الخاتمة

 

الخاتمة

وهكذا قرأنا اللوحة الأولى في الوصايا: أنا الربّ إلهك... لا يكن لك آلهة سواي. لا تصنع لك تمثالاً... لا تحلف باسم الربّ إلهك باطلاً. هي تتعلّق بالمحبّة لله التي هي أساس كلّ محبّة. كما أنّ الابتعاد عن الله، أساس كلّ ابتعاد عن القريب. أمّا هكذا صوَّرت البدايات، أصولَ مسيرة الإنسان مع الله؟ تمرّد آدم على الله. رفضه. أراد أن يكون الله، فابتعد عن امرأته واشتكاها ثمّ صار سيّدًا عليها وخضعت هي له »كما الحيوانات« التي دعاها بأسمائها. ذاك هو جوّ الخطيئة الذي بقيت آثاره واضحة جدٌّا في عالمنا. صارت عداوة بين المرأة والرجل. هي تخاف. وهو يمارس العنف، وعداوة أخرى بين قايين وهابيل. بين أهل الحضر وأهل الوبر. وقادت هذه العداوة إلى القتل وما يرافقه من خطايا.

محبّة الله هي الأساس. والوصيّة الأولى هي الأساس. فإن نقضناها نكون قد نقضنا سائر الوصايا. أحبّ الربّ إلهك من كلّ قلبك، كلّ نفسك، كلّ قدرتك. لا شكّ في أنّه وُجدت »وصايا« وموانع في العالم القديم: لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ. ولكنّها بقيت وصايا بشريّة، تمنع الإنسان من أن يُضرّ بأخيه لئلاّ يلحقه هو ضرر. أمّا في سفر الخروج، فالوصايا هي من الله. هو يدافع عنها. هو يحاسب عليها. وكلَّ واحد بحسب أعماله.

وهذه اللوحة الأولى تبقى الأساس بالنسبة إلينا نحن العائشين في كنيسة المسيح. بل تبقى لجميع المؤمنين ذوي الإرادة الصالحة. للّذين لا يتحجّرون في ديانتهم ويرفضون الخروج من طقوسهم وممارساتها وقوانينها الجامدة. من هو الله بالنسبة لنا؟ الإله الحقيقيّ، أم المال والعظمة والجنس والتسلّط؟ إذا كان هذا هو إلهنا، فنحن نأتمر بأوامره. من أجل المال نعمل المستحيل، بعد أن عبدنا المال ورفضنا العبادة لله. من أجل السلطة، نقتل، نفني شعوبًا بكاملها، نطلق الحروب، فنحن أسياد الأرض. وبما أنّنا لا نستطيع أن نعطي الحياة، نعطي الموت. وهكذا تكون الآلهة بدل الإله الحقيقيّ. هل ننسى أنّ الفرعون الله نفسه. اعتبر نفسه صورة الله. كدت أقول »إلهًا متجسّدًا«. لهذا يسجدون له، يعبدونه. وملوك أنطاكية وملوك رومة. حملوا الألقاب السماويّة، فما تركوا لله سوى عزلةٍ في السماء يُقيم فيها ولا يزعج البشر بعد أن صاروا ذئابا في غابة، يأكل القويّ الضعيف، الغنيّ الفقير، والسيّد العبد.

أمّا نحن، فإلهنا القائم في السماوات، هو على الأرض، ونحن نربط حياتنا بكلامه. وأعمالنا بوصاياه. هو الينبوع الذي منه نستقي. ولغيره لا نسمع مهما تكاثرت الأصوات في العالم وتعالت. أنا الربّ إلهك، نعم، يا ربّ، أنت ربّ الكون، أنت إلهنا ومعك نفعل الفعائل. فعملنا أن نعمل مشيئتك. أسمعنا وصاياك. وإن نحن سمعنا وعملنا، هنيئًا لنا. وما أسعدنا حين نحبّك. فأنت المحبّة. وما أسعدنا حين نحبّ إخوتنا، حين نكرّم الوالدين، ونراعي الغريب أينما وُجد. هذا ما يكون موضوع الكتاب التالي ومعه نتأمّل في اللوحة الثانية من لوحتَي الوصايا، التي لخّصها العهد الجديد بهذه العبارة: أحبب قريبك كنفسك.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM