للربّ إلهك تسجد

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

للربّ إلهك تسجد

 

1- السجود

أحبّائي، نتابع قراءتنا لسفر الخروج الفصل 20: الوصايا العشر. قبل أن نتوقّف في حديثنا على الوصايا العشر التي أُعطيت على جبل سيناء، أعطاها الربّ لموسى على جبل سيناء في إطار العهد، أودّ أن أشدّد على عبارتين. الأولى: لا تصنع لك تمثالاً في السماء من فوق، ممّا في الأرض من تحت ولا ممّا في المياه. يعني، اعتاد الناس أن يصنعوا تماثيل الشمس، القمر، الحيوانات، الأسماك وغيرها.

ثمّ في آية 5 يقول: أعاقب ذنوب الآباء في الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع ممّن يبغضونني. ما معنى هذا الكلام؟ هل إنّ الناس يبغضون الله؟ كلاّ. ولكنّ اللغة كانت فقيرة فلم يكن لها كلمة تعبّر عن محبّة أقلّ، عن تفضيل شيء على شيء. من يحبّ الله، يحبّه كلّ المحبّة. ومن لا يحبّه، يبدو كأنّه يبغضه، كأنّه يرفضه، كأنّه يخذله. والربّ في الواقع لا يعاقب، لكن الإنسان يخرج من دائرة محبّة الله فيكون في دائرة العقاب، في دائرة الظلمة البرّانيّة كما يقول الإنجيل.

أمّا موضوع هذه الوصيّة فهو السجود للربّ. والعنوان يمكن أن يكون: للربّ إلهك تسجد. في المعنى السلبيّ: لا تسجد لهذه الآلهة. في المعنى الإيجابيّ: للربّ إلهك وحده تسجد. السجود، العبادة، حركة واحدة نعبّر فيها عن احترامنا لله. السجود أوّلاً هو الركوع، والركوع علامة الخضوع، علامة الانحناء، علامة التسليم لله بكلّ حياتنا، بكلّ تفكيرنا، بكلّ أعمالنا. والعبادة من عبد. يعني أن يكون الإنسان عبدًا، عابدًا، خادمًا، مرتبطًا، متعلّقًا.

2 - السجود والعبادة

السجود والعبادة حركة واحدة نعبّر فيها عن احترامنا لله. وهذا الاحترام ندلّ عليه بحركة خارجيّة. بإشارة خارجيّة. الاحترام هو عاطفة داخليّة عميقة، تجعلنا في حضرة الله. لا شكّ نعبّر عن هذه العاطفة بالإشارة، بالحركة، بالوقفة الخارجيّة. ولكن إن كانت فقط الوقفة الخارجيّة، يكون هذا الاحترام كذبًا ورياءً.

نُعبّر في السجود أيضًا عن صغَرنا أمام عظمته. الله هو العظيم. الله هو الخالق. الله هو المدبّر. الله هو من يسند الكون في الوجود منذ البداية حتّى النهاية. والإنسان أمامه صغير. شبّهه الأنبياء بالعشب الذي ينبت اليوم وييبس غدًا. أمّا الله فهو إلى الأبد.

ونعبّر في سجودنا عن توبتنا على خطيئتنا أمام قداسة الله. الإنسان خاطئ، الإنسان ضعيف، والله هو كلّيّ القداسة، هو الكلّيّ النقاوة، هو القدّوس بالذات. ونحن حين نسجد أمام الله، نعلن قداسته، نعلن ارتفاعه فوق البشر، فوق عالم البشر. الله ليس كالبشر، على ما يقول النبيّ هوشع: أنا إله لا إنسان. سجود وعبادة.

هذا ما حدث لحزقيال حين رأى مجد الله. رأى هذا المجد ظاهرًا فركع، سجد منحنيًا. هذا ما حدث لبطرس بعد الصيد العجيب. قضى الرسل طوال الليل ولم يصطادوا شيئًا. بكلمة يسوع امتلأت السفينتان من الصيد العجيب. أحسّ بطرس أنّه لم يعد أمام مفهوم بشريّ، هو أمام قدرة الله، أمام عظمة الله. فما كان له إلاّ أن سجد، ركع أمام هذا الإله العظيم الذي يصنع المعجزات بكلمة من فمه.

وأيضًا هذا ما حدث لبولس على طريق الشام. نتذكّر، أحبّائي، أنّ بولس كان ذاهبًا على طريق دمشق ليقبض على المسيحيّين هناك، ويقودهم إلى رئيس الكهنة. فظهر عليه المسيح، ظهر عليه نور المسيح فأعماه. أحسّ بهذه القداسة، بهذه العظمة، بهذه القدرة، وبهذه المحبّة أيضًا، فوجد نفسه مرتميًا على الأرض، ساجدًا، كما قال أيّوب، في التراب والرماد.

3 - قداسة الله وعظمته

فقداسة الله وعظمته تسحقان الإنسان، فتصلان به إلى العدم لولا رحمة الله ومحبّته. أجل، الإنسان ليس بشيء. الله هو الذي يعطيه الحياة. هو الذي يجعله يقوم في هذه الحياة. ويقول الكتاب: هو نارٌ آكلة. ونعرف ماذا تفعل النار بأيّ شيء يكون أمامها. ولكن، كيف يثبت الإنسان؟ كيف يقوم الإنسان؟ يقوم، لأنّ رحمة الربّ تمسك به، لأنّ محبّته هي وراءه. يلتقي الإنسان الله. هناك خبرة بولس مع الربّ على طريق دمشق. هناك خبرة مريم العذراء لمّا كلّمها الملاك جبرائيل. وهناك خبرة زكريّا لمّا ظهر عليه ملاك الربّ في الهيكل. وخبرات عديدة موجودة في الكتاب المقدّس في عهده القديم وعهده الجديد. وهناك خبرات أيضًا مع القدّيسين.

خبرة فريدة لا تحصل للجميع، بل تحصل لأفراد قلائل لكي يحملوا ما اختبروه، لكيّ يحملوا سرّ الله ومحبّة الله. هي خبرة مباشرة، أي لا وسيط بيننا وبين الله. نور الربّ يدخل بشكل مباشر إلى حياتنا. هكذا دخل إلى حياة بولس فأعماه، فما عاد يرى شيئًا أمامه. وسوف يأتي بعض الوقت حين يعمّده حنانيّا، فتزول الغشاوة عن عينيه، وحينئذ يرى ويبدأ يفهم شيئًا فشيئًا ماذا يريد الله منه.

إذًا، هذه الخبرة الفريدة هي نادرة. ولكن ما هو عاديّ هو حضور الله وعمله في الكون. نعم، كلّ واحد منّا يستطيع أن يكتشف حضور الله. حضور الله في حياته. حضور الله في الكون. عمله في حياة كلّ إنسان. عمله في الكون. ولمّا لم يفهم أيّوب طرق الله، أراه الربّ عظمة الكون، الشمس، القمر، الأرض، البحار، الطيور، الحيوانات، كلّ هذا أراه إيّاه. وهذه الرؤية، هذه النظرة، تجعلنا في حضرة الله من خلال أعماله. كما يقول المزمور: »السماوات تنطق بمجد الله والفلك يخبر بأعمال يديه«.

4 - مجد ا؟ في الكون

وحين نكتشف حضور الله في الكون، نكتشف مجده. فمجد الله هو التعبير عن شخصه، عن قدرته، عن قداسته في الخليقة. لا شكّ، ا؟ هو في الخليقة، ولكنّه ليس جزءًا من الخليقة. مهمّ جدٌّا، أحبّائي، أن نشير إلى القائل بالحلوليّة. قال: البشر هم جزء من الله. وفي الماضي جعلوا الله شخصًا من الناس، يمشي بين الناس. حين نقول: قداسة ا؟، أو نقول: الله قدّوس، نعني هو خارج دائرة البشر. هو ليس مثل البشر. ليس مع البشر. هو فوق البشر. ونحن نذهب إليه. وإلاّ إذا كان الله مثلنا، ضعيفًا مثلنا، خاطئًا مثلنا، فما الذي يفعله لنا؟ ولكنّ الله هو البعيد البعيد الذي نذهب إليه. وإن هو اقترب منّا فلا نستطيع أن ننجّسه بخطيئتنا ونجاستنا.

نتذكّر في الإنجيل حين لمس يسوع الأبرص. فليس يسوع الذي تنجّس من الأبرص، لكنّ الأبرص تطهّر بيسوع، تقدّس بيسوع. الربّ حاضر في الكون، حاضر في الكنيسة، حاضر في جماعاتنا، حاضر في كلّ واحد منّا، حاضر بمجده، حاضر بقداسته.

فعلى الإنسان في هذه الحالة أن يتعرّف إلى هذا الحضور. يا ليتنا، أحبّائي، نكتشف حضور الله. ننظر إلى السماء الصافية، إلى الكواكب، إلى النجوم، فننشد الله وعظمته وجماله. هذا ما قاله سفر الحكمة. رأوا عظمة الله ، رأوا جمال الله. فإن توقّفوا عند هذه العظمة وعند هذا الجمال، توقّفوا في منتصف الطريق ولم يصلوا إلى الهدف. عندما ينظرون إلى عظمة الله إلى عظمة الكون، ليعرفوا عظمة الله. عندما ينظرون إلى جمال الكون، لينظروا في النهاية إلى نبع هذا الجمال، الربّ الإله.

5 - وعي وانتباه

ونحن خصوصًا نتعرّف إلى هذا الحضور في حياتنا اليوميّة، في أمور بسيطة يوميّة تدلّ على اهتمام الله بنا، على عنايته بكلّ واحد منّا. وكيف نعبّر عن اعترافنا بهذا الحضور؟ نعبّر بالعبادة. العبادة هي التعبير عن ردّة الفعل لدى الإنسان حين يدركه القربُ من الهل. قال جدعون: الله هو في هذا المكان، وأنا لا أعرف؟ مرّات لا ننتبه، مرّات نشبه تلميذَي عمّاوس: في الطريق كان الربّ معهما وهما لم يعرفاه. سيأتي وقت يعرفاه.

وذاك كان الوضع بالنسبة إلى جدعون: الربّ في هذا المكان وأنا لا أعرف؟ يا ليتنا نعرف أنّ الربّ في كلّ مكان، وحيث يكون الإنسان هناك الربّ. ويكفي الإنسان أن يرفع ناظريه أو يعود إلى أعماق قلبه، فيكتشف حضور ا؟ في العالم وفي حياته. وهنا يأتي الشعور، الذي يصل بنا إلى العمق، إلى إكرام مليء بالخوف. لا خوف العبيد ولكن خوف الأبناء، خوف الحبيب من أن يغيظ حبيبه، خوف العريس أن يغيظ عروسه.

نتذكّر المزمور 5: 8: بما أنّ رحمتك عظيمة، فأنا أدخل بيتك، وأنا أسجد باحترام عميق في هيكلك المقدّس. ويدعونا المزمور 95: »هلمّوا نسجد ونركع له، نجثو أمام الربّ الذي صنعنا. فهو إلهنا ونحن شعب مرعاه، غنم يقوده بيده، هلمّوا نعترف بالربّ وننشد له، فإنّه إلهٌ عظيمٌ وملكٌ عظيمٌ. نحن شعبه وغنم مرعاه، شعب يرعاه وغنم يقوده. هلمّوا نعترف بالربّ وننشد له، فإنّه إله عظيم وملك عظيم.

6 - عاطفة من القلب

عاطفة من أعماق القلب، تلك هي العبادة. شعور في خفايا الإنسان، تلك هي العبادة. شعور في خفايا الإيمان. ونحن نعبّر عن كلّ هذا بحركات خارجيّة. تكريمنا للربّ، احترامنا للربّ، عاطفة عميقة. والحركة الخارجيّة هي سجود الذي لا يكون فقط سجود القلب بل سجود الجسم كلّه. سجودنا يكون سجود النفس والجسد فيكون صادقًا. يعني يكون سجودًا تامًا، سجودًا كاملاً، بنفسي وروحي وجسدي وقلبي وعواطفي وعينيّ. وكلّ عضو من أعضائي هو ساجد أمام الربّ، عابد له.

فإن بقينا على مستوى العواطف، كنّا أمام سراب وخيال. كم مرّة نسمع الناس يقولون: لماذا الصلاة؟ كلمة واحدة تكفي. أو لماذا الصوم؟ هناك صوم روحيّ. هي أمور لا بأس بها. ولكنّها ناقصة. إذا كنّا لا نعبّر عن عمق صومنا بصوم خارجيّ، يبقى صومنا كاذبًا. هو يكون على مستوى القول والكلام، ولا يصل إلى مستوى العمل والحقّ.

وكذلك نقول عن سجودنا: إن لم نعبّر عنه بالحركة الخارجيّة، بالركوع والانحناء، يبقى سرابًا وخيالاً. وإن بقينا على مستوى الجسد فقط، صحّ فينا كلام الكتاب: »هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأمّا قلبه فبعيد منّي«. أجل، العبادة الخارجيّة، السجود الخارجيّ، إن لم نعبّر فيه عن عمق حياتنا، يبقى كذبًا. يكرمني بشفتيه وأمّا قلبه فبعيد عنّي.

كلّ هذا عبّر عنه ا؟ بلسان موسى من خلال الوصايا: »للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد«. هكذا نعبّر في حياتنا عن فضيلة الديانة. فنحن ندين لله حين نخضع له، نطيعه، نخدمه. نتذكّر هنا صلاة »الأبانا«: يتقدّس اسم الربّ، نحن نقدّس اسم الربّ. يأتي ملكوت الربّ، نفتح قلوبنا ليأتي هذا الملكوت ونعمل مشيئة الربّ. نحن ندين لله، ندلّ على ديانتنا الحقّة حين نخضع ؟، نطيعه، نخدمه.

7 - الديانة الحقّة

نحن ندين لله حين نقرّ بملكه، بسلطانه. ونعبّر عن ديانتنا بأعمال البرّ، بأعمال الرحمة. ونعبّر عنها بأفعال العبادة. نتذكّر هنا الأنبياء الذين أرادوا من الشعب أن لا يكتفي بتقديم الذبائح في الهيكل. نقدّم الذبيحة من هنا ونظلم الإنسان من جهة أخرى. هذا يدلّ على انفصام في الشخصيّة، انفصام بشع جدٌّا، انفصام يصل بنا إلى الرياء الفريسيّ. أعمال العبادة داخل المعبد، داخل الهيكل، تقودنا إلى عبادة من نوع آخر، هي عمل البرّ، عمل الرحمة، الصدقة، المحبّة، الإحسان. وأفعال العبادة عبّر عنها موسى أمام العلّيقة الملتهبة: خلع نعليه من رجليه وركع. وهذا أيضًا ما فعله الشعب كلّه عند جبل سيناء، يوم هبط الربّ عليهم بالنار والدخان، ويوم كانت أصوات البروق والرعود والغمام الكثيف على الجبل المقدّس. اختبر الشعب حضور الربّ على الجبل، فسجدوا وعبّروا عن عبادتهم، عن خوفهم، عن إكرامهم العميق، عن شعورهم بخطيئتهم أمام قداسة الله.

8 - مثال يسوع

»للربّ إلهك تسجد، وإيّاه وحده تعبد«. هذا الكلام استعمله يسوع تجاه الشيطان الذي يجرّبه. نتذكّر، أحبّائي، الفصل 4 من متّى أو الفصل 4 من لوقا. قال له إبليس: »أعطيك ممالك الأرض كلّها، شرط أن تسجد لي«. يعني أن تربط حياتك بحياتي. أن تدين لي وتعدني بالطاعة، أن تكون بكلّيتك لي. ولكنّ يسوع قال في شبابه: »يجب أن أكون فيما هو لأبي، أن أكون فيما يريده أبي«، وكان جوابه هنا لإبليس: »للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد«. ويقول النصّ، حين فهم إبليس أنّ هذا الابن، هذا الذي قال له: »إن كنت ابن الله«، هذا الابن هو بكلّيّته للربّ، فوجد أن لا موضع له في هذا المكان.

حينئذٍ، تركه إبليس مع ما في حضوره من شرّ، ونكران لعظمة الله. كان إبليس هنا، فكان الشرّ هنا. كان إبليس هنا، فكان النكران. كمن يقول: الله غير موجود. قال الجاهل في قلبه: »لا وجود لله«. ويقول القدّيس متّى: ولمّا مضى إبليس وأنهى تجاربه وفهم أنّ يسوع لا يسجد إلاّ للربّ الإله، جاء الملائكة وهم يمثّلون حضور الله، فاقتربوا منه وأخذوا يخدمونه.

هذه، أحبّائي، محطّة أولى في هذه العبارة: »للربّ إلهك تسجد«. فالسجود هو احترام عميق ندلّ به على أنّ الربّ هو القدّوس أمامنا نحن الخطأة، وهو العظيم أمامنا نحن الصغار. نتعلّم من الربّ يسوع أن لا نسجد إلاّ لله وحده، وأن لا نعبد إلاّ الربّ وحده. ولا تكن عبادتنا فقط بالحركة الخارجيّة، بل نعبّر عنها بالحركة الداخليّة فتكون الحركة الخارجيّة تعبيرًا عمّا في داخلنا. وهكذا ندلّ في سجودنا على عبادتنا لله، على محبّتنا له، وعلى خوفنا من أن نغيظه فنكون بكلّيّتنا له. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM