في معاملة العبيد .

 

في معاملة العبيد

أحبّائي، نتابع قراءة سفر الخروج، ولنا في الفصول 20 - 23، سلسلة من الأمور يمكن أن تكون وُجدت في حضارات عديدة. بل هي وُجدت حقٌّا في حضارات أخرى، سواء في مصر أو بلاد الرافدين أو في كلّ هذا العالم الشرقيّ: أوغاريت، فينيقية. لكن، المهمّ هو أنّ كلّ هذا جمعه موسى أو بالأحرى جمعه تلاميذ موسى حتّى زمن عزرا ونحميا في القرن الخامس بعد المسيح، بل بعد تلك الأيّام مع الكتبة والفرّيسيّين الذين أكثروا من الوصايا والتوصيات.

1 - وضع العبيد اليوم وفي الماضي

المهمّ هو أنّ هذه الوصايا ارتبطت بالله، فالله هو الذي يسند هذه الوصايا. نحن لا نَقتل لئلاّ نُقتَل، بل لا نقتل لأنّ الربّ هو الذي أمر. لأنّ الربّ هو الحاضر، وهو الذي يجازي بالخير ويعاقب الخاطئين. وهكذا نصل بعد قراءتنا عن المذبح، إلى معاملة العبيد. قبل أن نقرأ الفصل 21، نتذكّر أنّ العبيد كانوا كثيرين. وفي أيّ حال، العبيد اليوم ليسوا قلّة قليلة. هم كثيرون جدٌّا. الخدم في بيوتنا الذين يأتون من بلد بعيد ليخدمونا، العمّال في بعض الأعمال التي لا يعملها أهل البلد. هؤلاء كلّهم عبيد التصقوا بمهنة من المهن، التصقوا بإنسان من الناس، فما عادت لهم حرّيّة مطلقة.

كتلك المرأة التي جعلت لكلّ خدّامها، لكلّ خادمة عندها، الاسم الواحد الذي لا يتبدّل. هي تقول الاسم ذاته، وعلى الخادمة الجديدة أن تعتبر أنّ هذا الاسم اسمها. وإن ذكرت لها اسمها الماضي، بكت واعتبرت أنّك تفتح مجالاً جديدًا هي بغنًى عنه. هي صارت في فم سيّدتها فلانة. أمّا اسمها الأساسيّ اسمها الحقيقيّ منذ الولادة، فصار شيئًا مرذولاً، شيئًا يجب أن لا يذكر وكأنّه يذكّرها بوضعها السابق.

والعبيد أيضًا كُثرٌ . يُشترون حتّى اليوم. هناك شراء أشخاص، شراء أولاد خصوصًا من أرض أفريقيّة. ونتكلّم عن شراء النساء، الأمة والجارية. هي اليوم موضوع بيع وشراء. وهذا يفهمنا أنّ هذا النصّ الذي عمره ألفا سنة أو أكثر، هذا النصّ ما زال حاضرًا، ونحن نحتاج أن نقرأه ونتعلّمه ونحفظه ونتأمّل فيه ونتنبّه إلى كيفيّة تصرّفاتنا مع أناس نسمّيه عبيدًا يعني أشياء: نشتريهم ونبيعهم مع أنّهم على صورة الله ومثاله. وسوف نفهم في النهاية كيف أنّ بولس طلب من فيلمون، هذا الرجل العظيم والغنيّ والوجيه، الذي كانت تجتمع الكنيسة في بيته، طلب منه أن يحسب عبده أونسيمس لا عبدًا يُشرى ويُباع، لا شيئًا يمتلكه صاحبه، بل شخصًا تسمّيه أخًا مثلك. هذه كانت ثورة هائلة وصلت بنا في الإنجيل. ولكن هذه كانت ثورة بدأت في العهد القديم الذي طلب أن يعامَل العبيد بالرحمة، أن لا تُسلب حقوقهم.

ونقرأ إذًا سفر الخروج الفصل 21:

وقال الربّ لموسى: »هذه الأحكام تعلنها إلى الشعب« هي فرائض. ومن خلال موسى، نستطيع أن نجد اللاويّين والكهنة الذين كانوا يذكرونها للشعب كلّ سنة ولا سيّما بمناسبة الأعياد. يذكّرون الشعب بواجباتهم تجاه الله وتجاه القريب.

2 - العبد العبرانيّ

وسوف نلاحظ أنّ الكاتب يتكلّم فقط عن العبد العبرانيّ، عن العبد الذي هو من داخل الشعب. ولا يقول شيئًا عن العبد الذي هو خارج عن الشعب. فذاك يسمّى الغريب أو الأجنبيّ، هو شخص عابر نستطيع أن نستضيفه في أقصى الحالات كلاجىء مؤقّت، بانتظار أن يتدبّر أمره ويمضي إلى مكان آخر.

وقال الربّ لموسى: »هذه الأحكام تعلنها للشعب: إذا اقتنيتَ عبدًا عبرانيٌّا، فليدخل في خدمتك ستّ سنين وفي السابعة يخرج حرٌّا بلا ثمن«.

نلاحظ هنا: إذا اقتنيت. صار ملكك. يعني اشتريته. أو إنّه أعطيَ لك خلال الحرب أو السلب والنهب، لأنّ الأسلاب كانت من البشر كما كانت من الأمور المادّيّة. كما كانت من البهائم. كلّها أسلاب، وكلّها نقتنيها فتصبح ملكًا لنا نتصرّف بها كما نشاء. ولكن لا في الشعب العبرانيّ. فلو كان العبد ملكًا للإنسان أخيه، لكان يبقى عنده حتّى في السنة السابعة. ولكن الكتاب واضح فيقول: فليدخل في خدمتك فقط ستّ سنين.

ستّة هي علامة النقص، والسابعة هي علامة الكمال. يعني لو قلنا ظلّ للسابعة يعني أنّه سوف يظلّ طوال حياته عبدًا من العبيد.

ولكن لا. فهذا الإنسان ليس ملكك. الربّ يُقرضك إيّاه إذا أردت ذلك. وهو في الواقع مُلك الله. ومع السنة السابعة يخرج حرٌّا بلا ثمن. لا يدفع شيئًا لكي يُفتدى. ويكون حرٌّا. كأنّ الله افتداه، أو بالأحرى استعاده له.

3 - الربّ يراقب معاملة الإنسان لأخيه

هنا نلاحظ أنّ الوصيّة جعلت حدٌّا لمعاملة الإنسان لأخيه. فالإنسان لا يمكن أن يستغلّ أخاه حتّى النهاية، لا يمكن أن يعاقب أخاه حتّى النهاية.

مثلاً جعلوا أربعين ضربة إلاّ ضربة.، هنا يتوقّف. وأمور عديدة أفهمت المؤمن أنّه ليس فوق الشريعة، وأنّ الناس ليسوا له على الدوام. هم يخصّون الله. هم مُلك الله. نتذكّر هنا داود عندما كان على شرفة قصره، ورأى بتشابع امرأة أوريّا الحثّي. أوريّا شخص غريب. يمكن أن يتصرّف داود بامرأته كما يشاء، يمكنه أن يزني بها، يمكنه أن يقتل زوجها، يمكنه أن يتزوّجها. اعتبر أنّ كلّ الناس هم مُلكٌ له يتصرّف بهم كما يشاء. ولكن جاءه النبيّ ناتان، وأفهمه مطلب الربّ: كلاّ ثمّ كلاّ. الناس ليسوا لك. هم في خدمتك لوقت معيّن، ولكنّهم يخرجون أحرارًا. حرّيّتهم من الله، وأنت لا تستطيع أن تأخذها منهم، خدموك الخدمة اللازمة. هنا نتذكّر، أحبّائي، أنّ الإنسان الذي لا يستطيع أن يفي دينًا، يسلّم نفسه إلى رجل، يبيع نفسه إلى رجل، فيعمل عنده وكأنّه يفي له الدين. ولكن مهما كان هذا الدين باهظًا، ففي السنة السابعة يُطلق هذا الإنسانُ حرٌّا.

ذاك كان المبدأ العامّ: ستّ سنوات، وفي السابعة يصبح حرٌّا، يعود إلى بيته بعد أن »حرَّره« ربُّه. لا نتوقّف هنا عند الأشخاص الذين يرون اقتراب السنة السابعة، ولا يعودون يقتنون عبدًا أو يرضون بعبدٍ يقدّم نفسه ليفي دينه. تلك حسابات لا يرضى عنها الله، وهو الذي أعطى كلّ إنسان العطايا الكثيرة. في آ 3 تبدأ الفتاوى. حصلت حالات، فكيف نتصرّف تجاهها؟

- أوّل حالة: إن دخل العبد وحده فليخرج وحده. إذا جاءك وحده، تقول له. ربّنا يرافقك ويكون معك. لا أريد منك شيئًا. فعلت واجبك خلال السنوات الستّ، الربّ يباركك.

- فتوى ثانية: إذا كان متزوّجًا بامرأة، فلتخرج امرأته معه. فهو وإيّاها جسد واحد. لا يمكن أن نفصل الرجل عن امرأته ولا المرأة عن زوجها.

- ونقرأ في آ 4 فتوى ثالثة: وإن زوّجه سيّده بامرأة فولدت له البنين والبنات، فالمرأة وأولادها يكونون لسيّده، وهو يخرج وحده. نلاحظ هنا هذه الطريقة القديمة حيث الحيوان معيار الشريعة، معيار الناموس للإنسان. فإذا جئنا بثور وزوّجناه على بقرة، فالبقرة وأولادها تكون لصاحبها. أمّا الثور فيعود إلى صاحبه، وهنا على مستوى العبد. إن زوّجه سيّده بامرأة، فهذه المرأة تخصّ السيّد. وإن تزوّجها العبد فهو يبقى خارج اللعبة. لهذا السبب، كما تبقى البقرة وصغارها لصاحبها، كذلك المرأة وأولادها يكونون للسيّد لا للعبد. المرأة وأولادها يكونون لسيّده، وهو يخرج وحده. جاء وحده، ويمضي وحده.

- فتوى رابعة: وإن قال العبد: أحبّ سيّدي وامرأتي وأولادي، ولا أريد أن أخرج حرٌّا. هنا يعتبر العبد نفسه مرتبطًا بشخص أحبّه، مرتبطًا بأرض، مرتبطًا بعمل. ربّما إذا أراد أن يكون حرٌّا لن يجد ما يعمله فيستقرض المال، وهكذا يعود إلى العبوديّة.

هذا العبد يمكنه أن يقول: أنا أريد أن أبقى مع سيّدي، مع امرأتي، مع أولادي، ربّما وجد في هذه الحياة حرّيّة لم يجدها في موضع آخر.

يقول الكتاب: »يقدّمه سيّده إلى الله في معبده«.

5 - الله شاهد

هنا نلاحظ أنّ الربّ هو الشاهد، والإنسان لا يستطيع أن يكذب أبدًا. يقدّمه سيّده إلى الله في معبده. الله هو الشاهد. والأهمّ من هذا، يفهم السيّد أنّ صاحب الإنسان ليس الإنسان. صاحبُ الإنسان هو الله الذي خلق الإنسان، والعبدُ يخصّ الله ولا يخصّ الإنسان.

لهذا يكون مثل عقد بين رجلين، والله يكون الشاهد. لا يمكن للإنسان أن يعتبر هذا العبد له طوال حياته، لأنّه سمع صوت الله يقول له في الأعماق ماذا يجب أن يفعل. لا، لا يكون ذاك العبد مُلكًا للإنسان بعدُ، بل لله. يقول النصّ: يقدّمه سيّده إلى الله في معبده. يعني: يأخذه، يقدّمه إلى الكاهن كما تقدّم كلّ ذبيحة، وهكذا تعود الذبيحة بنوعٍ آخر إلى مقدِّمها.

نتذكّر هنا كيف أنّ إبراهيم أخذ ابنه إسحاق ليقدّمه، فرجع معه بعد أن صار إسحاق شخصًا آخر، صار عطيّة الله. وهذا العبد العبرانيّ قد يكون سيّده اشتراه أو ربحه في الحرب أو في سلب ونهب. تلك هي سنّة الطبيعة. أمّا الآن، فالله هو الذي يهبه إيّاه. يعني صار هديّة من عند الله. هذا يُفهمه أنّ عليه أن يعامله كهديّة احترامًا للذي أهداه إيّاها احترامًا لله.

عند ذاك يقوده إلى الباب أو قائمته إلى باب الهيكل، إلى باب المعبد ويثقب أذنه بالمثقب فيخدمه إلى الأبد. هي طرق قديمة تجعل هذا الشخص يرتبط ارتباطًا بسيّده. يخدمه إلى الأبد. يعني يخدمه حتّى الموت.

6 - فتوى أخيرة: ابنة جارية

نقرأ في 21: 7:»وإن باع رجل ابنته جارية فلا تخرج من الخدمة خروج العبيد«.

يعني إذا أجبر رجلٌ فباع ابنته لتخدم في بيت من البيوت كخادمة للسيّدة أو خادمة في البيت، يقول النصّ: بعد أن تنتهي من الخدمة في السنة السابعة، لا تخرج كما يخرج العبيد.

العبد يستطيع أن يتدبّر أمره. يخرج حرٌّا بلا ثمن. أمّا هي فهي لا تستطيع أن تتدبّر أمرها. لهذا السبب تُعطى بعضَ المال حتّى تتدبّر أمرها.

»وإن كرهها سيّدها الذي خطبها لنفسه، فليقبل ببيعها ممّن اشتراها لا من غريب، لأنّه غدر بها« (آ 8) يعني يردّها إلى بيت أبيها أو بيت سيّدها. »وإن أعطاها خطيبة لابنه فليعاملها كابنته« (آ 9).

نلاحظ هنا كيف ترتفع الأمور: لم تعد هذه العبدة عبدة. لم تعد جارية، صارت في البيت كالابنة. فكما يعامل الرجل ابنه كذلك يعامل ابنته. يعني هذه الجارية صارت ابنته صارت امرأته.

»وإن تزوّج بامرأة أخرى فلا يُنقص طعامَها وكسوتها ومعاشرتها« (آ 10).

هنا في عالم من العنف، من القوّة، من القدرة، حيث الرجل يطأ المرأة، يسحقها، نحتاج الكثير الكثير، لنعيش بهذه الأمور البسيطة وعمرها ألف سنة.

لا يُنقص طعامها وكسوتها ومعاشرتها. حيث تكثر الزوجات، تعامَل المرأةُ الأخيرة بأفضل ما يكون، والنساء الأخريات يعامَلن كالحيوانات، يعامَلن كلا شيء، إن لم يكن هناك القسوة والضرب والقتل والتعب والعمل كما يفعل البهائم. قال النصّ الكتابيّ: لا يُنقص طعامها، وشرابها، كسوتها، ولباسها، ومعاشرتها والحياة معها.

»فإن أخلَّ معها بواحدة من هذه الثلاث تخرج من عنده حرّة بلا ثمن« (آ 11).

إذا كان لا يؤمّن لها الطعام والكسوة وإن كان لا يعاشرها، فهي تكون حرّة. تمضي من عنده، وهو لا يحقّ له أن يفعل بها ما يشاء. إخوتي، عالم العبوديّة كما قلت عالم قديم جدٌّا، وما زال حاضرًا حتّى اليوم.

القدّيس بولس قال: لا عبد ولا حرّ، لا رجل ولا امرأة، إذا كان لا عبد ولا حرّ، فهذا يعني أنّ الحرّ يعامل العبد على أنّه حرّ.

الإنجيل وضع خمير الحرّيّة في حياة المجتمع، ولكن لا بدّ من الانتظار لكي يصبح المجتمع مهيّأً ليتقبّل العبيد ويحرّرهم.

نستطيع أن نقابل ما قرأناه هنا مع السجون. السجين الذي تأخذ منه حرّيّته، بل تأخذ منه شخصيّته. يلبسونه لباسًا خاصٌّا. لباسًا يدلّ على هويّته. هذا السجين الذي يخرج، كيف يمكن أن يعامَل؟ هل يبقى مطبوعًا إلى الأبد بطابع السجن، بطابع العار، بطابع ما تألّمه هناك؟ وكم من سجناء ظلّوا يعيشون أحرارًا بروح سجين، بروح عبد، بروح إنسان ضاعت منه المسؤوليّة، ضاعت منه الحرّيّة، فصار كتلة من اللحم والدم والعظام.

لا يتحدّث المسيح أبدًا عن العبيد، بل هو ذكرهم كفئة من المجتمع. لكن القدّيس بولس سيتحرّك في هذا المجال، إن كان في كلامه عن العبوديّة أو الحرّيّة أكثر من مرّة، وخصوصًا في رسالته إلى صديقه فيلمون: أفهمه كما قلت، أنّ عبده الذي تركه يجب أن يعامَل بالرحمة. هذا صار يخصّني، لم يعد يحقّ لك أن تعاقبه، تقتله أو تجعله في السجن. كلاّ. وفي النهاية هو أخ لك. إذا كنتُ ولدتُك أنا، يا فيلمون، وولدت أونسيمس العبد، فأنا والد لك ووالد أونسيمس. فهذا يعني أنّ أونسيمس أخ لك. وأنّك أنت أخ له. هنا نعود إلى مثل الابن الضالّ حين يرفض الابن الأكبر أن يستقبل أخاه. لم يقل أخي بل قال ابنك هذا، بنظرة ازدراء، بنظرة احتقار. فأجابه أبوه: »أخوك هذا«.

هذا هو، أحبّائي، كلامنا في معاملة العبيد كما قرأناه في سفر الخروج. لا شكّ في أنّ العهد القديم لم يعطنا الشريعة الكاملة، لم يصل بعد بالشريعة إلى الكمال، لكنّه وضع بعض المحطّات في معاملة الضعيف والفقير والمهمّش والمعزول والسجين. يبقى على الإنجيل أن يتابع المسيرة، بحيث يأتي الربّ يسوع فيكمّل ما قاله موسى: يسوع لم يأتِ لينقض بل ليكمّل. ونحن أيضًا نتابع الطريق معه بحيث لا يبقى عبيد على الأرض، بل نكون نحن كلّنا عائشين بحرّيّة أبناء الله. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM