناستاس الكرمليّ عنوانها المردة أو الجراجمة. وبما أنَّ الغرض من المقالتين هو البحث العلميّ الصرف، كان يقيننا ثابتًا بأنَّ حضرة الكاتبين يتلقَّيان بالمسرَّة الخوض معهما في هذا الميدان.

"إنَّ واقع الحال هو حضرة الأب لامنس. كتب مقالة أولى أنكر فيها أنَّ المردة هم الموارنة، فأجبناه على هذه المقالة، وأيَّدنا كلامنا بثمانية أدلَّة تُثبت رأينا في أنَّ المردة اسم للموارنة في القرن السابع. غير أنَّ الأب المومأ إليه، عوضًا عن أن ينقض تلك الأدلَّة كما تقتضي طريقة الجدال الحقَّة، ويأتي بما يريد في تأييد رأيه، إن كان له ما يؤيِّده، أتى بالمقالة الثانية يُثبت رأيه بما لا نراه يؤيِّده، زاعمًا أن الجراجمة أشبه بالمردة في أصولهم. فهم المردة أنفسهم. ثمَّ رأينا في "المشرق" مقالة الأب أناستاس أشبه بمقالة الأب لامنس، فتحتَّم علينا أن ندوِّن هذا الردّ انتصارًا لما نراه حقًّا". في مقطع أوَّل، "في زعم الأب لامنس". وفي مقطع ثانٍ، "زعم الأب أناستاس". وبعد هذا المقال قالت مجلَّة المشرق في حاشية: "بعد مقالة السيِّد المفضال والمطران الجليل يوسف الدبس والملاحظات السابقة، لم نعُد نرى داعيًا لمواصلة هذا البحث. ومن ثمَّ لا نقبل رسالة لأحد في هذا الصدد. فلكلٍّ أن يفحص ما جاء الفريقان من الأدلَّة، ويرتأي ما يرى فيه وجه الصواب، جريًا على قول القدّيس أوغسطينوس: "فلنلازمنَّ الوحدة في الإيمان، والحرّيَّة في الأمور غير الثابتة، والمحبَّة في كلِّ شيء".

ج- المرحلة الثالثة

في 11 شباط سنة 1872، اختير الخوري يوسف الدبس أسقفًا، ورُقِّي إلى الدرجة. "فأخذ يجدُّ ويكدُّ ليلاً نهارًا، صارخًا الجهد إلى ما فيه جرِّ المنفعة الروحيَّة والعلميَّة إلى أبناء طائفته وسائر أبناء وطنه، مكبًّا على ما فيه خيرهم، قائمًا بأعمال وظيفته بالوعظ والإنذار والسهر. وكثيرًا ما تولّى بنفسه أمرَ الرياضات والاهتمام بالمدارس وتهذيب الكهنة ومساعدة أكثرهم في أحوالهم المعيشيَّة حتّى قلَّما يوجد قرية من قرى أبرشيَّته ليس فيها مدرسة أو مدرستان، موجِّهًا مزيد العناية إلى النظر في أحوال الفقراء وإلى الأعمال الخيريَّة".

ذاك ما قاله سليمان البستانيّ في دائرة المعارف، فأوجز مسيرة المطران يوسف الدبس. بدأ فاقتنى مطبعة طالما حلم بها، بل حين كان بعدُ "في أمانة سرِّ البطريركيَّة، تشارك مع صديقه الوفيّ رزق الله خضرا الذي كان شريك يوسف الشلفون في "المطبعة العموميَّة" (المنشأة عام 1861). فابتاعا قسم الشلفون في المطبعة التي تسمَّت فيها بعد (1877) "المطبعة العموميَّة الكاثوليكيَّة، ثمّ (سنة 1908) المطبعة العموميَّة المارونيَّة" (الحايك، ص د). في هذه المطبعة نشر المطران الدبس مؤلَّفاته.

واشترى المطران مع رزق الله خضرا قسم الشلفون في المطبعة، كذلك فعلا حين اشتريا امتياز جريدته "النجاح" التي أسَّسها الشلفون سنة 1870، فكانت أوَّل جريدة تصدر في المشرق. انتشرت انتشارًا يُعتبَر واسعًا في أيّامها فوصل عدد المشتركين إلى الألف سنة 1875.

وبعد المطبعة والجريدة، المدرسة. إليك ما يقول المطران الدبس في هذا المجال (الجامع المفصَّل، ص 380) بعنوان: "في المدارس التي أنشأها الموارنة في هذا القرن" (التاسع عشر: عين ورقة، ريفون...):

"كلُّ ما مرَّ ذكره من المدارس، أُنشئ لتهذيب الإكليريكيّين وتعليمهم، ولم يكن في طائفتنا مدرسة لتعليم الشبّان العالميّين. ولمّا دعاني الله بوافر سخائه، لا باستحقاقي، إلى أسقفيَّة بيروت، وكان أوَّل اهتمامي إنشاء هذه المدرسة للعلمانيّين، وأشرتُ إلى ذلك في أوَّل خطبة ألقيتها في هذه المدينة، وأخذتُ أستعدُّ لذلك، وأبحث عن محلٍّ يوافق هذا الغرض... بعد أن كاشفت... السيِّد البطريرك ومجمع نشر الإيمان المقدَّس، وابتدأتُ في البناء السنة المذكورة (1874) بنوع أنّني أنجزت سنة 1875 قسمًا كبيرًا منه، وأدخلتُ الطلبة إليه في أوَّل تشرين الثاني من هذه السنة. وواصلتُ السعي في تكملة هذه المدرسة، فوهبني الله التوفيق فكان أكثر البناء القائم الآن مع الكنيسة كاملاً في آخر سنة 1878" (الجامع المفصَّل، ص 380).

مدرسة بفرعين، واحد إكليريكيّ والآخر علمانيّ. المعهد الإكليريكيّ أو معهد اللاهوت، أنشأه المطران طوبيّا عون في عين سعاده فألحقه الدبس بالحكمة. أمّا العلمانيّون من الطلاّب "فسنفتح لهم مدارس لاقتباس اللغات العربيَّة والتركيَّة والفرنسيَّة والإنكليزيَّة واللاتينيَّة. أمّا العلوم التي نفكِّر تلقينها فهي الحساب والجغرافية والتاريخ والبيان والفلسفة، والفيزياء والكيمياء والطبّ. وإنَّنا نرغب خاصَّة في فتح مدرسة للحقوق لأنَّ هذا العلم مُهمَل في بلادنا. ورغبتنا أن نعلِّم في هذه المدرسة ليس فقط القانون العثمانيّ، بل مختلف القوانين الأوروبيَّة أيضًا، وبخاصَّة ما يتعلَّق منها بالاقتصاد. ولن نهمل تعليم التصوير والرسم".

هي أسس الجامعة. لم يقدر المطران أن يفتح فرع الطبّ، فاكتفى بمعهد الحقوق الذي "لم يكن يُوجَد غيره في جميع الأقطار العثمانيَّة ما خلا مدرسة الحقوق في الآستانة".

*  *  *

على مستوى التأليف، تميَّزت هذه المرحلة باتِّجاهين: الكتب الطقسيَّة والموسوعة التاريخيَّة.

بفضل وجود المطبعة. طُبع بأمر الدبس كتابُ الجنّازات والميامر والطلبات البيعيَّة بحسب طقس الكنيسة المارونيَّة. بالحرف الكرشويّ، مرَّة أولى سنة 1882 (220 صفحة). ومرَّة ثانية سنة 1898 (2+238 صفحة). نشير هنا إلى أنَّ الجنّازات أعتق كتاب طُبع في رومة سنة 1585. ثمَّ سنة 1752. فاستند الناشر إلى هذه النسخة الأخيرة مع "تعديلات طفيفة في سياقها".

وطبع الدبس بالحرف الكرشونيّ في السنوات 1886 (2+296 صفحة)، 1897، 1901 كتاب فصول من رسائل القدّيس بولس تُتلى يوميًّا في القدّاس الإلهيّ بحسب طقس كنيستنا السريانيَّة المارونيَّة. "أصل الترجمة العربيَّة للرسائل يعود لجبرائيل فرحات. ولكنَّ تكرار الطبعات أوقع فيها أغلاطًا، فأصلحها الخوري يوسف العلم رجوعًا إلى الأصل السريانيّ". ونقرأ تنبيهًا من إدارة المطبعة في أوَّل الكتاب عن الدبس الذي "تولّى بنفسه إصلاح هذا الكتاب ومعارصته بأصله السريانيّ، وإحكام ضبطه، وجعل الترجمة مطابقة للأصل كلَّ الطابقة".

سنة 1884، طُبع بأمر المطران عجالة من الخطب البيعيَّة بحسب طقس الكنيسة المارونيَّة السريانيَّة (2+219 صفحة). "يحتوي على الخطب المعروفة بالحسّايات من فروض الآحاد والأعياد والصوم الأربعينيّ، وكان ترجمها جبرائيل فرحات إذ كان في دير مار أليشاع".

وأخيرًا، نذكر في الإطار الليتورجيّ، كتاب القربان حسب طقس الكنيسة الأنطاكيَّة المارونيَّة. طُبع مرَّة أولى في المطبعة العموميَّة المارونيَّة سنة 1888 (426 صفحة)، ثمَّ أعيد طبعه سنة 1908، أي بعد وفاة المطران بسنة واحدة. بحث الكتاب في طبعات الكتاب المقدَّس، وفي النوافير، وفصول الإنجيل الملحقة بالكتاب". وإليك المقدِّمة: "أمّا بعد حمد الله على آلائه، وترتيل آيات شكره وثنائه، وإقامة رسوم تسبيحه وتقديسه البيعيَّة، خصوصًا آونة تقديم الذبيحة الإلهيَّة على موائد الكنسية الجامعة الكاثوليكيَّة، فيقول الحقير في أساقفة بيعة الله المقدَّسة، يوسف بن الياس الدبس مطران بيروت: لمّا كان كتاب القدّاس المعلومة أهمِّيَّته، بين كتب الطقوس البيعيَّة قد قلَّت نسخُه المطبوعة وكثُرت الحاجة إليه، رأيت إعادة طبعه أمرًا لازمًا... ومن المعلوم أنَّ كتاب القدّاس هذا كان يُستعمل في طائفتنا مخطوطًا في الأيّام القديمة، وأولى طبعاته كانت بأمر البابا اكليمنضوس الثامن، وفي أيّام سركيس الرزيّ البطريرك الأنطاكيّ على الطائفة المارونيَّة وبعناية الكردينال جبرائيل باليوتوس محامي الطائفة المارونيَّة. وكان من المهتمّين بطبعه والواقفين على تصحيحه جرجس عميرة الإهدنيّ اللبنانيّ الذي صار بعد ذلك بطريركًا أنطاكيًّا على طائفتنا سنة 1635، ثمَّ القس موسى ابن سعادة العنيسيّ العاقوريّ اللبنانيّ. وتمَّ طبعُه في المطبعة الماديشيَّة في رومية سنة 1594".

ونقرأ في ص ܛ: "أمّا فصول الإنجيل المطبوعة في طبعات كتاب القدّاس الأخيرة، فقد مرَّ أنَّها مأخوذة عن ترجمة المثلَّث الرحمة المطران جرمانوس فرحات من السريانيَّة إلى العربيَّة. إلاَّ أنَّ الظاهر بعد معارضتها بالأصل السريانيّ أنَّه، تغمَّده الله برحمته، قد عوَّل في بعض الآيات على الترجمة القديمة، وأن قد تطرَّق إلى ترجمته بعض أغلاط معنويَّة أو لغويَّة لكثرة تداول أيدي النسّاخ...". وكان سبق طبعة الدبس ما فعلته الرهبانيَّة اللبنانيَّة في عهد البطرك مسعد "في غرّة تشرين الأوَّل سنة 1885" حين أخذت ترجمة "المثلَّث الرحمات المطران جرمانوس فرحات".

*  *  *

أمّا الموسوعة التاريخيَّة أو تاريخ سوريا، فمنذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا. تحدَّث المجلَّد الأوَّل (7+3+413 صفحة) المطبوع سنة 1893 عن "شعوب سوريا القديمة، من بابليّين وحثِّيّين وأشوريّين وفينيقيّين". وطبع المجلَّد الثاني (687 صفحة) سنة 1895 وتكلَّم عن "العبرانيّين". وتوسَّع المجلَّد الثالث في الكلام عن أنبياء التوراة، عن سوريا على عهد إسكندر وخلفائه، عن زمن الرومان، وعن أجيال المسيحيَّة الأولى حتّى القرن الثاني (680 صفحة). طُبع سنة 1898. وطُبع المجلَّد الرابع (595 صفحة) سنة 1899، فقدَّم تاريخ سوريا الدنيويّ والدينيّ حتّى القرن السابع. وجاء المجلَّد الخامس في تاريخ سوريا الدنيويّ والدينيّ مع مشاهير رجالها تحت الحكم الإسلاميّ حتّى القرن الحادي عشر، طُبع سنة 1900 وجاء في 581 صفحة. أمّا المجلَّد السادس فجاء في 663 صفحة وطُبع سنة 1902، فجال في تاريخ سوريا الدنيويّ والدينيّ مع مشاهير رجالها منذ قدوم الإفرنج حتّى الفتح العثمانيّ. وجال المجلَّد السابع في تاريخ سوريا أيّام السلاطين العثمانيّين مع مشاهير رجالها حتّى القرن الثامن عشر. طُبع سنة 1904 وجاء في 504 صفحات. وكانت النهاية مع المجلَّد الثامن، في تاريخ سوريا الدنيويّ والدينيّ من القرن الثامن عشر إلى الزمن الحاضر. طُبع سنة 1905 وتضمَّن فهرسًا عامًّا (96 صفحة) لكلِّ المجلَّدات.

عمل جبّار ضخم تحدَّث عنه الباحثون. بعضهم جعله يتفوَّق على مؤرِّخين كبار عاصروه أو سبقوه، وآخرون لألف سبب وسبب، انتقدوا طريقته في كتابة التاريخ مع أنَّ المراجع التي عاد إليها كثيرة جدًّا وهو العارف اللاتينيَّة والإيطاليَّة والفرنسيَّة.

 

الخاتمة

تلك هي نظرة سريعة إلى المطران يوسف الدبس رئيس أساقفة بيروت للموارنة. حياة الدبس ملأى بالأعمال والمشاريع الضخمة، فقال فيه أحد الباحثين: »كان من آخر المصلحين الكبار الذين عرفتهم المارونيّة في القرن التاسع عشر، ومن الذين عرفوا حقيقة رسالتها وأصالة شهادتها«.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM