الخاتمة

 

الخاتمة

مراحل ثلاث سرناها مع موسى والرجال الذين رافقوه. إستعدّوا للقتال ولكنّه قتال من نوع آخر. لا سلاح فيه ولا عتاد.

شدّوا أوساطهم، جعلوا نعالهم في أرجلهم، حملوا عصيَّهم في أيديهم. فالطريق أمامهم طويلة، وهم لا يعرفون ما تخبئه لهم. ولا وقت لهم. أكلوا بعجلة فما سمحوا لنفوسهم أن يجلسوا إلى المائدة. ثمّ هم لم ينتظروا انبلاج الصباح. مضوا في قلب الليل.

في أيّ حال، لا حاجة إلى النهار. ففي قلب الظلام الذي خيَّم على مصر، »كان لهم نور في مساكنهم« (10:23).

هربوا، إلى أين؟ لا يعرفون. في جنوب مصر، أرض النوبة بصحرائها. وإلى الغرب، صحراء ليبيا. فما بقي لهم سوى البحر. ولكن إلى أين يقود الذهاب في البحر المتوسّط؟ هم لا يعرفون. إذًا، لا بدّ من التوجّه إلى شبه جزيرة سيناء.

المهمّ أن يخرجوا من أتّون النار والحديد، أن يذوقوا طعم الحرّيّة، أن يشمّوا رائحة العيد. في الأصل، ثلاثة أيّام. عيد في البرّيّة. ولكن المسيرة طالت، فإلى أين؟ بشريٌّا هم ذاهبون إلى الموت كما اعتبر المصريّون، فتبعوهم. البحر أمامهم، وجيش فرعون بمركباته وفرسانه وجنوده (14:9) وراءهم.

فكيف ينجون من الموت المحتّم، وهم لا سلاح في أيديهم سوى عصا موسى؟ ولكنّ هذه العصا ستكون أقوى من كلّ سلاح. يكفي أن يدعو المؤمن باسم الربّ فينتصر على »المركبات والخيول« ( مز 20:8).

ولماذا ساروا في البرّيّة، حيث لا ماء ولا طعام؟ أما كان الأفضل أن يأخذوا الطريق التي تصل إلى فلسطين من الجنوب؟ هذا ما تجنّبه موسى. هناك الفلسطيّون الآتون من الجزر اليونانيّة، بأسلحتهم الحديديّة، وهناك المدن الحصينة التي لا قِبَل لهؤلاء البدو أن يفتحوها.

فبقيت لهم طريق واحدة: برّيّة سيناء. هناك يتحرّرون من كلّ شيء: من غنى مصر وآلهتها، من بطش فرعون ورجاله، من الذهب والفضّة اللذين سيُستَعملان في صنع العجل الذهبيّ. عُريٌ قام من أجل لباس آخر. تجرّدٌ من الإنسان العتيق من أجل الإنسان الجديد. فهذا الإنسان العتيق مات في البرّيّة. فما وصل إلى أرض الموعد إلاّ الإنسان الجديد.

وصل أولئك الذين وُلدوا في البرّيّة من »زواج بين ا؟ وشعبه« على مثال زواج العريس بعروسه. أرضُ مصر كوّنت عبيدًا لفرعون. البرّيّة كوَّنت عبادًا للإله الواحد، يستعدّون منذ الآن ليقولوا: »كلّ ما تكلّم به الربّ نعمله ونأتمر به« ( 24: 7).

خروج، عبور، مسيرة. ثلاث مراحل في هذا الكتاب. خروج من عالم وثنيّ، عبور في الموت، مسيرة من أجل الحياة.

تلك كانت طريقنا في هذه المحطّة الثانية من سفر الخروج. وها نحن نصل إلى منحدر جبل سيناء. فإلى محطّة ثالثة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM