تقديم

سلسلةبين عهدوعهد

4

سفر الخروج

المحطّة الأولى

الخوري بولس الفغالي

2006

تقديم

سفر الخروج هو الثاني بعد سفر التكوين في إطار البنتاتوكس أو مجموعة الأدراج الخمسة التي ارتبطت بموسى. وصل بنا سفر التكوين إلى مصر، بعد أن جاء بيعقوب وأولاده السبعين من فلسطين، بسبب الجوع الذي سيطر في أماكن من الشرق.

عنوان الكتاب جاء من الترجمة اليونانيّة السبعينيّة، وقد دلَّ على مضمونه الأوّل: خروج بعض فئات من الناس من مصر، هربًا من العبوديّة والحياة القاسية في قلب النار والحديد. كان هؤلاء «الغرباء» يعملون في الطين، في التراب الأحمر، لتكوين لِبنات من أجل البناء، فلا حجارة في مصر. لهذا عمد المصريّون وما زالوا في الريف، يجبلون التراب لتكون لهم «حجارة» بدل الحجارة المقطوعة من الصخور. حياة قاسية صعبة، تخضع لرقباء أُخذوا من هؤلاء الأغراب، فيحاولون أن يُرضوا أسيادهم. أمّا المسخّرون المصريّون فيريدون أن يُرضوا سيّدهم الفرعون، الذي هو ربّ البيت الكبير، ربّ مصر، بكلِّ ما فيها من غنى.

الأغراب العائشون في مصر «مرتاحون». يكفي أنّهم يأكلون ويشربون، والسلطة راضية عنهم. هم يؤمّنون من «الحجارة« ما يُطلب منهم، ولا يستعدّون أن يسيروا وراء من ينغّص عيشهم، ولو أراد أن يخلّصهم. فالخروج من العبوديّة أمرٌ صعب. والقيود الثقيلة مقبولة بعد أن اعتادت الرِجلان عليها. لهذا، حين كلّمهم موسى، ثاروا عليه، وقالوا له ولهارون: «الربّ يرى ويحكم عليكم! لماذا أكدرتُما سمعتنا عند فرعون ورجاله؟ أعطيتماهم حجّة ليقتلونا» (5: 21).

الإنسان يرضى بالعبوديّة، شرط أن يأكل. ففي قلب البرّيّة والحرّيّة الكاملة، لبث الخارجون من مصر، يطلبون السمك واللحم والثوم والبصل. وكان الصراع كبيرًا بينهم وبين موسى. وتحمّلَهم من دُعيَ كليم الله. وحاول أن يؤمّن لهم الطعام والشراب بقدرة الله. ولكنّ الحياة في البرّيّة ليست بالسهلة. هناك تعرٍّ من كلّ ما يملك الإنسان. هناك تجرّد ممّا نحسبه سندًا لنا. سيّدنا هو ملكنا، هو مخلّصنا. ونحن في ظلّه نعيش، عندئذ يصبح الإنسان شبيهًا بالحيوان، يضع عينيه في الأرض ويمشي ويعمل ولا يزال. هذا إذا لم توضَع على عينيه «طمّاشة» توجّهه كما تشاء. حينئذ لا يحقّ له أن ينظر إلى ما حوله. بل فقط إلى الأمام. وهي وجهة معيّنة، محصورة.

ولكن، إن كان الإنسان يرضى بوضعه وكأنّ القدر هيّأه له، فالله لا يرضى. هو خلقنا وميّزنا عن الحيوان. خلقنا على صورته ومثاله. أعطانا العقل، الفهم، الحرّيّة، الإرادة. يكفي أن تستعبدنا الخطيئة والشرّ الذي فينا. فكيف نطلب أيضًا عبوديّة من نوع آخر؟ لهذا اختار موسى. هو كان حرٌّا، لأنّه ابن ملك. هو لا يقبل بالظلم. لهذا قتل الظالم. هو لا يحبّ الخصومة، لهذا أراد أن يصالح بين الأخوين اللذين رفضاه عليهما «رئيسًا وحاكمًا» (2: 14).

وانطلق ذاك الذي سيُدعَى المحرِّر فيما بعد. لا في البداية، وهذا أمرٌ طبيعيّ. أعلن أنّ الله أرسله. ولكن من يُثبت صدق كلامه؟ حضوره، أعماله، كلامه، شجاعته أمام الصعوبات. جلَده في تلك البرّيّة القاحلة. طول أناته مع أناس سوف ينتظرون طويلاً قبل أن يقتنعوا. وسوف ننتظر عبور البحر الأحمر لنسمع الكتاب يقول: «... فخافوا الربّ، وآمنوا بالربّ وبموسى عبده» (14: 31).

ونحن ننطلق في هذه المحطّة الأولى، التي فيها بدأ فرعون يتراجع شيئًا فشيئًا، وموسى يسيطر على الوضع، باسم الربّ.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM