مصابيح العذارى
متّى 1:25 - 13
مقدّمة
يشكّل ف 24 - 25 الخطبة الخامسة والأخيرة في خطب القدّيس متّى الكبرى التي هي في أساس إنجيله. ففي نظرة الفقاهة (التعليم المسيحي) المتّاويّة، يعني هذا التعليم الواسع لا »البرّ« أو الأمانة للملكوت (ف 5 - 7)، ولا إعلان الملكوت في العالم (ف 10)، ولا سرّ هذا الملكوت الذي ما زال الآن خفيًا (ف 13)، ولا الجماعة الأخويّة التي تضمّ أبناء هذا الملكوت (ف 18)؛ بل نحن أمام أزمة كونيّة سيظهر في قلبها هذا الملكوت. كان خفيٌّا بشكل موقَّت وها هو يتجلّى الآن على عيون الجميع (ف 24). لهذا يُفرض علينا السهرُ النشيط استعدادًا لهذه الأحداث (ف 25). وهكذا يبقى متّى الإنجيلي أمينًا لمشروعه الأول: لقد أراد أن يبّين لجميع البشر نتائج هجمة ملكوت الله في شخص يسوع المسيح. »توبوا، لأن ملكوت السماوات اقترب« (3:2؛ 4:17). ملكوت الله وصل وصار حاضرًا في شخص يسوع. فكيف تستقبلونه، وكيف تستعدّون للتجاوب مع ندائه؟
1 - نداء العذارى
وهكذا يقع مثل العذارى في مجمل الخطبة المتّاويّة حول نهاية العالم (24:4؛ 25:46). إنّه يستعيد موضوع السيّد الذي يتأخر مجيئه. قال الخادم الشرير: »سيتأخّر سيّدي في رجوعه« (24:48). ورأت العذارى أن »العريس أبطأ، فنعسن جميعًا ونمنَ« 25:5)، فجاء هذا المثل يحرّض التلاميذ مرّة أخرى على السهر. »فاسهروا إذن« (آ 13؛ راجع 24:42 - 43). وهذا السهر هو ضروريّ لأنّنا لا نعرف متّى يعود السيّد.
إذا عدنا إلى القسم الأوّل من الخطبة الاسكاتولوجيّة (24:4 - 41)، نلاحظ أنّ جهل الساعة أمر مطلق في الوقت الحاضر: لقد اختفت فكرة العلامات التي تعلن النهاية. وهكذا تحوّلت النظرة إلى الآخرة تحوّلاً عميقًا. ففي 24:4 - 41، نحن أمام تحذير من كلّ هيجان وضلال جليانيّ، تحذير سلبيّ ومقيّد: انتبهوا (24:4). لا تصدّقوا (24:23). لا تخرجوا (24:26). ومنذ 24:42 نحن أمام تحريض إيجابيّ دون أن نعرف كلَّ المعرفة بما يقوم هذا السهر. ولكن منذ 24:45 - 51 يظهر مضمون هذا السهر بشكل أوضح: أن نسهر يعني أن نتمّ بأمانة (آ 45 الخادم الأمين) المهمّة التي نتسلّمها.
بعد هذا، ما منتهى مَثَل العذارى العشر؟ إما نُشدّد على الوجهة الروحيّة للسهر الذي يرمز إليه الزيت (الإيمان، التقوى، الأعمال الصالحة)؛ وإما نقول: إذا أردنا أن نكون مستعدِّين (14:44) للساعة الحاسمة التي فيها يأتي العريس (الساعة، الصرخة والصياح 25:6)، يجب أن نستعدّ الآن. فإن انتظرنا إلى ذاك الوقت تأخَّرنا وندمنا، وماذا ينفع الندم؟ (آ 8 - 9).
وعلى مستوى الصورة، نستعدُّ حين نُعدّ زادًا كافيًا من الزيت. ماذا يعني هذا في حياة التلميذ؟ هذا ما يقوله المثل اللاحق (25:14 - 30): أن نتم المهمّة التي تسلّمناها بأمانة. أن نهبّ إلى مساعدة الصغار الذين هم إخوة ابن الإنسان. لن نتحدّث عن حرارة روحيّة وعن »نار« تحرق القلب، بل عن واقع أخلاقي وإسكاتولوجيّ يربطنا بالأزمنة الأخيرة.
2 - يشبه ملكوت السماوات (آ 1 - 4)
إنّ العبارة التي تقدّم المثل هي فريدة في الخطبة الاسكاتولوجيّة (24:4؛ 25:11) وهي تذكّرنا بما في أمثال الملكوت (13:24). هي لا تعني أنّ الملكوت يشبه عشر عذارى. بل »حينئذ«، أي في تجلّي الملكوت الأخير، يكون وَضْعُ البشر مثلَ وضع هؤلاء العذارى. فاللفظة »حينئذ« (يشبه ملكوت) تعني كما في آ 31: »حين يأتي ابن الإنسان في مجده«.
لعبت العذارى دورًا هامًا في شعائر العبادات القديمة، في عالم التوراة (أش 7:14) كما في المحيط المسيحيّ في القرن الأوّل (رؤ 14:3؛ 2 كور 11:2). لا شكّ في أنّ هذا المثل أغنى من موضوع مسيحيّ قديم توسّع فيه بولس حول الكنيسة عروس المسيح. ولكن نتوقّف بالاحرى على مستوى الحياة العائلية في فلسطين. هذه الصورة تمثّل وضع الإنسان أمام الدينونة الأخيرة وعودة ابن الإنسان. فالعذارى هنَّ »صديقات« يذهبن إلى لقاء العريس الذاهب ليأخذ عروسه إلى بيته. وما يشدّد عليه المثل هو فجاءة ظهور ابن الإنسان. هنا نفهم بما تقوم الحكمة والجهل لدى هؤلاء العذارى. فكّر بعضهن بزاد من الزيت. والبعض الآخر لا. ففي السياق المتّاويّ، الحكيمات هنَّ الأمينات (24:45؛ 25:23). لقد فعلنَ (25:45) واجبهنّ بانتظار الدينونة الأخيرة.
3 - وأبطأ العريس 0آ 5 - 9)
وأبطأ العريس. قد نفهم هذا الوضع على مستوى الاستعارة التي زيدت فيما بعد لتدلّ على تأخّر مجيء المسيح الذي انتظرت الكنيسة الأولى عودته القريبة. وقد نفهمه على مستوى العوائد في فلسطين (24:48). لا يلوم النص العذارى لأنّهن نعسن ونمنَ. إنّ زمن النشاط والعمل بالنسبة إليهن قد ولّى وزال. وجب عليهن أن يعملن ما يجب عمله قبل بداية العرس. وجب عليهن أن يأخذن زيتًا يدلّ على أمانتهنّ.
ونقول الشيء عينه عن الحضّ على السهر في آ 13. فهذا لا يتعارض مع رقاد العذارى لأنّه ينطبق على الزمن السابق للعرس. يجب أن نسهر الآن لكي نستطيع أن ننام مطمئنين مع زاد الزيت ساعة العيد.
نحن هنا كما في الأمثال السابقة: إنّ ساعة اللقاء الحاسمة تحصل في وقت لا نتوقّعه، ودون أي علامة تنبيهيّة. فالصرخة ليست تنبيهًا لكي نستعدّ. إنها العلامة التي لا نستطيع بعدها أن نفعل (24:45) أيَّ شيء. ورفضُ العذارى الحكيمات طلب العذارى الجاهلات يُعطي أفضل صورة عن هذا »التأخير« الذي يميّز الاسكاتولوجيّا المتّاويّة: ففي ساعة الدينونة لا نستطيع أن نعمل شيئًا بعضنا لبعض. فكل واحد يُجازَى بحسب أعماله.
في بعض المخطوطات (ومنها السينائيّ) تخفّف حدَّة الجواب لدى العذارى الحكيمات: »ربّما لا يكفينا ويكفيكنّ«. ولكن ذروة المثل تقوم في الجفوة في الجواب الذي تلقّته العذارى الجاهلات: »لا يكفينا ويكفيكنَّ«. لا نستطيع أن نعطي، ولا نستطيع أن نُقرض ما يؤمّن الخلاص. لقد دخلنا فجأة إلى مناخ قاسٍ جدًا، إلى جوّ تزول منه كلّ »عاطفة بشريّة«.
4 - ووصل العريس (آ 10 - 13)
إنّ قساوة العذارى الحكيمات تجاه الجاهلات، تقابلها قساوة العريس، وهي قساوة خطيرة جدًا. كم نحن بعيدون عن عيد العائلة السعيد. ونجد هنا الألفاظ عينها التي نجدها في لو 13:25: »تدقّون الباب وتقولون: يا ربّ، افتح لنا. فيجيبكم: لا أعرف من أين أنتم«. يجب علينا الآن أن نسهر. أي أن نأخذ زادًا كافيًا من الزيت. أيّ أن نكون أمناء لما يطلبه منا الربّ اليوم، ونفعل ما يجب علينا فعله لئلا »نستيقظ« في ساعة الدينونة الحاسمة ويدانا فارغتان. فلو عرف الإنسان ساعة الدينونة، لو عرف العلامات التي تسبق ساعة الدينونة، لاستطاع أن يستفيد من الوقت المتبقِّي له. ولكن متّى يشدّد في هذا المثل على جَهْل البشر لتلك الساعة. فلا يعود يشير إلى العلامات التي تدلّ على الآخرة.
خاتمة
هناك حديث عن يسوع العريس والكنيسة عروسه. فالعذارى يرافقن الحمَل في أعراسه (رؤ 19:7). ولكنّ أهمّ ما في هذا المثَل هو ساعة وصول العريس. فعلى مثال المثَل السابق (الخادم الأمين) والمثَل اللاحق (الوزنات) يجب أن نقرأ مَثَلَ العذارى في إطار السهر. فزمنُ مجيء ابن الإنسان سرّيّ وهو سيبقى سرّيًا. لا يعرفه إلاّ الله، ولا يرتبط إلاّ بإرادة الله. قد يكون قريبًا أو بعيدًا، قد يأتي الآن أو يتأخّر. في الواقع، هو قريب وهو يتأخّر. فبعد أن تأخّر العريس جاء أخيرًا »في منتصف الليل«. مجيئه فجائي وغير متوقّع، وكأنّه جاء »قبل مجيئه«. إنّ مجيء الملكوت يرتبط بإرادة الله السامية. فهو يأتي ساعة يشاء وكما يشاء ليمارس الدينونة. والدخول إلى الملكوت والاستبعاد منه يرتبطان بالطريقة التي فيها انتظرنا مجيء ابن الإنسان. هذا المجيء هو الذي يكشف نوعيّة انتظارنا. هنيئًا لنا إذا سمعنا هذا التعليم وكأنّه يوجّه إلينا: »من يثبت إلى المنتهى يخلص« (24:13).