ماء من الصخرة

 

ماء من الصخرة

نواصل، أحبّائي، قراءتنا لسفر الخروج. فالخارجون من مصر لا يرضيهم شيء. تركوا الغنى وأتوا إلى الفقر. تركوا النيل الذي تعبّد له المصريّون، وربطوا حياتهم بنداء الربّ، وجاؤوا إلى هذه البرّيّة التي لا ماء فيها ولا كلأ يكفي البهائم. برّيّة مخيفة. وقد اعتادوا الصراخ مرّة بعد مرّة. مثل طفل يحتاج إلى أمّه. لا قدرة له في هذا الفضاء الواسع. الطفل وحده ما زال في طور الرضاعة. لهذا يهتف موسى »متذكّرًا« هو أيضًا بسبب الحمل الثقيل الذي يرسو عليه. قال الربّ: »هل أنا الذي حبل بهؤلاء الشعب كلّهم؟« (عد 11:12). لا، أنا ما حبلت بهم. بل الله كوّنهم في »حشاه« الأبديّ. وتابع موسى: »هل أنا الذي ولدهم حتّى تقول لي: احملهم في حضنك كما تحمل الحاضن الرضيع؟... لا أطيق أن أحمل هذا الشعب كلّه لأنّه ثقيل عليّ« (آ 12).

صرخ الشعب طالبًا الخبز، فأعطيَ المنّ الذي يفوق الخبز الذي عرفوه في فلسطين أضعاف أضعاف. طلبوا لحمًا، فأرسل إليهم الله أطيب الطيور. وها هو يطلب الماء، فيدعو الله موسى كي يُخرج الماء من الصخرة. ونقرأ النصّ الكتابيّ:

وارتحل جميع بني إسرائيل من برّيّة سين على مراحل، كما أمر الربّ، ونزلوا في رفيديم حيث لا ماء يشربونه. فخاصموا موسى وقالوا له: »أعطونا (أو أعطنا) ماء نشربه«. فقال لهم موسى: »لماذا تخاصمونني، ولماذا تجرّبون الربّ؟«

وعطش هناك بنو إسرائيل إلى الماء، وألقوا اللوم على موسى وقالوا: »لماذا أصعدتنا من مصر لتميتنا نحن وبنونا ومواشينا بالعطش؟« فصرخ موسى إلى الربّ: »ماذا أفعل بهؤلاء الشعب؟ بعد قليل يرجمونني«.

فقال له الربّ: »اعبُر أمام الشعب ومعك بعض شيوخ إسرايل، وخُذ بيدك عصاك التي ضربت بها النهر (= النيل) واذهبْ، فتجدَني واقفًا أمامك هناك على الصخرة في حوريب، فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء يشربُ منه الشعب«.

ففعل موسى كذلك، أمام عيون شيوخ إسرائيل. وسمَّى موسى ذلك المكان مسّة ومريبة، لأنّ بني إسرائيل عطشوا وارتابوا بالربّ. فقالوا: »أمعَنا الربّ أم لا؟« (17: 1 - 7).

1 - أسماء رمزيّة

بحث بعض العلماء عن موقع هذه الأماكن المذكورة هنا. هي تقع بين برّيّة سين أي برّيّة الإله القمر وجبل حوريب، أي موضع الخراب والدمار. جبل حوريب هو أيضًا جبل سيناء في التقليد الكهنوتيّ، تهرّبًا من ارتباط الاسم بالإله سين، القمر. أين تقع رفيديم؟ هناك من جعلها في واحة فاران. ولكن المهمّ هو معنى اللفظ. يرتبط بالرفد، بالعطاء. مع صيغة الجمع. هي عطايا الربّ التي تحمل إلى الإنسان العون والمساعدة. نتذكّر أنّ الحدث الوارد هنا، يجعله سفر العدد (33: 14 - 15) في قادش. في ذلك المعبد المقدّس الواقع جنوب أرض يهوذا. لا شكّ في أنّ هناك بعض الماء، ولكن هؤلاء »الرعاع« يطلبون أكثر، كما في مصر مع مياه النيل الغزيرة. وفي أي حال، سوف يعطيهم الربّ ويُفيض. ومن أين يعطيهم؟ من حيث لا يمكن أن يخرج ماء. من الصخر.

في الحقيقة، وقبل الماء هناك خصومة كما يعني اسم »مريبة« في العبريّ. هم يريدون أن يخاصموا الله. وبما أنّهم لا يرونه، يخاصمون موسى. إنّه السبب في هذه الحياة القشفة. وإذا عدنا إلى اللغة العربيّة، نفهم أنّ العبرانيّين شكّوا في الله وفي حضوره. ظنّوا ظنّ المرتاب بقدرته. وطرحوا السؤال القاسي: »هل الربّ معنا أم لا«؟

وماذا عن كلّ هذه المعجزات. ولا نذهب بعيدًا. منذ البحر الأحمر وتلك النجاة العجائبيّة التي لا يحلم بها إنسان من الناس. أكبر جيش في العالم ما استطاع أن يوقف مسيرتهم. حصرهم تجاه البحر كما أمام جدار مسدود. فصار البحر أيضًا يابسة. دخلوا فيه، مشوا في قعره، بل كانت مياهه التي أحدثت الطوفان، سورًا لهم عن اليمين وعن الشمال. وبعد ذلك، يجرأون فيسألون: »أمعنا الربّ أم لا«؟ بدون شكّ هو معنا. والدليل كان أمام »عيون الشيوخ«: تفجَّر الماء من الصخر.

وإن لم يكن معنا، أتُراه مع العماليق، هؤلاء العمالقة الذين خاف منهم أولئك الذين أتوا ليجسّوا الأرض؟ قال الجواسيس: شاهدنا جبابرة بني عاناق، فصرنا في نظرنا صغارًا كالجراد« (عد 13:33). بدوا صغارًا. ولكن كيف تغلّبوا على الكبار، على »جبابرة«؟ أبقدرتهم الخاصّة بعد أن احتقرهم بنو عناق ونظروا إليهم من فوق، وهم قصار القامات؟ كلاّ، ولكن الله يعمل في الضعف. صغار هذا العالم صاروا كبارًا، وضعفاؤه أقوياء. هل الربّ معنا؟ لا شكّ في ذلك.

هذه العاطفة خامرت الرسل يوم نسوا أن يتزوّدوا خبزًا (مر 8:14). خافوا أن يموتوا جوعًا. قالوا: لا خبز معنا! وتساءلوا: ماذا تُرانا نفعل؟ فوبّخهم يسوع. لا أدركوا ولا فهموا. بدَوا كالعميان الذين لا يبصرون، وكالصمّ الذين لا يسمعون. وذكرهم بما فعل لهم حين كسَّر لهم الخبزات في البرّيّة، وحين جمعوا الكسر التي تكفي العديدين بعدهم. وفي النهاية (آ 21) قال لهم: »أما فهمتم بعد؟«

2 - جرّبوا الله

شكّوا وارتابوا مع أنّهم في »رفيديم«، في تلك الواحة التي تحمل العطايا. ما اسمُ هذه الواحة في فم موسى؟ مسّة. إذا عدنا إلى العربيّة، الفعل مشَّ يعني عادى وخاصم. وفعل ماسى يعني سحر. تلك هي عواطف هذا »الشعب« الذي يقوده موسى إلى مكان لا يعرفه. ولكنّ ا؟ يعرفه. ما هذه الطريق التي دخلوا فيها؟ هم لا يرون سوى الرمل والرمل. والشمس التي لا ترحم، والليل البارد الصاقع. والطعام هو هو. المنّ، عافت نفوسهم، خرج من أفواههم. أين طعام مصر المتنوّع من البطيخ إلى القثّاء واللحم والسمك، أين الوعود بتلك الأرض التي تدرّ لبنًا وعسلاً؟

إذا عدنا إلى العبريّة، ترتبط »مسّة« بفعل يعني جرَّب، امتحن. عادة الربّ يمتحن شعبه ليرى عمق محبّته. كما امتحن أيّوب. جعله يمرّ في النار كالمعدن. أمّا أن يجرّب الإنسان الله فأمر عجيب. مثل هذه التجربة تبدو تحدّيًا لله. هل يقدر؟ فليحاول. هذا إذا كان حاضرًا. هذا إذا لم يكن مثل الآلهة الوثنيّة التي نرفع إليها الصلاة في معابدها، فلا تستطيع أن تفعل خيرًا ولا شرٌّا.

ولكن الربّ هو من يتنازل. ينزل إلى مستوى الإنسان. يمشي مشيته ولا يفرض نفسه من فوق. بل يتراجع عمّا نواه حين يرى تراجعًا من قبل المؤمنين، على ما قيل في النبيّ: عودوا إليَّ فأعود إليكم. وأرسل موسى. لا حاجة إلى آلات نعرفها اليوم، فتخرج ماء من عمق الأرض. لا حاجة إلى حفر الأرض. من الصخر ا؟ يخرج الماء. فليس على الله شيء عسير.

خبرة هؤلاء الخارجين من مصر تشابه خبرة الراجعين من المنفى، سنة 538 ق.م. بقيادة زربّابل بن داود ويهوشع الكاهن. صُوِّر لهم الرجوع بشكل مسيرة يتقدّمهم الربّ فيها، فتزهو البادية وتفرح، ويبتهج القفر ويرنّم طربًا (اش 35:1). فماذا وجدوا حين وصلوا إلى أرض يهوذا وإلى أورشليم؟ بيوتهم خربة. أرضهم يعلوها الشوك إن لم يكن الغرباء وضعوا يدهم عليها. بعضهم أراد الرجوع إلى بابل، وفضّلوا البكاء عند أنهارها على الفرح في أرض الربّ. والذين كانوا في بابل لبثوا هناك، وما عادوا يحنّون إلى أورشليم، فيطوفون حولها ويعدّون أبراجها. خبرة الله قاسية. من الأفضل أن نبقى في بابل وحالُنا أحسن حال، وإن أحاطت بنا الأصنام من كل جانب.

3 - ضرب موسى الصخرة

أمن الصخرة يخرج الماء؟ مستحيل. أيُعقل أن يقترب انسانٌ مثل موسى الذي تعلّم كلّ علوم المصريّين، فيضرب الصخرة وهو يرجو أن يخرج منها ماء؟ لو رآه شخص من الخارج، لاعتبره مجنونًا. ولكن لو أعمل موسى الفكر وتجادل مع الله فقال له: هذا مستحيل، كيف تطلب منّي أن أقوم بعمل سيضحك الناس منّي إن رأوني أفعل؟ لا. ما قال موسى شيئًا من هذا. بل مضى وأخذ معه الشهود العديدين. أتُراهم سيسخرون منه؟ كان ذلك ممكنًا لو لم تتمّ المعجزة ويخرج الماء.

المستحيلات عديدة على مستوى البشر، لا على مستوى الله. والأمثلة عديدة. قيل لسارة: آتي في مثل هذا الوقت من السنة المقبلة. ويكون لك ولد. ضحكت سارة: »أبعدما عجزتُ وشاخ زوجي تكون لي هذه المتعة« (تك 18:12). وجاء اللوم من عند الربّ. قال لإبراهيم: »ما بال سارة ضحكت؟... أيصعب على الربّ شيء؟« وعاد الربّ وأكّد. والأمر ذاته حصل لزكريّا الكاهن. قال: »كيف يكون هذا وأنا شيخ كبير وامرأتي عجوز؟« (لو 1:18). ما صدّق، أصيب بالخرس. ولن يستطيع التكلّم حتّى يتمّ ما وعد به الربّ.

وفي إنجيل يوحنّا، كيف تجاسر الخدم فملأوا الجرار ماءً وسقوا الناس »خمرًا«. كان لهم أن يتساءلوا: أترى يسوع يسخر منّا؟ هل يريد أن يسخر من العريس؟ التساؤل ممنوع، ومريم قالت لهم: إفعلوا ما يقوله لكم. ففعلوا وعرفوا. ولكن لا نعرف إن كانوا آمنوا. والمخلّع المريض منذ 38 سنة، كيف يقول له يسوع: »قم واحمل فراشك وامشِ« (يو 5:8). بل هو »حمل فراشه ومشى«. تلك هي قدرة الله التي لا يقف في وجهها عائق.

وراح المعلّمون اليهود يجعلون من هذه الصخرة »شخصًا حيٌّا«. الربّ هو تلك الصخرة، وهو يسير معهم، فيكون لهم الشراب طوال مسيرتهم في البرّيّة. حينئذ انقلب السراب غديرًا، والرمل ينابيع ماء (أش 35:7). حينئذ تفجّرت المياه في البرّيّة، وجرت الأنهار في الصحراء. بحضور الله تحوّل كلّ شيء.

وعاد القدّيس بولس إلى أقوال المعلّمين، فطبّق ما قيل على يسوع المسيح، قال: »كلّهم (= الشعب العبرانيّ) كانوا يشربون شرابًا روحيٌّا واحدًا من صخرة روحيّة ترافقهم. وهذه الصخرة هي المسيح« (1 كور 10:4). إن كان اليهود نالوا ما نالوا، ومع ذلك تصرّفوا تصرّفًا لم يرضَ الله عنه. فالذين نالوا العماد، أي نحن المسيحيّون، يمكن أن لا يرضى الله عنّا. يمكن أن نُرذل (1 كور 11: 32).

وكما الماء رافق العبرانيّين طوال مسيرتهم في البرّيّة، كذلك المنّ. فقال سفر يشوع: »وفي اليوم الذي تلا الفصح، أكلوا من غلّة الأرض فطيرًا وفريكًا. ومنذ أن أكلوا من غلّة الأرض، انقطع عنهم المنّ« (يش 5: 11 - 12). في كلّ تلك الصعوبات، كان الله بقربهم. فلماذا يرتابون؟ لماذا يسألون: »هل الربّ معنا أم لا«؟ هو حقٌّا معنا. هو عمّانوئيل. وما قيل في الماضي إنّما قيل لتعليمنا. والشكوك قد تساورنا نحن أيضًا.

4 - بعد قليل يرجمونني

جاء الخبر في تقليدين اثنين. واحد يشدّد على مخافة الله التي غابت من هذا الشعب فخاصموا موسى، وجرّبوا الربّ. مثل هذا الموقف يعارض كلّ المعارضة مخافة الله. تلك التي عاشها مساكينُ الربّ، فألقوا همّهم عليه، وانتظروا أن يعتنبي بهم. وتقليد ثانٍ يعلن أنّ الله قريب من الإنسان، يمشي معه، يمشي مشيته، يعرف ضعفه والشرّ الذي فيه. أمّا العبرانيّون، فاعتبروا الله غائبًا. تركهم في هذه البرّيّة القاحلة يسيرون وحدهم. وهو لا يلاقيهم في نهاية الطريق. أمّا هذا الذي يحصل في وقت التجربة؟ يُروى عن تريزيا الأفيليّة أنّها عانت من تجربة طالت 16 سنة. ولمّا خرجت منها، ظنّت أنّها كانت وحدها تصارع. فسألت يسوع: أين كنتَ؟ فأجابها كنت معك. كنتُ أحارب وأساندك. فكيف يمكن للربّ أن يُرخي بنا الأيدي.

والمريض الذي يدوم مرضه وتكثر أوجاعه. هل نقول له: لا بأس. في النهاية ينتظرك الربّ وهو يجازيك الجزاء الحسن. وماذا يفعل هذا المريض »التعيس« بين الحاضر الذي يعيشه ونهاية حياته؟ هل يعتبر هذه الأيّام غير موجودة بحيث يتنكّر لها؟ وما معنى كلام الرسول: »كلّ شيء يؤول لخير الذين يحبّون الله«؟ الصحّة تؤول إلى الخير والمرض كذلك. الفشل يؤول إلى الخير، والنجاح أيضًا. ومضى أوغسطينس فقال: حتّى الخطيئة يمكن أن تكون لخيرنا إن عرفنا أن ننطلق منها في توبة صادقة، فنعود إلى الربّ من عمق شقائنا. على مثال ذلك الابن الذي ترك خنازيره وعاد إلى أبيه بعد أن صار وضعه إلى مثل هذا الدرك.

في وقت الشدّة، في وقت التجربة، قد يقبل المؤمن بوضعه، وينطلق. هذا يعني أنّه أخذ عواطف المرتّل: »الربّ يرشدني فأباركه وقلبي في الليالي دليلي« (مز 16:7). حتّى في الليل لا يخاف المؤمن. ويتابع النصّ فيقول: »الربّ أمامي كلّ حين، وعن يميني فلا أتزعزع« (آ 8). إذا كان الربّ يمسك بيدنا، فممّن نخاف. إن كان هو نورنا، فلا نستطيع أن نمشي في الظلمات. إن كان هو خلاصنا، فمن يستطيع أن يهلكنا؟ لا شيء. لا الشدّة، لا الضيق؟ لا الاضطهاد، لا الجوع، لا الويل، لا الخطر، لا السيف (روم 8:35). الربّ لا يتركنا. ولهذا ننتصر في هذه الشدائد كلّها.

وقد يرفض الإنسان وضعه. فيخاصم الله. ويخاصم من يتكلّم باسم الله. في أخفّ الحالات، لا يريد أن يسمع، هذا إذا لم يشتم، لم يجدّف. يكسر الطاولة، يمزّق الثياب. وفي النهاية، يريد الموت لمن حوله، لئلاّ يموت وحده. ماذا يقول هذا الرجل عن الله! كلامه تجديف. ولهذا يجب أن يُرجَم. هو رفض على مثال ما فعل أيّوب حين أراد أصدقاؤه أن يضعوا أمامه خطيئته الظاهرة، الخفيّة، قال لهم: »كم تُتعبني تعزيتُكم، أما للكلام الفارغ من نهاية؟« (16: 2-3). الحمد لله أنّه حافظ على بعض هدوئه فبان العنف الذي في قلبه بالكلام.

فالمريض، واليائس، والضائع، كلّ منهم يريد أن يصارع الله، أن يقاتله. لماذا أنا لا غيري؟ لماذا أوصلني الله إلى الحالة التي وصلتُ إليها؟ وهذا الإله لا يترك المتألّم يبلع ريقه، كما قال أيّوب. ويظنّ أنّ الله يلاحقه وكأنّه عدوّ له. لهذا، وبما أنّه لا يستطيع أن »يقتل الله« فهو يحاول أن »يرجم« كلّ من يدافع عن مصالح الله. لهذا كان التذمّر الدائم لدى العبرانيّين. لماذا أتيتم بنا إلى هذه البرّيّة؟ لماذا لم تتركونا نعيش في مصر، ولو في العبوديّة؟

ولكن الربّ يتابع الطريق. لا بدَّ من عبور الصحراء وإلاّ نموت. لا مكان للعودة إلى الوراء. فوراءنا البحر ونحن عبرناه بمعجزة من لدن الله. ولا مجال في البقاء في البرّيّة، والأخطار عديدة. فلا يبقى لكم سوى السير والسير، ولو أحسستم أنّكم تائهون، أنّكم لا ترون الهدف، بل سرابًا يخدعكم ويكذب عليكم وكأنّ الماء ينتظركم. وبما أنّ هؤلاء الخارجين من مصر رفضوا المخاطرة والدخول إلى أرض الموعد. قالوا: »يا ليتنا متنا في أرض مصر، أو في هذه البرّيّة!« (عد 14: 2). بما أنّهم تمنّوا الموت على مواصلة الطريق، كان لهم ما أرادوا. وكلّ الخارجين من مصر، ماتوا في البرّيّة. ما عدا يشوع وكالب.

الخاتمة

تلك كانت عاقبة تجربة الله. كان على العبرانيّين أن يختاروا بين الموت والحياة. ماذا اختاروا؟ شربوا الماء فانتعشت نفوسهم وما عادوا يشعرون بعطش الجسد. ولكن هناك ماء من نوع آخر. هكذا فعل معاصرو يسوع: عملوا للقوت الفاني، وتركوا القوت الباقي للحياة الأبديّة. رفاق موسى توقّفوا عند الماء المادّيّ، وما وصلوا إلى ذاك الذي لا يعطش من يشربه. وهكذا اختاروا الموت لا الحياة. فماذا نفعل نحن وقد كان ما كُتِب في الكتاب »نذيرًا لنا وعبرة، بعد أن انتهت إلينا أواخر الأزمنة«؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM