لا تصنع لك تمثالاً ولا صورة

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

لا تصنع لك تمثالاً ولا صورة

 

1- المقدّمة

أحبّائي، ما زلنا في قراءة الوصايا العشر، وفي الوصايا التي تتعلّق بالله. هناك وصايا تتعلّق بالقريب. أمّا هذه فتتعلّق بالله. الربّ هو الله الذي أخرج شعبه. الربّ هو الله الذي يخلّص شعبه، ويخلّص كلّ واحد منّا. الربّ هو الإله الغيور الذي لا يريد أن نعبد سواه. إذا كان هو أعطانا ذاته، أفيكون من المدهش أن نعطيه ذاتنا؟ كلاّ. فإن أعطيناه ذاتنا نكون فعلنا ما يجب علينا. كما يقول يسوع في الإنجيل: »مهما فعلتم قولوا نحن عبيد عاديّون، فعلنا ما يجب علينا أن نفعل«.

أن تهتمّ الأم بأولادها ليس بالعجيبة. هي تعمل ما يجب أن تفعله الأمّ. وكذلك الأب. وكذلك الكاهن. وكذلك المعلّم. وكذلك كلّ صاحب مسؤوليّة: عندما يقوم بمسؤوليّته إنّما يعمل أمرًا عاديٌّا. ونحن حين نتعبّد لله، حين نحبّ الله، حين نعيد حياتنا إلى الله، إنّما نفعل ما يجب أن يفعله كلّ إنسان، ما يفعله الإنسان الوحيد وحده، دون سائر المخلوقات. أمّا عنوان حديثنا فهو: لا تصنع لك تمثالاً ولا صورة.

ونقرأ سفر الخروج (20: 4 - 5)؛ »لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة شيء ممّا في السماء من فوق، ولا مماّ في المياه من تحت الأرض. لا تسجدْ لها ولا تعبدْها...

أحبّائي، عاش الشعب العبرانيّ في جوّ يعبق بالوثنيّة وتعدّد الآلهة. الوثنيّة يعني عبادة الأوثان. من الحجر نصنع تمثالاً. من المعدن، نصبّ تمثالاً. من الأخشاب، نصنع أيضًا إلهًا صغيرًا، ويذكر التقليد اليهوديّ بعد الكتاب المقدّس، كيف تتمّ الأمور: هناك خشبة لا تنفع شيئًا. لا تنفع لأن تكون بابًا ولا طاولة ولا كرسيٌّا. ننحتها ونجعلها إلهًا، نجعلها صنمًا. ليس فقط هناك صنم واحد، بل أصنام عديدة، وبالتالي آلهة عديدة.

2 - العبادات الوثنيّة

لماذا تتعدّد الآلهة؟ تتعدّد الآلهة لأنّ هناك مثلاً اتفاقًا بين مدينة ومدينة، فالمدينة الأولى تأخذ آلهة المدينة الثانية والعكس بالعكس. ثمّ هناك خوف بأن يكون هذا الإله شرّيرًا. فنحن نعبده، نبني له معبدًا، هيكلاً، وهكذا نأمن شرّه.

نتذكّر حين مضى بولس إلى أثينة. وجد هياكل عديدة وكلّ هيكل مكرّس لإله أو إلاهة. ولكنّه رأى على عتبة أحد المعابد: للإله المجهول. لماذا هذا المعبد للإله المجهول؟ قد يكونُ إله لم يعرف به أهل المدينة، ويمكن أن يضرب هذه المدينة. ولهذا نحن نهيّئ هيكلاً مفتوحًا لكلّ إله يمكن أن ينبت من جديد، بين الحين والآخر، بين ليلة وضحاها. فإن سأل »أين معبدي؟« نقول له: »هذا معبدك، أيّها الإله المجهول«.

نتذكّر هنا أنّ بولس الرسول انطلق من هذا القول، من إله مجهول، فحدّثهم عن إله غير مجهول، بل معروف، لكنّ أهل أثينة يجهلونه ويريدون أن يجهلوه. ولهذا حين كلّمهم بولس عن قيامة الموتى، استهزأوا به وقالوا له: »سنسمع لك مرّة أخرى«.

إذًا العالم الوثنيّ، العالم القديم، عرف تعدّد الآلهة. مدينة صور لها إلهها. كذلك مملكة صيدون. عمّون اسم إلهها ملكون، وقد بنى له سليمان معبدًا. موآب له إله. اسمه كاموش. الكنعانيّون إجمالاً لديهم إيل، بعل، الآراميّون هدد. وكانت القبيلة تتحالف مع القبيلة الأخرى، فتتبنّى آلهتها وتتعبّد لها. وإذا أرادت قبيلة أن ترفض، أن تقطع، أن تنقض العهد السابق، فهي ترمي بآلهة القبيلة المتعاهدة معها، ترمي بهذه الآلهة، بهذه الأصنام، في النهر أو في البحر. وما نقوله عن القبيلة، نقوله عن المدينة.

3 - تبادل الآلهة

تتحالف المدينة مع المدينة، فتأخذ الواحدة أصنام الأخرى، وتتحالف المملكة مع المملكة فتأخذ الواحدة أصنام الأخرى ونعرف ما حدث حتّى في زمن سليمان. حين تزوّج سليمان مثلاً ابنة فرعون، حملت كلُّ زوجة أصنامها معها. هذه الحالة دلّت على حلفٍ بين اثنين. وبنى سليمان معبدًا لكلّ هذه الآلهة التي ارتبط بها من خلال زواج من بنت هؤلاء الشعوب: صور، صيدون، عمّون، موآب. إذًا الصنم يمثّل إلهًا، نقدم له ذبائح لئلاّ يغضب علينا ويضربنا. نقدّم له ذبائح فنتّقي شرّه. وشرّ هذا الإله يرتبط بالملك الذي يعبده. فإن رفض الشعب مثلاً أن يعبد إله الآشوريّين، فملك الآشوريّين سوف يضربهم.

والصنم يمثّل الملك صاحب العبادة. فالبلاد التي تخضع لملك، تخضع للإله الذي يتعبّد له هذا الملك. هذا ما فعل أحاز ملك يهوذا. رأى مذبح ملك آشور في دمشق، فبعث إلى أوريّا الكاهن رسمة المذبح وتصميمه، وهذا واضح جدٌّا بين ملك كبير وملك صغير، سواء كان الملك آشوريٌّا أو بابليٌّا أو فرعون من مصر.

4 - وصيّتان من موسى

في هذا الإطار، سمع الشعب من فم موسى المتكلّم باسم الربّ وصيّتين. في هذا العالم المليء بالوثنيّة، المليء بالأصنام، المليء يتعدّد الآلهة، سمع الشعب وصيّتين. الأولى: لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي. يعني لا تجعل في المعبد الواحد حضوري وحضور شخص آخر، أو أنا أو الآخر. »لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي«. يعني لا تعبد آلهة أخرى معي، فأنا وحدي الربّ إلهك. من تعبّد لغير الإله الواحد استحقّ القتل. وهذا ما كان يحدث في العالم القديم، لأنّ من لا يتعبّد لإله القبيلة، لإله المدينة، لإله المملكة، يُعتبر خائنًا وبالتالي يستحقّ القتل: أو يُقتل أو يُطرد في الصحراء، في البرّيّة، وهناك يموت، لأنّ لا قبيلة تستعدّ أن تستقبله. وصيّة أولى: »لا يكن لك إله غيري«.

وسمع الشعب أيضًا وصيّة ثانية من موسى: »لا تصنع لك تمثالاً ولا صورة«. اعتاد الأقدمون أن يصوّروا آلهتهم بما في السماء وعلى الأرض. هناك الإله القمر، الإله الشمس، الآلهة الكواكب، الإله النار، الإله النهر، البحر، الجبل. البحر هو الإله الذي يحمينا حين نمخر عبابه، حين نسير فيه بسفننا.

والجبل هو مقدّس، يُعبد. جبل سيناء كان يُعبد. ولكن الشعب العبرانيّ فهم أنّ الجبل لا يُعبد، بل ذاك الذي ينزل على الجبل. كما أنّ تابوت العهد ليس تمثالاً للربّ، بل هو موطئ قدم للربّ، عليه يقف الربّ فيدلّ على حضوره. وعندنا جبال مقدّسة مثلاً جبل حرمون هو جبل مقدّس ويُحرّم الصعود إليه. ونتذكّر أيضًا، أحبّائي، أنّ موسى منع الشعب العبرانيّ من الصعود إلى جبل سيناء، لأنّه جبل مقدّس. إذًا يُمنع الجميع من الصعود إليه. هم يسجدون عند أسفله، وكأنّه شخص حيّ يقف أمامنا. الجبل مقدّس والنهر مقدّس. نهر النيل هو إله يعطي الخصب لأرض مصر.

ومع هذه العبادات، هناك صور حيوانات من ثور وحمار ونمس وكلب وحيّة. كلّ هذا يُمنع منعًا باتٌّا. يُمنع أيّ تمثال، وتمنع أيّة صورة: بل ذهب الله إلى القول بلسان موسى: »إن وضعت حجرًا كمذبح للربّ، إيّاك أن ترفع عليه الإزميل، ربّما ظهرت صورة من الصور وتأخذ تعبدها«. كلاّ ثمّ كلاّ. تجعل الحجر كما هو في الطبيعة وهو يخدم الله في الطبيعة.

خُلق الإنسان وحده على صورة الله ومع ذلك لم يعرف العبرانيّون أين دُفن موسى ولا أين مات إيليّا. لماذا؟ لا عبادة للبشر إطلاقًا. والملك نفسه الذي يُعبد في بعض البلدان هو في أرض إسرائيل وكيل الله وخادمه والمتعبّد له.

5 - مبادرة الملوك

نعم، أحبّائي، حين نقرأ سفر التثنية لا نعرف أين دُفن موسى. فلو عرفوا لبدأوا يحجّون إلى ذلك الموضع، هناك يتعبّدون لموسى أو أقلّه يكرّمونه، يكرّمون مدفنه. وكذلك لا نعرف أين مات إيليّا في الصحراء، في عاصفة رمليّة. ولكن الكاتب عندما يقول ما يقول، يمنع البشر، يمنع المؤمنين من التعلّق بصنم أو أكثر، بصنم، بشخص سواء كان حيٌّا أو ميتًا.

ونلاحظ بشكل خاصّ أنّ الشعوب المجاورة لفلسطين عبدت ملوكها. الفرعون هو إله. وهكذا نقول عن ملوك السلوقيّين. وهكذا نقول أيضًا عن أباطرة روما من كاليغولا وما بعد، الذين كانوا يُعبدون وهم بعدُ أحياء. كان يُوضع تمثالُ الأمبراطور في ساحة المدينة، والكلّ يأتون ويقدّمون له البخور، ويعبّرون عن عبادتهم وسجودهم.

أمّا في أرض فلسطين، فكلّ هذا بعيد، فليس من ملك كامل لكي يُعبد. داود، ذاك الذي اعتُبر بحسب قلب الله، هذا الملك أخطأ وأخطأ كثيرًا. أحبّ بتشابع، قتل زوجها، سلبها منه، تزوّجها، وهذا كلّه لم يرضَ به الله. كلّ هذا لم يرضِ الله لأنّ الملك يبقى إنسانًا، الملك يبقى خاطئًا، وهو يحتاج مثله مثل غيره أن يندم على خطئه. الملك ليس فوق الشريعة. هو تحت الشريعة، هو وكيل الله وخادم الله والمتعبّد لله.

إذًا لا يمكن الإنسان أن يصوّر الله. لا شكّ يقول الكاتب: الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله. ولكن الصورة مثل المرآة تعيدنا إلى الأصل، والأصل هو الله. ولمّا أراد الإنسان أن يكون الله، أن يعبد نفسه، أن يكون وهو الصورة كأنّه الأصل، جعل نفسه خارج الفردوس، جعل نفسه خارج الحياة مع الله. حاول الإنسان أن يعبد نفسه! مستحيل. أتراه سيعبد من هو أقلّ منه؟ أصغر منه؟ هل سيعبد الله بصورة حيوان؟ هذا يعني انحطاطًا على مستوى الإنسان وانحطاطًا على مستوى النظرة إلى الله. الله هو النار المحرقة. الله هو البعيد الذي لا يقع في أيدينا.

6 - أساس العبادة الوثنيّة

الله هو الذي يسيّر الكون كلّه، يوجّه الكون كلّه نحو أجمل ما يمكن أن يكون. هذا الكون لا يُعبد، لم يُعبد موسى، لم يُعبد إيليّا، لم يُعبد ملك من الملوك، فكيف يعبد العبرانيّون الثور، الحمار وغيره من الحيوانات؟ أو يعبد أشياء كالجبل والنهر والبحر وغيرها؟ في مصر، تصوّر المصريّون الثور.

وهكذا فعل العبرانيّون فدلّوا على قدرة الله. هم يريدون أن يجسّدوا قدرة الله، فجسّدوها من خلال ثور بقرونه. ولكن هذا العمل جرّ عليهم غضب الله وعقابه. هذا لا يمكن أبدًا أن يكون. وإن فعل العبرانيّون، كان عقابهم كبيرًا. هنا نسمع النبيّ هوشع يقول: »يا أهل السامرة عجلكم سمجٌ وقبيح، أبعدوه عنكم. اضطرم غضبي عليكم، فماذا تنتظرون لتعودوا إلى النقاوة؟«.

في الواقع أهل السامرة عبدوا العجل كما فعل المصريّون في أرضهم. وكان غضب الله قاسيًا، ودعوة لهم إلى نقاوة العبادة. »الله وحده تعبد وإيّاه وحده تسجد«. وقال أيضًا هذا النبيّ هوشع عن أهل السامرة: »يتشبّثون بخطاياهم ويصنعون لهم تمثالاً من فضّة. صانعٌ ماهر صنعه، ومع هذا يقولون: »تعالوا نقدّم له الذبائح«. ويأتون يقبّلون العجل.

ماذا فعل العبرانيّون؟ صنعوا إلهًا بأيديهم. ثمّ سجدوا له. فالعبادة يُعبَّر عنها بالسجود وأيضًا بالقبلة على التمثال أو الصورة. هكذا فعل العبرانيّون عندما صنعوا لهم العجل. سجدوا له، قبّلوه. يقرّب الإنسان فمه من التمثال حتّى يقبّله وبعد أن يقبّله يسجد له.

7 - خوف من رؤية الله

قال الربّ في الكتاب: »ما من أحد رأى الله على الأرض«. ولا يستطيع أحد أن يراه. لهذا لا يحقّ للعبرانيّ أن يعمل له صورة ولا تمثالاً. حين ظهر الله لموسى في العلّيقة، خاف موسى وستر وجهه لئلاّ يرى وجه الله. وظهر الله لمنوح والد شمشون، ولزوجته، قالا: »سوف نموت لأنّنا عاينّا الله«.

وظهر الربّ لإشعيا وهو في الهيكل. فقال: »ويل لي، قد هلكت. رأت عيناي المَلك ربّ الأكوان«. هي خبرات عديدة ولا يمكن أن نتوقّف عند الشيء بل ننطلق من هذا الشيء فنصل إلى الله. رأى موسى العلّيقة تحترق، ولكنّه لم يصوّر أبدًا العلّيقة. وفي النصّ العبريّ صارت كلمة علّيقة قريبة من النار، والنار كما نعرف ترمز إلى الله. ومع ذلك يقول النصّ: »خاف موسى، ستر وجهه«. ربّما التقت عيناه عينَي الربّ. ستر وجهه لئلاّ يرى وجه الله.

ويعطينا الكاتب أيضًا مثالاً آخر: ظهور الربّ لمنوح ولزوجته. حين عرفا أنّه الربّ قالا: »سوف نموت، رأينا الربّ«. وكان جواب الربّ: »لماذا تموتان؟« لو أنّ الربّ أراد أن يميتكما لما جاء إليكما، فالربّ إله الحياة لا إله الموت.

وأخيرًا في الهيكل، ظهر الربّ لإشعيا بشكل ملك عظيم تملأ أذياله الهيكل، فقال إشعيا: »ويل لي قد هلكت، رأت عيناي الملك ربّ الأكوان«. ولكن الربّ لمس شفتيه بجمرة، فطهّر شفتيه. وهو الآن يستطيع أن يحمل كلمة الله ويوصلها إلى شعبه.

هذه، أحبّائي، فكرة عن الصور والتماثيل في الشعب العبرانيّ. لا يمكن أن يكون للشعب العبرانيّ تمثال أو صورة من شيء ممّا هو على الأرض، في السماء، تحت الأرض، وفي أيّ مكانٍ كان. فلا خليقة يمكنها أن تستوعب الخالق كلّه، ولا ضعفنا يستطيع أن يصوّر قوّة الله.

وحين نتكلّم عن الله إنّما ندفع بقلوب الآخرين، وأفكارهم، وأرواحهم ونفوسهم إلى أن يتطلّعوا إليك، على ما يقول المزمور: »نحن نشبه العصافير، نرفع إليك عيوننا حتّى تطعمنا من طعامك. نرفع إليك أيدينا حتّى ترسل إلينا عونك، نرفع إليك قلوبنا لكيّ تمتلئ من كلمتك، فتتبدّل حياتنا كلّها ونقول: نترك الأصنام والتماثيل المتعدّدة ولو كانت من البشر، من لحم ودم. ونتعلّق بك وحدك، أيّها الربّ الإله الذي له نسجد، وإيّاه نعبد ونحبّ. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM