الضربة السابعة: البرَد
نتابع قراءة سفر الخروج. سفر العبور من أرض مصر بقيادة الربّ غير المنظورة وبقيادة موسى المنظورة. في الواقع هو الربّ الذي يفعل. والعنوان: الضربة السابعة، ضربة البرَد.
1 - النصّ الكتابيّ
وقال الربّ لموسى: »بكّر في الغد، وقفْ أمام فرعون وقل له: يقول لك إله العبرانيّين: أطلق شعبي ليعبدوني، وإلاّ فأنا في هذه المرّة أُنزل جميع ضرباتي عليك أنت وعلى رجالك وشعبك فتعرف أن لا نظير لي في الأرض. وإن كنتُ حتّى الآن لم أمدّ يدي وأضربك أنت وشعبك بالوباء لتزول من الأرض، فلأنّي أردتُ أن أُبقيك لترى قدرتي ويشتهر اسمي في كلّ الأرض. وما دمتَ تقاوم شعبي ولا تُطلقهم من بلادك، فسأُمطر غدًا في مثل هذا الوقت برَدًا عظيمًا ما عرفت مصر له مثيلاً من يوم تأسيسها إلى الآن، فأسرع واجمع مواشيك وكلّ ما لك في البريّة إلى الحظائر. فكلّ إنسان أو بهيمة في البريّة لا يلجأ إلى الحظائر، ينزل عليه البرد فيموت«. فكان أنّ الذين خافوا كلام الربّ من رجال فرعون، هربوا بعبيدهم ومواشيهم إلى البيوت. وأمّا الذين لم يبالوا بكلام الربّ، فتركوا عبيدهم ومواشيهم في البريّة (9: 13 - 21).
وقال الربّ لموسى: »مدّ يدك نحو السماء فينزل برَدٌ في جميع أرض مصر، على الناس والبهائم وأعشاب البريّة كلّها«. فمدّ موسى عصاه نحو السماء، فأرعد الربّ وأبرق نارًا جرت على الأرض، وأمطر الربّ بردًا، فكان البرد والنار بين البرد شيئًا عظيمًا، لم يكن له مثيلٌ في أرض مصر، منذ سكنها بشر. وضرب البرَد في جميع أرض مصر، كلّ ما في البريّة من الناس والبهائم والأعشاب، وكسر كلّ شجرة فيها. أمّا أرض جاسان التي فيها بنو إسرائيل فلم ينزل عليها البرد. فاستدعى فرعون موسى وهارون وقال لهما: »خطئتُ هذه المرّة أمام الربّ العادل، وأنا وشعبي أشرار. تشفّعا إلى الربّ أن يوقف الرعود والبَرَد، فأطلقكم من مصر ولا تقيمون فيها بعدُ«. فقال له موسى: »إذا خرجت من المدينة، أبسط يدي إلى الربّ فتتوقّف الرعود ولا ينزل البَرَد، لتعرف أنّ الأرض للربّ. أمّا أنت ورجالك، فأعرف أنّكم لا تخافون الربّ الإله بعد«. وكان البَرَد ضرب الكتّان والشعير لأنّ الشعير كان بعد سنبلاً والكتان بذرًا. وأمّا الحنطة والقطاني، فما تلفت لأنّها تتأخّر في النضوج.
وخرج موسى من عند فرعون ومن المدينة، وبسط يديه إلى الربّ، فتوقّفت الرعود والبَرَد، وما عاد المطر ينصبّ على الأرض. ولمّا رأى فرعون أنّ المطر توقّف والبَرَد والرعود أيضًا، عاد إلى خطيئته، فقسّى قلبه هو ورجاله، فلم يُطلق بني إسرائيل من مصر كما قال الربّ (آ 22 - 35).
2 - أقسام النصّ
هنا نستطيع أن نقسم النصّ أربعة أقسام:
l القسم الأوّل: كلام الربّ. الربّ يكلّم موسى، وموسى يكلّم الفرعون (9: 13 - 21).
l القسم الثاني: الربّ يطلب من موسى أن يفعل: ارفع عصاك وهذا يكفي. وأنا آمر هذه العصا وأُمطر البرَد (آ 22 - 26).
في القسم الأوّل، الربّ يكلّم موسى ليحمل كلامه إلى فرعون. في القسم الثاني، الربّ يأمر موسى أن يفعل.
l القسم الثالث (آ 27 - 32): فرعون يستدعي موسى وهارون، بعد أن رأى الخراب في بلاده.
l وأخيرًا نقرأ في آ 33 - 35 النتيجة: توقّفت الرعود، توقّف البَرَد. ولكنّ الفرعون لم يتوقّف عن معاندة ا؟، بل قسّى قلبه هو ورجاله.
3 - ضربة شاملة
ما نلاحظه هو أنّ الضربة تكبر شيئًا فشيئًا: الحيوان البسيط، الضفادع، البعوض. ثمّ تصيب الضربةُ البهائم بالوباء، ثمّ تصيب الناس بالقروح. وهنا يقول 9: 14: »في هذه المرّة أُنزل جميع ضرباتي عليك أنت وعلى رجالك وشعبك«. كأنّي بالضربة انتهت من البهائم والأعشاب والشجر، فوصلت إلى الملك وإلى الشعب كلّه. لهذا يقول النصّ في آية 25: »ضرب البرد في جميع أرض مصر، كلَّ ما في البريّة من الناس والبهائم والأعشاب، وكسّر كلّ شجرة«.
إذًا الدمار كامل، الخراب شامل في كلّ أرض مصر. وكما سبق وقلت لفظة »جميع« ترد مثلاً في 9: 25 لتدلّ على أنّ الربّ يريد أن ينبّه جميع الشعب: أنت ورجالك وشعبك جميعهم بدون تفرقة، يجب أن يتنبّهوا. وهم يتنبّهون حين يرون الضربة تحلّ في كلّ مكان، في كلّ شيء، في الأعشاب، في الأشجار وفي البهائم، في الحيوان وفي الناس.
وقال الربّ لموسى: »بكّرَ في الغد«. التبكير علامة الجدّ في العمل. والتبكير علامة الاستعداد في الطاعة. نتذكّر هنا إبراهيم عندما أراد أن يقدّم ابنه إسحاق: بكّر في الغد، وأخذ ابنه، وأخذ الغلامين معه. والربّ يتكلّم وكأنّه ملك يرسل أوامره إلى ملك آخر: افعل هذا وإن لم تفعل يصيبك الشرّ. وكما قلت إنّ الهدف نقرأه في 9: 14: »لتعرف أن لا نظير لي في الأرض«. كلّ آلهة المصريّين لا تساوي الإله الواحد.
في الآية 16 يبيّن الكاتب لماذا لم يضرب الربّ الملك فرعون والشعب بالوباء، كما ضرب البهائم بالضربة الخامسة. الجواب: »أردتُ أن أُبقيك لترى قدرتي ويشتهر اسمي في كلّ الأرض«. يعني الإنسان هو الذي يرى قدرة ا؟. لا الحيوان. الإنسان هو الذي ينشُد ا؟، الإنسان هو الذي يعرف اسم ا؟. لهذا السبب وجود الإنسان مهمّ جدٌّا، وهو يرفع الشجر، الأعشاب، البهائم، لتمجّد معه ا؟. ويقول النصّ ماذا سوف يعمل الربّ في آية 17.
3 - ا؟ قال ونفّذ
»أُمطر غدًا في مثل هذا الوقت«. كلّ مرّة يقول ماذا سيكون، يعني أنّ الربّ هو الذي يحدّد متى ينزل البرد، ومتى يتوقّف البرد. وكيف تكون الطاعة للربّ؟ تكون الطاعة في أمور بسيطة. إن لم يكن فرعون، فأقلّه رجاله بدأوا يعرفون أنّ هذه هي يد ا؟. ماذا يطلب منهم؟ »أسرع واجمع مواشيك وكلّ ما لك في البريّة إلى الحظائر«. يمكن أن يكون النهار مشمسًا. ولكن الربّ توعّد: غدًا في مثل هذا الوقت سيكون البَرَد. من طاعة صغيرة نستطيع أن نصل إلى طاعة كبيرة. ومن طاعة قصيرة النفس، نصل إلى طاعة ثابتة، مثمرة. إبدأوا أوّلاً واحفظوا نفوسكم من البَرَد، وأبعدوا كلّ بهيمة عن البَرَد.
»فكان الذين خافوا كلام الربّ من رجال فرعون هربوا بعبيدهم ومواشيهم إلى البيوت« (آ 20). هنا بدأت المخافة تفعل فعلها، لا في قلب فرعون بل في قلب رجال فرعون. خافوا كلام الربّ، خافوا على نفوسهم، خافوا على مواشيهم، وعلى عبيدهم. وسيقول موسى في 9: 30: »أعرفُ أنّكم لا تخافون الرب الإله بعد«. يعني لم تصلوا بعد إلى مستوى الشعب العبراني، الذي خاف ا؟ وحاول أن يعيش الوصايا: »أنا هو الربّ إلهك لا يكن لك إله غيري. لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ...«. الخوف عند رجال فرعون ليس من ا؟. فمخافة من ا؟ تصل بنا إلى المحبّة والطاعة. ولكنّه الخوف من ا؟، من ضربة ا؟، الخوف على نفوسهم وعلى مواشيهم. مثل هذا الخوف لا يدوم كثيرًا.
4 - الناس قسمان
ونرى كيف أنّ الناس انقسموا قسمين. قال الربّ: »أسرع واجمع مواشيك«. في الآية 20 هناك الذين خافوا كلام الربّ. وفي الآية 21 الذين لم يبالوا بكلام الربّ. يعني ما أرادوا أن يسمعوا صوت الربّ. أن يسمعوا لكلام الربّ، ذاك هو الوضع في كلّ مجتمعاتنا، في كنائسنا، في تجمّعاتنا. في كلّ مكان، هناك من يسمع، وهناك من لا يريد أن يسمع. فالذين لم يبالوا بكلام الربّ لم يتحرّكوا أبدًا، لم يفعلوا ما طلبه الربّ منهم. وهكذا جعل الربّ كلّ واحد أمام مسؤوليّاته. موسى طلب منه أن يبكّر في الغد وأن يقف أمام فرعون ويقول له ما يُمليه عليه. هل سمع هو ورجاله وشعبه؟ وطلب الربّ منهم: »احفظوا بهائمكم، احفظوا نفوسكم«. وكان الجواب مقسومًا إلى جوابين: هناك الذين خافوا كلام الربّ، وهناك الذين لم يبالوا بكلام الربّ.
قال الربّ لموسى: »مدّ يدك نحو السماء«. هي علامة الصلاة. نمدّ يدنا، نرفع أيدينا كما يقول المزمور: »إليك رفعت نفسي، وأرفع إليك يدي للصلاة«. إذًا موسى يصلّي. ما هو الذي يفعل، بل الربّ هو الذي يفعل. والوسيلة التي بها يفعل الربّ هي العصا، عصا الراعي. إن كان موسى هو الراعي لدى الكاهن يترو الذي تزوّج له ابنته، فالربّ هو راعي الرعاة، والعصا في يد موسى تدلّ على أنّ الربّ هو الراعي. قال الربّ: »مدّ يدك«. فمدّ موسى عصاه نحو السماء. بعد الصلاة العمل. يقول النصّ: سينزل برَد في جميع أرض مصر، على الناس والبهائم وأعشاب البرّيّة كلّها. أمر الربّ فنفّذ موسى، مدّ عصاه، حينئذ أرعد الربّ وأبرق نارًا جرت على الأرض. وأمطر الربّ برَدًا. إذًا ضربة بضربتين: ضربة أولى هي البَرَد. وضربة ثانية النار.
البَرَد مضرّ جدٌّا، لكن مع البَرَد كان هناك النار. النار يعني كانت صواعق، كانت حرائق بسبب الصواعق. لم يكن لها مثيل في أرض مصر منذ سكنها بشر. لا ننسَ أيضًا عمليّة التضخيم، ولماذا لم يكن لها مثيل؟ لأنّ الربّ هو الذي يفعل. لا نتوقّف عند النتيجة بل عند الفاعل؟ إذًا هذا الشيء لم يكن له مثيل في أرض مصر. يعني أنّ الذي فعله ليس له مثيل في أرض مصر، بل لا مثيل له في العالم كلّه.
5 - خطئت هذه المرّة
»أمّا أرض جاسان التي فيها بنو إسرائيل فلم ينزل عليها البَرَد«. يمكن أن يكون الأمر طبيعيٌّا، فينزل البَرَد هنا ولا ينزل هناك. ولكن ما أراد الكاتب أن يُبرز، هو أنّ الربّ ميّز بين أرض وأرض، ميّز بين شعب وشعب. الشعب الذي يعبد الإله الواحد والشعب الوثني. إذا كان هذا لا يتوب ويعود إلى الربّ، ويعرف أن لا نظير للربّ في الأرض، فهو سيزول زوالاً ويهلك هلاكًا.
أحسّ فرعون بالضربة، وسوف يُحسّ بها شيئًا فشيئًا حتّى يأتي المصريّون ورجاله وينبّهونه: إذا كنت أنت بخير فشعبك ليس بخير (آ 27).
»فاستدعى فرعون موسى وهارون وقال لهما: »خطئتُ هذه المرّة«
(آ 27). هي المرّة الاولى يعترف فرعون بخطيئته. هو اعتراف من أجل الشفاء لأنّه سوف يعود عن اعترافه وتوبته. هو اعتراف قصير النظر لكي ينجو من الضربة. أمّا الاعتراف الحقيقي بالخطيئة فهو الذي لا يكون باحثًا عن فائدة. »خطئت هذه المرّة«، قال فرعون: »الربّ عادل، وأنا وشعبي أشرار«. كان بإمكانه أن يقول أنا شرّير وشعبي يسير ورائي. ويتابع: »تشفّعا إلى الربّ أن يوقف الرعود والبَرَد فأُطلقكم من مصر ولا تقيمون فيها بعد«. يطلب إذًا الشفاعة، يطلب من موسى وهارون أن يتوسّلا إلى الربّ باسمه. موسى متأكّد. ما إن يرفع عصاه، ما إن يبسط يديه إلى الربّ حتّى تتوقّف البروق والرعود والبَرَد. وهذا ما حصل .
في الآية 33: »وخرج موسى من عند فرعون ومن المدينة، وبسط يديه إلى الربّ، فتوقّفت الرعود والبَرَد، وما عاد المطر ينصبّ على الأرض«. في هذه الآية الأخيرة نتذكّر الطوفان. وما عاد الربّ يصبّ على الأرض الطوفان.
في الفصول 6 - 8 من سفر التكوين، المطر هو علامة غضب ا؟، بعض المرّات وبخاصّة إذا رافقته الرعود والبرد وغيرها. غضب ا؟ يعني عقابه. توقّف غضب ا؟ يعني توقّف عقابه على فرعون. ولمّا رأى فرعون أنّ المطر توقّف، عاد إلى خطيئته.
»أنا خطئت«. وتعني عاد فرعون إلى خطيئته. لم تكن هذه التوبة طويلة المدى، بل كانت قصيرة. قسّى قلبه، هو مثل حبّة القمح التي أسرع الطير فأكلها قبل أن تنزل في الأرض. وهكذا فهمنا معنى هذه »الضربة«: خطئ فرعون، ولكنّه عاد إلى خطيئته، خطئ وتاب. ولكنّه عاد. والربّ سوف يعاود ضرباته أو علاماته، علّ الملك يعود إليه هو ورجاله وشعبه. آمين.