Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}
الأخلاق والدين
1- عودة إلى ما قبل
أحبّائي، ربّنا يكون معنا، ونحن نتابع قراءة سفر الخروج. الخروج يعني خروج الشعب العبرانيّ من مصر، والعيش في برّيّة سيناء قرب جبل سيناء، وأخذ وصايا ا؟. تبدّلت حياة الشعب من موقع إلى موقع. كانوا يعبدون الفرعون، يلتصقون بالأرض، ويعيشون العبوديّة. فصاروا يعبدون الله وينظرون إلى فوق ويعيشون حرّيّة أبناء الله. في البداية، هو هذا الخبر الذي يهيّئ الشعب للخروج مع كلام عن عيد الفصح ثمّ عن عبور البحر. يعني عبور الشرّ والوصول إلى الله. وبعد ذلك تأتي الحياة في البرّيّة.
ونحن الآن فيما يسمّى الوصايا، الشرائع الفرائض. وقد جمع الكاتب في القرن الخامس عددًا كبيرًا منها. هناك بعض الوصايا سمعناها فيما قبل، ولكن الكاتب لم يرد أن يضيّع أيّة جملة، أيّة وصيّة، فوضعها بعضها قرب بعض. ولهذا، في هذا المقطع الذي نقرأه الآن (خر 22: 17) نجد أمورًا متنوّعة على مستوى الأخلاق وعلى مستوى الدين ونقرأ النصّ في 22: ..17. يقول: »لا يجوز لساحرة أن تحيا... ولحم فريسة في الصحراء لا تأكلوه بل اطرحوه للكلاب«.
شرحنا في آ 17 المرّة الماضية: »لا يجوز لساحرة أن تحيا«. فهي إمّا مشعوذة وإمّا مرتبطة بالشرّير، بالشيطان، وبالتالي تستطيع أن تضرّ الآخرين.
وأيضًا شرحنا في آ 18 في المرّة الماضية: »كلّ من ضاجع بهيمة فليُقتل قتلاً«. صار على مستوى البهيمة فلا يحقّ له أكثر ممّا يحقّ للبهيمة.
2 - حرّيّة أم إكراه في الدين؟
ثمّ »من ذبح لآلهة غير الربّ فقتلُه حلال« (آ 19). لا شكّ عندما نقرأ هذا المقطع نعتبره بعيدًا في الزمن. في الواقع كلاّ. فهو ما زال حاضرًا اليوم في مجتمعنا الشرقيّ. فمن ترك دينه يُقتل. ما قيل عن الحرّيّة الدينيّة التي هي علاقة حميمة مع الربّ، غير موجود في هذا المحيط الذي نعيش فيه: أن يختار الإنسان حياته، أن يختار دينه، أن يختار مسيرة دعوته، هذا الأمر مرّات عديدة يُفرض فرضًا. وعلى مستوى الدين هناك القتل من كلّ جهة، حتّى إن تزوّجت فتاة من دين مع شابّ من دين آخر تُقتل الفتاة. لا يجسرون أن يقتلوا الرجل، يقتلون المرأة.
هنا من ذبح لآلهة إلاّ للربّ فقتلُه حلال. كأنّ الربّ يمتلك هؤلاء الناس. ومن يذبح لغيره يدلّ على عدم ولائه، على أنّه خائن. فكما في الحرب، الخائن يُقتَل، كذلك من يذبح لآلهة غير الربّ يُعتبر خائنًا في الحرب. هذه الأمور البعيدة، لا تزال آثارها حاضرة اليوم. فالحرّيّة الدينيّة شدّد عليها المجمع الفاتيكانيّ الثاني. فكلّ أكثريّة تريد أن تفرض نفسها على الأقليّة. إن ترك أحد الدين، ظنَّت الطائفة، ظنّ المجتمع أنّه مهدّد، كالسبحة التي تفلت منها حبّة فتفلت سائر الحبّات.
لهذا يكون الإكراه. مع أنّه يقال: لا إكراه في الدين، ولكنّه كلام بكلام. عمليٌّا هناك الإكراه، فنعرف كم مرّة فُرض الدين بالقوّة، ومُنع الإنسان من أن يبدّل دينه بالقوّة، فعرف السجن وعرف حتّى الجلد والموت. ففي أيّ حال، الاضطهادات التي حلّت بالكنيسة في القرون الأربعة الأولى والتي ما تزال تحلّ اليوم في أماكن عديدة من شرقنا، من أفريقيا، من آسيا، الاضطهادات تعني أنّنا لا نقبل بأن يكون للآخر دين غير دين الأكثريّة. قد تكون الأكثريّة على خطأ، ولكنّها تحافظ على خطإها بالقوّة، بالإكراه.
3 - لا تظلم الغريب
»لا تظلم الغريب ولا تضايقه« (آ 20). هناك الغريب وهناك القريب. القريب له حقوق. إنّه بالقرب منّي. فهو قريبي. قد يكون ابن عمّي، ابن خالتي، ابن خالي، وأنا لا أجسر أن أتعدّى عليه، أن أظلمه. أمّا الغريب فلا سند له ولا حقوق. إذًا أنا أستطيع أن أظلمه، أن أعطيه عملاً قاسيًا، أن لا أدفع له أجرته، أن أجعله يشتغل ليلاً نهارًا. لهذا جاء الكلام: لا تظلم الغريب ولا تضايقه، عليك أن تحترمه.
إن كان قريبك على صورة ا؟ ومثاله، وهو يستحقّ كلّ مراعاة واحترام، فالغريب أيضًا على صورة ا؟ ومثاله. وبما أنّ الغريب لا سند له على مستوى البشر، فالربّ هو الذي يسنده. في أيّ حال، في هذا العالم المعاصر، وفي عالمنا خصوصًا، صار عدد من أبنائنا في الغربة، صاروا غرباء. كم يجب علينا نحن أن نحترم الغرباء الذين بيننا. فالربّ يعطي بلا شكّ نعمة لأولادنا حتّى يحترمهم الأشخاص الذين يقيمون بينهم.
ظلم الغريب، مضايقة القريب. نحصره في عمله، في بيته، وهكذا لا يعود إنسانًا بل آلة تعمل لأجلنا، تؤمّن لنا راحتنا. ولكي يُفهم موسى الشعب ما يحسّ به الغريب من ظلم، من مضايقة، قال لهم: تذكّروا. أنتم كنتم غرباء في أرض مصر، هناك استعبدوكم، هناك سخّروكم، اشتغلتم شغل قساوة، لا بل أرادوا أن يُفنوا نسلكم عندما رموا الأطفال في النهر. أنتم كنتم غرباء في أرض مصر وتشعرون ما يشعر به الغريب، فكيف تعاملون الغريب وأنتم في أرضكم الآن بهذه الصورة؟
عندما صرخ العبرانيّون في مصر وهم غرباء سمع لهم. واليوم عندما نظلم الغريب، والغريب يصرخ إلى الله، فالربّ لا شكّ يسمع له. والويل لنا إن سمع الربّ تظلُّمَ الغريب منّا. أتذكّر هنا إحدى الراهبات. لمّا مات عندها ولد أُصيب بمرضٍ عقليّ، قالت: عندما يذهب إلى الربّ، إلى يسوع المسيح، ماذا سوف يقول له عنّي. والغريب، ماذا يقول للربّ عن معاملتي أنا له.
في أيّ حال يسوع كان واضحًا: كنت جائعًا فأطعمتموني، غريبًا فآويتموني. الغريب في النهاية هو يسوع المسيح. ونحن عندما نظلم الغريب، إنّما نظلم يسوع المسيح. عندما نضايق الغريب إنّما نضايق يسوع المسيح. وخصوصًا هؤلاء الخادمات في بيوتنا كيف نعاملهنّ؟ هم آلة للعمل أم عندهنّ نفس وفكر وروح. إذًا أوّل فئة مظلومة هي الغريب الذي لا سند له ولا من يدافع عنه.
4 - الأرملة واليتيم
الفئة الثانية المظلومة هي الأرملة. حين كان لها زوج، كان لها سند في هذا الزوج. والآن إذ لم يعد لها من سند صارت عرضة للمضايقة، للظلم، للتعدّي عليها فلا من يحامي عنها. دائمًا ترتبط الأرملة باليتيم. اليتيم الذي لم يعد له أب يدافع عنه، أب يهتمّ به. فكأنّي به صار قريبًا من المائت لضعفه. لا تسئ إلى أرملة ولا إلى يتيم، إن أسأت إليهما وصرخا إليّ أسمع صراخهما.
أوّلاً نفهم أنّ الربّ هو الذي يسمع، ويسمع بشكل خاصّ صراخ الضعيف، صراخ اليتيم، صراخ الأرملة. هو يسمع، وحين يسمع يفعل. فإن كان الربّ لا يسمع ولا يفعل، يصبح قريبًا من الصنم أو الشخص الضعيف أو الملك الذي يخاف على نفسه. أمّا الربّ فهو من يسمع ويفعل. فهو يفعل أوّلاً حين يخلّص هذا المظلوم، هذا الغريب، هذه الأرملة، هذا اليتيم من يد ظالميهم.
هكذا خلّص الشعبَ العبرانيّ، خلّص هؤلاء الرعاع الخارجين من مصر وحاول أن يجعل منهم شعبًا منظّمًا، شعبًا مرتّبًا. أوّلاً يخلّص هؤلاء الضغفاء من أيدي ظالميهم. قالت آ 23: »فيشتدّ غضبي فأقتلكم بالسيف، فتصير نساؤكم أرامل وأبناؤكم يتامى«. نحن هنا على مستوى شريعة المثل، أنت تظلم الغريب وتقتله فستُقتل وتُظلم. غضب الله هو عقابه، هو عدم رضاه عن تصرّفنا.
هي طريقة بشريّة نتكلّم فيها عن ا؟. هو لا يرضى عن تصرّفنا. وإذ لا يرضى فهو يعاقب والعقاب يكون الموت. يوم تأكل من الشجرة المحرّمة تموت موتًا. وهنا لا شكّ في أنّ الكاتب تذكّر حربًا من الحروب حيث قُتل السكّان بالسيف فاعتبر أنّ موت سكّان المدينة كان عقابًا للناس لأنّهم ظلموا الغريب، ضايقوه، أساؤوا إلى اليتيم وإلى الأرملة. وكما قلت: هناك سنّ بسنّ وعين بعين. أنتم تسيئون إلى أرملة تصير نساؤكم أرامل، أنتم تسيئون إلى يتيم يصير أبناؤكم يتامى.
5 - المساكين الضعفاء
ويتابع النصّ هذه الفرائض على مستوى الحياة اليوميّة وخصوصًا على مستوى الظلم، الظلم للذين هم على هامش المجتمع. الأغنياء لا يحتاجون إلى من يدافع عنهم. الأقوياء لا يحتاجون إلى من يدافع عنهم، الوجهاء لا يحتاجون إلى من يدافع عنهم. الفقراء، المساكين، الغرباء، الأرامل، اليتامى، تلك هي الفئات التي تحتاج إلى من يدافع عنها. وهنا نقرأ 22: 24 من سفر الخروج: »إن أقرضت مالاً لمسكين من شعبي، فلا تعامله كالمرابي ولا تفرض عليه ربًى«. شخص يحتاج إلى مال لكي يطعم أولاده، لكي يرتّب بيته إذا لا سمح الله جاءته العاصفة أو المطر أو غيره.
إن أقرضت مالاً لمسكين من شعبي لا تعامله كالمرابي. يدفع الليرة ليرة والألف ألفًا. يدفع ضعف ما أعطيته أنت. هو لا يملك القسم الأوّل، الجزء، فكيف يعطي الضعف وأنت تفرض عليه ربًى، تفرض عليه ما يُسمّى السرقة؟ هو يحتاج إلى المال ويأخذه مهما كانت الظروف. وفي النهاية لا يستطيع أن يدفع فتكون أنت سرقتَه وأخذت لقمة عيشه ولقمة عيش أولاده.
أمّا الإنجيل فسيكون في نقيض آخر حتّى يمنع القرض. من طلب منك أعطه. لا تقرضه. إن كنت تعطي من يردّ لك المال فأيّ أجر لك. أنت لا تفعل شيئًا. نحن لا نقرض، نحن نعطي. إذا كان لدينا لماذا لا نعطي. فبالعطاء فقط نتشبّه با؟. أمّا أن نقرض ونضيّق على المسكين بالربى، بالفوائد العالية فيدفع المال مرّتين لا بل ثلاثًا ولا يستطيع أن يخرج منه، وفي النهاية يبيع نفسه عبدًا لنا، مثل هذا التصرّف لا يمكن أن يرضى الربّ عنه. مثل هذا إن أسأنا إليه وصرخ إلى الربّ فالربّ يسمع صراخه.
وفي آ 25: شخص أفقر من المسكين، شخص لا يملك إلاّ ثوبه. »إذا استرهنت ثوب آخر، فعند مغيب الشمس ردّه إليه لأنّه كساؤه الوحيد، كساء جسده، ففي أيّ شيء ينام؟ إن صرخ إليّ استجبتُ له لأنّي حنون« (آ 25 - 26). شخص فقير جدٌّا أعطيناه بعض المال وأخذنا منه ثوبه رهنًا. هذا الثوب هو الغطاء، هو الفرشة، هو المخدّة، هو ما يرتاح عليه، ما ينام فيه. نحن قبل المساء نردّه إليه لكي يستطيع أن يرتاح، أن ينام، أن يقوم إلى العمل في اليوم التالي. إن صرخ إليّ استجبته، لا لأنّه يستحقّ، لأنّي أنا حنون. ويتابع النصّ: »لا تلعن الله، ولا تشتم رئيس شعبك«. هذا الكلام البذيء الذي فيه نلعن الله، نشتم الآخرين فنكون وكأنّنا نشتم نفوسنا. ويتابع النصّ.
6 - البواكير
»لا تؤخّر تقديم باكورة حصادك ومعصرتك لي، والبكر من بيتك تعطيني« (آ 28). إذًا كلّ شيء يجب أن يعود لله. حين نقدّم الباكورة للربّ، كلّ شيء يعود إلى الربّ. حتّى البكر من البنين نعطيه للربّ ولو لم يكن لنا غيره. فقد تلد المرأة ولدًا واحدًا فيكون ابنَها البكر، وهو يكون مقدّمًا للربّ.
»وكذلك البكر من بقرك وغنمك: سبعة أيّام يكون مع أمّه، وفي اليوم الثامن تجعله لي« (آ 29). هي حياة عاديّة يعيشها الحيوان مع أمّه، أمّا في شعب الله فهناك تبديل. في اليوم الثامن هي حياة جديدة لهذا البكر من البهائم: تجعله لي. يعني هنا سبعة أيّام يعيش كما يعيش كلّ صغير الحيوان، لكن في اليوم الثامن يصبح لله، يصبح مكرّسًا لله. وهكذا يتأمّن نسل إخوته بعده. هو البكر لله، وبعده يكون الأولاد معك.
وينتهي فصل 22 بهذا الكلام: »كونوا قومًا مقدّسين لي«. يعني مكرّسين. أنتم لي، أنتم تخصّوني. وبما أنّنا مقدّسون للربّ مكرّسون له، لا نأكل لحم فريسة في الصحراء بل نطرحه للكلاب، للذين ليسوا مكرّسين للربّ، للذين ليسوا مقدّسين للرّب.
وهكذا، أحبّائي، قرأنا بعض الأمور العامّة على مستوى الأخلاق، على مستوى الدين، ولا سيّما حياة المحبّة، احترام الغريب، اليتيم، الأرملة، المسكين الذي لا يملك شيئًا على هذه الأرض، نحترمه لأنّ من احترمه احترام الربّ. فالإنسان على صورة الله. ونحن عندما نحترم الإنسان إنّما نحترم صورة الله، إنّما نحترم الله. وهذا ما يوصلنا في النهاية إلى كلام يوحنّا في رسالته الأولى ولنا من الربّ هذه الوصيّة: »من أحبّ الله أحبّ أخاه أيضًا«. آمين.